الفصل الثالث و العشرون

11.7K 426 16
                                    

متنسوش الفوت و الكومنت 😅😅

انتفضت أسبل بفزع حالما وصلها صوته ، حيث أنها لم تشعر بوصوله بسبب اندماجها في الحديث مع عمها ، إلا أنها لم ترد عليه .. و بقت صامتة مثيرة استفزاز طارق ..
فبادر محمد بالرد و هتف بغضب : " ما هذا السؤال يا دكتور ؟ ، هل ستمنعها من زيارة عمها أم ماذا ؟ "
تجاهل طارق والده .. و وجه حديثه إلى أسيل حيث قال بغضب : " ألم أخبركِ أن تهاتفيني حالما تُنهي عملكِ كي أقلكِ إلى هنا ؟ "
ردت أسيل ببرود مستفز : " نعم " .
" إذاً لِمَ لم تهاتفيني ؟ "
رفعت أسيل أحد حاجبيها بعدم رضى و قالت : " و هل سأنتظرك لتأتي كالطفلة التي تنتظر والدها كي يأخذها من المدرسة ؟! "
لتستريح في جلستها أكثر و تتابع بتساؤل : " ثم أنني لا زلت لا أعلم .. بأي صفة تتدخل في حياتي ؟ ، لقد طرحت عليك هذا السؤال أكثر من مرة ، و أنت لم تمنحني إجابة مقنعة "  .
ابتسم محمد باستمتاع لما تفعله أسيل بولده ، معتقداً أن هذه هي البداية لتتحرك مشاعر ولده اتجاه أبنة شقيقه ..
أما عن طارق فلم يهتم طارق سوى بأول حديثها .. و هتف : " و هل هذا سبب يجعلكِ لا تهاتفيني ؟! "
تأففت أسيل بانزعاج مصطنع و قالت : " ماذا تريد يا طارق ؟ "
تنفس طارق بقوة محاولاً تهدأة نفسه و قال : " لا أريدكِ أن تعانين كل يوم مع وسائل المواصلات " .
سارع محمد بالقول : " الحل بسيط إذاً .. ستنزل غداً و تشتري سيارة " .
ابتسمت أسيل بسعادة ، على الرغم من أنها لا تعلم إن كان عمها قال هذا كي يستفز طارق ، أم ليمنحها الحرية التي طالبته بها قبل دقائق ، إلا أنه إن كان هذا أم ذاك .. ففي كلا الحالتين هي المستفيدة !
انتاب طارق قلق مفاجئ و قال : " و لكنها لم تقد من قبل " .
ابتسمت أسيل ببرود : " على العكس .. لقد قدت من قبل في بريطانيا " .
ابتسم محمد و قال منهياً الموضوع : " إذاً .. لقد تم حل المشكلة " .
عبس طارق بملامحه بعدم رضى ، إلا أنه لم يملك حق الإعتراض .. فصمت مجبراً !
انضمت سعاد إليهم حاملة في يدها حقيبة متوسطة الحجم ، لتقول لطارق :
" حبيبي .. أريدك أن تأخذ هذه الحقيبة إلى منزل خالتك " .
التقط طارق الحقيبة من والدته و هو يقول : " حسناً أمي سآخذها الآن " .
ثم التفت إلى والده ليقول : " هل تريد شيئاً يا أبي ؟ "
هتف محمد بهدوء : " نعم .. خذ أسيل معك .. و اشتري لها سيارة مناسبة " .
ابتسمت أسيل بفرحة ، في حين عقد هو حاجبيه بضيق و قال : " اليوم ، لِمَ هذه العجلة ؟ "
هتف محمد بنفس نبرته : " هذا أفضل كي أرتاح من مشاجراتكما " .
تأفف طارق بضيق .. و هتف موجهاً حديثه إلى أسيل : " هيا " .
نهضت أسيل بحماس واضح ، مما أزعج طارق أكثر !
صعدا إلى السيارة سوياً ، لتقول أسيل بينما هي تربط حزام الأمان : " لنذهب و نشتري السيارة أولاً ، و بعدها أعود أنا بسيارتي و تذهب أنت لخالتك " .
هتف طارق ببرود : " لا " .
رفعت أسيل أحد حاجبيها بتعجب و قالت : " عفواً ؟ "
قال طارق بنفس نبرته : " إليكِ ما سنفعله ، أولاً سنذهب إلى منزل خالتي لأعطيها الحقيبة ، و بعدها سنذهب إلى معرض السيارات كي تشتري السيارة التي تريديها ، ثم نعود إلى المنزل " .
اعترضت أسيل بضيق : " و لكنني لا أريد الذهاب إلى منزل خالتك " .
هتف طارق بسخرية : " من حقكِ أن تعترضي إن كنتِ ستصعدين معي و تريها ، و لكنكِ ستنتظريني في السيارة ، فلا داعي لاعتراضكِ " .
صاحت أسيل بعدم رضى : " هكذا إذاً ، إن كان كذلك لِمَ تأخذني معك من الأساس ؟! ،
هتف طارق بحزم : " لأنني لن أجعلكِ تقودين السيارة أول مرة في طرقاتنا المزدحمة لحالكِ " .
رفرف قلبها بسعادة معتقد أنه لا يفعل ذلك إلا لأنه يهتم بها .. اهتمام مز نوع خاص .. و ليس اهتمام رجل بأبنة عمه ، فليس هناك أحد يتدخل في حياة أبنة عمه بهذه الطريقة !
أسترخت في جلستها و صمتت ، مما جعله يشعر بالاستغراب .. و يقسم أن هذه الفتاة ستصيبه بالجنون بتصرفاتها الغريبة ، فتارة تكون هادئة و مطيعة .. و تارة تقف أمامه ببرود و تستخدم جميع أسلحتها لاستفزازه !
وصل إلى منزل خالته فصفّ سيارته على جانب الطريق .. و قال لها : " انتظريني هنا " .
هتفت بطاعة : " حسناً " .
زفر أنفاسه بقوة .. و ترجل من السيارة .. و هو يدعو الله أن يعود و يراها بنفس الهدوء .. و ألا تتلبسها الروح الباردة المستفزة !
**********
وضعت منى الكثير من الطعام أمام وحيد ، ليقول هو بذهول : " يكفي ، لن أستطيع أكل كل هذا " .
هتفت منى بحزم : " بل ستأكلهم .. فأنت و أولادك لم تأكلوا شيئاً منذ أن جلستم .. و كأنكم غرباء ! "
برر وحيد : " على العكس .. لقد أكلنا كثيراً " .
زمت نشوى شفتيها بامتعاض من اهتمام والدتها المبالغ به بوحيد و أولاده ، الاهتمام الذي لم يوجه من قبل إلا لها هي و فقط ، فقالت بغيرة طفولية :
" أمي .. ألا تلاحظين أنني أيضاً لم آكل شيئاً من طعامي حتى الآن " .
نظرت منى إلى أبنتها مبتسمة بخبث و قالت : " أنا عليّ أن أهتم بزوجكِ و طعامه ، و هو بدوره سيهتم بكِ و بطعامكِ " .
قهقه وحيد بقوة ، في حين قالت نشوى بتذمر : " و لكنني أبنتكِ أنتِ " .
و قبل أن ترد عليها صدح رنين جرس الباب عالياً ، فنهضت نشوى و هي تقول : " أنا سأفتح " .
سارت .. و فتحت الباب .. لتتجمد مكانها في صدمة .. عيونها تنظر إلى الطارق بعدم تصديق .. و دقات قلبها تسارعت بشوق ..
مررت نظراتها عليه .. من الأعلى إلى الأسفل .. ثم إلى الأعلى مرة أخرى .. لتستقر على عينيه ، فنظرت إليهما طويلاً .. بشوق و عتاب !
ثم همست : " طارق " .
تفاجأ طارق برؤيتها ، إلا أن شعوره اتجاهها لم يتعدى ذلك !..، و هتف بنبرة رسمية : " السلام عليكم ، كيف حالكِ يا أبنة الخالة ؟ "
همست بما لا يتوقعه : " اشتقت لك .. اشتقت لك كثيراً " .
أبعد طارق عينه عنها بتوتر ، فلم يكن يتوقع أنه .. و بعد مرور أربع سنوات على طلاقهما .. لا زالت نشوى تحمل له مشاعر خاصة .. و تصرّح له بشوقها ، خاصة و أنها من اختارت الطلاق عندما رفضت الإعتذار من والده ..
أردفت نشوى بعتاب : " ماذا ؟ ، ألم تشتاق لي ؟ ، ألم تفتقدني ؟ "
هز طارق رأسه بحركة بسيطة .. لم تعرف نشوى إن كانت تدل على الصدمة .. أم أنه ينفي حديثها !
تابعت بصوت مختنق : " أ تعلم كم مرة منعني والداي من أن آتي إليك ؟ ، كم مرة غفيت و حلمت أنني معك و لم نتطلق ؟ ، كم انتظرتك لتعود إليّ ؟! "
همس طارق بتوتر : " نشوى .. أنا " .
إلا أن صوت رجولي متجهم قاطعه : " كل هذا ترين من على الباب يا نشوى ؟ "
نظر طارق خلف نشوى .. فوجد شاب يماثله عمراً تقريباً .. بملامح حادة متجهمة .. تنم على أنه سمع كل ما قالته زوجته للتو !
اقترب وحيد من نشوى بينما هو ينظر إلى طارق بحدة ..
سب طارق نشوى بداخله على هذا الموقف الذي وضعته فيه ، ثم ابتسم ابتسامة صغيرة يحاول بها كسر الجو المشحون ، و مد يده إلى وحيد هاتفاً :
" السلام عليكم ، أنا طارق .. أبن خالتها " .
قالها .. ثم سب نفسه مرة أخرى على كلماته ، فبعد ما قالته نشوى .. و ما سمعه زوجها .. لا يحتاج هو أن يُعرّفه بنفسه !
نظر وحيد إلى كف طارق الممدودة .. دون أن يمد كفه مستجيباً لتحية الأخير ، فتنهد طارق بقوة .. و كاد أن يبعد كفه .. إلا أن وحيد وضع كفه بها ، هاتفاً باقتضاب : " وحيد .. زوجها " .
أومأ طارق بإشارة لا معنى لها ، ثم هتف كي يتخلص من هذا الموقف : " من فضلك .. أعطي هذه الحقيبة إلى خالتي " .
هتف وحيد ببساطة : " تفضل و أعطها إياك بنفسك " .
ابتسم له طارق بهدوء : " شكراً لك ، لكن ليس لدي وقت .. فأبنة عمي تنتظرني في السيارة " .
كانت نشوى تنظر إلى وحيد ببرود ، بينما هو يحاول جاهداً الحديث مع طارق بطبيعية ، لم تكن تشعر بالقلق أو الخوف .. لأنه سمعها و هي تصرح لطارق بحبها و شوقها له ، بل كانت لا تبالي بردة فعله ، في حالة من القوة كثيراً ما تتلبسها أمامه !
التفتت إلى طارق بحدة .. و نظرت له بعيون تلمع بالغيرة .. عندما قال أن أسيل تنتظره بالأسفل ، لتهتف بغضب :
" و لِمَ أتت معك إلى هنا ؟ ، أ لازالت متشبثة بك كالعلكة ؟ "
انفلت غضب وحيد الذي كان يسيطر عليه بالقوة ، و صاح بحدة : " و ما دخلكِ أنتِ بمَن معه ؟ ، بأي حق تسألينه هذه الاسئلة ؟ "
كذب طارق حتى لا تنشأ مشكلة بينهما : " هي فقط تسأل لأنني أنا و أبنة عمي كان بيننا الكثير من المشاكل في الماضي " .
لم يصدقه وحيد .. ليس لأن كلماته متناقضة مع كلمات نشوى .. و التي تتضح الغيرة في حروفها ، بل لأنه .. و منذ دقائق قليلة .. قد استمع إلى تصريح نشوى !
تابع طارق : " إلى اللقاء ، و مبارك زواجكما .. مع أنني تأخرت كثيراً في هذه المباركة " .
ليغادر بعدها سريعاً .. حتى لا يسبب المزيد من المشاكل ، إلا أنه بداخله كان يشعر براحة كبيرة ، لأنه لم يشعر بالشوق لنشوى عندما رآها .. أو الغيرة عندما اقترب منها زوجها ، بل على العكس حاول بكل قوته ألا تنشأ مشكلة بينها هي و زوجها ، و هذا إن دل على شئ .. فيدل على أن نشوى صفحة و انطوت في حياته ، و أنها الآن بالنسبة له مجرد أبنة خالة .. يتمنى أن تحيا في سعادة مع زوجها ..
صعد إلى السيارة .. ليجد أسيل تعبث في هاتفها بملل واضح ..
عقد حاجبيه بتفكير و سألها : " ألم تهاتفكِ والدتكِ منذ أن أتيتِ ؟ "
تفاجئت أسيل من سؤاله ... و ارتسم الألم على ملامحها .. و همست : " ما الذي ذكرك بها الآن ؟ "
رفع أكتافه بلا مبالاة : " لا شئ ، أنا فقط مستغرب .. لأنني لم أراكِ تحادثيها أبداً ، حتى أنكِ لم تخبرينا .. ما الذي فعلته هي مع الحقير أبن زوجها " .
ابتسمت أسيل بسخرية .. لو يعلم أن والدتها أشد حقارة من إدوارد .. و أنها مَن شجعته ليقيم معها علاقة ، بالتأكيد سيجن من الغضب .. أو ربما لم يصدقها ، فلا أحد يصدق أن تفعل أم بأبنتها هذا !
هتفت بغموض : " انسى الأمر " .
هتف طارق بعدم فهم : " انسى ماذا تحديداً ؟ "
لم ترد أسيل عليه .. حيث أنها لم تجد كلمات مناسبة تقولها له !
ليستغرب هو من صمتها .. و يشرد مفكراً فيها .. منذ أن اقتحمت حياته و هي طفلة لا تكاد تتم الخامسة عشر من عمرها .. حتى هذه اللحظة ، بما مرت به خلال هذه السنوات من وفاة والدها .. و تخلي والدتها عنها !
عند هذه النقطة .. لمعت عيونه بإدراك .. سرعان ما تحول إلى غضب جم ، و صاح بصوت قوي أفزعها :
" أ كانت تعلم ؟ "
انتفضت أسيل في مكانها إثر صيحته القوية ، و التفتت تنظر له بعيون جامدة .. خاوية .. لا تعبر عن مقدار ما تشعر به من ألم ..
و هو لم يحتاج إلى أن تؤكد له حديثه ، فملامحها كانت كافية لتؤكد له صحة استنتاجه ، ضرب المقود بقوة و هو يصيح بغضب :
" الحقيرة .. الحقيرة ، كيف لها أن تفعل هذا ؟ "
استمرت أسيل على صمتها .. و لم تعلق على حديثه بحرف ، و كأن مَن يتحدث عنها لا تمت لها بصلة !
نظر طارق إليها و صاح بتحذير : " إياكِ أن تقولي أنكِ ستسافري لها مرة أخرى .. أو أنكِ تودين رؤيتها ، انسي هذه المرأة .. فهمتي ؟ "
ليُعيد نظراته إلى الطريق و هو يتنهد بقوة ، ثم يقول : " لقد كان عمي - رحمه الله - على حق عندما قرر إبعادكِ عنها " .
عند ذكر والدها .. أغمضت أسيل عينيها بحزن ، كم اشتاقت إليه .. إلى حنانه و تفهمه .. و كم تحتاجه الآن بجانبها !
ربت طارق على كفها بدعم و قال : " لا تحزني .. هي لا تستحق فتاة مثلكِ .. هي التي خسرت ابنة لا تعوّض " .
ابتسمت أسيل بسخرية لا تتناسب مع كلماته ، إلا أنها لم تكن تملك غيرها و هي تتساءل .. إن كانت بكل هذه المثالية ، فلِمَ لم تتحرك مشاعره اتجاهها ؟ "
تنهدت بقوة و قالت منهية هذا الموضوع الذي يثير حزنها و ألمها : " أ تبقى كثيراً كي نصل ؟ "
تفهم طارق رغبتها .. و قال : " كلا .. دقائق فقط " .
و بعدها سيطر الصمت عليهما .. حتى وصلا إلى المعرض .. لتشتري أسيل سيارة جديدة ، تمنع طارق من التدخل في حياتها !
**********
عاد وحيد إلى الداخل بملامح متجهمة .. و نشوى تسير وراءه بشرود .. و غيرة من أسيل التي عادت إلى حياة طارق مرة أخرى ، بينما هي بعيدة عنه .. متزوجة من شخص لا تحبه !
أعطى وحيد الحقيبة لمنى و هو يقول :
" هذه من طارق " .
انقبض قلب منى بخوف و هي ترى ملامح وحيد الحادة ، و أيقنت أن أبنتها ارتكبت حماقة ما !..، خاصة عندما رأت وحيد تابع :
" تيم .. لمار .. هيا سنعود إلى البيت " .
نهض أمجد .. و قد استشعر هو الأخر أن هناك مصيبة قد فعلتها ابنته ، و قال :
" لا زال الوقت مبكراً يا وحيد ، ألم نتفق على أننا سنقضي اليوم سوياً ؟ "
في حين اقتربت منى من ابنتها .. و همست لها : " ماذا فعلتي يا حمقاء ؟ "
تأففت نشوى بانزعاج .. و لم ترد أو تهتم بما يحدث أمامها ..
رد وحيد على أمجد بنبرة رسمية : " أعذرني عمي ، لكن تذكرت بعض الأعمال عليّ إنجازها " .
ليلتفت إلى نشوى و يقول بضيق واضح : " هيا " .
ودعاهم أمجد و منى باستسلام ، و لم تنسى منى أن تحذر أبنتها قائلة :
" تقبلي أي شئ يقوله أو يفعله بكِ ، و حسابكِ معي على ما فعلتيه .. و الذي أنا متأكدة أنه لا يغتفر " .
زمت نشوى شفتيها بامعتاض ، فوالدتها تؤيد وحيد و تقف في صفه دون أن تعلم ما الذي حدث .. و إن كانت هي مخطئة أم لا !
غادرت منزل والديها برفقة وحيد و الأطفال ، كان الصمت هو المسيطر طوال الطريق ، إلا من بعض الأحاديث الطفولية من قبل تيم و لمار ، و التي كان وحيد يشاركهما فيها بحنو ، ثم يتجهم وجهه مرة أخرى عندما يصمتا .. مظهراً عدم رضاه بما حدث منذ قليل ..
نظرت نشوى إلى الطريق بشرود ، ترى ماذا سيفعل معها ؟ ، هل سيريحها أخيراً و يطلقها ؟ ، أم سيفاجئها برد فغله كما يفعل دائماً ؟!
وصلوا إلى المنزل ، فأدخل وحيد أطفاله إلى غرفتهما ، ثم عاد إلى نشوى ليسحبها إلى غرفتهما بقوة ..
تأوهت نشوى بألم .. و قالت : " اترك يدي " .
إلا أنه لم يعيرها اهتماماً و بقى قابضاً على ذراعها حتى دخلا الغرفة ..
ترك ذراعها ليمسك بوجهها بقوة و يقول : " انظري حولكِ جيداً .. إلى كل شبر في هذه الغرفة ، و أخبريني .. ماذا ترين ؟ "
عقدت نشوى حاجبيها بعدم فهم ، ليترك وحيد وجهها .. و يرفع ذراعيه مشيراً إلى أنحاء الغرفة .. و هو يقول : " هذه الغرفة التي تقفين فيها .. كان لا يخلو جدار فيها من صور بسمة .. زوجتي " .
تفحصت نشوى الغرفة بدقة .. لتجدها خالية تماماً .. لا أثر فيها لأي صورة !
وقف وحيد أمامها .. لا يفصل بينهما سوى سنتيمترات قليلة .. و همس : " إلا أنني عندما قررت الزواج منكِ .. أزلتها جميعها .. احتراماً لكِ .. و لم يعد هناك صور لبسمة إلا واحدة في غرفة الأطفال .. و فقط " .
هتفت ببرود : " هذه رغبتك .. لا دخل لي بهذا " .
اشتعل وحيد من الغضب .. بسبب برودها و وقاحتها على الرغم مما فعلته !..، و لم يشعر بنفسه إلا و يده تهبط على وجنتها بقوة .. أمالت وجهها إلى الجهة الأخرى ، و صاح :
" طالما أنتِ زوجتي .. فعليكِ باحترامي .. و احترام زواجنا " .
اعتدلت في وقفتها .. و وضعت كفها على وجنتها بصدمة  : " أنت تضربني " .
هتف وحيد بحدة : " و سأقتلكِ إن كررتي ما فعلتيه مرة أخرى " .
صاحت بجنون : " مَن تظن نفسك أيها الأحمق المغرور ؟ ، كيف ترفع يدك عليّ ؟ ، أ تظن أنني ليس لدي عائلة تقف في وجهك ؟ "
قهقه بقوة .. و قال : " كم سأكون سعيد إن أخبرتِ والدكِ بما فعلتيه ، على الأقل هو لن يكتفي بمجرد كف " .
صمتت مع أنها تغلي بداخلها من الغضب ، و لكنه على حق .. فإن علم والدها بما فعلته .. سيغضب منها بشدة .. و لا تستطيع توقع رد فعله كيف سيكون !
إلا أن وحيد لم يكتفي بهذا الكف !..، فكما يعتقد .. لقد صبر على نشوى كثيراً كي تعتاد عليه ، إلا أنه كان مخطأ في انتظاره هذا ، حيث تصرفت هي و كأنها لا زالت حرة .. لم تتزوج بعد !..، لذا .. قد حان وقت وضع النقاط على الحروف ، و التوضيح لها أنها زوجته .. ملكه .. و لن تكون لغيره .. إلا إن أراد هو هذا !
اقترب وحيد منها .. حتى أصبح لا يفصل بينهما سوى سنتيمترات قليلة ، و همس بجانب أذنها : " لقد انتظرت كثيراً .. و آن الآوان كي أحصل على حقي الشرعي ! " .
توسعت عيونها برعب ، إلا أنه لم يمنحها الفرصة لاستيعاب الأمر و الإعتراض ، حيث بدأ بتقبيل خلف أذنها حتى عنقها .. و يده تعبث بملابسها !
لتصبح نشوى زوجته رسمياً بعد مرور ما يزيد عن العشرة أيام على زواجهما !
**********
بعد مرور أسبوع
دلفت هالة إلى غرفة اينتها ، لتجدها متممدة على السرير .. و جسدها يرتجف إثر بكاءها ..
اقتربت منها .. لتملس على جسدها بحنو .. و هي تقول : " يكفي بكاءً يا حبيبتي " .
هتفت تسنيم من بين بكاءها : " لم يتصل و لم يعود أمي منذ ذلك اليوم " .
قبلت شعرها بحنو .. و قالت : " ألم يطمئننا والدكِ أنه بخير ؟ "
صاحت بعدم تصديق : " و إن كان أبي يعلم أين هو .. و يعلم أنه بخير .. لِمَ لم يُعيده .. أو يجعلنا نذهب إليه ؟! "
دلف طه حينها إلى الغرفة .. ليقول مبتسماً : " لقد غادر بإرادته صغيرتي ، و لا يمكنني الذهاب كي أعيده ، أ تعلمين لماذا ؟ "
نظرت له تسنيم باستغراب ، ليتابع هو بنفس الابتسامة : " لأنه لا يفعل هذا إلا ليضغط علينا لنرفض سيف ، و أنتِ لا تريدين هذا ، أليس كذلك ؟ "
زمت تسنيم شفتيها و قد انهمرت دموعها مرة أخرى .. و قالت : " لا أعلم لِمَ لا يوافق عليه ؟ ، و لِمَ هما الاثنان يكرهان بعضهما منذ الصغر ؟ "
اقترب منها طه و احتضنها .. و هو يدرك جيداً سبب كره مازن و سيف المتبادل ، فكلاهما يغار عليها .. و لكن كلاً بطريقته !
فمازن وجد في تسنيم شقيقته المتوفاة .. و قد أولاها كل حبه و اهتمامه .. و أصبح يخاف عليها من نسمة الهواء ، في حين أن سيف يغار من علاقة مازن بتسنيم القوية .. و خضوع الأخيرة لكل أوامر و قرارات شقيقها دون اعتراض ، حتى أنه رأى الخوف في عيني سيف ذلك اليوم .. عندما خيّر مازن تسنيم بينه و بين سيف ، و قد خاف الأخير من أن تخذله حبيبته و تخضع لقرارات شقيقها مرة أخرى ، إلا أن على ما يبدو .. حب تسنيم القوي لسيف .. جعلها تتمرد على قرار شقيقها لأول مرة !
هتف طه بغموض : " لا تقلقي حبيبتي .. سيعود قريباً ، و يبارك لكِ على زواجكِ من سيف " .
نظرت له تسنيم بشك و قالت : " حقاً أبي ، كيف ؟ "
ملس طه على شعرها بحنو و قال : " لا تشغلي بالكِ بهذا ، المهم الآن أن تنهضي و تبدأي في التجهيز لحفل خطبتكِ " .
همست تسنيم بتردد .. و ما زالت غير مقتنعة أن مازن سيعود و يبارك لها زواجها : " و مازن .. هل سيأتي ؟ "
هتف طه بحزم : " و إن لم يأتي .. و أصر على عدم العودة حتى تتركين سيف ، هل ستخضعين لرغبته ؟ "
أغمضت تسنيم عينيها بأسى .. غير قادرة على الرد ، ليبتسم طه بتفهم و يقول : " طالما أن سيف لا يعيبه شيئاً .. و أنتِ تحبينه ، فلن أسمح لأحد أن يتدخل في حياتكِ و سعادتكِ .. مهما كان " .
تساءلت تسنيم بارتياب : " حتى مازن ؟ " .
أجاب طه : " حتى إن كان مازن " .
ليتابع ناصحاً إياها : " و عليكِ أنتِ أيضاً أن تقفي في وجه أي أحد .. طالما تريدين سيف " .
لتهمس تسنيم بحزن : " و لكن هكذا مازن سيغضب مني .. و لن يتحدث معي مرة أخرى " .
قال طه : " مازن سيغضب لأسبوع .. أو شهر .. أو سنه ، لكن بعد أن يراكِ سعيدة مع مَن اخترتيه ، ستعود علاقتكما كما كانت " .
أزالت تسنيم دموعها ، و حديث والدها يتردد في أذنها باعثاً لقلبها الراحة ، نعم .. ليس عليها أن تتخلى عن حبيبها بسبب قرار شقيقها الغير مقبول ، من حقها أن تختار حياتها و سعادتها كما سيفعل هو في يوم !..، و بالتأكيد - و كما قال والدها - لن يظل غاضباً منها طوال العمر !
التقطت تسنيم هاتفها بحماس و قالت : " إذاً سأتصل بسيف .. كي نتفق على موعد إقامة الحفل " .
قبلها طه و قال : " حسناً صغيرتي " .
ثم نهض هو و زوجته - و التي كانت صامتة طوال حديثه مع تسنيم .. تتابعه بصمت - و غادرا الغرفة .. تاركين لتسنيم الحرية في الحديث مع خطيبها كما يحلو لها .
حالما ايتعدا عن غرفة ابنتهما ، هتفت هالة بامتعاض : " لم يكن عليك فعل هذا يا طه " .
نظر لها طه بحيرة : " ماذا ؟ "
قالت هالة بعدم رضى : " بما قولته لتسنيم .. أقنعتها بالاستمرار مع سيف " .
هتف بدهشة : " أ لا ترضين بسيف زوجاً لها ؟ "
قالت باقتناع : " نعم .. إن كان هذا سيُغضب ابني " .
قال باقتضاب : " و ترضين لها ما يفعله فيها ابنكِ ؟ "
هتفت بدفاع : " كل ما يفعله من خوفه عليها " .
صاح طه .. و قد بدأ يشعر بالغضب من زوجته .. التي ستظلم تسنيم و سيف من أجل أبنها : " يخاف عليها من مَن ؟ ، من أبن شقيقتكِ ؟ ، و الذي تعلمين جيداً طباعه و أخلاقه ! "
هتفت بتردد : " بالتأكيد مازن لديه أسباب لرفض سيف " .
هتف بجدية : " و قد أعطيته الفرصة كي يفصح عن أسبابه ، إلا أنه لم يهتم وقتها إلا بوضع تسنيم في موضع اختيار " .
و تابع بحزم : " و بحكم معرفتي بسيف و أخلاقه .. فأنا لا أعترض على زواجه من تسنيم ، و طالما تسنيم تحبه و موافقة عليه .. فلا يحق لمازن إبداء رأيه " .
قالها ثم سار مبتعداً عنها متجهاً إلى غرفة مكتبه ليجري مكالمة هامة !
**********
نظر صادق إلى مازن من بعيد ، يراقبه .. و هو يجلس أمام البحر .. ينظر إليه بشرود .. ملامحه محملّة بالحزن و الأسى ..
و بعد ثلاث أيام من مراقبة صادق لمازن في جلسته هذه ، قرر الإقتراب منه و التحدث معه ..
جلس صادق بجانب مازن ، إلا أن الأخير لم ينتبه له .. و لم يلتفت إليه ..
هتف صادق مبتسماً : " السلام عليكم " .
انتبه له مازن ، فالتفت له .. و رد على تحيته بخفوت .. ثم أعاد نظراته إلى البحر مرة أخرى ..
تابع صادق و ابتسامته مازالت مرتسمة على محياه : " لقد لاحظت ترددك على هذا المكان كل يوم .. و جلوسك فيه لفترة طويلة ، فأحببت أن نتعارف " .
هتف مازن باقتضاب .. دون أن ينظر إليه : " و هل تعرف كل مَن يجلس هنا ؟ "
رد صادق بلا تردد : " بالطبع لا " .
نظر له مازن بتساؤل : " إذاً .. لِمَ أنا الوحيد الذي لفت نظرك و قررت أن تتعرف عليه ؟ "
لم يتفاجأ صادق من سؤاله ، فلقد كان يتوقع مثل هذا السؤال .. كما كان يتوقع العديد من الأسئلة التي من المحتمل أن يسأله مازن إياها ، و أعد إجابة مقنعة لكل سؤال ..
" لأن هناك مَن يأتي برفقة عائلته .. أو حبيبته ، أما أنت فتأتي لحالك ، و لا ينضم لك أحد طوال فترة تواجدك " .
إجابة مقنعة ، إلا أن مازن لم يكن في مزاج يسمح له بالتعارف أو الحديث مع أحد ، فصمت ناظراً إلى البحر ..
هتف صادق بحذر : " يمكنك أن تحدثني عما يزعجك ، و ثق أن ما ستقوله لي لن يعرفه أحد " .
ظهرت الدهشة على ملامح مازن ، فمَن هذا الرجل كي يقص عليه كل ما يزعجه ؟ ، و كيف سيثق فيه و هو لم يعرفه إلا منذ دقائق قليلة ؟ ، حتى أنه لا يعرف اسمه حتى الآن !
و مع ذلك أحب أن يتحدث معه .. أن يصفح له عما يزعجه .. عله يرتاح ، كما أن عدم معرفته لهذا الشخص .. تتيح له حرية الحديث دون تردد أو خوف !
شعر صادق بتردد مازن في الحديث معه ، و كاد أن يقنعه بطريقة أخرى ، إلا أن مازن قال :
" لقد خُطِبت شقيقتي منذ أيام " .
كان صادق على علم بهذا !..، فلقد أخبره طه بكل ما يخص مازن .. و ما مر به .. بدءً من وفاة شقيقته أمام عينيه .. بسببه ، حتى المشكلة التي حدثت بينه و بين خطيب الفتاة التي كفلها طه و زوجته بعد وفاة ابنتهما ..
إلا أنه هتف بسعادة مصطنعة : " مبارك لك " .
و تابع بارتياب : " لكن .. لِمَ لا تبدو سعيداً ؟ "
هتف مازن بحدة : " لأنني لا أوافق على هذا الزواج " .
تساءل صادق بحيرة : " هل هناك ما يُعيب الشاب ؟ "
نفى مازن بحركة بسيطة برأسه و قال : " و لكن شقيقتي ما زالت صغيرة " .
" كم عمرها ؟ "
تنهد مازن و قال : " ستتم التاسعة عشر بعد أشهر قليلة " .
" تسعة عشر عاماً و تقول أنها صغيرة !..، أنا أعرف فتيات يتزوجن و ينجبن و هن أصغر من ذلك بكثير " .
نظر له مازن بغضب و قال : " لا يهمني ما يحدث لباقي الفتيات .. فكل رجل مسئول عن ابنته ، و أنا لا أقبل لشقيقتي أن تتزوج و هي في هذا العمر " .
تساءل صادق بحرج مصطنع : " هل والدك لا زال على قيد الحياة أم ؟ "
سارع مازن بالقول : " أطال الله في عمره " .
سأل صادق باستغراب : " و هل هو موافق على زواجها ؟ "
همس مازن بحزن : " للأسف ، إنه يقول أن الزواج لن يتم إلا بعد أن تتخرج شقيقتي " .
رفع صادق حاجبيه باستغراب : " إذاً .. ما مشكلتك طالما أنها لن تتزوج الآن ؟ "
صمت مازن ، و لم يحب أن يسترسل مع هذا الغريب في الحديث أكثر من ذاك ، كما أن صادق لم يكن ليلح على مازن في الحديث أكثر .. فبالنسبة له .. ما تحدثا فيه كافي لليوم !
لذا نهض و هو يقول : " سعدت بالحديث معك يا أخي ، إلا أنني مضطر للرحيل الآن .. و أتمنى أن أراك مرة أخرى .. و أن تكون وقتها وافقت على زواج شقيقتك " .
و قبل أن يتحرك سأل مازن : " صحيح أنت لم تخبرني بأسمك " .
رد مازن باقتضاب : " مازن " .
ابتسم صادق بغموض و قال : " و أنا صادق .. تشرفت بمعرفتك " .
**********
وقفت ليندا تنظر إلى ملابسها الجديدة بحيرة ، لا تعلم أيهما تختار كي ترتديه ، فبعد أن أخبرها علاء عن مواصفات الفتاة التي أُعجب بها .. و أن ما لفت نظره فيها هو خجلها و احتشامها ، و بعد تفكير عميق أستغرقت فيه ليندا عدة أيام ، قررت الطريقة الجديدة التي ستتعامل مع علاء بها ، و تأمل أن تنجح و تستحوذ على قلبه من خلالها ..
و أول ما فعلته .. هو أن منعت زياراتها لعلاء في منزله ، و أصبحت تتعامل معه بطريقة مختلفة .. تميل إلى الرسمية أكثر ، و بالتالي لن يفكر فيها علاء على أنها فتاة جريئة .. لا تهتم بالأخلاق و العادات !
و الخطوة الثانية .. و التي ستبدأ في تنفيذها من اليوم .. كي تلفت نظر علاء إليها ، هي ارتداء ملابس أكثر احتشاماً ، فما كانت ترفض ارتداءه من قبل و تتذمر منه .. على الرغم من أن علاء كان مَن يختاره لها ، اشترته و سترتديه اليوم بكل سرور .. طالما هذا هو السبيل كي يبادلها مشاعرها !
هبطت ليندا إلى الأسفل ، لتنظر لها زوجة والدها .. و تبتسم بإعجاب و هي تراها مرتدية فستان طويل نيلي اللون .. يخفي جميع مفاتنها ..
هتفت مريم بسعادة من هذه الخطوة التي أتخذتها ليندا ، غير مدركة الهدف منها : " تبدين جميلة جداً حبيبتي " .
جلست ليندا لتتناول طعامها بهدوء ، و قالت بلا مبالاة : " لا أهتم لرأيكِ " .
لم تغضب منها مريم .. فهي متفهمة كره ليندا لها ، و تعلم أنها ستنتظر كثيراً كي تنال حب ليندا !
" تناولي إفطاركِ جيداً ، فأنتِ تعودين في وقت متأخر ، و بالتأكيد لا تجدي الوقت لتتناولي الطعام في عملكِ " .
هتفت ليندا ببرود .. بعد أن أبتلعت ما في فمها : " لا دخل لكِ " .
إلا أن مريم لم ترد عليها ، حيث وصل إلى ليندا صوت قوي .. محذر .. من خلفها : " لا تتحدثي مع خالتكِ بهذه الطريقة " .
لم تكلف ليندا نفسها و تنظر إلى والدها ، كل ما فعلته هو أن ضحكت بسخرية .. ضحكة وصلت إلى مسامع والدها ، فقال :
" أضحكيني معكِ " .
هتفت ليندا بشجاعة : " لا " .
احتقن وجه والدها بغضب .. من ردها عليه .. و عدم احترامها له ، فحاولت مريم إنقاذ الموقف .. فاقتربت من زوجها .. و همست راجية :
" لا تفعل لها شئ أرجوك " .
هدّأ والد ليندا من نفسه .. من أجل زوجته فقط !..، و جلس ليتناول إفطاره ..
مما جعل سخرية ليندا تزداد ، و بلا تردد نهضت .. تاركة لوالدها و زوجته المنزل !
خرجت و هي تهمس لنفسها : " على الأقل تحدث معكِ .. حتى لو من أجل زوجته ، المهم أن لسانه خاطب لسانكِ .. بعد مرور أشهر لم يتحدث معكِ فيها " .
زمت شفتيها مانعة نفسها من البكاء .. و تابعت : " أخر مرة تحدث فيها معي .. كانت ليخبرني بزواجه ، و اليوم يتحدث معي من أجل زوجته ، كم هذا رائع ! "
وقفت لبضع دقائق منتظرة علاء أن يأتي و يذهبا معاً إلى المشفى .. كما اعتادا !
لحظات و كانت سيارة علاء تقف أمامها ، فصعدت .. محيية إياه بهدوء ..
قاد علاء إلى المشغى في صمت قد اعتاد عليه في الفترة الأخيرة ، فليندا تغيرت معه .. أصبحت أكثر هدوءً .. و تصرفاتها أصبحت أكثر نضجاً .. مما أسعده .. و جعله يظن أنها فهمت علاقتهما بشكل صحيح أخيراً !
صفّ علاء سيارته في جراج المشفى ، فسارعت ليندا بالترجل و سارت أمامه ، منتظرة منه أن ينتبه إلى ملابسها و يثني عليها ..
سار علاء بشرود .. يفكر في زينة التي سيراها بعد دقائق ، و قلبه تتعالى دقاته بطريقة لم يعهدها من قبل !
دلفا إلى المشفى ، لتقول ليندا في نفسها : " سأتحدث معه الآن ، و حينها سيثني على ملابسي .. و يخبرني كم أنني جميلة .. و أنها تناسبني " .
التفتت إليه ليندا .. ليتوقف علاء فجأة في مكانه .. و قد نسى أنها تسير بجانبه !
ابتسمت بهدوء .. و قالت : " سأذهب إلى عملي " .
هتف علاء بشرود .. و عينيه تبحث عن زينة : " حسناً " .
رفعت ليندا حاجبيها بعدم رضى .. فليس هذا ما تريد سماعه !
" أ تريد شيئاً ؟ "
نفى علاء بعدم انتباه ، و عيونه قد لمعت بشدة عندما وقعت على زينة ، و أخذ يحسب الثواني كي يتحدث معها ..
زمت ليندا شفتيها بحزن ، إلا أنها أقنعت نفسها أنه ينتظر رؤية أن تغييرها جدياً .. و بعدها ستبدأ قصة عشقهما !
" إلى اللقاء علاء " .
ثانية استغرقها علاء ليودع ليندا ، ليعود بنظراته إلى زينة .. فيجدها اختفت من المكان !..، تأفف بانزعاج .. و قرر أن ما يفعله غير مجدياً .. كما أنه غير لائقاً !..، فلا يصح أن يبحث عنها في كل مكان .. و يستغل الفرص كي يتحدث معها ، هذه ليست أخلاقه .. كما أنه من الواضح أنها ليست أخلاقها أيضاً .. و الدليل على ذلك تهربها منه !
لذا .. عليه أن يتحرك .. و يتخذ خطوة إيجابية .. طالما هو يريدها !
**********
راقبته و هو يخرج من البناية ذاهباً إلى عمله .. ساقه أصبحت أفضل .. و قد عاد إلى عمله بعد ثلاث أيام من إصابته ، إلا أنه لم يتحدث معها حتى الآن .. يتجاهلها تماماً .. و يتحاشى رؤيتها ، حتى أنه يطلب من البنات أن يصعدن ليراهن.. حتى لا يضطر أن يأتي إلى الشقة و يراها !
تنهدت بضيق .. إلى متى سيظلا على هذا الحال ؟
إلى متى سيعاقبها ؟
تعترف أنها أخطأت ، لكن ما فعلته لا يستحق كل هذا !..، فبالأخير هذا ينم عن حبها الكبير له .. و خوفها من أن يأتي يوماً و يتركها ..
وضعت يدها على فمها فجأة ، و هرعت إلى الحمام كي تفرغ ما في جوفها ، ثم غسلت وجهها .. و خرجت .. و التقطت حقيبتها .. لتذهب إلى عملها ..
حالما خرجت من شقتها .. رأت مشيرة أمامها .. فعبست بملامحها تلقائياً .. فزوجة شقيقها .. هي السبب في كل ما حدث و يحدث معها !
ابتسمت مشيرة بتشفي و قالت : " كيف حالكِ يا هبه ؟ "
ردت عليها باقتضاب : " بخير يا زوجة أخي " ، قالتها ثم تحركت من أمامها لتغادر ، فأخر ما تريده هو الحديث معها !
إلا أن مشيرة استوقفتها هاتفة بشماتة : " و كيف حال إسلام ؟ "
هتفت هبه دون أن تلتفت إليها : " بخير ، شكراً على سؤالكِ " .
ابتسمت مشيرة بمكر : " أ أنتِ متأكدة أنه بخير ؟ ، فكما أعلم .. هو يقيم في شقة شقيقه هذه الأيام ، أ أنتما متشاجران ؟ "
لا .. لن تجعلها تظن أنها حققت هدفها ، لن تُشعرها بلذة الإنتصار !
التفتت لها هبه .. و نظرت لها بقوة تُحسد عليها ، و هتفت بكذب : " مخطئة يا زوجة أخي ، الحمد لله .. ليس بيني و بين زوجي أي مشاكل " .
ابتسمت مشيرة بسخرية توضح عدم تصديقها لحديث هبه : " حقاً ؟ ، إذاً .. لِمَ يقيم في شقة شقيقه ؟ "
سألتها هبه بحدة : " و من أين علمتي أنه يقيم في شقة شقيقه يا زوجة أخي ؟! "
توترت مشيرة للحظة ، فبالتأكيد لن تخبر هبه أنها لا تفعل شيئاً سوى مراقبة شقتها .. و انتظار خروج و عودة إسلام لترى إلى أي شقة سيتجه !..، لكنها سرعان ما سيطرت على توترها و قالت :
" لقد رأيته منذ أيام يصعد إلى شقة شقيقه ، و صباح اليوم التالي خرج منها ، فاعتقدت أن هناك ما حدث بينكما " .
و بالطبع هبه لم تصدقها ، بل كانت متأكدة أن زوجة شقيقها كانت تراقبهما لتتيقن من نجاح خطتها !
" و هل هناك ما يمنع زيارة زوجي لشقيقه ؟ ، لقد ذهب خيالكِ بعيداً يا زوجة أخي ، اطمئني أنا و زوجي بخير .. و لا توجد بيننا أية مشاكل " .
اطلقت مشيرة ضحكة صغيرة .. و هتفت بسخرية لاذعة : " أتمنى لكما مزيداً من الراحة و السعادة إذاً " .
ثم دلفت إلى شقتها .. مغلقة الباب في وجه هبه بفظاظة !
رمشت هبه بعينيها بألم ، و تحركت عائدة إلى شقتها بدلاً من الذهاب إلى عملها ، فلم يعد لديها القوة لفعل شئ !
دلفت إلى غرفتها هي و إسلام .. لتستلقي في مكانه .. تتشمم وسادته باشتياق ، و بضعف .. التقطت هاتفها لتتصل به ..
رنة .. رنتين .. ثلاثة .. أربعة ، و أخيراً رد في الخامسة !
قالت اسمه باشتياق : " إسلام " .
هتف إسلام باقتضاب ممزوج بالخوف : " هل البنات بخير ؟ "
ابتسمت بانكسار ؛ فعلى ما يبدو أن البنات أصبحن الرابط الوحيد بينهما !
" لا البنات بخير " .
هتف بفظاظة : " ما سبب اتصالكِ إذاً ؟ "
همست بصوت بالكاد يُسمع : " اشتقت لك " .
أغمضت عينيها .. و تابعت بحزن : " متى سيتخلص قلبك من القسوة التي تغلفه ؟ ، متى ستحنو و تعود إليّ ؟ "
صمت سيطر على محادثتهما لدقائق طويلة ، لم يرد إسلام خلالها على سؤالها ، مما جعلها تقول :
" سامحني .. أرجوك " .
هتف إسلام بقسوة : " و إن سامحتكِ .. هل ستكفين عن شككِ بي ؟ ، هل ستمنحيني الثقة التي من المفترض أن تكون بين أي زوجين ؟ "
هتفت بلا تردد : " نعم " .
هز إسلام رأسه و قال : " لا أصدقكِ " .
دمعة فرّت من عينيها فور أن قال جملته ، و قالت بألم : " تقولها بهذه البساطة " .
ابتسم بألم و قال : " أ ليست هذه الحقيقة ؟ "
نفت بخفوت : " لا ليست الحقيقة " .
سيطر الصمت مرة أخرى ، لتقول هبه بانكسار : " أ لن تسامحني ؟ "
همس بعد تفكير : " لا أعلم " .
همست بعدم فهم : " كيف ؟ "
قال موضحاً : " أخشى أن أسامحكِ و بعدها تعيدي ما فعلتيه ، وقتها سأطلقكِ بلا تردد " .
هتفت بنبرة محملة بالألم : " كيف أستطعت نطقها ؟ "
و للمرة الثالثة لم يرد عليها ، لتقول هي : " أ تعلم ماذا فعلت اليوم مع مشيرة ؟ "
همس بتساؤل : " ماذا ؟ "
قالت بطفولية : " لقد كانت سعيدة بما يحدث بيننا ، و الشماتة كانت تطل من عينيها ، فأخبرتها أن الأمور بيننا بخير .. و أن كل ما تظنه من محض خيالها " .
ابتسم إسلام على نبرتها الطفولية السعيدة .. و كأنها حققت إنجازاً كبيراً ، و مع ذلك قال :
" ليتك واجهتيها بنفس القوة عندما سممت عقلكِ بأفكارها " .
هتفت بعذاب : " كنت غبية ، و لكنني لن أسير ورائها مرة أخرى ، أعدك بهذا " .
تنهد بقوة و قلبه يخبره بأن يكف عما يفعله و يعود إليها .. فيكفي ندمها على ما حدث ، و عقله يرفض و يخبره أنها شككت في حبه لها و استمعت إلى تفاهات لا صحة لها !
همست : " إسلام أنا متعبة .. أحتاج لك " .
قابلها الصمت ، لتبتسم بانكسار و تقول : " لن أضغط عليك ، و أتمنى أن تعود و تسامحني في أقرب وقت " .
أغلقت الخط ، لتشرع في بكاء عنيف .. تحاول به التخلص من ألم قلبها ، و هتفت بتصميم :
" أغضب كما تريد يا إسلام .. و لكن بجانبي ، لن أسمح لك بالإبتعاد أكثر من هذا ، فكما يقولون .. البعد يوّلِد الجفاء .. و أنا لن أنتظر حتى يقسو قلبك أكثر و تكرهني ، ستعود إلى بيتنا .. اليوم ! "
**********
تساءلت لمياء باستغراب : " لارا .. ما بكِ ؟ ، لقد لاحظنا تغيرك منذ أيام " .
ابتسمت لارا ابتسامة لم تصل إلى عينيها و قالت : " أشعر ببعض الإرهاق بسبب ضغط المذاكرة " .
هتفت مروة بمرح : " منذ متى و نحن نخاف من هذه الأشياء يا صديقتي ، نحن أقوى منها بكثير .. و سننتصر عليها بسهولة " .
قهقها كلاً من لمياء و لارا على نبرة صديقتهما و حديثها ، لتتابع مروة بحالمية .. و قد انتبهت إلى وصول خالد :
" و ها قد أتى المعجب الوسيم " .
عبست لمياء بملامحها بضيق ، في حين هزت لارا رأسها بيأس من خيال صديقتها الواسع ..
انضم خالد إليهن .. و هتف مبتسماً بمرح : " أرجو ألا أكون قد تأخرت عليكن " .
ابتسمت له لارا بسذاجة و قالت : " لا أبداً " .
جلس و قال : " كيف حالكن ؟ "
هتفت لمياء بنفور : " كنا بخير قبل أن تأتي " .
قرصتها لارا بقوة .. كي تكف عن الحديث معه بتلك الطريقة ، و ابتسمت له بحرج ..
إلا أن خالد لم يبالي بلمياء و لا بما قالته .. فهدفه واضح و محدد !
وجه حديثه إلى لارا قائلاً : " أنا متحمس لأنكِ ستشرحين لي " .
ابتسمت لارا بخفة و قالت : " أرجو أن تفهم من شرحي حرفاً " .
ابتسم بغموض و قال : " متأكد من هذا " .
بدأت لارا في الشرح لصديقتيها و خالد ما يستصعب عليهم فهمه ، و قد ركزا لمياء و مروة في شرحها ، في حين تظاهر خالد بذلك !
بعد مرور القليل من الوقت ، هتف خالد بانزعاج : " لقد تعبت ، و بدأت أشعر بالجوع " .
هتفت لمياء باستنكار : " لم نكمل الساعة بعد " .
هتف خالد بجدية : " الجوع لا وقت له " .
تبعته لارا مؤيدة : " لديك حق ، و حتى أنا أشعر بالجوع " .
جمعت مروة الكتب و قالت : " إذاً .. لنذهب و نأكل شيئاً .. و بعدها نكمل مذاكرة " .
نهضوا جميعاً .. إلا لمياء بقت جالسة في مكانها ، فنظرت لها لارا باستغراب و قالت :
" أ لن تذهبي معنا لمو ؟ "
حركت لمياء رأسها بنفي و قالت : "  لا .. سأنتظركم هنا " .
أمالت لارا رأسها بتساؤل و قالت : " لِمَ ؟ "
ردت لمياء بصراحة : " لم أعتاد على الخروج مع أشخاص لا أعرفهم " .
رفع خالد أحد حاجبيه بسخرية ، و بداخله سعادة لأن هذه الفتاة لم تذهب معهم ، فملامحها توضح كرهها له .. و بالتالي هي تؤثر على لارا !..، إلا أن لارا قضت على سعادته حينما قالت : " و أنا لن أذهب إلا إن ذهبتي معنا .. هيا .. أرجوكِ " .
و على ما يبدو أن لمياء قرأت ما يدور داخل خالد !..، حيث أنها نهضت و هي تقول : " من أجلكِ فقط " .
تأفف خالد بانزعاج ، و سار برفقة الفتيات متجهين إلى أقرب مطعم .
**********
قاد سيارته مقرراً الذهاب إلى أبن عمه .. و الذي لم يراه منذ فترة طويلة ..
وصل إلى المطعم .. و الذي من المفترض أن أبن عمه يتواجد فيه معظم الأيام ، دلف إليه .. و بتلقائية سار في اتجاه غرفة ابن عمه ، ليستوقفه النادل قائلاً : " دكتور أمير .. السيد بشار ليس هنا " .
التفت له أمير باستغراب و قال : " أين هو ؟ "
هتف النادل بنبرة رسمية : " إنه في الفرع الأخر " .
هتف أمير ببساطة : " حسناً .. احضر لي وجبتي المعتادة " .
قالها و اتجه إلى إحدى الطاولات .. منتظراً النادل أن يأتي بوجبته ، و ما هي إلا دقائق حتى وضع النادل الطعام أمامه .. و بدأ أمير في تناوله ، إلا أنه توقف عن الأكل فجأة .. و صوت فتاة يصل إليه بوضوح .. صوت يعرفه و يحفظه عن ظهر قلب !
التفت حوله .. ليجد فتاته القزمة تجلس مع فتاتين أخرتين و .. شاب !..، عقد حاجبيه بانزعاج .. مَن هذا الشاب ؟
لِمَ تجلس معه ؟
و أين إسلام و علاء عنها ؟
نهض باندفاع .. و وقف أمام الطاولة التي تجلس عليها لارا برفقة أصدقائها ، و هتف بانزعاج واضح : " لارا .. ماذا تفعلين هنا ؟ ، و مَن هذا ؟ " ، قال جملته الأخيرة و هو يشبر إلى خالد باحتقار !
**********
كان المطعم في هذا الوقت يكاد يكون خالياً ، فاستغل بشار الفرصة .. و اقترب من ريناد قائلاً : " أتمنى ألا تخبريني أنكِ تريدين المغادرة مبكراً اليوم أيضاً " .
تنهدت ريناد بهم .. لا هي لم تطلب منه المغادرة قبل انتهاء العمل ، لأن كل محاولانها في البحث عن ياسمين قد فشلت .. و قد بدأت تشعر باليأس من إيجادها .. حيث أنها بحثت عنها في كل مكان قريب من الدار ، و لا تعلم أين عليها البحث عنها ..
ترى أين ذهبت ؟ ، و ماذا تفعل ؟
هذين السؤالين هما كل ما يشغل عقل ريناد هذه الأيام ..
سألها بشار : " كيف تجدين العمل هنا ؟ ، هل أحببتيه ؟ "
هتفت ريناد بامتنان : " إنه رائع ، و أشكرك على موافقتك على أن أعمل هنا .. على الرغم من أن مؤهلاتي لم تكن كما المطلوب " .
هتف بشار بجدية : " لقد أخبرني السيد رشدي عن حاجتكِ الماسة للعمل ، و حقيقة .. أنا لست نادم أبداً على هذه الموافقة " .
ابتسمت ريناد بخجل ، ليسألها بشار بفضول : " و لكن .. ألم تفكري باستكمالها ؟ "
هتفت ريناد بجدية : " لدي ما هو أهم من الدراسة .. عليّ فعله " .
رفع بشار حاجبيه بتساؤل .. و قد بدى عدم الرضى على ملامحه .. و ظهر هذا واضحاً في حديثه : " الدراسة أهم شئ في الحباة ، فالإنسان يعيش كي يتعلم .. و كلما تعلم أكثر .. كلما نجح أكثر .. و أصبح لحياته معنى " .
ابتسمت ريناد بسخرية و قالت : " و هل سيمنحني العلم ما حُرمت منه في طفولتي .. و ما منعه مشرفين الدار عني ؟! "
و تابعت بجدية : " باعتقادي .. أن المال هو أهم شئ في الحياة ، و أن الإنسان بلا مال لا يحصل على حياة من الأساس ! "
سألها بشار باستغراب : " أي دار ؟ "
**********
دلفت ياسمين إلى غرفة مكتب فريد .. حاملة في بدها كوب القهوة الخاص به ، وضعته على مكتبه بهدوء .. و هتفت بنبرة رسمية :
" هل تريد شيئاً أخر سيدي ؟ "
هتف فريد بجدية : "  نعم .. انتظري قليلاً " .
فتح درج مكتبه .. و أخرج ورقة بيضاء .. مخطوط عليها بعض الكلمات ، أعطاها لها قائلاً : " وقعي على هذه " .
نظرت ياسمين إلى الورقة باستغراب .. ثم نظرت إليه قائلة بارتياب : " ما هذه ؟ "
هتف فريد ببساطة : " ورقة زواجنا " .

لست أبي (كاملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن