* الفصل الثامن *

275 39 0
                                    

-حمد الله على السلامة يا دكتورة
قالها أحد أمن المشفى التي تعمل بها "عنان" لها عندما وصلت، فأجابت بابتسامة باردة:
-الله يسلمك يا عم محمد
رد بحُزن:
-الباقية في حياتك يا دكتورة.. زعلنا اوي والله العظيم.. شدي حيلك
-حياتك الباقية يا عم محمد
تركته وهي تجيبه، واتجهت إلى المبنى الخاص بقسم "الطب النفسي الحيوي" الذي تعمل به بالمشفى، حيث كان تخصصها "Biological psychiatry" الطب النفسي البيولوجي.
صعدت درج المبنى، وفور وصولها انهالت عليها السلامات، والترحيبات، وكلمات التعزية، والقلق:
-اتصلنا بيكي كتير يا عنان مش بتردي.. قلقتينا عليكِ
قالتها "كندا" صديقة عنان بلهفة، فأجابتها عنان بوجه شاحب، وصوت خافت:
-معلش ما كنتش قادرة أرد على حد
-طب انا روحت لك مرة ما حدش فتح لي.. قولت يمكن قاعدة عند حد من قرايبك ولا حاجة
اجابتها وهي متجهة إلى مكتبها:
-مش قاعدة عند حد يا كندا.. يمكن جيتي وانا في القسم ولا حاجة
-طب انتِ كويسة؟
قالتها كندا بلهفة، وقلق، فأجابتها عنان:
-كويسة ما تخافيش
نطقتها وهي تقف أمام غرفة مكتبها وتنظر لكندا، وتضيف:
-انا هدخل بقى اشوف شغلي
تركتها، ودلفت إلى المكتب.. وضعت حقيبتها فوق المكتب الخشبي المقابل لباب الغرفة، وجلست فوق المقعد الساكن خلفه، ورفعت سماعة الهاتف الموضوع فوق المكتب يسارها، وطلبت رقمًا ما، ثم تحدثت:
-هات لي قهوة مظبوط على مكتبي، وما تتأخرش
انهت طلبها وأعادت السماعة فوق الهاتف، ثم فتحت أحد ادراج المكتب، وأخرجت منه بعض الملفات، وشرعت في تفحصها واحدة تلو الأخرى.
                             * * * *
وصل غيث القسم.. صعد إلى مكتبه لينتظر فيه بعدما أمر بتجهيز قوة للسفر معه.
جلس فوق مقعده خلف مكتبه متفحصًا ملف القضية بتمعن، وبعد وقت قليل بتر تركيزه صوت رنين هاتفه.. ترك ملف القضية، والتقط هاتفه من فوق المكتب، وأجاب على المتصل:
-ازيك يا حسام
تبادلا السلامات، ومن ثم تحدث حسام بتساؤل:
-هتخلص امتى موضوع التحقيق مع اهل عاصم يا غيث بيه عشان ناخد العينات؟
-انا شوية كدة ومسافر بإذن الله
-اخدت إذن النيابة؟
قالها باستفسار فأجاب غيث:
-ايوة.. لسه واصل من النيابة من شوية، واخدته
-طب كويس.. حاول ما تتأخرش يا غيث بيه ارجوك
-ما تقلقش يا حسام.. إن شاء الله خير
انها الاثنان المكالمة، واغلق "غيث" هاتفه في تعجب، وما لبث إلا وجاءته مكالمة أخرى على هاتف المكتب مُعلِن بها أحد الضباط أن القوة في الاستعداد للسفر، وبالفعل نهض غيث على الفور ممسكًا بسترته وهو يلتقط هاتفه، وطبنجته، ويركض خارجًا من المكتب متجهًا لسيارة الشرطة خارج القسم.
                            * * * *
-وانت مهتم اوي كدة ليه بالقضية دي!
زفر "حسام" دخان سيجارته، ثم دهسها داخل المطفأة، ونهض من فوق مقعد مكتبه متجهًا للأريكة التي يجلس فوقها "فادي" صديقه الذي نطق بتلك الجملة، وجلس بجواره واضعًا أحدى ساقيه فوق الأخرى وهو يجيب بسخرية:
-وانت ايه مشكلتك؟
تعجب من رده، فأجاب:
-عايز أعرف من امتى!
-عادي
نطقها وهو يستلقي برأسه فوق ظهر الأريكة ناظراً لسقف الغرفة، فضحك فادى، وهتف بتعجب:
-انت غريب!
-خليك في حالك اخويا
قالها بمزح، وثم نظر له وهو ما زال واضعًا رأسه فوق ظهر الأريكة، وقال:
-هو الواحد لما بيتخنق من مراته بيعمل ايه؟
-بيطلقها
-طب واللي بيتخنق من صاحبه؟
قهقه الاثنان، ثم سحب حسام نفسًا طويلًا لرئتيه، وتنهد قائلًا:
-بجد بقى.. اللي مش عايز يكمل مع مراته يعمل ايه؟
-انت بتتكلم بجد بقى!
قالها فادي بصدمة، فأجاب حسام بضيق:
-بجد جدًا.. انا خلاص مش قادر اكمل فعلًا
-انتوا ما فيش بينكم اولاد صح؟
أومأ حسام بنعم دون أن يتفوه بكلمة، فواصل فادي:
-خلاص طلقها...
                            * * * *
انتهت من ارتشاف قهوتها، ثم رفعت سماعة الهاتف طالبة رقمًا ما، وانتظرت حتى سمعت صوت يأتيها من السماعة:
-ألو
-بقولك ايه يا كندا.. هو مين كان متابع حالاتي وانا غايبة؟
-دكتور نسيم.. بس ما تقلقيش يعني ولا قدم ولا أخر
-يعني أيه؟
قالتها بعدم فهم، فأجابت كندا:
-يعني حالاتك زي ما هي يا عنان.. ما اتقدمش معاهم ولا عمل حاجة مفيدة
استمرت المكالمة لثواني، وبعدما انتهت أعادت "عنان" السماعة لموضعها، ثم همت بالوقوف وهى ممسكة بأحد ملفات حالاتها، وخرجت من مكتبها متجهة نحو غرفة الحالة.
طرقت الباب طرقتان، ثم فتحته، ودلفت إلى الغرفة وهي تغلق الباب خلفها، وتسير نحو فراش المريضة وتتحدث:
-صباح الخير على عيون القمر
نظرت لها المريضة دون اجابة، فأضافت عنان:
-عاملة ايه النهار ده يا رنا؟
انهت جملتها وهي ترفع أحد المقاعد من موضعه لتضعه بجانب فراش "رنا"، وتجلس عليه، وهي تواصل:
-مش ناوية تتكلمي معايا بقي؟
                            * * * *
يجفف لها دموعها برفق وهو يهتف بصوت خفيض؛ كي تهدأ:
-أهدي يا روحي.. طب فهميني مالك؟
-خايفة
-خايفة من ايه بس.. من الامتحان؟
-مش عارفة
-مش انتِ حليتي كويس طيب؟
اومأت بنعم، ثم ازدادت اكثر في البكاء.. ضمها إلى صدره بهدوء قائلًا بحنان:
-والله عمري ما هسيبك، او ابعد عنك
نظرت له بحزن، وتمني، فواصل:
-انا عارف ان من وقت ما مامتك اتوفت، وانتِ خايفة من الفراق خصوصًا انك ما كنش ليكي غيرها
ازداد بكائها أكثر، فأضاف:
-مامتك بقالها شهور متوفيه.. حاولي تنسي بقى.. طب اقولك حاجه حلوة؟
نظرت له بلهفة، وتساؤل، فابتسم قائلًا:
-انا مش هسيبك، ومش هيفرق بينا غير الموت.. عمري ما هسيبك لوحدك
انهارت عند سماعها كلمة "الموت" فضمها إليه أكثر وهو يربت على شعرها، وظهرها بحنان، واحتواء حتى غابت في النوم بين أحضانه.
                            * * * *
-يا حبيبتي عايزة أسمعك
قالتها "عنان" وهي تربت على كتف "رنا"، فلمحت في عينيها نظرة قهر جعلتها تتحدث بشفقة:
-ليه النظرة دي بس.. ايه اللي وجعك اوي كده.. موت اخوكِ؟
في تلك اللحظة تحدثت "رنا" لأول مرة بصوت مبحوح:
-ما ماتش
-ازاي؟
-بيقعد معايا كل يوم
-طب وبيقول لك ايه؟
-ما بيقولش...
صمتت لحظات، ثم واصلت:
-انا زعلانة منه.. زعلانة منه اوي عشان مش بيكلمني
-طب وهو مش بيكلمك ليه؟
-ما اعرفش
نظرت لها عنان بحزن، وقبل أن تتحدث قاطعتها "رنا" قائلة:
-انا ما عملتش حاجة تزعله.. انا بحبه اوي
-طب أقولك حاجة؟
قالتها عنان بشفقة محاولة مواساتها حتى لا تصمت ثانية، حيث كانت هذه هي المرة الأولى التي تتحدث بها منذ أكثر من أسبوعين كاملين فور وفاة شقيقها التوأم.. نظرت لها رنا بترقب، واومأت بالموافقة، فأضافت عنان:
-انا كمان لسه خطيبي متوفي، وسابني لوحدي، وأنا ما ليش غيره
صمتت، ثم نظرت رنا للأسفل بحزن، وبعد ثواني عاودت النظر لها قائلة بشرود:
-وبيجي يقعد معاكي برضه، ومش بيكلمك؟
                             * * * *
وصل "غيث" ومن معه إلى محافظة "دمنهور" بعد ساعتان من موعد تحركهم.
اتجهوا إلى عنوان اقارب "عاصم"، وبعد السؤال عن منزلهم بالتحديد، وصلوا إليه.. نزل غيث ومن معه، واتجهوا إلى باب المنزل.. طرق أحد العساكر الباب بقوة عدة طرقات سريعة.. فُتحَ الباب على الفور و...
......

#بسمه_ممدوح

جريمة ضد مجهول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن