الفصل الأخير

12.8K 468 36
                                    

مش تنسوا الفوت و الكومنت الله يخليكم، احنا خلاص خلصنا

أغرقتها بالمياه بدون رحمة، لتشهق ياسمين مستيقظة من نومها، و خدر غريب يسيطر على جسدها .. المقيد بالمقعد !.
جالت نظراتها المكان بعدم تركيز، ثم همست بضعف:
" فريد " .
لتضحك رانيا باستنكار، و تقول بدهشة: " ما شاء الله، تستنجدين
بزوجي .. زوجي الذي خطفتيه مني ! "
رمشت ياسمين بعينيها عدة مرات .. محاولة استيعاب أين هي و مَن تقف أمامها .
لتنحنى رانيا قريباً منها .. فيكون مستوى وجهها في نفس مستوى وجه ياسمين، مما سّهل على الأخيرة التعرّف عليها، لتشهق بصدمة، و تهمس بذهول:
" سيدة .. سيدة رانيا " .
ليظهر الحقد على رانيا، و هي تقول: " جيد أنكِ لازلتِ تتذكرين أنني سيدتِك " .
ثم همست بفحيح: " أقسم أن أجعلِك تبكين على كل لحظة قضيتيها بقرب فريد " .
حينها صدح صوت بكاء طفل صغير، لتبتسم رانيا و تتجه إليه .
توسعت عيون ياسمين بخوف، و هي تراها تحمله و تضمه إلى صدرها، لتقول بخوف:
" ابني .. ابني " .
وقفت رانيا بعيداً عنها، و هي تضم الصغير إليها، و قالت بشفقة زائفة: " حرام، أنتِ لم تريه أو تحمليه حتى الآن، صحيح ؟ "
لتتأمل الصغير، و تملس على وجهه، و هي تقول: " لكن يؤسفني أنكِ لن تريه نهائياً " .
لتعتقد ياسمين أنها ستقتل ولدها، فتترجاها ببكاء: " أرجوكِ لا تؤذيه، أرجوكِ " .
لتقول رانيا بابتسامة غريبة: " لا تخافي هكذا أنا لن أقتله، فبالتأكيد لن أرفض هدية مثل هذه " .
لتسألها ياسمين بعدم فهم: " ماذا تقصدين ؟ "
لتقول رانيا بقسوة: " باعتقادِك، ما أكثر شئ سيؤلمِك و يعذبِك في حياتِك و موتِك ؟ "
تسارعت نبضات ياسمين خوفاً، و سألتها بتلعثم: " ماذا ؟ "
لتضم رانيا الصغير إلى أحضانها أكثر، و تقول ببساطة: " أن يتعذب هذا الصغير طوال حياته، و ألا يذوق السعادة يوماً، و إلا ما رأيِك ؟ "
لتشحب ملامح ياسمين بقوة، بينما رانيا تفصح عن خطتها: " تم خطف أم و ابنها من المشفى في ظروف غامضة، و بعد عدة أيام .. تم العثور على جثة الأم في أحد الطرق الصحراوية، بينما لم يظهر للطفل أي أثر " .
لتبتسم باتساع و هي تتابع: " في حين أن الطفل سيأخذ اسماً تحت وصاية أب و أم لا يمتان له بصلة، و سيحيا كما أريد أنا " .
إن كانت ملامح ياسمين قد شحبت من قبل فهي الآن أصبحت كالأموت، و هي تتخيل طفلها يعيش نفس الحياة التي عاشتها، يذوق نفس الألم و القسوة و الحرمان .
هزت رأسها بقوة، و توسلت قائلة:
" لا أرجوكِ ارحميه، هو لا ذنب له في شئ ..
اقتليني أنا إن أردتِ، لكن لا تأذيه " .
لتقول رانيا بغرور: " ترجيني أكثر كي أرحمه " .
و من دون تفكير، أخذت ياسمين تردد: " أرجوكِ .. أتوسل إليكِ ارحميه، إنه مجرد طفل لم يعرف في الحياة شيئاً بعد، أقبل قدميكِ اتركيه " .
لتترك رانيا الطفل، و تقترب منها، و تقول: " و إن كنتِ تحبينه إلى هذه الدرجة، لِمَ لم تفكري في مصيره من قبل ؟
أم كان كل ما يشغلِك هو خطف فريد و السيطرة عليه و على أمواله ؟ "
لتنفي ياسمين بصدق: " رغماً عني، لقد تزوجني رغماً عني .. أقسم لكِ " .
لتقول رانيا بسخرية: " و الطفل كان رغماً عنِك ؟ "
لتطرق ياسمين رأسها بصمت، مع أنها لم تتوقع مجئ هذا الطفل، إلا أنها فرحت به .. و ترّقبت وصوله .. بإحساس أنه سيصبح لها عائلة أخيراً، على الرغم من صغر هذه العائلة !
بل أنها كانت تشعر أن الطفل هو كل عائلتها، فدوماً كانت تشعر أنها لن تستمر مع فريد، خاصة مع طريقة زواجهما .. و التي توضح كم هي رخيصة و بلا قيمة في حياته !
مع أنه تغير في الفترة الأخيرة، أصبح أكثر اهتماماً و مراعاة لها، و على الرغم من استجاب أنوثتها لإهتمامه، إلا أن عقلها كان يرفضه !
أخرجتها رانيا من شرودها بسخريتها: " لا تجدين رداً ! "
لتعود ياسمين و تتوسلها ببكاء: " طفلي لا ذنب له، أرجوكِ اتركيه " .
لتضحك رانبا بقسوة، و تعود لتحمل الطفل مرة أخرى، و تخرج به من القبو .. تحت نظرات ياسمين الخائفة، و صياحها:
" أرجوكِ لا تؤذيه، أرجوكِ " .
**********
دلفت به إلى غرفتها، واثقة تماماً بعدم عودة فريد إلى القصر الآن، فبالتأكيد قد تلقى خبر اختفاء ياسمين .. و يبحث عنها الآن .
وضعت الطفل على سريرها .. لتجلس بجانبه .. و تتأمله ..
يا إلهي، كم أضاعت عليها من سنوات !
كانت تظن أن الحياة أموال .. تسوق .. سفر .. استمتاع، و أن وجود الأطفال يعرقل كل هذا .. و يضيع أجمل سنوات عمرها، لذا و بلا تردد، بدأت في تناول حبوب منع الحمل بعد الزواج مباشرة، مع أن فريد بمرور السنوات بدأ يضغط عليها لتكف عن تناول تلك الحبوب، و لكنها لم تبالي به و أصّرت على رأيها، فالحياة طويلة لذا .. لتستمتع أولاً !
و لكنها الآن، و هي ترى هذا الطفل أمامها، بملامحه الصغيرة .. و حركاته الطفولية ، ندمت على كل لحظة أضاعتها بدون طفل !
مالت عليه لتهمس بحيرة: " ماذا أفعل معك ها أخبرني ؟، لقد كان قراري إبعادك و تعذيبك، الإنتقام من والديك فيك، لكنني بعدما رأيتك .. أعتقد أنني لن أستطيع فعلها ! "
ثواني و تعالى صوت بكاء الصغير، ليتلاشى إعجابها به في لحظة، و تصرخ بتأفف:
" ميرفت .. ميرفت " .
لم تمر دقيقة، إلا و كانت ميرفت واقفة أمامها، قائلة في طاعة:
" أمرِك سيدتي " .
أشارت رانيا إلى الطفل، و قالت: " أصمتيه " .
أخذته ميرفت و هي تقول: " لابد من أنه جائع " .
لتقول رانيا بلا مبالاة: " لا يهمني ما به المهم أن يتوقف، صراخه بدأ يصيبني بالصداع" .
لتأومأ ميرفت بفهم، و تغادر و هي تقول: " أمرِك سيدتي، أمرِك " .
بعد أن خرجت، التقطت رانيا ملابسها، فهي بحاجة إلى حمام دافئ بعد الإرهاق و توتر الأعصاب الذي عانته في الساعات الماضية .
دلفت إلى الحمام، و هي تقول: " لم يكن هناك أجمل منه و هو هادئ، لكن فور أن بدأ في البكاء .. اوف ..
لكن هذا لا يمنع في التفكير في أمر بقاءه معي بطريقة جدية، على الأقل سأكون حصلت على طفل دون تعب ! "
**********
خرجت من الحمام، لترى ميرفت أمامها، فسألتها بينما هي تجفف شعرها:
" هل صمت ؟ "
لتجيبها ميرفت مؤكدة: " نعم سيدتي، إنه نائم في غرفتي " .
لتسألها: " ماذا عن الخادمات ؟ "
لتجيبها ميرفت بثقة: " لا تقلقي سيدتي، الطفل أبن صديقتِك .. كما أردتِ " .
" جيد " .
لتسألها ميرفت هذه المرة بفضول: " أعذريني على السؤال سيدتي، لكن لِمَ أتيتي بياسمين أو الطفل إلى هنا ؟، ماذا إن علم السيد فريد ؟ "
لتضحك رانيا باستمتاع، و تقول بثقة: " لأن فريد حتى إن شك أنني وراء اختفاءهما، مع إنني استبعد هذا، لأنني لم ألمّح له بمعرفتي لأمر زواجه منها ..
لكن إن .. إن شك، فالقصر المكان الوحيد الذي لن يتخيل وجودهما فيه " .
لتقول ميرفت بفهم: " نعم صحبح، لن يظن أبداً أنها قريبة منه إلى تلك الدرجة .
و إلى متى سيظلا هنا ؟، ألن نتخلص منهما ؟ "
لتقول رانيا بتفكير: " ليس بعد، أريد أن أعذّب ياسمين، أريدها أن ترى طفلها أمامها و لا تستطيع ضمه إلى أحضانها و تأمل ملامحه، أريدها أن تتدم ندم عمرها على زواجها من فريد، أما الطفل " .
لتصدر تنهيدة قوية، و تقول بحيرة: " لا أعلم، لكن إن قررت الإحتفاظ به بجانبي، فعليّ إيجاد خطة مناسبة حتى لا يكتشف فريد أنني السبب في كل ماحدث .
على كل الأحوال طمئني الرجال، فكل ساعة لهم محسوبة بنقود سترضيهم و أكثر " .
لتقول ميرفت بسعادة: " ليحفظِك الله لنا سيدتي " .
**********
قبل ساعات
دلف إلى المشفى كالمجنون، يدفع كل مَن أمامه بقوة، دون المبالاة إن كان مريضاً أو لا .
وصل إلى غرفتها، ليجد حارسه - الذي كان قد طلب منه الإهتمام بها في حالة عدم تواجده - واقفاً أمامها .. مطأطأ الرأس !
و دون المبالاة بالمكام المتواجد فيه، اقترب ليشده من ياقة قميصه، و يصيح بخوف:
" أين هما ؟، انطق .. أين ؟ "
ليرد الحارس بفزع يظهر على ملامحه: " لقد قلبت عليهما المشفى، لكن لا أثر لهما سيدي " .
ليشده أكثر، و يصرخ: " كيف لا أثر لهما ؟، كيف اختفا من الأساس ؟، أين كنت أنت ؟ "
ليبتلع الحارس ريقه بخوف، فسيده الغاضب .. من الممكن أن يقتله في أي لحظة .. بلا أي تفكير !
" أنا .. أنا، لقد طلب مني أحدهم إرشاده إلى قسم ما، و عندما لم يفهم وصفي، ذهبت معه " .
ليتابع بسرعة و هو يرى ملامح سيده التي تزداد إجراماً: " لكن أقسم أنني لم أستغرق أكثر من خمس دقائق، و بعدها عدت إلى مكاني و لم أتحرك منه " .
ليلكه فريد بقوة، و هو يردد: " غبي .. غبي، لقد كان فخاً، كيف تركت مكانك .. كيف ؟ "
ليدفعه بعدها بعيداً عنه و يركل الجدار بغضب و .. خوف، فما يقوله الحارس لا يعني إلا شئ واحد .. أن ياسمين خُطِفت !
ربما أحد أعدائه - الكثيرين - قام بخطفها للضغط عليه أو الإنتقام منه !
و لكن كيف هي و لا أحد يعلم بوجودها و علاقتهما من الأساس ؟
و حتى إن علم أحدهم عن طريق الصدفة، فليس له مصلحة في خطفها، فياسمين زوجة سرية، و المعروف عن هذا النوع من الزواج أنه لا يستمر لوقت طويل، لذا .. إن كان المقصد من خطفها هو الضغط عليه، فلكانت رانيا هي التي خُطِفت !
طرق الجدار بعصبية غير مبالياً بآلام رأسه .. يفكر و يفكر، لكن دون نتيجة !
ليقترب منه الحارس، و يقول بتوتر: " لا تقلق سيدي، جميع العاملين بالمشفى مهتمين بالأمر .. و على رأسهم المدير، و بالتأكيد سنجدهما " .
أغمض عينيه بقوة، محاولاً استعادة قوته، عليه أن يتمالك نفسه .. حتى يجدهما، و إلا من الممكن أن يضيعا منه للأبد !
توحشت ملامحه عند هذه الفكرة، لا مستحيل .. حلوته لن يصيبها مكروه !
تحرك بسرعة لمكتب المدير، فأول شئ يجب أن يفعله هو رؤية كاميرات المستشفى، كي يعرف مَن تجرأ و أخذ حلوته، و حينما يجده .. يقسم أن يقطع له يده .
كان يسير بشرود .. لا يرى أمامه، و صورة حلوته و هي مستلقية على سرير المشفى بعد وضعها تتراءى أمامه، ليتساءل .. كيف حالها الآن ؟
اصطدم بشخص ما أثناء سيره، لكنه لم يبالي .. و تابع طريقه بسرعة .
لكن صوت إسلام استوقفه: " سيد فريد، هل كل شئ بخير ؟ "
التفت إليه، ليقول بإيجاز: " ياسمين خُطِفت " .
قال هذه الجملة و تابع طريقه دون أن يلتفت مرتين، و كأنه لم يلقي عليه و على مَن معه .. قنبلة !
**********
شهقة صدرت من الثلاث فتيات، قبل أن تلتفت لارا إلى والدها، و تسأله بفزع:
" ماذا يقول هذا المجنون ؟ "
لتقول ريناد بتلعثم: " ياسمين خُطِفت، لا مستحيل " .
لتبكي بعدها بخوف .. و تسنيم تشاركها البكاء .
أما لارا فتمسّكت بوالدها برجاء، رافضة تصديق مايحدث حولها، و كررت:
" ابي، إنه مجنون، ياسمين في غرفتها و بخير، صحيح ؟ "
وصل مازن إليهم، و الذي كان يصفّ السيارة في الخارج، ليعبس بملامحه و هو يرى دموع حبيبته، و يُسرِع إليها بخوف، ليسحبها إليه و يسألها:
" تومي حبيبتي، ماذا هناك ؟، لِمَ تبكين ؟ "
لتضم نفسها إليه، و تقول من بين شهقاتها: " ياسمين مازن، ياسمين خُطِفت،" .
لتتوسع حدقتيه بصدمة، و يردد: " ماذا خُطِفت ؟ "
و كان الجواب هو ازدياد انهمار دموعها، ليربّت على ظهرها بحنو و يحاول مواستها .
تحركت ريناد فور أن اقترب أمير، لتنزوي .. و تجلس على أحد مقاعد المشفى، دموعها تهبط على وجنتبها، و تضم نفسها بقوة .. محاولة مواساة نفسها، و لسانها لا يكف عن الدعاء إلى صديقتها .. أن يحفظها الله و ألا يصيبها مكروه .. و ألا تفقدها بعد أن وجدتها .
أما لارا، فكانت في حالة من الصدمة و عدم التصديق، و تترجى والدها أن ينفي حديث فريد .
" انتظري لأفهم لارا " .
التقط هاتفه ليتصل بأمير، فعلاء في عطلة الزواج، و ليس أمامه سوى أمير ليفهمه و يساعده .
أخبره أن يأتي إليه في القسم المتواجد به، و دقائق و كان أمير أمامه .
**********
لاحظ الحالة الغريبة التي تسيطر عليهم، ليعبس بملامحه .. خاصة و هو يرى نظرة الضياع في عيني لارا .
" خير سيد إسلام، ماذا هناك ؟ "
ليسأله إسلام بقلق: " ألم تسمع عن حالة خطف أو ما شابه ذلك حدثت في المشفى، فصديقة لارا اختفت فجأة " .
ليقول أمير بصدمة: " ماذا ؟، الفتاة صديقتها ! "
لتهمس لارا برجاء: " هي بخير أمير صحبح، لم تُخطَف " .
ليبتلع ريقه بتوتر، و يقول محاولاً تهدأتهم: " لا تقلقوا، مدير المشفى بنفسه مهتم بموضوعها، و لن يرتاح إلا عندما يعثر عليها، فبالأخير سمعة مشفاه متعلقة بها
لمح إسلام فريد متجهاً للخارج، فأسرع خلفه و تبعه مازن، ليتبّقى أمير مع الفتيات .
تحركت تسنيم لتجلس بجانب ريناد، في حين أن لارا سألت أمير بأمل:
" هذا يعني أنها ستكون بخير، أليس كذلك ؟ "
ليبتسم أمير .. محاولاً طمئنتها، و يقول: " إن شاء الله، ادعي أنتِ لها و الله لن يردِك " .
لتدعو بصدق: " يا رب " .
**********
أمسك إسلام فريد من ذراعه محاولاً إيقافه، و سأله: " ماذا فعلت ؟ "
زفر فريد أنفاسه بغضب، و رد قائلاً: " رأيت كاميرات المراقبة، الرجال ملثمين .. من المستحيل معرفتهم .
و الشرطة أخذت التسجيلات معتقدة أنها ستجدهم من خلالها " .
ليسأله إسلام مرة أخرى: " و ماذا ستفعل أنت ؟ "
ليقول فريد بنبرة قوية .. قاسية: " سأبحث عنها بالتأكيد، سأقلب البلد عليها، و عندما أجدها، سألقن مَن فعلوها درساً لن ينسوه " .
حرك إسلام رأسه باعتراض، و قال بحكمة: " و كيف ستجدها ؟، هل تعتقد أن الموضوع بهذه السهولة ؟، هم بالتأكيد أخفوها جيداً " .
ليتدخل مازن قائلاً: " علينا أولاً في التفكير فيمن ممكن أن يكون فعلها، وفتها سيكون إبجادها أسهل " .
ليغمض فريد عينيه بقوة محاولاً التركيز دون فائدة، أسماء و أشخاص كثيرين في عقله، و لكنه غير قادر على تحديد أي منهم الفاعل .
ليقترح إسلام: " أرى أن نذهب إلى المنزل و نجلس و نفكر، و سنعرف مَن فعلها و نصل إليها إن شاء الله " .
حاول فريد التملص منهم و الذهاب و البحث عن حلوته و ابنه، إلا أن إسلام و مازن لم يسمحا له، و على هذا الحال .. اتجه الجمبع إلى منزل إسلام .
**********
أخذ فريد ورقة و قلم، و بدأ يدّون أسامي مَن يعرفهم و من المحتمل أن يكونوا وراء اختطاف ياسمين، إلا أن الأمر قد بدى مستحيلاً، فهو لديه الكثير من الأعداء بحكم عمله و الصفقات التي يدخلها، لكن أن تصل العداوة بينهم إلى الخطف !..، فهذا يستحيل .
و عليه .. كان يشطب كل أسم يكتبه، مستبعداً أن يصل الأمر بينهما إلى هذا .
ليقول إسلام: " ما تفعله لن يجدي نفعاً فريد، فكر جبداً ..
مثلاً هل هدّدك أحد من قبل ؟، أو طلب منك شئ و أنت لم تفعله " .
ليقول فريد بدون تردد: " لا .. أبداً، لم يصل الأمر بيني و بين أي أحد إلى هذه الدرجة " .
لتتدخل لارا بسخرية: " أنت متأكد ؟، فمَن مثلك لديه الكثير من الأعداء الذين يتمنون الخلاص منه " .
كانت تتحدث من منطلق ما أخبرتها به ياسمين سابقاً، عن شخصية فريد و علاقتها به و كيفية زواجهما، مما نمّى الكره في قلوب الفتيات اتجاهه .
لتقول ريناد بتفكير: " لِمَ لا تكون زوجتك هي الفاعلة ؟ "
لتشهق تسنيم بخوف، فإن كانت حقاً زوجته الأخرى هي وراء خطف تسنيم، فبالتأكيد صديقتهما لن تكون بخير .
" لا .. مستحيل .. يا إلهي " .
ليشحب وجه فريد، و يسارع نافياً: " لا مستحيل، رانيا ليس لها علاقة بالأمر " .
ليسأله إسلام بشك: " و ما الذي بجعلك متأكداً هكذا ؟ "
ليقول فريد بثقة: " لأن رانيا لا تعلم بعلاقتنا من الأساس، فكيف ستخطفها ؟ "
لتقول ريناد: " ربما أنت مَن تظن هذا " .
ليشرد فريد مفكراً، مستحيل .. رانيا لا تعرف عن ياسمين، إن كانت تعرف .. كان علم هو من طريقة معاملتها له .. تصرفاتها، و لكنها طبيعية جداً معه !
لاحظ إسلام حيرة فريد، و لكنه لم يكن بيده القضاء عليها، فهو أيضاً قد بدأ يقتنع بحديث ريناد !
نهضت ريناد، و قالت: " ياسمين ضعيفة .. ضعيفة جداً، لن تحتمل أي شئ يحدث لها .. أو أن يصيب طفلها مكروه، لذا حاول أن تجدها بسرعة " .
ثم تركته و اتجهت إلى غرفة لارا، لتصلي و تدعي لصديقتها، لتتبعها كل من لارا و تسنيم .
فكرة أن يصيب حلوته مكروه، بعثت الجنون إليه، فتهض ملتقطاً أغراضه، ليسأله إسلام بارتياب:
" إلى أين ؟ ".
ليتحرك قائلاً: " سأذهب إلى القصر، يجب أن أتحدث مع رانيا " .
ليقول مازن بسخرية: " و ماذا ستقول لها ؟، زوجتي مختطفة و لدي شكوك أنكِ وراء هذا !
فكِّر بعقلانية يا رجل " .
لينهار فريد صائحاً: " و إلى متى سأفكر ؟، نحن لا نعلم ما يحدث معها الآن و لا حالتها " .
ليتدخل إسلام: " حتى لو، حديثك معها لن يجدي، خاصة إن كانت لا علاقة لها بالأمر و لا تعرف بزواجك حتى الآن، وقتها ستتعقد الأمور أكثر " .
ليهتف بلا مبالاة: " لا يهمني حتى لو علمت، في كل الأحوال .. عدة أيام و سأطلقها " .
ليقول مازن بحذر: " لكن إن كانت ياسمين عندها، و علمت أنك اكتشفتها، من الممكن أن تؤذيها " .
ليضرب الجدار بجانبه بقوة، و يصيح: " ماذا أفعل إذاً .. ماذا أفعل ؟ "
ليقول إسلام بتفكير: " أولاً علينا التأكد من أنها بالفعل وراء خطف ياسمين، لذا يجب أن تقترب منها و تراقبها و تراقب تصرفاتها جيداً، و في نفس الوقت علينا البحث في جهة أخرى، فمن الممكن أن يكون لا علاقة لها بالأمر " .
ليرفع يده بتحذير، و يهتف ضاغطاً عليه: " و إياك أن تتهور في فعل أي شئ، قبل أن تقوم بأي تصرف فكر في أنه من الممكن أن يؤذي ياسمين " .
ليأومأ فريد بسرعة فور أن نطق إسلام بكلماته، ثم يقول: " و لكن أقسم عندما تكون في أحضاني، سأقتل مَن فعلها " .
ليزفر إسلام بقوة، و يقول: " ادعو أن نجدها و تكون بخير، و بعدها نرى ما سنفعل " .
ليدعو فريد برجاء، ثم يغادر إلى قصره .. ليبدأ في مراقبة رانيا !
**********
فتحت باب غرفة سيدتها بسرعة .. دون حتى أن تطرق عليه، و قالت بخوف:
" سيدتي .. سيدتي، السيد فريد هنا " .
انتفضت رانيا من مكانها مفزوعة، و رددت برهبة: " ماذا هنا ؟، متى أتى ؟ "
لتقول ميرفت بحدقتي مضطربتين: " لقد رأيته يدخل من البوابة " .
لتسارع رانيا قائلة بتوتر: " حسناً اسمعي، أعيدي الطفل إلى القبو، و احرصي على إغلاقه جيداً حتى لا تنبعث منه أصوات هذه الغبية أو طفلها، و نبهي على جميع الخدم ألا يذكر أحداً منهم وجود الطفل أمام فريد، فهمتي ؟ "
لتأومأ ميرفت بسرعة، و تركض إلى الخارج لتنفذ ما أُمِرت به .
أما رانيا، فتنفست بقوة و رسمت ابتسامة جميلة على شفتيها، لتستقبل بها زوجها !
خرجت من الغرفة، لتراه أمامها .. على وشك الدخول، فهمست بسعادة مزيفة:
" حبيبي و أخيراً أتيت، اشتقت لك كثيراً " .
أُضطُر فريد إلى مبادلتها، فقط حتى يعرف إن كانت وراء خطف حلوته أم لا !
" و أنا أيضاً حبيبتي، لذا تركت كل أعمالي و جئت إليك " .
أعمال أيها الكاذب !
تعتقد أنني لا أعرف ببقاءك مع تلك الخادمة طوال الفترة الماضية، هه .. غبي ..
لكن غريب، ما الذي جاء به إلى هنا الآن، أليس من المفترض أن يكون يبحث عنها ؟!
معقول يكون يشك بي !
كانت ملامح رانيا شاردة، بينما فريد يتأملها بتركيز .. محاولاً استشفاف أي شئ يدله على حلوته .
" بم شردتي حبيبتي ؟ "
ابتسمت رانيا بتوتر غير ملحوظ، و قالت: " لا شئ حبيبي، فقط أفكر كيف سنقضي ليلتنا، فمنذ زمن لن نسهر سوياً " .
سهر !
تأفف بداخله، و حاول احتمالها .. حتى يتأكد من شكوكه 
ليقول بابتسامة مصطنعة: " و ماذا قررتي ؟ "
لتخبره عما تفكر فيه، فيستمع إليها بلا تركيز، و روحه و قلبه و كل فكره مع أخرى، يأمل أن تكون بخير !
**********
تعلقت عيناها به منذ أن دلفت ميرفت به إلى الغرفة، أمالت جسدها محاولة رؤية ملامحه، و لكنها فشلت في ذلك .
إلهي، هل يعقل ألا ترى طفلها التي حملته في أحشائها تسعة أشهر و حلمت به كثيراً ؟!
وضعته ميرفت على سرير خشبي صغير في أخر غرفة القبو، بعيد عن مرأى ياسمين، ثم انصرفت بسرعة إلى الخارج، دون أن توجه لها كلمة، و كل ما يشغل عقلها هو تواجد فربد في نفس المكان المتواجدان فيه زوجته و ابنه .
حاولت ياسمين الحركة و تحرير نفسها، و عيناها مثبتة على الغطاء الأبيض الذي بخفي طفلها عنها .
لتسقط دموعها بنفاذ صبر، مع فشلها في النجاح، و تبدأ تهمس بعصبية:
" يا رب .. يا رب .
فريد أين أنت ؟، تعال أرجوك ".
ثم تحدّث طفلها، و كأنه سيفهمها: " لا تخاف حبيبي أنا بجانبك، لن يؤذيك أحد، لا تخاف ".
لاحظت حركة خفيفة تصدر منه، فابتسمت من بين دموعها، و قالت:
يا إلهي، كم تبدو صغير، سأخاف أن أحملك " .
لتعبس بعدها بملامحها، و تتساءل، تُرى هستحمله.. تراه و تقبله.. تلاعبه و تسهر معه كما كانت تتمنى، أم أن رانيا ستنفذ تهدبدها و تحرمها منه للأبد ؟
عادت لتدعو بصدق و تستنجد: " لا يا رب، لا تبعده عني، لا تجعله يذوق ما ذقته في طفولتي، لا تجعله يرى نفس الظلم و الحرمان .
يارب اقبض روحي، لكن يعيش هو في سعادة و لا يذوق الحزن ".
لتعود و تقول إلى طفلها: " لا تخاف حبيبي، و الدك بالتأكيد لن يتركك، سيجدك.. على الأقل، و سيهتم بك، لا تخاف " .
صدحت حينها صيحات الصغير عالية، ليتألم قلبها على الفور، و تهمس بقلة حيلة:
" يا حبيبي أنت جائع ؟، بالتأكيد جائع.
كيف سأطعمك ؟، يا إلهي "..
حاولت الحركة مرة أخرى لتحرر نفسها، لتصرخ بألم من جرح يدها من الحبال السميكة المقيدة بها .
و مع استمرار بكاء طفلها، أخذت تصرخ: " فريد .. فريد، أين أنت ؟
ميرفت تعالي إلى هنا، ابني جائع، يجب أن يأكل " .
و بسبب الجدار العازل للصوت، لم يسمع صراخها و صياحاتها إلا طفلها .
لكن صراخها لم يتوقف، خاصة و صياح طفلها يخترق أذنها .
" أرجوكم .. أرجوكم، سيموت من كثرة البكاء، أرجوكم أرجموه " .
و لم يسمعها أحد أيضاً، لتحاول تهدأة الطفل بكلماتها: " لا تبكي حبيبي، دقائق و سأطعمك، لكن لا تبكي " .
لتدعو الله بأمل: ""يا رب .. يا رب " .
لحظات و فُتِح الباب، ليدخل منه أحد الرجال الذين خطفوها، لتسارع بتوسل:
" أرجوك، الطفل ييكي من الجوع، اجلبه لي لأطعمه " .
التفت الرجل إلى الطفل بضيق، ثم خرج من الغرفة دون أن يرد عليها، لنصيح:
" لا أرجوك أنتظر " .
لتبكي بقوة و قلة حيلة، غير قادرة على تهدأة طفلها .
ثواني و فُتِح الباب مرة أخرى، لتنظر إلى القادم بلهفة، و تبدأ في التوسل من جديد .
دلفت ميرفت إلى الداخل، و اتجهت إلى الطفل .. متجاهلة توسلات ياسمين، أرضعته لبناً صناعياً، لتخفت صيحاته و ينام .
ثم خرجت تاركة خلفها ياسمين الناظرة إلى طفلها النائم بألم .
**********
صفّ سيارته اسفل البناية التي تقطن بها ريناد و .. تسنيم !
و قبل أن تترجل حبيبته، أمسك بيدها، و قال: " لا أنتِ ستعودين معي " .
همست تسنيم باستغراب: " أعود إلى أين مازن ؟ "
ليقول بنبرة لا تقبل النقاش: " إلى البيت، لن أكون مطمئناً و أنتِ هنا لحالِك " .
ابتسامة بسيطة ارتسمت على شفتيها، قبل أن تقول: " لا تخاف لن يخطفني أحد ".
فضّلت ريناد أن تترك لهما حريتهما، فترّجلت من السيارة، بعد أن قالت:
" سأنتظرِك في الأعلى تسنيم، مع السلامة مازن " .
ليرد مازن بابتسامة: " مع السلامة ريناد، انتبهي إلى نفسِك " .
همهمت ب: " إن شاء الله "، و ترّجلت .
أدار مازن محرك السيارة، لتستوقفه تسنيم بسرعة: " انتظر، إلى أين ؟ "
ليقول بملل: " سنعود إلى البيت ".
لتقول بعبوس: " لكن هذا لم يكن اتفاقنا ".
التفت بجسده إليها، ليملس على وجنتها و طرف عينها، و يهمس: " كيف تعتقدين أنني سأتركِك الليلة لحالِك و كل هذا الحزن في عينيكِ ؟! "
أغمضت عينيها محاولة إخفاء حزنها و خوفها على صديقتها عن عينيه المهتمتين .
ليقول بإصرار: " لن أتركِك الليلة تومي، لا تحاولين " .
و أردف بتلاعب: " ألا تشتاقين لصحن معكرونة ؟ "
لتضحك بخفوت، و تقول: " محاولة فاشلة، لقد صنعتها لي أمس، أم أنك نسيت ؟ "
ليرفع حاجبيه باستنكار، و يقول بخبث: " و هل تقارنين صحن معكرونة على طاولة الطعام وسط العائلة بصحن المعكرونة الذي أصنعه لكِ صغيرتي ؟ "
لتهمس بكذب: " بالأخير أكلتها ".
ليبتسم مدركاً كذبها، و يقول غامزاً إياها: " لنذهب إلى البيت، و هناك سنرى إن كان الصحن مختلفاً أم لا ! "
زفرت أنفاسها بضعف، فطالما وضع في عقله أنها ستذهب معه إلى البيت، لا أحد سيستطيع إثناءه عن قراره .
" سأصعد إلى ريناد لأخبرها ".
ليقول بينما هو يبدأ في القيادة: " مكالمة تكفي ".
**********
أغلقت الخط مع صديقتها، و استلقت على سريرها..
تسنيم لن تعود، أصر مازن على اصطحابها معه إلى المنزل، و لا تعلم السبب تحديداً وراء هذا، و لكنها تخمّن أن السبب هو ملامح تسنيم العابسة منذ الصباح، تحديداً منذ أن اكتشفا اختطاف صديقتهما، و بحكم معرفتها بمازن خلال الأيام الماضية و حديث تسنيم عنه، فهو يكره رؤية حزنها و دموعها، و يبذل الكثير من الجهد حينها لإسعادها، و بالتأكيد هذا ما جعله يأخذها معه .
انقلبت إلى الجانب و دموعها تلتمع في عينيها، دموع خوف على صديقتها، عائلتها الوحيدة التي عرفتها و قضت معها سنوات حياتها.
و دموع تحسر على وحدتها، و عدم وجود شخص بجانبها يدعّمها و يواسيها، و يخبرها أن كل شئ سيصبح بخير، و أن ياسمين ستعود سالمة هي و طفلها..
مثلما تملك لارا عائلتها و .. أمير، الذي قضى اليوم بجانبها و دعّمها بطريقة غير مباشرة، و لكنها كانت واضحة للجميع.
و مثلما تملك تسنيم مازن.
نفضت هذه الأفكار عن رأسها، فالحسرة لن تفيدها، و ستظل وحيدة كما هي، لذا بدأت تردد الأدعية، ليحفظ الله صديقتها و طفلها و يُعيدهما لها و لزوجها سالمين.
**********
بعد أن أخذت حماماً ساخناً يزيل عنها إرهاق اليوم، خرجت إليه، معترفة أنها مشتاقة لصحن المعكرونة الذي يصنعه لها خصيصاً دون أحد، و يطعمه لها بيده .
وققت على باب المطبخ تراقبه بينما هو يخرج الأغراض و يعمل بتركيز..
لقد تغير، تغير حقاً في الأيام الأخيرة، أعطاها المساحة للتعبير عن رأيها و اتخاذ قراراتها، و إن كان أعطاها لها مجبراً، و إن كانت تلك المساحة غير كافية لها، فهو في كثير من الأحيان يتدخل و يفرض
رأيه، موضحاً أنه أدرى بمصلحتها و يدرك تماماً ما يناسبها !
هذا هو مازن، سيظل متحكماً و مسيطراً، يفرض قراراته و أرآه، و يمنعها عن الكثير بسبب غيرته عليها !
و لأن هذه الصفات لن تزول أبداً، فقد عملت هي و صادق في الفترة الماضية على تخفيفها، و إزالة الخوف من قلبه، و يعتبرا نجحا في هذا، خاصة و هي لها أكثر من شهر مقيمة مع ريناد.. مبتعدة عنه !
تذكرت ذلك اليوم الذي أخبرته فيه بقرارها بمغادرة المنزل و الإقامة مع صديقتها، فلا يصّح أن تظل معه في بيت واحد و هما مخطوبين، ليعترض و يثور، و يقرر أن يقيما حفلا زفافهما في أقرب فرصة، متغاضياً عن كل اعتراضاتها !
و لكنها لم تستسلم، فكلمات صادق كانت واضحة لها، عليها الإبتعاد عن مازن، و التعوّد على اتخاذ القرارات لحالها، و الأهم أن يتعود هو على ذلك، و يقل خوفه عليها.
أخرجها من ذكرياتها صوته:
" انتهيتي حبيبتي ".
أومأت بالإيجاب، ليشير لها.. طالباً منها الإقتراب، و حينما أصبحت أمامه مباشرة، حملها ليُجلسها على السطح الرخامي، و قال:
" دقائق و ستكون المعكرونة جاهزة ".
راقبته صامتة، ليتأفف بداخله، مفكراً في طريقة يُعيد بها بسمتها إلى شفتيها.
انتهى من إعداد المعكرونة، ليضعها في الصحن، و يحمله باتجاهها.
فتحت فمها تلقائياً فور أن أصبح قريباً منها، ليبتسم بعبث، و يُقرّب الملعقة منها، و قبل أن تدخل فمها.. أبعدها عنها، لتعبس بملامحها.
ضحك بقوة على ملامحها، و قرّب الملعقة منها.. ليكرر نفس الحركة، فتذمرت قائلة:
" مازن ".
لتزداد ضحكاته، و يقول من بينها: " عيون مازن ".
لتزم شفتيها، و تقول: " لا أريد عيونك، أريد المعكرونة قبل أن تبرد " .
ليضع الصحن جانباً، و يميل بوجهه عليها.. فتختلط أنفاسهما، و يقول بحزن مصطنع:
" و هل تتخلين عن عيوني الجميلة من أجل صحن معكرونة ! "
نظراته المتعلقة بنظراتها، أنفاسه التي تخرج من رئتيه لتدخل رئتتيها؛ و العكس، شفتيه القريبة جداً من شفتيها.. تكاد تمسهما..
كل هذا جعلها تحاول الإبتعاد عنه بوجنتين متوردتين، ليمسك بيدها مانعاً إياها من الهرب، و يسألها بخبث:
" ألن تجاوبيني حبيبتي ؟ "
حاولت تحرير يدها، و هي تقول بتوتر: " علام أجيبك ؟ "
لتتعالى ضحكاته مرة أخرى، و يميل عليها أكثر، فتضع يدها على صدره، مانعة إياه من التقدم أكثر، و تهمس بخجل:
" مازن أبتعد أرجوك " .
ليهمس بصوت أجش: " لِمَ ؟ "
ثم وضع يده على يدها ليبعدها عن صدره، إلا أن !
فُتِحت باقي إضاءة المطبخ، و دلف طه بأعين ناعسة، توسعت فجأة و هو يرى ما يحدث أمامه.
لتستجمع تسنيم كل قوتها، و تدفع مازن عنها و تركض نحو والدها، الذي صاح بغضب:
" أنت يا مجنون، ماذا تفعل ؟ "
ثم التفت إلى أبنته، و صاح بها: " و أنتِ، ما الذي جاء بكِ إلى هنا ؟ "
ليقول مازن بوقاحة: " ماذا فعلت ؟، لقد دخلت و قطعت كل شئ ".
لتتوسع عيني طه بطريقة مرعبة، و يجز على أسنانه و هو يقول:
" أوه حقاً، عليّ أن أعتذر إذاً ! "
عبس مازن بملامحه، غير قابل اعتذار و الده الذي لم يتفوه به، فبم سيفيد اعتذاره و قد أضاع عليه فرصته في اقتناص قبلة من شفتي حبيبته !
ليصيح طه بذهول، و هو يرى ملامح أبنه: " هل تعتقد أنني سأعتذر منك حقاً، أنت بالفعل مجنون ! "
ثم التفت إلى أبنته مرة أخرى، و قال أمراً: " و أنتِ إلى غرفتِك و اغلقي الباب عليكِ جيداً، و غداً سأتصرف معكما ".
نفذت تسنيم أمر والدها بطاعة، ليبرطم مازن بعدة كلمات غير مفهومة، و لكنها توضح مدى تذمره على ما حدث
ليقول طه بتحذير: " إياك و محاولة تكرار فعل هذا معها، لا تنسى أن حتى خطوبتكما مع وقف التنفيذ، ففي أي لحظة ستعود إلى رشدها و تنهي هذه المهزلة، فحاول أن تعتاد على بعدها بدلاً من أن تفعل العكس ! "
و تحرك إلى خارج المطبخ، ليستوقفه صوت مازن المستفز: " هذا ما تعتقده أنت يا أبي، لكن الحقيقة أنني بت أملك قلب تسنيم و عقلها، و لن يفرقنا إلا الموت، فمن الأفضل لك أن تتقبل أنت هذا و تعتاد عليه ".
ليتحرك هو و يخرج من المطبخ، و لا زال يتحسر على القبلة التي لم بنالها.
**********
إحساسها لم يخطئ من قبل، و مستحيل أن يخطئ هذه المرة، هذا الرجل لا يريدها، لا يرغب بها..
تصرفاته، شروده الدائم، قلة زياراته و مكالماته، تهربه الدائم من موضوع الزواج و الحديث عنه، أكبر دليل على ذلك !
حتى أنها بدأت تشك في وجود أخرى في حياته، لكن شئ بداخلها مازال يكابر و يرفض الإعنراف بهذا !
" دقائق و سأعود حورية " .
رأته و هو يخرج مع أحد العاملين بسرعة، و من الواضح حدوث مشكلة ما، لكنها لم تبالي بهذا، و تركيزها انصب على هاتفه المحمول الذي تركه على المكتب أمامها.. مضيئاً !
و بلا تردد، و قبل أن تُغلَق الشاشة، التقطته باحثة فيه، فإن كانت هناك أخرى في حياة بشار، فبالتأكيد يوجد في هاتفه دليل على هذا !
فتحت الاستوديو، لتظهر أمامها العديد و العديد من الصور، فمرت عليها سريعاً، قبل أن تتوقف عند واحدة، و عينيها تتسع بذهول !
لقد كانت صورة بشار مع فتاة ما، لحظة تلك الفتاة شكلها ليس بغريب، لقد رأتها من قبل !
أغمضت عينيها بقوة محاولة التذكر، لتفتحها بذهول، و تهمس بعدم تصديق:
" العاملة ! "
نعم هي تلك العاملة التي رأتها أول يوم زارت فيه مع بشار أحد فروع مطعمه، لا يمكن أن تنساها، لأنها ببساطة استغربت من تصرفاتها ذلك اليوم، و ظنتها مجنونة.
لكن الآن، و هي ترى أمامها العديد من الصور لها لحالها أو مع بشار، تملأ هاتف الأخير، علمت سبب تصرفات الفتاة ذلك اليوم، و أنها ليست مجنونة أبداً، بل أنها عاشقة صُدِمت في حبيبها !
**********
عاد إلى مكتبه بعد أن فضّ الشجار الذي نشب بين عاملين مما يعملون تحت يده.
تأفف بقوة، فالمشاكل لا تنتهي، و هو لم يعد لديه القدرة لمواجهة أي شئ، لقد فقد روحه و.. رغبته في الحياة !
خطى إلى الداخل، ليتجمد في مكانه، و هو يرى حورية واقفة بتحفز، تحمل في يدها هاتفه المحمول، مفتوح على إحدى صوره مع ريناد.
و كما يقولون؛ أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم !
" ما هذا ؟، كيف تفتحين هاتفي و تبحثين فيه دون أذني ؟ "
و لكنها كانت بالقوة الكافية لتواجهه، فقالت بسخرية: " هذا ما يُغضِبك !
و أنا مَن أرى خطيبي و الذي من المفترض أنه سيكون زوجي مع فتاة أخرى.. لا يحق لي الغضب ! "
ليدافع عن نفسه قائلاً: " إنها.. علاقة قديمة ".
لتسأله بترقب: " و انتهت ؟ "
انتهت بالنسبة لوالدته التي حرمته من حب حياته..
انتهت بالنسبة لها، حيث أنه قتل حبه في قلبها، و قام بفعل أقسى التصرفات معها كي تكرهه.
أما هو، فعلاقته بها لن تنتهي، و قلبه لن يسكنه غيرها.
" منذ أن خطبتِك لم أراها أو أتحدث معها ".
رفعت الهاتف إليه، و قالت بعدم رضى: " لكن من الواضح أنك لم تنساها، و الدليل أنك مازلت محتفظاً بصورها ".
لتُعيد الهاتف إلى مكتبه، و تسأله بضيق: " طالما لازلت تحبها، لِمَ خطبتني ؟ "
ليتنهد بقوة، و يقول: " سأحكي لكِ كل ما حدث ".
جلسا، ليقصّ عليها من البداية، منذ أن أخبره والدته برغبته في الزواج من نادلة تعمل لديه، و رفضها و اعتراضاتها وقتها، أخبرها أنه قضى الكثير من الأيام محاولاً إقناعها، حتى سقطت في يوم فاقدة الوعي، أصيبت بأزمة قلبيها، اُضطِر على أثرها تنفيذ أوامرها و عدم إغضابها.
بعد أن أخبرها بكل شئ، قالت بلا تردد: " اسمح لي، لكنك جبان و لا تعرف الرحمة ".
ارتفع حاجبيه باستنكار، و قال: " عفواً ".
لتقول باتهام: " نعم جبان، لقد استسلمت لرغبة والدتك و وافقت على ما تريده، على الرغم من عدم رغبتك !
و لم تظلم حبيبتك وحدها بهذا، بل ظلمتني أنا أيضاً ".
ليسارع مدافعاً عن نفسه: " و ماذا كان بيدي أن أفعل ؟، أعصي والدتي و أتسبب في تعبها، و ربما.. موتها ! "
لتقول ببساطة: " بالتأكيد لا، و لكن هناك حلول أخرى بالتأكيد، إلا أنك مَن استسلمت و رفضت المحاولة ".
نزعت خاتمه من إصبعها و وضعته أمامه على المكتب، و قالت: " في كل الأحوال، لا يمكنني الزواج من رجل قلبه متعلق بأخرى، لذا من الأفضل أن ننفصل ".
التقطت حقيبتها، و قبل أن تغادر، قالت: " سأنصحك نصيحة، حاول بكل قوتك الحصول على حبك، مهما كانت المصاعب التي ستواجهها، طالما تحبها إلى هذه الدرجة، فعليك أن تفعل المستحيل لتكلل حبكما بالزواج، و لا تنسى أنه لا توجد سعادة من دون تعب ".
و غادرت بعدها راضية تماماً عما فعلته، فليست هي مَن تتزوج برجل لا يراها و لا يحمل لها أية مشاعر، و في الأخير، حمداً لله أنها لم تحبه يوماً، و أنها كانت لا تراه إلا زوجاً مناسباً !
**********
أغلق مع إسلام الخط، ليلقي بالهاتف بقوة، فيصطدم بالجدار و يسقط متفككاً إلى عدة قطع.
إنه اليوم الثاني، اليوم الثاني و حلوته بعيدة عنه، لا يعلم كيف حالها أو حال طفلهما، لم يستطع الوصول إليها، و إسلام لا يفعل شئ سوى طلب الصبر و أنه بالتأكيد مَن خطفوها سيتصلون به أو يرتكبون أي حركة تكشفهم.
و لكنه لا يستطع الصبر أكثر، و قلبه يتآكل خوفاً على عائلته.
" اقسم أن أقتلك فور أن تقع بين يدي، سأقطع بدك التي تجرأت على لمس حلوتي و طفلي ".
همس بهذه الكلمات بملامح وحشية، و عيون مشتعلة.
ثم استدعى إحدى الخادمات، لتصنع له فنجاناً من القهوة، و الصداع يفتك برأسه.
دقائق مرت دون أن تأتي بالفنجان، لينهض بغضب، قاسماً أن يُخرِج على غضبه و يأسه فيها، و أنه أخر يوم لها بالعمل هنا.

ثرثرة النساء لا تتوقف، لكنها في كثير من الأحيان تكون بفائدة، و تكشف العديد من الأسرار !

" مثلما أخبرتِك، لقد رأيت ميرفت تدلف به إلى غرفتها بعد أن خرج السيد فريد صباحاً "، قصت إحدى الخادمات ما رأته على صديقتها.
لتشاركها الأخرى، قائلة بحيرة: " غريب، كيف يختفي الطفل في وجود السيد فريد ؟!
و إن كان أبن صديق السيدة، فلِمَ يمكث في غرفة الخادمة ؟ "
لتقول صديقتها بحيرة: " لا أعلم، لكن أظن أن هناك سر خطير وراء الموضوع ".
تجمد فريد في مكانه و هو يسمع كلمات الخادمتين، عقله يربطها ببعضها و يحاول استيعابها.
طفل.. هنا.. في قصره، لا يظهر إلا عند اختفاءه !
لا حاجة إلى التفكير أو التحليل، إنه طفله بالتأكيد..
هذا يعني أن ريناد كانت على حق، و أن رانيا هي التي قامت باختطاف حلوته و طفله، بل أنهما طوال الوقت كانا بجانبه، لا يفصل بينه و بينهما إلا عدة خطوات، و هو مَن كان يتوقع وجودهما في كل مكان، إلا في .. قصره !
يتبع

لست أبي (كاملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن