الفصل التاسع

11.1K 383 7
                                    

الجزء الأول
مر ضعف الوقت الذي حدده لها لتبدل فيه ملابسها ، و مع ذلك يجلس على أحد المقاعد بهدوء حيث أنه لا يرغب في زيادة خجلها أكثر .. على الرغم من أنه يمتعه إلا أنه يشفق عليها .
صدح صوت رنين جرس شقته ليعقد حاجبيه باستغراب ، فمَن هذا الذي سيأتيه في هذا الوقت و اليوم !
نهض ليرى مَن الطارق بكسل و بداخله يتوعد لو كان شقيقه جاء ليستفزه ..
فتح الباب فلم يجد أحداً أمامه !..، التفت يميناً و يساراً ليجد الطابق خالي تماماً !
لفت نظره بوكيه من ورود الجوري موضوع أمام الشقة ، فالتقطها و هو يخمن أنها من إحدى الأصدقاء لتهنئتهم ، و مع ذلك ينتقض أن يبعثها لهما في هذا الوقت ..
التقط البطاقة التي كانت تسكن وسط الباقة ، لتتحول ملامحه إلى الغضب و هو يرى المكتوب بها
( لا تنسى أننى أول مَن حصلت عليها و استمتعت بها ، و مهما فعلت سأكون أنا أول رجل في حياتها ..
و لم تنتهي الحرب بيننا بعد .. لا زال هناك العديد من الجولات !
و سنرى من سيضحك في النهاية ..
تحياتي إلى من سكنت القلب و تربعت على عرشه هبه ..
حبيبها مصطفى . )
ضغط على الكارت بغضب ليحمل الباقة بعنف ، و يتجه إلى الشرفة ملقياً إياها بإهمال تبعها بتمزيق الكارت و إلقاءه و قد أقسم ألا يحقق لمصطفى غرضه و يعكر ليلته بسببه ..
عاد للداخل ليجد باب الغرفه يُفتح بهدوء و تطل هبه من خلفه بأبهى صورها ، مرر نظراته عليها بإعجاب واضح لترمش هي بعينيها بخجل :
" إسلام لا تنظر لي بهذه الطريقة " .
هتف ببرائة و نظراته تكاد تأكلها : " أية طريقة ؟ "
" أنت تعلم " .
قهقه باستمتاع و اقترب منها ببطء زاد من توترها لتتراجع إلى الخلف حتى التصقت بالحائط ..
ضجيج أحاط بها فلم تعد تسمع إلا صوت نبضات قلبها الهادرة داخل صدرها ، حرارة جسدها تزداد حتى ظهرت بعض حبات العرق على جبينها ، و مع ذلك هو لم يرحمها :
" هل تشعرين بالحر ؟ ، مع أن الحرارة جيدة " .
لم تجد أمامها سوى تحريك رأسها بالنفي ، فابتسم هو و اقترب منها أكثر ، رفعت يدها مشكلة حاجز بينهما مانعة إياه من التقدم أكثر :
" إسلام ماذا ستفعل ؟ "
حملها بخفه و هتف ببرائة : " سأحملكِ حتى مائدة الطعام ، أم أنكِ لستِ جائعة ؟ "
حاولت الهبوط من أحضانه بفشل و هتفت بغضب تخفي به خجلها :
" حسناً أنزلني فأنا لست طفلة صغيرة لتحملني بهذه الطريقة " .
نفى موضحاً : " بل أنتِ طفلتي .. طفلة إسلام .. هبة إسلام التي أنعم الله بها عليه و أهداها له " .
و تابع بتصميم : " لن أنزلكِ هبتي .. لن تطأ قدميكِ الأرض الليلة " .
ليحتل الخبث ملامحه : " سأظل أحملكِ حتى أضعكِ على سريرنا " .
سار حاملاً إياها حتى أجلسها برفق على المائدة و التي كان موضوع عليها أشهى المأكولات و التي صنعتها له سعاد هدية له و لعروسته ..
و لم يسمح لها بفعل شئ حيث فوراً التقط الملعقة و بدأ يطعمها بيده لتعترض هي في خجل فيذكّره هذا بمنامه الذي رآها فيه هي و لارا :
" حبيبتي .. هبتي .. الليلة ليلتكِ .. سأدللكِ و لن أسمح لكِ بفعل شئ ، و اعتراضكِ لن يجدي معي " .
و تابع بهمس : " هيا افتحي فمكِ " .
امتثلت لهمسته بخجل و شعورها بالتوتر يزداد مع كل مرة يطعمها فيها ..
أبعدت فمها عن يده : " لقد شبعت " .
رفع أحد حاجبيه باستغراب : " أنتِ لم تأكلي سوى ثلاث ملاعق " .
يا إلهى ماذا تخبره ؟ ، أ تخبره أنها لا تشعر سوى بالتوتر مما سيحدث بعد قليل ؟ ، و كأنها مرتها الأولى !
" لا أشعر بالجوع " .
" و لكنكِ لم تأكلي شيئاً منذ الصباح " .
رددت مرة أخرى : " لا أشعر بالجوع " .
و تابعت بتلعثم : " كل أنت ، لقد أطعمتني و لم تأكل ، بالتأكيد أنت جائع " .
مرر نظراته عليها و هتف بخبث : " نعم انا جائع كثيراً " .
ليقوم فوراً بحملها و يتجه إلى غرفتهما ، فهتفت بتوتر :
" ماذا ؟ "
وضعها على السرير برفق و همس بصوت أجش : " الثانية الأولى من أسبوعين العسل " .
**********
رفعت حاجبيها باستغراب من مظهره ، عبوس وجهه .. ملابسه الغير مهندمة .. شعره المبعثر بعشوائية ، لولا أن وجهه خالي من الجروح لكانت أقسمت انه تعارك مع احدهم مرة أخرى ..
جلس بجانبها بعنف .. عيونه تلمع بحزن .. و ملامحه تحكي الآلام التي يعانيها هذه اللحظه ..
ازداد استغرابها و هي ترى هدوئه الغير معتاد ، و عدم إلقاءه للأوامر كعادته عند وصوله ، هل تسأله ما به ؟
بالطبع لا ، بل ستبذل كل جهدها كي يظل على هدوءه الغريب ..
تعالى صوت بكاء علي و كأنه ينبه والده بوجوده ، و يؤنبه لأنه لم يحمله اليوم و يلاعبه ..
شرعت هند في تهدأته لتفاجأ بمصطفى ينزعه من يدها و يحمله برفق ، و بدون أن ينطق بحرف نهض و اتجه إلى الغرفة ..
وضعه على السرير و جلس مقابلاً له و بدأ يشكي له ألمه :
" لقد تزوجت .. قضت على آمالي و تزوجت منه .. لم تلتفت لحبي لها .. لم تلتفت لك و فضلته علينا " .
و تابع بعنف : " لقد اختارته مع أنه لن يقدم لها شيئاً .. لن يستطيع تعويضها عن إحساس الامومة الذي يغزوها ، اختارته و تركتني انا .. مَن كنت على استعداد ان أفعل لها أي شئ لتسامحني " .
أجهش في البكاء و بدا في تانيب نفسه : " انا السبب .. لم يكن علىّ أن اطلقها .. لم يكن علىّ انا أتركها " .
تزايدت دموعه دون خجل تنعي حباً فرّط فيه بتصرفاته و أنانيته !
و لم يفكر في زوجته .. لم يفكر في مشاعرها إن استمعت إلى حديثه ، فهي بالنسبة له مجرد إمراة أنجبت له ولداً ليس أكثر من ذلك !
فضولها قادها لتعرف ما به فوقفت وراء الباب تسترق السمع فوصلها صوته يتحدث مع ابنهما ، و يا ليتها لم ترضي فضولها ..
استندت على الحائط تضغط على صدرها بقوة لعلها تُهدّأ من الآم قلبها ، هي لا تحبه نعم ، و لكنها زوجته !
و لا يوجد أقسى من أن تعلم أن زوجها يريد أخرى ، بل يسعى ورائها حتى توافق عليه ..
إذا كان بداخله كل هذه العاطفة لِمَ لا يوجهها إليها ؟!
لِمَ لا يتعامل معها سوى بالإهانة و الصياح ؟!
أ صعب عليه أن يحنو عليها ؟ ، أ لا يراها تحتاج للحب و الحنان ؟!
ليت يعاملها مثلما كان يعامل هبه حتى لو بنسبة قليلة ..
لا تعلم أن هبه كانت تلاقي ما تلاقيه هي الآن ، بل على العكس ما تلقيه هي أقل لأنها أنجبت الولد !
**********
تطّلع إلى الساعه ليجدها الثالثة بعد منتصف الليل ، فانقلب للجهه الأخرى محاولاً العودة إلى النوم ..
مرت فترة ليفتح عينيه و يتطّلع إلى الساعة مرة أخرى فيجدها تعدت الثالثة بعشر دقائق ، تأفف بملل و أغمض عينيه ليستدعي النوم و لكنه أبَى أن يلبي نداءه ..
نهض من السرير بكسل و قرر الذهاب إلى تسنيم ليطمئن عليها ، يشعر أنها بحاجة دائمة له .. يخشى ان يتركها ثانية فيحدث لها شئ أو تطلب طلباً و لا يلبيه !
فتح باب غرفتها بهدوء حتى لا يزعجها ليتفاجأ بها جالسة في منتصف السرير تبكي !
اسرع إليها بخوف : " تسنيم ما بكِ .. لِمَ تبكين ؟ "
مسحت دموعها بطفولية و حركت رأسها بمعنى لا شئ ..
عقد حاجبيه بغضب : " أخبريني هل أزعجكِ أحد ؟ "
حركت رأسها بالنفي ، ليزفر هو بنفاذ صبر :
" إذاً لِمَ تبكين ؟ "
هتفت بصوت لا يكاد يسمع : " لأنني جائعة " .
" و لِمَ لم تذهبي إلى أمي و تخبريها ؟ "
قالت ببراءة : " هل يمكنني إخباركم عندما أكون جائعة و تطعموني ؟ "
هتف بتأكيد : " بالطبع ، ما الذي جعلكِ تظنين غير ذلك ؟ "
زمت شفتيها بضيق : " لأنه من قوانين الدار عدم طلب الطعام " .
هتف من بين أسنانه : " هذا في الدار ليس هنا " .
و سحبها معه قائلاً : " بما أنني الوحيد المسيقظ الآن فسأحضر لكِ الطعام " .
ليتوقف أمامها و يهتف بحزم : " و أي وقت تشعري فيه بالجوع تعالي لي أو اذهبي لوالداي ، اتفقنا ؟ "
أومات بسعادة ، ليتحركا سوياً إلى المطبخ ..
توقفت عن السير و هتفت بخوف : " هل أنت من ستحضر لي الطعام ؟ "
هتف بفخر : " نعم " .
قالت بمشاكسة : " و هل ستعرف ؟ "
هتف بنفس نبرته : " طبعاً فأنا كثيراً ما أحضر الطعام لنفسي " .
حملها برفق و أجلسها على الرخامة و سألها : " ماذا تحبي أن أصنع لكِ " .
هتفت بحماس : " الاسباغيتي " .
عقد حاجبيه باستغراب ، اسباغيتي الساعة الثالثه فجراً .. هل تمزح معه ؟ ، و مع ذلك لم يرد أن يحزنها خاصة و هو يرى نظراتها المتحمسة ، فباستسلام أخرج الأغراض و بدأ في صنع الاسباغيتي لها ..
بعد مرور نصف ساعة
" هيا اجلسي على المائدة ريثما أضعها في الصحون " .
كانت لازالت جالسة على الرخامة تحرك قدميها .. مبتسمة لرؤيته يحضر لها الطعام ، هتفت بدلال :
" هل ستطعمني بيدك مثل المرة الماضية ؟ "
ابتسم و أومأ لها بالإيجاب ، فتابعت بنفس دلالها :
" إذاً اطعمني و أنا جالسة هنا " .
ابتسم و لم يرد عليها ، اقترب منها حاملاً صحن ملئ بالاسباغيتي اللذيذة ، وقف أمامها و شرع يطعمها بهدوء ..
التقط المنديل ليمسح الصلصة التي لطخت فمها و أنزلها من على الرخامه و هو يهتف بحزم :
" و الآن إلى النوم " .
و سار بها حتى غرفتها و هي تقفز بمرح ، استلقت على السرير لتجده يقول :
" لولا أن سريركِ صغيراً لكنت نمت بجانبكِ " .
و بسعادة تحركت إلى طرف السرير ، و أشارت له على الجنب الخالي :
" يمكنك النوم هنا ، لن يزعجني هذا " .
ابتسم بسعادة هو الأخر و استلقى نائماً بجانبها آخذاً إياها في أحضانه !
**********
هتف ببلاهة : " ماذا ؟ "
تنهدت بقوة و هي مصممة على قرارها : " تبقّى على الدراسة ما يزيد على الشهر ، إن أسرعنا نستطيع الزواج قبلها " .
هتف بهدوء : " نعم حبيبتي أعلم ذلك ، و لكنكِ تعلمين أن لا والدكِ و لا والدي سيوافقان على زواجنا قبل إنهاءكِ لدراستكِ " .
ابتسمت بسخرية : " بل قل أن والدك لن يوافق على زواجنا من الأساس ، و أنه سيظل يماطل حتى تستطيع هذه الطغلة استمالتك و احتلال مكاني في قلبك " .
تسلل الغضب إليه : " و مَن جاء بسيرة أسيل الآن ، لِمَ تقحميها في أى موضوع نتحدث فيه ؟ "
إن كانت تشك و لو واحد بالمئة بأن طارق لا يكن مشاعر خاصة لأسيل ، فهذا الشك قد ولى الآن ، لقد كان إحساسها في محله و سيطرت أسيل على مشاعره بطريقة ما ، و كانت على حق عندما قررت التحرك بسرعة .. و أفضل خطوة اتخذتها هي تعجيل زواجهما حتى لا تعطي لأسيل الفرصة لتتسلل له أكثر ..
هتفت بغضب يماثل غضبه : " لأن أسيل أساس الموضوع ، بل هي أساس المشاكل التي تحدث بيننا " .
توسعت عيونه بذهول ، أسيل أساس المشاكل التي تحدث بينهما !
لقد كانت أول مشكلة بينهما عندما طلب عمه رحمة الله عليه منه أن يتزوجها ؛ و هي لا ذنب لها بهذا ، بل على العكس هي أكبر ضحية .. و أكثر من ستتأذى بهذا الزواج !
و بعدها ما فعلته أسيل كان رداً منها على تصرفات نشوى معها ..
إذاً أين المشاكل التي تكون بسبب أسيل ، أليست المشاكل تأتي منها أولاً ؟
ردد بصياح و هو يحرك يده بغضب : " أسيل .. أسيل .. أسيل ، كل شئ أصبح أسيل " .
شعرت بالألم من دفاعه عنها و رفضه الواضح للزواج منها ، يبدو أن أسيل أحكمت خيوطها حوله و هي خسرته ، تجمعت الدموع في مقلتيها لتلتفت بدون أن تتفوه بحرف و تفتح باب السيارة بعنف لتغادرها ..
أمسكها طارق بقوة قبل أن تترجل هاتفاً بغضب : " ليس كلما نتحدث تتركيني و تذهبي ، ابقي و ناقشيني " .
هتفت بألم لم تحاول إخفاءه و دموعها بدأت في السقوط : " و بم سأناقشك طالما رفضت الزواج مني ؟ ، عموماً هنيئاً لكما " .
نقطة ضعفه هي رؤية دموع الفتيات فما بالك بدموع حبيبته !
ألمه قلبه لرؤيتها ليفقد السيطرة على نفسه و يقترب يحتضنها بحنو ..
تمسكت بأحضانه و دموعها تزداد و شهقاتها تعلو ، ليبدأ في تهدأتها كالأطفال ..
هتفت بين شهقاتها بطريقة تبدو غير مفهومة و لكنه فهمها ، و كيف لا يفهم ما تقوله حبيبته ؟!
" طارق أنا أحبك كثيراً أرجوك لا تتركني " .
حرك يده على ظهرها بهدوء صعوداً و نزولاً و همس بجانب أذنها :
" و مَن قال أنني سأترككِ حبيبتي ، إن تركت روحي كيف سأعيش ؟! "
ابتعدت عنه و رفعت يدها لتمسح دموعها ، ليسبقها هو و يمنعها و يرفع بدوره يده مزيلاً دموعها بحنو ..
هتفت بطفولية : " أي أننا سنتزوج " .
ابتسم و هو يداعب أنفها بخفة : " سنتزوج و لكن ليس الآن " .
صرّحت له بما يقلقها و يزرع الخوف في قلبها ناسية نصائح والدتها و تنبيهها لها :
" أنا أخاف منها طارق .. أخاف أن تحبها .. أن تأخذك مني ، أريد أن أكون بجانبك حتى لا تستطيع هي لفت نظرك إليها " .
نظر لها بعدم تصديق : " يا إلهي نشوى كيف تعتقدين هذا ؟ ، كيف تظنين أنني سأنظر إلى طفلة بعمرها ؟ " .
" أنت تنظر لها على أنها طفلة و لكن ماذا عنها ، أنت لا تستطيع معرفة مشاعرها نحوك و هذا ما يقلقني ، إن كانت تحمل لك القليل من المشاعر ستحاول بكل قوة استمالتك " .
عقد حاجبيه بتفكير و هو لا يصدق أن هذا من الممكن أن يحدث ؛ أن تحمل أسيل له مشاعر خاصة !..، نفض رأسه بقوة طارداً هذه الأفكار مؤكداً لنفسه أن أسيل لا تحمل له سوى مشاعر أخوية مثل التي يحملها لها !
لاحظ أنه لازال قريب من نشوى أو بالأصح محتضناً إياها ، تنحنح بحرج و هو يبتعد عنها ، لتميل هي رأسها بضيق رافضة ابتعاده ..
" أخرجي أسيل من أفكاركِ يا نشوى فأنا مستحيل أن أنظر إليها أو أكن لها مشاعر من نوع خاص " .
و تابع و هو يرجو إقناعها : " و بخصوص زواجنا سيكون في منتصف العام إن شاء الله فوقتها سيكون من السهل إقناع والدينا " .
ابتسمت بسخرية عندما سمعته يؤكد بأنه لن يحمل مشاعر لأسيل .. مستغربة من ثقته هذه و كأنه يرى المستقبل !
لتعطيه بعدها كامل تركيزها و هي تراه يتحدث عن زواجهما ، زمت شفتيها بتفكير ؛ منتصف العام .. أليست مدة بعيدة ؟ ، و لكنه على حق فوالدها بالأخص لن يوافق على زواجها قبل ذلك ، بل إنهم سيبذلون جهداً ليوافق على زواجهما قبل نهاية العام ، ليصدح صوت بداخلها راضياً بهذا القرار :
" على الأقل منتصف العام أفضل من عام كامل " .
ليبدأ عقلها في العمل .. نعم و لكن ايضاً يجب أن تقتربي منه أكثر من ذلك .. أن يكون لكِ الحرية في رؤيته و الحديث معه متى أردتي
" إذاً لنعلن خطوبتنا " .
وافق على طلبها .. فإن تزوجوا في منتصف العام أو أخره .. لا داعي لتأجيل خطوبتهما أكثر من ذلك ، ابتسم لها بسعادة :
" سأخبر والداي لنأتي لكم في أقرب وقت " .
صفقت بجذل و لمعة عيونها تحولت من الحزن للفرح و ملامح وجهها التي كان الألم يرتسم عليها سيطرت عليها الراحة و الرضى ..
استشعر وجودها الخاطئ بسيارته كل هذا الوقت و في مثل هذه الساعة :
" هيا حبيبتي أصعدي للمنزل لقد تأخر الوقت " .
و تابع مؤكداً : " سأتصل بكِ غداً و أخبركِ متى سنأتي لخطبتكِ " .
" حسناً حبيبي " .
و أردفت بتحذير : " لا تسرع في القيادة و عندما تصل إلى المنزل اتصل و طمئني " .
هتف بطريقة مسرحية : " أمر مولاتي " .
ترجلت من السيارة و سارت حتى مدخل العمارة التي تقطن بها ، التفتت له و لوّحت بيدها مودعة إياه و تتابع سيرها إلى الداخل ..
انتظر حتى رآها تدلف إلى العمارة التي تقطن بها ، ليشغل بعدها سيارته قائداً إلى منزله ..
فتح الباب متمنياً الإرتماء على السرير و النوم ، فلقد كان اليوم طويلاً و متعباً بالنسبه له ..
استغرب و هو يجد أسيل غافية على الأريكة بفستانها ، اقترب منها و همس بهدوء :
" أسيل .. أسيل استيقظِ " .
رمشت بعيونها للحظات محاولة فهم سبب وجود طارق في غرفتها ، لتتذكر أنها هي مَن تجلس في الصالة تنتظره ، لا بل إنه وصل ..
قفزت من على الأريكة و أخذت تعدل فستانها و صوت بداخلها يؤنبها :
" غبية .. غبية .. لقد غفيتي ناسية فستانكِ " .
لتشعر بغصة في حلقها : " يا إلهي شكلها أصبح مريعاً ، كيف ستسأله عن رأيه الآن ؟ "
عقد حاجبيه باستغراب ناظراً لحالتها الغريبة و هي تحاول تعديل فستانها ، ليبتسم بتسلية و هو يفكر في ردة فعلها إن رأت وجهها الآن و الذي كان عبارة عن خريطة من الألوان و بداخله يؤكد أن نومها غير هادئ إطلاقاً ..
تنهدت براحة اعتقاداً منها أنها استطاعت تحسين مظهرها ، لتنظر له بعدها ببراءة و تسأله :
" ما رأيك بشكلي ؟ "
و تابعت دون انتظار رده : " أكنت جميلة اليوم ، أم كانت هناك مَن هن أجمل مني ؟ "
بالتأكيد بالمكياج الذي يلطخ وجهها الآن هي أبعد ما يكون عن الجمال ، بل شكلها يبدو كمهرج !..، و مع ذلك قال بصدق .. فلقد كانت من أجمل الفتيات اليوم :
" لقد كنتِ جميلة جداً ، بل كنتِ أجمل طغلة في الحفل " .
ابتسمت بسعادة و هي تسمع تغزله بها ، لتعبس بعدها بضيق و هي تراه ينظر لها كطفلة ، فهتفت بجمود :
" حسناً تصبح على خير " .
و تركته دون انتظار رده ، ليستغرب هو من تبدل ملامحها و جمودها و لكنه لم يكن على استعداد الذهاب إليها الآن حيث أن النوم سيطر عليها بشدة فقرر معرفة ما حل بها بالغد ..

لست أبي (كاملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن