الفصل الرابع و الثلاثون

10.9K 494 41
                                    

فوت فوت فوت فوت فوت فوت فوت فوت فوت و كومنت 😅😅😅😅

صفّ سيارته أمام مطعمه ، يعلم أن ما سيفعله صعباً ، سيجرحها .. و يكسر قلبها ، و لكن لابد منه ، لابد من جرحها حتى تحيا في سعادة مستقبلاً ..
فهو لن يكون لها .. بسبب واابدته !
ستتألم اليوم ، و ربما غداً ، ستبكي كثيراً ، و لكنها بعد فترة ستحتقره .. ستسبه و تسب خيانته ، و هذا ما يريده !
يريدها أن تكرهه ، حتى تستطيع متابعة حياتها .
أخرجه من أفكاره صوت خطيبته : " ألن نترجل بشار ؟ "
التفت إليها بصمت ، حوريه .. خطيبته و .. اختيار والدته ، في الثالثة و العشرين من عمرها ، تخرجت حديثاً من كلية الهندسة ، على قدر من الجمال ، فملامحها و كأنها مرسومة ، بعينيها للعسلية الواسعة .. و أنفها المستقيم .. و شفتيها الصغيرتين .
و الأهم أنها من عائلة مرموقة ، و مستواها المادي أكثر من ممتاز ..
كما قالت والدته ، العروس المناسبة .. للعريس المناسب !
مناسبة له من جهة المستوى التعليمي و المادي ، و لكنها غير مناسبة لقلبه ، قلبه الذي لم يشعر بشئ اتجاهها .
كان يتأملها أثناء شروده ، حتى ظنت أن نظراته نظرات إعجاب ، فتوردت وجنتيها ، و أطرقت رأسها بخجل .
" بشار " ، همستها بصوت خجول .
لينتبه على نفسه ، فتتجه نظراته إلى مدخل المطعم ، فيتنهد بقوة ، و يشجع نفسه .. ليستطيع تنفيذ ما ينويه .
أغلق محرك السيارة ، و ترجل بصمت ، و خطيبته تتبعه .
و عند المدخل ، توقف .. و رغماً عنه التقط كفها بين كفه ، و رسم ابتسامة سعيدة على شفتيه ، و خطى بصحبتها إلى الداخل .
تجمع العاملون حوله و حول خطيبته ، ليكتفي بابتسامة لهم .. و يرد عليهم باختصار ، تاركاً مجاملتهم لخطيبته ، بينما عينيه هو كانت تبحث عنها ، حتى وقعت عليها ، فتلوى قلبه ألماً من مظهرها ، و تمنى الموت على أن يفعل بها ما يفعله .
**********
تجمدت مكانها .. غير قادرة على الحركة ، نبضات قلبها تتياطء .. حتى تكاد أن تتوقف ، أصواتهم بعيدة عنها .. بعيدة جداً ، و كأنها في عالم أخر ، و ملامحها شاحبة .. شحوب الأموات .
و في غمرة كل هذا ، التقت نظراتها به ، لتحدق في عينيه بخواء ، و كأن حقاً روحها قد سُحِبت منها !
تفاجئت بمَن يسحبها إلى داخل المطبخ ، و صوته المهتز يصل إليها من بعيد :
" تعالي معي يا أبنتي ، لا تُهدري كرامتكِ أمامها " .
لم تعي ما يقوله ، و مع ذلك سحبها هو بسهولة ، فجسدها كان مستسلماً له تماماً .
أجلسها على مقعد في المطبخ ، ثم تحرك ليأتي ببعض المياه ، و وضعها على وجهها و هو يصفعها صفعات خفيفة على وجنتيها ، لتستفيق من صدمتها .
و أخيراً أبدت رد فعل يدل على أنها مازالت حية ، حيث رمشت بعينيها ، ثم همست دون أن تنظر إليه .
" هذا حلم سيد رشدي ، صحيح ؟ "
تألم قلبه عليها ، و بداخله يلوم بشار على ما فعله بهذه الفتاة المسكينة .
لم يجد ما يقوله لها ، أ يكسر قلبها و يخبرها أن بشار حقاً سيتزوج من غيرها ؟
أم يُريح قلبها و يؤكد لها أن كل ما حدث خيالات ، و بشار ما زال لها ؟
نهضت بتخبط ..و أعين زائغة ، ليمسكها رشدي .. مانعاً إياها من التحرك ، و يقول :
" إلى أين يا ريناد ؟ "
همست و دموعها بدأت تلتمع في عينيها : " سأذهب إلى بشار " .
اعترض رشدي بهزة من رأسه : " لا تذهبي إليه ، لا تعذبي نفسكِ أكثر " .
ضحكت بشحوب ، و قالت بعدم تصديق لكل ما يحدث حولها : " أعذب نفسي يما يا سيد رشدي ؟ ، كل ما يحدث كذب من الأساس ، بشار من المستحيل أن يتخلى عني " .
ثم سحبت ذراعها منه بقوة ، و أسرعت إلى حيث حبيبها ، الذي لن يخذلها !
و من حظها أنها وجدته لحاله ، فاقتربت منه ، و همست : " بشار " .
أغمض عينيه بقوة ، هذه أخر مرة سيسمع أسمه من بين شفتيها و يستمتع به ، بل أخر مرة سبتمتع بقربها منه !
" بشار " ، همستها مرة أخرى بتوسل ، طالبة منه أن  يُكذِّب ما يحدث .
ضغط على قلبه ، و سألها ببرود :  " أ تريدين شئ يا ريناد ؟ "
سألته بتخبط : " ماذا يحدث بشار ؟ ، مَن هذه ؟ "
توقفي ، يا إلهي .. توقفي عن نطق أسمي ، و إلا سأضرب بكل شئ عرض الحائط .
ابتلع ريقه بقوة ، ثم هتف بقسوة : " لم تعرفي بعد ؟ ، إنها خطيبتي .
صحيح ، أنتِ لم تباركي لنا حتى الآن " .
ليصدح صوته بعدها عالياً ، قبل أن تعلق على كلماته : " حورية ، تعالي حبيبتي " .
اقتربت منه خطيبته ، و أمام عينيها ، أحاط خطيبته من خصرها ، و قال :
" ريناد ، تعمل هنا ، و تريد أن تبارك لنا " .
ابتسمت لها الفتاة برقة ، و قالت : " بارك الله فيكِ حبيبتي " .
نظرت ريناد إليها و الدموع تملأ مقلتيها ، هذا ليس حلم ، بشار قد خطب بالقعل ، سيتزوج من غيرها !
نقلت نظراتها إليه ، نظرات يملؤها العتاب و الألم .. و الدموع تلتمع فيهما .
ليشعر بأن خنجراً غُرِس في قلبه ، و يرتسما الأسف و .. الألم للحظة على ملامحه ، لحظة واحدة قبل أن يقسو على نفسه و يعود إلى بروده .
تحركت من أمامهما دون أن تنطق بحرف ، التفتت .. ثم ركضت إلى خارج المطعم ، دون حتى أن تُبدِّل ملابس العمل .
تتبّعها بنظراته .. مودعاً إياها ، فعلى الأغلب هذه أخر مرة سيراها بها .
تحدثت حورية بحيرة : " ما بها هذه ؟ "
أغمض عينيه محاولاً السيطرة على مشاعره ، ثم فتحها ، و تحرك و هو يقول :
" سأطمئن على سير العمل و بعدها نغادر " .
و تركها في حيرتها من تلك العاملة الغريبة و تصرفاتها المريبة .
**********
ركضت في الشوارع برؤية مشوشة ، إثر دموعها المُغرِقة وجهها ، تجري و تجري دون أن ترى أمامها ، و ذكرياتها مع بشار تهاجم مخيلتها ، و ما حدث من دقائق يتراءى أمامها بقسوة ..
لتزداد دموعها و شهقاتها ، ناعية قلب لم يمنحها ما منحته إياه من حب !
لم تنتبه إلى ااسيارة المسرعة اتجاهها ، فسقطت فجأة ، إثر اصطدامهت بها ، لتتأوه بألم ، أصبح جسدياً .. بعد أن كان نفسياً فقط .
ترجّل سائق السيارة بفزع ، و تجمع الناس حولها بخوف ، و كل يحاول مساعدتها كما استطاع .
حاولوا تحريكها ، فتعالت صرخاتها المتألمة ، فتبرع أحدهم و اتصل بالإسعاف لتأتي و تقلها إلى المشفى .
**********
" أوف ، اليوم ممل كثيراً يا أخي " .
ضحك علاء و هو يقول : " أ تريد أن تمتلئ المشفى بالمرضى و المصابين حتى لا تشعر بالملل ؟
لم أكن أدري أنك بهذه الأنانية " .
نظر إليه أمير بنصف عين ، و قال : " تستهزأ بي ؟ "
ليرفع علاء ذراعيه صائحاً بدفاع : " حاشا لله " .
هز أمير رأسه بيأس ، فمن الواضح أن أرتباط صديقه بالفتاة التي يريدها ، أدى إلى فقدانه عقله !
انتبها الاثنين إلى صوت سيارة الإسعاف ، و إسراع الممرضين بالسرير النقّال إلى بوابة المتشفى .
ليقول علاء بمشاكسة : " بركاتك يا دكتور أمير ، ها هو الملل سيزول و ستعود إلى إرهاق العمل " .
لم يرد أمير عليه ، و أسرع ليرى ما حدث ، و علاء خلفه .
كانت الحالة خطرة ، فتحرك علاء بسرعة و هو يأمر الممرضين بتجهيز غرفة العمليات ، بينما أمير ظل في مكانه ، فالحالة ليست من اختصاصه .
كاد أن يتحرك ، و لكنه توقف مكانه عندما سمع صوت سيارة إسعاف أخرى آتيه ، يبدو أن علاء على حق ، و بركاته بدأت تغمر المشفى !
سرير نقّال أخر تحرك أمامه ، و لكنه هذه المرة توقف أمامه بصدمة !
لا يمكن ، إنها ريناد ، صديقة لارا و .. حبيبة بشار !
تُرى ما الذي حدث معها و جاء بها إلى هنا ؟
" ماذا أصابها ؟ "
ردت عليه إحدى الممرضات ، و هي تدفع السرير النقّال إلى الأمام : " صدمتها سيارة دكتور " .
أدخلوها إلى الطوارئ ، و بدأ الأطباء في عملهم .
في حين أن أمير التقط هاتفه ليُبلِغ لارا و .. ابن عمه !
اتصل بلارا أولاً ، ليصله صوتها الرقيق :
" السلام عليكم ، مَن معي ؟ "
تسارعت نبضات قلبه فور أن وصله صوتها ، فتنحنح بقوة ليُبعد تأثيرها عنه ، فهذا ليس وقته !
" و عليكم السلام ، كيف حالكِ يا لارا ؟ "
عقدت حاجبيها بشك ، و كررت سؤالها : " مَن معي ؟ "
" أمير " .
زمت شفتيها ، و سألته بفظاظة : " ماذا تريد ؟ "
ليس مهم ، لتتحدث كما تريد ..
المهم أنه سيراها .. أقرب مما كان يتوقع !
و وقتها سيُعدّل طريقته معها ، و يجعل فكرتها عنه تتغير .
على الرغم من حزنه على ما حدث لريناد ، إلا أنه شاكراً لها ، فبمجيئها إلى هنا .. وفرت عليه الكثير من الخطط للتقرب من قزمته !
" اتصلت لأخبركِ أن صديقتكِ أُصيبت في حادث ، و هي لدينا في المشفى " .
تمّلك الخوف منها ، حتى قبل أن تعرف أي من صديقاتها يتحدث عنها :
" مُن ؟ ، ماذا حدث ؟ ، هل هي بخير ؟ "
طمئنها بسرعة : " لا تقلقي ، إنها بخير " .
قاطعته بتساؤل : " مُن ؟ "
" ريناد " .
شهقت بقوة ، لا يا إلهي ، ليس بعد أن اجتمعت بها .
قفزت من على سريرها ، و هي تقول بسرعة : " دقائق و سأكون عندك " .
طمئنها مرة أخرى : " حسناً ، عندما تأتين اتصلي بي .. لأُعلمكِ بمكاننا " .
سارعت برجاء قبل أن يغلق الخط : " انتبه إليها حتى آتي يا أمير ، أرجوك " .
رد بنبرة واثقة ، بعثت بعض الراحة إلى قلبها : " لا تقلقي ، هي بخير " .
ثم أغلق الخط معها ، ليُسارع بمهاتفة أبن عمه ، فعلى الرغم من خطبة الأخير التي تمت منذ أيام قليلة ،إلا أنه يعلم أن بشار قلبه مازال معلقاً بريناد ..
و كيف لا و هو مَن شهِد على ما حدث و جعل بشار يخضع لذلك الزواج ؟!
هتف حالما فُتِح الخط : " السلام عليكم بشار ..
أين أنت ؟ "
**********
كان قد تحرك بسيارته في اتجاه منزل خطيبته ، على الرغم من تذمر الأخيرة من ذلك ، فقد كانت ترغب في قضاء وقت أطول معه ..
لكنه لم يكن في حالة تسمح لذلك ، كان يريد الجلوس لحاله ، و السماح لانفعالاته و الآمه بالخروج ..
كما أن ما يحتاجها فيه قد حصل عليه ، فهو لم يخرج معها و يأخذها إلى مطعمه ، إلا لتراها ريناد و تبتعد عنه .
صدح صوت هاتفه عالياً ، فالتقطه بلا مبالاة .
" و عليكم السلام ..
ربع ساعة إن شاء الله و سأكون بالمنزل ..
هل تحتاج إلى شئ ؟ "
لم يخبره بشأن ما أصاب ريناد و هو يقود بالتأكيد ، و إلا الحادثة ستصبح اثنتين !
" هل يمكنك أن تأتي إلي المشفى الآن ؟ "
سأله بخوف : " لِمَ ؟ ، هل هناك مشكلة ؟ "
نفى أمير بكذب : " أبداً ، لكن هناك الكثير مما أريد أن أخبرك به " .
تنهد بشار بتعب ، و قال : " الآن ؟
ألا يمكنك تأجيل الأمر إلى الغد ؟ ، أو حتى للمساء ؟ "
تحدث أمير بنبرة يعلم مدى تأثيرها على أبن عمه : " حسناً لا مشكلة ، هاتفني عندما تكون متفرغاً لنتقابل " .
شعر بشار بالذنب ، فقال باستسلام : " لا ، انتظرني ..
سأقل حورية إلى منزلها و آتي إليك " .
ثم أغلق الخط مع أبن عمه ، و عاد إلى الآمه المهيمنة على قلبه .
**********
دلفت إلى المشفى بخطوات متسارعة ، و هاتفها على أذنها ، تتصل بأمير .. لتستعلم منه أين تقبع ريناد .
سارت كما يصف لها ، حتى وجدته أمامها ، فأغلقت الهاتف ، و سألته بخوف :
" كيف حالها يا أمير ؟ ، طمئني عليها " .
ابتسم لها أمير ، و قال : " كما أخبرتك أنها بخير ، كسر بسيط في ساقها و بعض الرضوض في جسدها " .
شهقت بألم ، و قالت : " يا حبيبتي " .
فهتف بنبرة عملية : " حمداً لله أنها مرت على هذا يا لارا ، كان من الممكن أن يكون هناك خطراً على حياتها ، لولا أن السائق انتبه إليها في أخر لحظة و حاول إيقاف السيارة ، فجاءت إصابتها خفيفة .
لم تقتنع بكلماته ، لازال الخوف مسيطراً عليها : " أريد أن أراها " .
أشار إلى الباب الذي بجانبه ، و قال : " ادخلي إليها " .
فأسرعت لارا إلى الداخل ، لتطمئن على صديقة طفولتها .
**********
متمددة على سرير المشفى ، لا تقوى على تحريك أي جزء في جسدها ، ألم جسدي رهيب يعصف بها ، و ألم نفسي يتمثل في قلبها المطعون !
دموعها لا تنفك عن الهبوط ، و شهقاتها تتعالى بين كل لحظة و أخرى .
فُتِح باب غرفتها بقوة ، لتظهر من خلفه صديقتها بملامحها المذعورة ، فهمست مستجدية :
" لارا " .
أسرعت لارا إليها ، و ضمتها بخفة حتى لا يؤلمها ذراعها
" حبيبتي ، سلامتكِ ، حمداً لله أنكِ بخير " .
تمسكت ريناد بصديقتها بضعف و .. ألم من تحريك ذراعها ، و بكت في أحضانها ، و هي تقول بوجع :
" تركني يا لارا ، كان يخدعني ، لم يكن يحبني ..
تخلى عني و خطب فتاة أخرى " .
أبتعدت لارا عنها قليلاً ، و سألتها باستغراب : " مَن ؟ "
همست بحرقة : " مَن تعتقدين يا لارا ؟
بشار ، بشار خطب فتاة أخرى " .
مستحيل ، هذا أخر ما كانت تتوقعه !
" غير معقول ، بالتأكيد هناك شئ خاطئ " .
ازدادت دموعها ، و هي تقول : " لقد رأيتها معه ، احتضنها أمام عيني ، و طلب مني أن أبارك لهما ، تخيلي ! "
احتضنتها لارا مرة أخرى بمواساة ، و بداخلها تسب بشار ألف مرة على ما فعله بصديقتها ، و تدعو عليه أقسى الدعوات .
ثم ابتعدت ، و نظرت إلى عينيها بقوة ، هامسة : " لا تبكي عليه ، خائن حقير مثله لا يستحق دمعة من عينيكِ ، هو مَن خسر حبكِ ، و أنتِ مَن ربحتي " .
هزت ريناد رأسها ، و وضعت يدها على قلبها ، و همست : " لا أستطيع يا لارا ، قلبي يؤلمني بشدة " .
هتفت لارا بثقة و قوة تبثها إلى صديقتها : " بل تستطعين ، أ تعرفين لِمَ ؟ "
لأن ما فعله سيترك أثر كبير في قلبكِ ، ذكرياتكِ الجميلة معه عندما ستهاجمكِ ، ستصاحبها ذكريات أخر لقاء لكِ معه ، فستجدين كرهكِ له يسيطر عليكِ بدلاً من أن تحبيه " .
كلمة واحدة فقط علقت بعقلها من كل ما ذكرته صديقتها ..
كرهكِ له !
هل يُعقل أن تكره بشار ؟
لا تنكر أن قلبها يتألم بشدة مما فعله معها ، و جرحها منه عميق ..
لكن ، هل وصلت مشاعرها إلى حد الكره ؟
" أشعر بتعب كبير .. كبير ، أريد أن أرتاح " .
" نامي حبيبتي ، نامي و لا تفكري في شئ " .
دقائق و غفت ريناد ، هرباً من الآمها ، و بفعل المسكنات التي أخذتها ..
و الدموع تبلل وجنتيها .
لتنهض لارا و تغادر الغرفة ، لتهاجم بشراسة مَن تسبب في جرح أختها .
**********
دلف إلى مكتب أبن عمه ، ليجده خالياً ، تأفف بضجر ، لا رغبة له في انتظاره أو حتى البحث عنه .
أخرج هاتفه من جيب سرواله ليتصل به .
" أنا في المشفى ، أين أنت ؟ "
أخبره أمير بالطابق الذي يتواجد به ، و طلب منه المجئ إليه ..
فتأفف بقوة ، و قال : " لِمَ آتي إليك ؟
هل سأقوم بجولة على المرضى معك ؟ "
تحاهل أمير فظاظة ابن عمه ، و المرافقة له منذ أيام !
" أصعد إليّ بسرعة " .
أغلق بشار الخط ، ضاغطاً على الهاتف بقوة .
ثم صعد إلى أبن عمه ، ليرى ما يريده و يرتاح منه .
اقترب منه أمير حالما رآه ، ليقول بشار بنفاذ صبر :
" ها قد أتيت ، أخبرني ما تريده " .
هتف أمير بحذر : " حسناً و لكن تماسك و لا تقلق ، فهي بخير الآن " .
راوده الشك ، و هتف بدون تفكير : " هل حدث لأمي شئ ؟ "
صمت أمير ، ليتابع هو بخوف حقيقي : " تحدث يا بشار ، لا تتركني هكذا .
هل أمي بخير ؟ "
هتف أمير بحذر أكبر : " ليست زوجة عمي مَن جعلتني أهاتفك " .
تمكنت الحيرة منه ، و سأله : " مَن إذاً ؟ "
هتف أمير ببطء : " ريناد " .
توسعت عيونه بصدمة ، ريناد !
يا إلهي ..
" ماذا حدث لها ؟ " ، نطق بذلك السؤال بخوف حقيقي .
ليجيبه أمير بهدوء : " تعرضت لحادث بسيط ..
و لكنها الآن بخير " ، سارع بقول الجملة الأخيرة و هو يلاحظ ملامح أبن عمه التي تزداد ذعراً .
حادث ، مستحيل !
لقد كانت معه منذ ساعات قليلة ، كانت بخير .
متى حدث لها هذا الحادث ؟ ، و كيف ؟
شحوب ملامحه رافق تفكيره ، ليسحبه أمير .. مُجلساً إياه على أحد المقاعد ، و يقول مطمئناً إياها :
" لا تقلق بشار .. إنها بخير ، أقسم لك " .
سأله بتشتت : " ماذا حدث لها ؟ "
" حادث سيارة بسيط ، أدى إلى كسر ساقها و بعد الرضوض في جسدها " .
يا إلهي ..
حادث ، و كسر !
كل هذا و هو بعيد عنها ، بل أنه السبب الرئيسي في تعرضها لذلك الحادث !
فبالتأكيد بعد مافعله معها ، ركضت غير ناظرة أمامها .
هو السبب ، بسبب حقارته هي هنا ، تتجرع الآلام .
" هي بخير ، صحيح ؟ " ، كان يسأل ابن عمه بنبرة ضائعة ، و كأنه سيفقد والدته لا حبيبته ، أو مَن كانت حبيبته ، قبل أن يقتل قلبها !
" بأفضل حال " ، أجابه بثقة ، لعل و عسى يطمئن ابن عمه .
نهض بشار بتخبط ، و هتف قبل أن يرحل : " انتبه إليها يا أمير ، فما حدث معها ليس هيناً " .
ثم تحرك ، ليستوقفه أمير متسائلاً باستغراب : " إلى أين ؟
ألن تراها ؟ "
همس بحرقة تمكنت من كل خلاياه : " رؤيتها لي لن تزيدها إلا ألماً " .
" هل علمت ؟ " ، سأله أمير ، مع أنه كان يعلم الإجابة يقرارة نفسه .
فحالة ابن عمه ، و وجود ريناد هنا ، أكبر دليل على هذا .
هز بشار رأسه بأسى ، و قال : " علمت بأقسى طريقة من الممكن أن تعلم بها ..
لكن هذا المطلوب ، لكي تستطيع متابعة حياتها ! "
ثم تابع طريقه بعدها ، و قلبه .. الله وحده أعلم بحاله .
نظر أمير في أثره بضيق ، لا يعلم ما يمكنه فعله كي يُعيد السعادة إلى أبن عمه و حبيبته .
لم ينتبه إلا على كومة من الشعر تهاجمه ، بوجه متورد بالكاد يظهر بين خصلات شعرها المتناثرة بغضب يدل على حالة صاحبته .
" أين ذلك الحقير ؟ "
تساءل بعدم فهم : " مَن ؟ "
أشارت إليه بتحذير : " لا تتغابى يا دكتور ، أنت بالتأكيد تعرف مكانه ، أليس أبن عمك ؟ "
همس بفهم : " اها تقصدين بشار " .
سارعت تقول من بين أسنانها : ' نعم هذا الفشار ، أين هو ؟ "
فشار !
لو كان في مكان غير المكان ، و زمان غير الزمان ، لكان انفجر ضاحكاً على ذلك اللقب الذي اعطته قزمته لابن عمه .
بل أنه كان سيستخدمه في إثارة استفزازه دائماً .
" لِمَ تسألين عنه ؟ "
قالت بسخرية : " لأحييه على ما فعله ! "
و أردفت بغضب : " بالله عليك ، هذا سؤال تسأله ! "
ثم عنفت نفسها قائلة : " أنا الغبية ، لِمَ أسألك من الأساس ؟
بالتأكيد هو في ذلك المطعم خاصته " .
تحركت بسرعة من أمامه ، ليستوعب ما قالته ، فيُسرع خلفها ، و يقف أمامها .. مانعاً إياها من التقدم .
تحركت إلى الجهة الأخرى ، ليتحرك بدوره .
ثم عادت إلى نفس الجهة ، ليعود هو الأخر .
فهتفت بنرفزة : " هل سنلعب ؟ "
هتف بصرامة : " لا تذهبي إليه " .
توسعت عيونها بغضب ، و قالت : " عفواً ؟
مَن أنت لتأمرني ؟ "
تنفس بقوة ، ثم قال بهدوء : " أنا لا آمركِ يا لارا ، أنا أطلب منكِ ..
صدقيني ، بشار يتألم مثل ريناد و أكثر " .
ضحكت بعدم تصديق : " هه يتألم !
علام ؟ ألم يختار هو أخرى عليها ؟ "
هز رأسه باعتراض ، و قال : " الأمر ليس كما تظنين ، لقد جُبِر على تركها " .
أومأت باستخفاف ، و قالت : " بالطبع ، فهو فتاة لا تملك من أمرها شئ ، أجبرها والدها على الزواج ممن تكره " .
تحدث بضيق : " لا تستهزأي ، أنتِ لا تعلمين ما يمر به " .
هتفت بحدة : " أنا لا أعلم سوى أن صديقتي تتألم و تبكي بسبب خيانة أبن عمك الحقير لها .
سحقاً لك و له ! "
و ما دخله هو ؟!
و لكن حمداً لله أنها أتت بعد رحيل ابن عمه ، و إلا كانت ستزيد من ألمه .
" انسي بشار الآن ..
المهم ريناد ، إنها تحتاجكِ ، ابقي بجانبها و لا تتركيها " .
مع أنها تكره الإعتراف بهذا ، إلا أنه لديه حق ، لتترك أمر بشار الآن و تنتبه إلى صديقتها ، و لكنها لن تنسى ما فعله معها ، و ستنتقم منه قريباً !
تابع أمير بحنو : " و إن احتجتما لأي شئ اتصلي بي ، أو أخبري الممرضة و هي ستخبرني " .
سألته ببرود : " هل أنت المسئول عن حالة ريناد ؟ "
ها قد عادت إلى برودها الذي لا تنفك عن استخدامه معه ، تباً !
" لا ، أخبرتكِ من قبل أنني طبيب جراح " .
هزت كتفيها ، و قالت : " إذاً لن أحتاجك ..
و إن احتجت إلى شئ فعمي و والدي موجودان " .
خرجت تأففاته عالية ، فضحكت بداخلها ، ثم تحركت إلى غرفة صديقتها .
ليهمس بيأس : " بل يبدو أن وجود ريناد هنا لن يخدمني في شئ ! "
**********
قاد بسرعة ، لا يعلم إلى أين ، كل ما يعلمه أنه يرغب في مكان هادئ ، مكان لا يوجد فيه غيره ، ليخرج فيه ما يعتمل في صدره ، دون أن يراه أحد .
قاد حتى الصحراء ، ليتعمق بداخلها ، ثم توقف و ترجل من سيارته ..
ليتوقف لثواني و عيناه تجولا المكان ، و عقله يسترجع ما حدث معه منذ أيام ، بالتحديد منذ أن أخبر والدته برغبته في الزواج من ريناد ، و حتى قبل ساعات ، عندما جرح حبيبة قلبه و تسبب في ألمها و بكاءها .
صورتها .. بملامحها الشاحبة الغير مصدقة ، و عيناها التي تلتمع فيهما الدموع تراءت أمامه ، فأخذ يركل السيارة بساقه بقوة ، غير شاعراً بأي الآم .
ذكرياته معها تداهمه ، و صورتها أمامه هو و خطيبته تتراءى أمامه ، فتزداد قوة ركله لنفسه ، و كأنه ينتقم منها على ما فعله بها .
لا يدري كم استمر على ذلك ، فالوقت قد توقف منذ أن وافق على أن يرتبط بغيرها ، و إحساسه بالألم مات بعد أن قتل قلبها !
جلس على أرض الصحراء القاسية ، مستنداً بظهره على السيارة ، و قد هبطت دموعه دون خجل .
ثم أطلق صرخة عالية ، صرخة خرجت مُحمّلة بكل ما يشعر به ، و رأسه تصطدم بالسيارة بعنف .
لينتهي به الأمر على هذه الوضعية ، جالساً وسط الصحراء بملامح مُعذبَة ، الشمس تحرقه بلا رحمة ، و القلب يبكي بلا توقف .
**********
" اختلاس !..، مستحيل .
لِمَ قد يفعل هذا ؟ "
هتف بعقلانية : " لا وقت للسؤال أو اللوم ، المهم الآن أن نخرجه من هنا " .
همست بيأس : " كيف سنخرجه ؟ ، المبلغ كبير .. كبير جداً " .
أمسك يدها بدعم ، و قال : " و مع ذلك سنجمعه و نخرجه من السجن ، لن نتركه هنا ، من أجل أولاده حتى " .
سألته بأمل بدأ يداهمها : " حقاً يا إسلام ؟ "
ابنسم بثقة ، و همس : " حقاً يا هبة إسلام " .
ثم أردف : " اذهبي أنتِ إلى المنزل ، و أنا سأبقى هنا و أحل الموضوع " .
اعترضت بقوة : " لا ، لن أتحرك من هنا إلا و محمود معي " .
تلفت حوله ، ثم قال : " وجودك هنا غير لائق يا هبه ، و لا جدوى منه ..
كما أن زوجة شقيقك و طفليها يحتاجون إليكِ " .
مشيرة ، تقسم أن لها يد في ما فعله شقيقها !
لكن كما قال زوجها ، لا وقت للسؤال أو اللوم ، لتُخرِج شقيقها من هنا و تطمئن عليه ، و بعدها لكل حادث حديث !
رحلت ، كما طلب منها زوجها .
فهاتف إسلام صديقه ، و هتف فور أن وصله صوته :
" السلام عليكم ، كيف حالك يا طارق ؟ "
ابتسم على عتاب صديقه على عدم مهاتفته أو سؤاله عنه ، فقال معتذراً :
" أعرف أنني من فترة لم أهاتفك أو أزورك ، لكن أعذرني ، كان لدي الكثير من المشاكل " .
هتف طارق بقلق : " خير ؟ ، ماذا حدث معك ؟ "
" لا وقت للحديث عن هذا الآن ، أريدك في خدمة " .
**********
في كافيه قريباً من القسم
قص إسلام على صديقه كل ما حدث مع شقيق زوجته ، ثم قال بحرج :
" أحتاج إلى بعض الأموال ، فترة قصيرة و سأُعيدها إليك " .
لامه طارق قائلاً : " منذ متى و نحن نتحدث عن هذه الأمور ، مالي هو مالك يا صديقي ..
لا تشغل بالك بهذه الأمور ، و بمشيئة الله ستمر هذه الأزمة على خير " .
ليتابع بعدها مشاكساً : " و لكنني لازلت غاضباً ، متى أخر مرة تحدثت فيها معي و سألت عن حالي ؟
على الأقل أطمئن أنني لازلت حياً " .
نهره إسلام بغضب : " استغفر الله ، ما هذا الذي تقوله ؟
ليمنحك الله طول العمر " .
قهقه طارق بقوة ، ثم قال : " حسناً ، كنت أطمئن على حالي مع أسيل ، و ما آلت إليه الأمور " .
هتف إسلام باهتمام : " ماذا حدث ؟ "
نهض طارق و هو يلتقط أغراضه ، ثم قال : " هذا ليس وقت الحديث ، اذهب و انهي موضوع شقيق زوجتك .
و بعدها ستكون لنا جلسة مطولة ، أقص عليك فيها ما فعلته بي تلك الصغيرة ، و تخبرني أنت عما أبعدك عني كل هذه الفترة " .
خرجا سوياً من الكافيه ، و اتجه كل في طريقه .
صعد إسلام إلى سيارته ، في نفس اللحظة التي صدح فيها رنين هاتفه ، و شاشته تضئ بأسم ( هبتي ) .
فتح الخط ، ليصله صوتها المرهق : " إسلام ، لارا ليست في المنزل ، و هاتفتها أخبرتني أن صديقتها دلفت إلى المشفى ، و هي ذهبت إليها " .
قال بتفهم : " حسناً سأذهب إليها بعد أن أنهي موضوع محمود " .
تحدثت بعدم تصديق : " هل حقاً ستنهيه ؟ "
هتف بنبرة مطمئمة : " نعم حبيبتي لا تقلقي ، غداً إن شاء الله سيكون شقيقكِ في منزله وسط زوجته و أولاده " .
تمتمت ب ( إن شاء الله ) .
ثم أغلق الخط معها ، و بدأ في إنهاء كل الأمور .
**********
رأها جالسة مع والديه فالتمع الخبث في عينيه ، حيا والديه و قبل رأسهما ، ثم طلب من والدته أن تصنع له فنجان قهوة و تأتي به إلى غرفته ، ثم تحرك إلى هناك ، متجاهلاً تلك التي تنظر إليه بحاجبين منعقدين و ملامح عابسة .
**********
تصرفاته صارت تسير ارتيابها ، فتارة يعاملها بحنو و رقة ،  مُشعِراً إياها أنها ملكة .. تأمر فتُطاع .
و تارة يعاملها ببرود ، لا يبالي بأي كلمة تقولها ، أو فعل تقوم به ، حتى عندما تستفزه و تتحدث عن حبيبها الغير موجود ، يستقبل كل حديثها ببرود و عدم اهتمام .
هل أصبح لا يغار عليها ؟
يا إلهي ، ستجن !
ظهرت أمامها زوجة عمها ، حاملة فنجان القهوة الذي طلبه طارق ، و متجهة إلى غرفته .
فأسرعت إليها ، و قالت بينما هي تأخذ الفنجان منها : " اتركيه عمتي ، سآخذه أنا له " .
ابتسمت إليها سعاد بتشجيع ، و عادت لتنضم إلى زوجها .
دلفت إلى غرفته ، لتجدها خالية ، و صورت انهمار الماء ينبعث من حمامها ، فوضعت الفنجان على القهوة ، و جلست تنتظره ، فلابد أن تعرف سر تغييره معها ، فلا يُعقل أن يعاملها بغرابة هكذا !
صدحت أصوات من الحاسب المحمول الخاص به ، أصوات رسائل واردة ، فتجاهلتها ، فليس من عادتها التطفل على أسرار الغير .
و لكن مع ازدياد الأصوات ، معلنة عن استقبال المزيد من الرسائل ، سيطر عليها فضولها ، فتحركت لترى مَن يبعث له بتلك الرسائل .
توسعت عيونها بصدمة و هي ترى أسم المُرسِل و الرسائل المُرسلَة !
كانت ميمي ترسل له الكثير من الرسائل بلا توقف .
( حبيبي ، هل وصلت ؟ )
( ما رأيك في هديتي ؟ )
( صحيح ، لقد كنت أمزح معك عندما أخبرتك أنني أريد هدية ..
أنت أكبر هدية في حياتي يا حبيبي )
( أ تعلم ؟ ، أشعر بالشوق لك مع أنني لم أتركك إلا من أقل من ساعة )
( لنتقابل غداً ، موافق ؟ )
( طارق ، لِمَ لا ترد عليّ ؟ )
الكلمات تظهر أمامها صافعة إياها بقوة ، لا مستحيل ، طارق لا يحب غيرها ، هو يحبها هي .. يريدها هي ، حتى إن لم يقولها لها صريحة حتى الآن ، إلا أن أفعاله و سعيه ورائها يوضّحا ذلك !
أخذت ترى الرسائل التي بينه و بين تلك الفتاة ، و دموعها تلتمع في عينيها ، لتترك جهازه و تنطلق نحو عمها .
ارتمت في أحضانه و انفجرت باكية ، فتملّك الخوف من محمد و سعاد .
سألتها سعاد بقلق : " ماذا حدث حبيبتي ؟
هل أزعجكِ طارق ؟ "
تحدثت بحسرة من بين شهقاتها : " طارق مرتبط بفتاة " .
سارع محمد بالنفي : " مستحيل " .
هزت رأسها ، و قالت : " لقد رأيت رسائلهما عمي ، رسائل غرامية بين عاشقين .
أنا الغبية ، لم يكن عليّ المضيّ في تلك الخطة ، تباً لي " .
سألتها سعاد باستغراب : " أي خطة ؟! "
لم يرد محمد أن تعلم زوجته بما تفعله أسيل مع ولدها ، فسعاد شديدة الارتباط بطارق ، و لا تقبل لأي شخص أن يضايقه أو يزعجه .
" لنعلم الآن ما فعله يا سعاد ، و مَن تلك الفتاة ؟ "
ثم التفت إلى أسيل ، و تابع : " و لا تقلقي حبيبتي ، لن يعلم أنكِ مَن أخبرتني " .
و أرسل إليها نظرة مطمئنة ، بأن كل الأمور ستكون بخير !
**********
طرق على الباب ، ثم دلف إلى الداخل ، و ابتسامة أبوية حنونة مرتسمة على ملامحه .
" السلام عليكم ..
حمداً لله على سلامتكِ ريناد ، الحمد لله أنكِ بخير " .
همست ريناد بشرود : " سلمّك الله عمي " .
سأل إسلام أبنته : " كيف حالها الآن ؟
ماذا قال الطبيب ؟ "
زمت لارا شفتيها ، و قالت بحزن : " قال أن الجبيرة ستظل على ساقها لمدة شهر على الأقل ، و بعدها ستحتاج إلى علاج طبيعي ، كي تعود عضلاتها كما كانت " .
تمتم ب ( خير إن شاء الله ) .
ثم قال لريناد بمرح ، حيث يزيل الخوف عنها : " لا تقلقي صغيرتي ، الكسر بسيط و الكثير يتعرض إليه ، و بعدها ترينهم يركضون كالأحصنة " .
أومأت مع أنها لم تركز في كلماته .
مما جعل إسلام يشك في حالتها ، فحزنها البادي على ملامحها ، يدل على أن ما مرت به أكبر من مجرد حادث !
" متى ستخرج ؟ " ، وجه السؤال إلى أبنته .
لتجيبه : " غداً صباحاً إن شاء الله " .
و أردفت طالبة برجاء : " ممكن أن أقضي الليلة معها هنا أبي ؟ "
هتف بدون تفكير : " أكيد حبيبتي .
و عمكِ سيقضي الليلة هنا أيضاً ، إن احتجتي إلى شئ هاتفيه " .
ابتسمت و شكرته ، ليتمنى إسلام لريناد الشفاء العاجل ، و يغادر غرفتها .
سار شارداً في تلك الفتاة اليتيمة ، و التي أصبحت الآن غير قادرة على القيام بأي حركة ، و فعل أي شئ .
فكيف ستمكث لحالها في شقتها ؟!
و مَن سيساعدها ؟
لابد من أن يكون هناك شخصاً معها ، يخدمها و يقوم باحتجايتها .
أخرجه من أفكاره صوتاً قادماً من خلفه  :
" سيد إسلام ، انتظر لحظة من فضلك " .
التفت إلى الخلف ، لترتسم ابتسامة صغيرة على شفتيه .
" أهلاً يا أمير ، كيف حالك ؟ "
هتف أمير بصراحة .. دون لف أو دوران : " سأكون بخير إن وافقت على طلبي سيدي " .
توقع إسلام ما سيقوله الشاب ، و لكنه انتظر حتى يصفح عنه .
" لارا .. سيدي ، أريد خطبتها مرة أخرى " .
و تابع بتوتر : " أعلم أن المكان غير مناسب ، و لكن " .
قاطعه إسلام بهدوء : " المكان ليس مشكلة يا أمير ، المشكلة في طلبك ، لقد أخبرتك أن لارا غير موافقة عليك ، و لن أجبرها عما لا ترضاه " .
" و لكنني لم آخذ فرصتي معها سيدي ، هي لا تعرفني .. لا تعرف مميزاتي .. عيوبي .. شخصيتي ، لذلك رفضتني ..
و لكن إن سمحت لي و وافقت على جلسات لي معها قبل أن تعطي رأيها النهائي ، أنا متأكد من أنها ستوافق " .
هز إسلام رأسه بعدم اقتناع : " و لكنك جلست معها بالفعل ، و مع ذلك لم تحصل على أي نتيجة " .
اندفع قائلاً : " كانت مرة واحدة سيدي ، و قضيت هي معظمها مع صديقتها .
أرجوك ، امنحني فرصة أخرى " .
فكر إسلام للحظات ، لا ينكر أنه يتمنى شاب مثل أمير لأبنته ، و لن يكون مطمئناً عليها إلا معه ، لكن المشكلة بها هي ، و بعنادها في التمسك برفضها .
" حسناً يا أمير .. موافق ، لكنك ستجلس معها في البيت .. أمام عيني " .
التمعا السعادة و الأمل في عيني أمير ، و قال : " موافق سيدي ، شكراً كثيراً لك ، و أعدك أنني سأحصل على موافقتها في أقرب وقت " .
ابتسم إسلام بتشجيع ، و قال : " أنا واثق من هذا ، بالتوفيق " .
**********
رأته جالساً بشرود ، فاقتربت منه مبتسمة و سألته : " ما بك يا وحيد ؟ "
انتبه إلى انضمامها إليه ، فقال بتعب : " لا شئ " .
نبرته أقلقتها ، فجلست بجانبه ، و قالت : " عيناك تقولا عكس ذلك .
ما الذي يشغل بالك ؟ "
تنهد ، ثم قال : " تيم " .
كان عليها أن تتوقع ذلك ، فتيم مصدر تعب للجميع !
" ماذا به ؟ "
ابتسم ابتسامة صغيرة ، و قال : " لا تشغلي بالك حبيبتي ، الموضوع ليس مهماً " .
حبيبتي !
يا إلهي ، و أخيراً قالها !
كادت أن تقفز من السعادة أمامه ، و لكنها تمالكت نفسها ، فمن الواضح أن الكلمة خرجت عفوية .. و لم ينتبه إليها !
" إن لم يكن مهماً ، لم يكن ليجعلك هكذا ، أخبرني بما حدث " .
" صدقيني لا شئ ، كل ما في الموضوع أن المسابقة السنوية ستبدأ في مدرسة الأولاد مع بداية الفصل ، و تيم لن يشترك بها " .
سألته : " هل كان معتاد على الإشتراك من قبل ؟ "
ظهر التردد على ملامحه ، ليحسم قراره ، و يقول : " كان يشترك كل سنة ، حتى توفت بسمة و .. توقف عن ذلك " .
الموضوع مرتبط بحالته النفسية إذاً !
سألته بفضول : " فيما كان يشترك ؟ "
" في الرسم ..
تعرفين ، على الرغم من صغر سنه إلا أنه بارع كثيراً فيه ، و رسوماته تشعرين أنها صورة حية تتجسد أمامكِ ، حتى أن معلمه لاحظ ذلك ، و نصحني بضمه إلى معهد مختص في تعليم الرسم حتى تتطور موهبته أكثر " ، قالها بفخر ، ممزوج بحنين لتلك الأيام التي كان يعيش فيها طفله كأي طفل في عمره .
" و لِمَ لم تنفذ نصيحته ؟ "
هتف متذكراً تلك الأياك التي تلت وفاة زوجته : " نيم كان شديد التعلق ببسمة ، كان لا يفعل شيئاً إلا و هي بجانبه ، تشجعه و تثني عليه ..
و بعد وفاتها انطوى على نفسه ، و انقطع عن فعل كل ما يحبه " .
هتفت بتفكير : " اترك لي هذا الموضوع إذاً ، أنا سأتصرف " .
رفع أحد حاجبيه بتساؤل : " ماذا ستفعلين ؟ "
كررت بثقة : " اترك هذا الموضوع لي ، و أعدك أنه سيكون الأول على مدرسته " .
واثق فيها ، واثق أنها ستفعل المستحيل للوصول إلى قلب أبنه .
" متأكد من أنكِ قادرة على هذا " .
سألته بتردد ، و الخوف يداهم قلبها : " و إن فشلت ، لن أعود إليك " .
نظر إليها للحظات ، نظرات لامعة لم تراها في عينيه من قبل ، ثم قال : " أنتِ نجحتي بالفعل يا نشوى ، و استطعتي إدخال السعادة في قلبه ، على الرغم من عدم اعترافه بذلك ، إلا أنه واضح بشدة ، لذا " .
اقترب منها كثيراًُ ، و همس بصوت أجش ، و شفتيه تكاد تلامس شفتيها : " أنا أُعيدكِ " .
وضعت يدها على شفتيه بسرعة مانعة إياها من متابعة كلماته : " لا يا وحيد " .
ابتعد عنها قليلاًُ ، و نظرات الإستغراب واضحة في عينيه .
" لا ! "
" ليس الآن ، لا أريد أن أعود إليك إلا بعد أن يطلب تيم ذلك ، أريده أن يشعر أنني أمه التي لا يستطيع الإستغناء عن وجودها في حياته ..
تيم أصبح تحدي بالنسبة لي ، و أنا لن أستسلم بسهولة ، و لن أقبل إلا الفوز " .
ثم هتفت بضحك : " ثم تقبله إلى وجودي الآن ، من واقع أنني خادمة ، يشمت في وجودها مع والده في نفس المنزل دون أن تقترب منه ، لكن إن اكتشف أنني عدت إليك سأعود معه إلى نقطة الصفر " .
ضحك بخفة مؤمناًُ على كلماتها ، و إعجابه بها يزداد ، فعلى الرغم من رغبتها فيه ، إلا أنها تسعى أولاً لرضا طفله .
نظرة عينيه ، أوضحت لها أنها نجحت ، لقد نالت حبه أخيراً ، حتى إن لم يعترف بذلك ، يكفي محاولته لإعادتها مع احتمال فشلها مع أبنه .
وحيد يحبها ، و يا لسعادتها .
أعترفت بخجل : " أنا أحبك يا وحيد ، و حبي لك سيجعلني أحارب بقوة لأعود إليك " .
ابتسم بعشق ، و مع ذلك لم يعترف لها بما يشعر به اتجاهها ، فاعترافه يجب أن يتم بعد عودتها إليه .. و في مناسبة خاصة بهما !
**********
منذ أن خرج مع إسلام من القسم و هو لم يرفع عبنه في عينيه ، خجل هو من دفع الأخير الكثير من الأموال ، و تحمل الكثير من الإهانات من مدير الشركة التي كان يعمل هو بها .. بسببه .
على الرغم من أن إسلام حاول أكثر من مرة التحدث معه بطبيعية ، إلا أنه لم يستجب إلى محاولاته .
صعدا سوياً إلى الطابق الذي يحتل شقتيهما ، فاتجه بتلقائية إلى شقته ، ليستوقفه إسلام قائلاً :
" زوجتك و أولادك مع هبه في شقتي يا محمود " .
أطرق برأسه و اتجه إلى شقة إسلام ، و خجله منه و من شقيقته يزداد .
**********
احتضنته بقوة ، و دموع السعادة تهبط على وجنتيها ، سعيدة هي بعودته و تخلصه من تلك الأزمة التي كانت من الممكن أن تجعله يقضي الكثير من السنوات بعيداً عن بيته و أولاده .
على الرغم من كل ما فعله معها من قبل ، إلا أنها كانت تشعر بأن روحها تُسحَب منها في كل لحظة قضاها ليلة أمس بين جدران الحبس الكئيبة ، كيف لا و هو سندها الذي كادت أن تفقده ، و المتبقي لها من عائلتها !
منحت زوجها نظرة امتنان ، فلولاه لم يكن محمود في أحضانها الآن .
أما هو فاستقبل أحضانها بامتنان ، فلولاها هي و زوجها ، كان ليكون في حال الله وحده أعلم به الآن !
اقتربت مشيرة منهما ، و قالت بسعادة : " محمود ، الحمد لله أنك خرجت و بخير " .
نظر إليها بعتاب لم تدركه ، فبسببها .. و بسبب طلباتها الكثيرة ، فعل ما فعله ، و كاد عمره أن يضيع بين أربع جدران !
أبعدته هبه عنها ، و ملست على وجهه ، و هي تقول بحنو : " يا حبيبي ، عيناك حمراوتين ، واضح أنك لم تغفى طوال الليل ، أذهب لترتاح " .
و تابعت بسرعة قبل أن يرد عليها : " لا انتظر ، بالتأكيد أنت جائعاً ، كُل أولاً ، و بعدها اذهب و نام " .
كانت مشيرة تنظر إليها بغيرة ، فهبه لم تسمح لها حتى الآن بالإقتراب من زوجها و الإطمئنان عليه ، بل أنها تفعل ما يتوجب عليها هي .. زوجته .. فعله !
تحركت هبه بسرعة إلى المطبخ ، لتعد لشقيقها الطعام ، فاستوقفها الأخير بحرج :
" لا تُتعبي نفسكِ يا هبه ، سأذهب إلى شقتي " .
سعدت مشيرة بما قاله ، و تبعته قائلة بوقاحة : " نعم هذا أفضل حبيبي ، لكي ترتاح و تأخذ حريتك " .
النفتت إلى شقيقها ، متجاهلة زوجته تماماً ، و قالت بحزم : " اجلس هنا حتى أعد الطعام ، و لا أريد أي اعتراضات ..
و لا تنسى أن هناك الكثير يجب أن نتحدث فيه بعد أن ترتاح " .
لوت مشيرة شفتيها بعدم رضى بسبب تحكّمات هبه في زوجها ، و عبست بملامحها عندما امتثل محمود إلى شقيقته بحرج .
تحركت لتجلس بجانبه و هي ترسل إليه نظرات غاضبة ، لم يبالي هو بها !
التفتت هبه لتدلف إلى المطبخ ، فاستوقفها إسلام قائلاً بحنو :
" اجلسي و ارتاحي حبيبتي ، سأعد أنا الطعام " .
أطرقت هبه رأسها بخجل ، و عينيها تلمع بنظرة غريبة ، فزوجها لم يبالي بوجود شقيقها و زوجته ، و لم يخجل من إعداده هو للطعام ، في سبيل راحتها .
" لا إسلام " .
قاطعها و هو يتجه إلى المطبخ : " لا تعترضي ، فأنتِ في ضغط عصبي من الأمس ، و يجب أن ترتاحين " .
نظرت مشيرة إلى هبه بحسد لم تبذل جهداً في إخفاءه ، حسد على حملها و .. مراعاة زوجها لها و حرصه على راحتها ، و كأن زوجها لا يفعل معها هذا و أكثر !
**********
اختى!!!
نعم اختى .. لا استطيع العيش من دونك
صرتى هوسى ..هاجس الخوف يقتلنى
هناك حرب تدور بداخلى ..عقلى وقلبى فى نزاع
كيف اختى واليها العقل فبل القلب ملتاع
كيف اختى ويمر اليوم بعد اليوم ومازال فى داخلى صراع
اين انتِ؟؟
اشتقت ...
كيف كنتِ توقظينى .. كيف تقبلتى اهتمامى ..
كيف استطعتِ ترك الحبيب واخترتنى ؟!
والآن... تركتينى !
اخبرينى
الم تشتاقِ..الم تحنِ إلى امانى ...الم تفتقدي حنانى ..
لِمَ ارتضيتِ ان تذيقينى الم الفراق
تركتِ القلب بنار الفقد محترق
وتركتِ الروح تهفو اليكِ من فرط اشتياقى .

لست أبي (كاملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن