* الفصل السادس عشر *

222 38 0
                                    

-مش احسن من قاعدة الاوضة
قالها برفق، فنظرت له بقهر، ولم تجيب، فأضاف هو:
-حبيبتي انا عارف انك خايفة، بس انا عايزك تبقى اقوى من كدة.. دي حاجة بسيطة، وبإذن الله هتقومي منها زي الفل
-عملية! تبقى حاجة بسيطة؟!
-انا جنبك ما تخفيش
انفجرت في تلك اللحظة في البكاء دون وعي، فجذبها إلى أحضانه، وضمها بقوة وهو يبكي معها عنوة عنه، ولم يستطع منع دموعه من الانهمار.. بالفعل قلبه ملتاع، فهو لا يتحمل أن يراها هكذا، ولا يتحمل أيضًا أن يتركها وينتظرها وهو لا يعلم سوف تعود له مجددًا او لا!، ولكنه مُجبر على تسليمها وانتظارها تحت الأمل في رحمة الله.
لفت انتباههما بعد دقائق صوت أحد الممرضات، تنادي باسمها من مكان قريب لهما، فلتها من بين أحضانه وهو ينظر لهذه الممرضة ويجيب:
-ايوة يا انسه؟
-ميعاد التحليل يا استاذ، وعاوزين نقيس الضغط
-حاضر، هنيجي وراكي على طول
اومأت الممرضة وذهبت على الفور، ثم نظر هو لها وتحدث بحنان:
-يالا يا روحي نطلع عشان نعمل التحليل، ويشوفوا ضغطك ويظبطوه؟
أومأت بحزن، فابتسم هو محاولاً التخفيف عنها، ثم قبض على كفها باحتواء، واصطحابها لداخل مبنى المشفى، وثم إلى غرفتها حتى تأتي لها أحد الممرضات، وتقوم بعمل كل ما يلزم.
* * * *
-مبسوط ولا لا؟
وجهت عنان تلك الجملة لمصطفى، الذي نظر لها بجمود قائلاً:
-عادي
ابتسمت ابتسامة باردة، ثم تحدثت:
-خلاص انا مش هضغط عليك اكتر من كده النهار ده.. هسيبك ترتاح
لم يجيبها، فربتت على ظهره بحنو وهي تسير بجواره ببطء قائلة:
-يالا بينا نطلع اوضتك
سارا الاثنان حتى وصلا إلى غرفته، وبعدما تأكدت عنان من استقراره في فراشه، خرجت من غرفته وأغلقت الباب خلفها، وذهبت إلى مكتبها.
* * * *
في ظهر اليوم التالي.. في مكتب العميد "غيث"، قطع احبال افكاره وهو ينفث دخان سيجارته، صوت دقات باب المكتب، وبعدما سمح للعسكري بالدخول، أبلغه بوجود "حسام" في الخارج، وثم سمح له بالدخول بعدما أمره غيث بذلك.
جلس حسام فوق المقعد المقابل لمكتب غيث بعدما اغلق باب المكتب، وصافح غيث بحرارة.
وضع امامه الملف الذي يحمله، وتحدث بارتياح يبدو واضحًا على وجهه:
-تقرير تحليل العينة يا فندم
أجابه غيث في تلك اللحظة بانتباه:
-ها؟ في ايه؟
-سلبي
قالها بانشراح، فنظر له غيث نظرة ذات مغزى لما لاحظه عليه، ولكنه أيضًا شعر بالارتياح هو الاخر، حيث من الممكن ان يخرج عنان من دائرة الشك التي لا يعرف لها زاوية محددة.
بعد لحظات صمت تحدث بحماسة:
-كويس.. كده هنبدأ ناخد عينات من اللي شاغلين في الشركة
قالها ونهض، وقبل أن يرد حسام عليه أضاف هو:
-انا هروح الشركة دي النهار ده
-ليه يا فندم؟
قالها حسام باستفسار، فأجاب غيث:
-عايز اشوف وضعهم، عايز اشوف شغلهم ماشي ازاي، كل واحد فيهم باين عليه حاجه ولا لا؟ وعاوز كمان اخد ملف بكل اساميهم عشان ابدأ بيهم واحد واحد
-تمام.. طب محتاجني معاك ولا حاجة؟
-لا يا حسام، كتر خيرك.. انا هشوف الموضوع ده وهبقى اكلمك عشان ناخد العينات
-خلاص تمام
قالها حسام وهو ينهض، وغيث يلتقط سترته من فوق ظهر مقعده، ثم صافحه حسام واستأذن منه بالخروج، وعلى الفور غادر المكتب، ثم القسم.
ارتدى غيث سترته، ووضع طبنجته في جرابها المعلق بحزام يرتديه تحت سترته، ثم التقط علبة سجائرة وقداحته وهاتفه المحمول من فوق المكتب ووضعهم في جيوب سترته، واخذ مفاتيح سيارته، وخرج من مكتبه في الحال، متجهًا إلى سيارته الواقفة امام القسم.
* * * *
وصل غيث شركة الأدوية، وبعدما مر بين كثير من الأقسام بحجة السؤال عن مدير الشركة، بينما السبب الأساسي غير ذلك، فكان يريد مشاهدة الموظفين بالشركة في شكلهم الطبيعي دون الوقوف أمام أحد الضباط ليأخذ منهم أقوال في قضية جنائية!.
صعد إلى مكتب أحد المديرين بعدما انتهى من جولته.. فتح أزرار سترته وجلس فوق المقعد المقابل لمكتبه بعد مصافحة وتحية طالت بينهما لحظات، ثم تحدث بجدية:
-انا محتاج اخد عينات من موظفين الشركة، بخصوص قضية "عاصم زهران"، وهبدأ بالقسم اللي كان شغال فيه، فبستأذن حضرتك في ملف يكون في أسماء كل اللي شغالين في القسم ده، وتقرير عنهم بارقام تليفوناتهم وعناوينهم ووظيفتهم في الشركة
ظل المدير صامتًا يستمع له، وبعد لحظات تحدث:
-بس الموضوع ده هيأخد وقت
-قد ايه يعني؟
قالها غيث باستفهام، فأجاب هو بتفكير:
-بص هو محتاج وقت يوم مثلاً، بس انا عشان حضرتك هحاول اجيب كل الملفات في وقت قصير، بس حضرتك هتستناني ساعة كده.. ينفع؟
هم غيث من مقعده واقفًا في ذلك الوقت، وقال:
-ما فيش مشكلة.. هشوف مشاويري، وهعدي عليك بعد ساعة
-وانا هكون جاهز يا غيث بيه
نهض هو الأخر وصافحه، وبعدها غادر غيث المكتب، واتجه إلى خارج الشركة، رامقًا الموظفين بجمود حتى خرج.
دلف سيارته بهدوء، وقبل أن يدير المحرك سمع رنين هاتفه، اخرجه من جيبه، وأجاب عندما شاهد رقم "عنان":
-ايوة يا انسة عنان
أتاه صوت عنان قائلة:
-ازي حضرتك يا فندم.. اسفة لو بزعجك.. بس الدكتور حسام كان قالي لما روحنا المعمل ان احتمال النتيجه تطلع بعد يوم ونص او اتنين، فحبيت اعرف طلعت ولا لسه؟
-اطمني يا انسة عنان، الدكتور حسام جاب لي التقرير النهار ده الصبح، والنتيجة سلبية
بدت السعادة في صوت عنان، وبعد وقت قليل من حديثهما انتهت المكالمة، واغلق غيث هاتفه وادار المحرك على الفور، وشرع في السير.
* * * *
-طمني بقى
قالتها بقلق، فأجابها بابتسامة:
-ما تقلقيش يا حبيبتي خير
-طب انت جيبته ولا لا؟ مش انت قولت لي في التليفون ان النتيجة طلعت
-آه يا روحي طلعت، وجبتها
اقترب منها فور انتهاء جملته، ووضع كفه على كتفها، وهي تتحدث برجفة وتوجس:
-طب وحياتي عندك طمني، قلبي هيقف
-ما تخافيش يا حبيبتي والله، خير
قالها ببشاشة ليطمئنها، فبدى الأطمئنان على وجهها بعض الشيء، وهي ترجوه يتحدث، فقال برعشة في صوته:
-بصي.. هو في ورم في المعدة فعلاً.. بس حميد، الحمد لله
اتسعت عينيها بصدمة، ولم تجيب، ولم تنتظر حتى يكمل جملته، وعلى الفور سقطت مغشيًا عليها.
* * * *
-ادخل
قالتها عنان بصوت مرتفع، حتى يصل لمن يدق باب مكتبها.
فُتح الباب ودلفت إلى المكتب سيدة في أواخر العقد الثالث من عمرها.. اغلقت الباب، ونظرت حيث تجلس عنان وتحدثت:
-دكتورة عنان ازي حضرتك.. انا والدة معاذ
-عارفة طبعًا يا مدام.. اتفضلي
قالتها عنان مشيرة لها بالجلوس على المقعد المقابل لمكتبها.
اقتربت تلك السيدة من المقعد، ثم هتفت وهي تجلس:
-انا جيت لحضرتك مرتين وكنتي مش موجودة.. الحمد لله اني لقيت حضرتك النهار ده
-تحت امرك
نطقتها عنان بابتسامة، فأضافت هي:
-انا عايزة اطمن على معاذ، وعايزة اشوفه
وضعت عنان أحدى ساقيها فوق الأخرى، واقتربت من المكتب، وتنهدت ثم قالت:
-معاذ.. انا بصراحة مش هكذب عليكِ.. معاذ تعبان بجد...
* * * *
وصل "غيث" إلى شركة الأدوية، بعد أكثر من ساعة.
صعد إلى مكتب المدير، وبعدما استقبله بترحيب وطلب له القهوة، بدءا يتبادلان اطراف الحديث:
-ده ورق موظفين القسم كله بتاع "عاصم" الله يرحمه
قالها المدير وهو يضع كفيه فوق ملف موضوع فوق مكتبه، فاومأ له غيث بفهم، وهو يواصل حديثه.. فتح الملف وبدأ في الحديث عن كلٌ منهُم، وكلما تحدث عن أحدهم وضع تقريره أمام غيث، حتى وصل إلى أحد التقارير فتحدث بجدية ونظرات أسف وشفقة في عينيه:
-وده بقى "رامز ضرغام"...
....

#بسمه_ممدوح

جريمة ضد مجهول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن