نستمرُ في هبُوط الطرِيق عبر الغابات الكثِيفة،وأخيرًا نتوقفيركُن جِيمين السيارة ويترك المُحرك شغالًا،ثُم يواصل القيادة في طَريق أُخرى وعرة حتى نصل إلى فُسحة في نهايته،يُوقف جِيمين السيارة ويُطلق تنهيدة عمَيقة ويُريح شعره إلى الوراء بِكلتا يَديه .. مَا زال جذابًا
يُوقف المُحرّك ويرفع فرامل اليّد تُواصل مروحة المُبرد هديرها بسبب سخونة المُحرّك ويتصاعد البُخار مِن الغطاء ولكن حِين يصمَت المُحرّك نشعر بالسكُون الرهيب حولنا،أسمَع صوت جَدول قريب والرياح في الأعالي تُهدر بِرمزيه
أفتح باب السيارة وأخطو خارجًا فأشعرُ بلسع البرد أرفع بالكامَل سحّاب السُتره التي أرتديها فوق الكنزة الخفيِفة
أمامُنا بناء صغير .. أو كُوخ خشبي،الظلام شديد فلا أرى شيئًا مُجرد كيان مُبهم وراءه غابةيدخُل جِيمين إلى الداخل ويُشعل عود ثِقاب ويُضيء مَصباحًا ثُم يخرج إلى الشُرفة وهو يحمل مُعلنًا
" أهلًا بك في منزلي " يبدو المَشهد بِرُمته شبيهًا بّالرُسومَات القديمة ..أصعد السلم وأدخل إلى الداخل،يُشغل جِيمين مَصباحًا أكبر يتدلى مِن السُقف
الكُوخ عِبارة عن حُجرة كبيرة تُشابه الصندوق وحصيرة يائسة وقطع أثاث رثه مُتناثرة،وثمَة أيضًا رفّان مُلئت بِكُتب ذات أغلفه بُلِيت مِن كثرة قراءتها وخِزانة مَلابس صغيرة ومطبخ مُتواضع ولكن لا صنبور وإنما دلو ! أشعر كمَا لو أنني أعيش في العصر القديمَ
[ أخي بنى هذا الكُوخ بِمُفردة،كنت مَا أزالُ صغيرًا حينها وساعدته قليلًا مُراعيًا ألا أؤذي نفسي إنهُ كُوخ بدائي لا كهرباي ولا مَاء ]
[ لا بأس ]
أُزيح ستارة النافذة فلا أجد سوى جِدار من الظلام الدامس
[ عِندمًا كنت في مِثل سنك بالضبط ]
يقول جِيمين وهُو يضع أكياس الشاي الأسود في الأبريق
[ كُنت آتي كثيرًا وأعيش وحدي،لا أتحدث مع أحد ولا أرى أحدًا .. كان أخي يُجبرني تقريبًا على هذا عادة لا أحد يفعل هذا بِشخص مُصاب بمرضي،إذ مِن الخطر جدًا على المُصاب بأن يتواجد في مَكان مُنعزل لكن أخي لم يُقلقه هذا ]
يستند على الجِدار وينتظر غليان المَاء ثُم يكمَل
[ لم يكن أن يقسو علي أو مَا شابه،بل كان يعتقد أنني بِحاجة إلى ذلك .. وعندمًا أُفكر بالأمر أجدها تجربة مُفيدة أي أنني كُنت فعلًا مُحتاجًا إليها،إستطعت أن أقرأ كثيرًا وأتأمَل أشياء كثيره،أقول لك الحق بعد فترة مُعينه؛كُنت نادرًا مَا أذهب إلى المَدرسة بيني وبينها كراهية مُتبادلة إذ كُنت مُختلفًا عن الآخرين لكنهم سمحوا لي بالتخرج مِن الأعدادية،وبعدها إعتمدتُ على نفسي كُليًا مِثلك تمامًا،هل أخبرتك بِهذا مِن قبل؟ ]
أهزّ رأسي ثُم أقول
[ ولهذا أنت كريم مَعي؟ ]
[ هذا جُزء بسيط مِن السبب ]
يقول،ويصمت قليلًا ثُم يُضيف
[ ولكنه ليس السبب كُله ]
يُناولي كوب الشاي ويرشف مِن كُوبه،ينظر جِيمين إلى ساعته ثُم يقول
[ مِن الأفضل أن أنطلق الآن،لذلك دعني أُعطيك الإرشادات
- هُناك جدول مَاء على مقربه من هُنا
- وهُناك حطب للنار خلف الكُوخ لإشعال الموقد إذا شعرت بالبّرد
- إذا أحتجت إلى أي أدوات أبحث عنها في مخزن الأدوات في الخلف
- يُمكنك أن تلبس مَا شئت من ملابس أخي وملابسي أيضًا ]يخبطُ جِيمين يده على ساقه ويُلقي نظرة أخيرة على الكُوخ ثُم يقول
[ بالتأكيد ليس بوابة رُومنسية،ومع هذا فهو ينفع للحياة يتبقى شيء واحد عليّ أن أُحذرك بشأنه،لاتذهب بعيدًا في الغابة إنها كثيفة وليس فيها دُروب للمرور أيضًا عندمًا تتنزه أبقي نظرك على الكُوخ دائمًا وإلا فسوف تظل بسهولة ]
أحفظ هذا في دمَاغي للرجُوع إليه وقت الحاجة
ثُم أكمَل بعدها
[ لا تذهب بعيدًا في الجبال أيضًا،إلا بالطبع في الحالات الطارئه فالمنازل الأُخرى بعيده جدًا .. وعمُومًا سأعود خلال يُوميِن لأخذك،لديك هُنا مَا يكفي مِن الطعام أيضًا رقمَك معي صحيح؟ ]
[ أجل ]
يبتسم إبتسامة عريضة
[ الأرسال لا يصل إلى هُنا وللراديو أيضًا .. أنت في عزلة تامة عن العالم ]
يصعد جِيمين إلى سيارته ويُضيء كشافاتها،يرجع إلى الوراء ثُم يستدير لِيواجه الطريق ويُلوّح لي مودعًا فأرد عليه بالمَثل تختفي أضواء السيارة في الظلام ثم يختفي هدير المُحرّك .. ويسود بعدها صمَت الغابة
أعود إلى الكُوخ وأُغلق الباب مِن الداخل وأتأكد مِن إغلاقه جيدًا
ومَا إن أُصبح وحدي حتى يلّفني الصمَت كما لو كان في إنتظاري،هَواء الليِل بارد جدًا،ذهني مِشوش بعض الشيء مِن قلة النوم،وعضلاتي مَشدودة مِن إهتزاز السيارة
أُطفى المِصباح فتُعتم الغرفة وتتكثّف الظلال في الزوايا،سيكون عناء أن أنهض وأُبدل ملابسي .. فأنسلُ داخل حقيبة النوم بالجينز والسُتره
أُغمَض عينيّ فلا يأتيني النوم،جسدي يتوسل الراحة بينمًا عقلي صاح كُليًا .. بين آونه وأُخرى يكسر طائر صمَت الليل،وتصلُني أصوات أُخرى لا أستطيع تَحدِيدها،صوت دوس على أوراق الشجر الجافة،شيء ثقيل يهزُ الأغصان،صوت تنَفَس ثقيِل،صرير ألواح أرضية الشرُفة،أصوات توحي كما لو أن جيشًا مِن المَخلوقات الخفية تتكاثر في العُتمة وتتجه نحو الكوخ لِتُحاصرني.
———————————————————————
إنتهى.
أنت تقرأ
𝐋𝐢𝐛𝐫𝐚𝐫𝐲 | 𝐘.𝐌
Romance- سأهرَبُ مَنّ البيَتُ عندما أبلَّغُ الثامنة عشْر. . . بدأت | 7 مارس : 2019 إنتهت | 24 يُونيو : 2020