الفصل السادس و العشرون

12.1K 421 25
                                    

شوفتوا كل ما بتتفاعلوا اكتر بينزل الفصل بسرعة ازاي 😁😁 مش تنسوا بقى الفوت و الكومنت علشان الجديد يجيلكم في أقرب وقت 😅😅😅

🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸

سحب سعيد السيجارة منه ليأخذ منها نفس طويل ، ثم قال بخبث : " لا أعلم لِمَ تتعب نفسك معها ؟ ، بإمكاننا إحضارها إلى الشقة ، و إعطائها مخدر ما ، و وقتها ستكون تحت سيطرتك الكاملة " .
لمعت عينا خالد بخبث من أفكار صديقه الشيطانية ، و هتف بتساؤل : " و كيف يمكننا إحضارها إلى الشقة ؟ "
ازدادت ابتسامة سعيد اتساعاً و قال ببساطة : " ليس صعباً .. فتياتنا كثر .. و أكثر من واحدة تستطيع إحضارها لنا بسهولة " .
نالت الفكرة إعجاب خالد و هتف بمكر : " و وقتها ستكون لي بكامل إرادتها .. و سأُشبع رغبتي بها ، لا أعلم كيف لم تخطر لي هذه الفكرة من قبل " .
هتف سعيد بمرح : " حتى أنا لا أعلم .. فهذه أسهل طريقة للحصول عليها " .
و أردف بخبث : " المهم ألا تنسى نصيبي فيها عندما تشبع منها " .
أحاط خالد كتفيه و قال بوعد : " و هل يمكنني أن أنساك ؟ ، يكفي أنك مَن جئت لي بهذه الفكرة " .
ثم ابتعد عنه ليقول بتردد : " لكن " .
رفع سعيد أحد حاجبيه بتساؤل و قال : " لكن ماذا ؟ ، لا تخبرني أنك لن تنفذ هذه الفكرة " .
ألتقط خالد السيجارة ليأخذ منها نفس ، ثم قال : " هذه الفتاة .. الواحد لن يشبع منها مرة واحدة ، سأحتاج أن أتذوقها لأكثر من مرة " .
تساءل سعيد بتعجب : " و ما المشكلة في هذا ؟ "
هتف خالد باستنكار : " ما المشكلة ؟!..، كيف ستأتي إلينا مرة أخرى بعد ما نفعل معها ما سنفعله ؟! "
ابتسم سعيد بخبث و قال : " بسيطة أيضاً ، نصورها و هي معنا و نهددها بالصور " .
حرك خالد رأسه بعدم اقتناع و قال : " فكرة جيدة و نسبة نجاحها كبيرة ، إلا أن هذه الفتاة متهورة و تصرفاتها غير متوقعة ، من الممكن أن تخبر أحد أفراد عائلتها و بعدها سنضيع نحن ! "
زفر سعيد أنفاسه بيأس و قال : " إذاً ، كيف سنحصل عليها ؟ "
صمت خالد مفكراً ، ليتابع سعيد التفكير دون جدوى ، فكل أفكاره قد أدلى بها لصديقه !
صاح خالد فجأة بسعادة : " وجدتها " .
ثم صمت مبتسماً بسماجة و هو يرى أنظار الطلاب تتوجه إليه ..
هتف سعيد بلهفة : " ماذا سنفعل ؟ "
ابتسم خالد بغموض و قال : " سأتزوجها " .
انصدم سعيد مما قاله ، فنهض صائحاً باستنكار .. ملفتاً المزيد من الأنظار إليهما : " تتزوج مَن ؟ ، أ جننت ؟ ، كي تمتلك فتاة تورط نفسك و تتزوجها ! "
أجلسه خالد بالقوة و قال : " أسمعني يا غبي " .
هتف سعيد بعدم رضى : " أسمع ماذا ؟ ، جنونك !..، اسمعني أنت ؛ أنا لن أجعلك تتورط في هذا " .
صاح خالد بخفوت كي يصمته : " أنا لن أتزوجها " .
انعقد حاجبي سعيد بعدم فهم و هتف بارتياب : " ستتزوجها و لن تتزوجها !..، قد بت أتأكد أنك جننت ! "
زفر خالد أنفاسه بنزق و قال : " لو تسمعني فقط " .
تربع سعيد في جلسته و قال : " أطربني بأفكارك العبقرية " .
هتف خالد بحماس ممتزج بالكثير من الدناءة : " سأعقد قراني عليها .. وقتها سيمكنني الإقتراب منها كيفما أشاء دون أن تعترض ، و حتى إن أعترضت فسأستطيع السيطرة عليها ببعض الكلمات الغزلية ..
و حالما أشبع منها أحولها إليك ، لتتمتع بها مرة و بعدها نرميها إلى والدها و أطلقها " .
هتف سعيد و هو يفكر في خطة صديقه : " و هل أنت واثق أن والدها سيوافق عليك ؟ "
هتف خالد بغرور : " بالطبع .. مَن ذا الذي يرفض خالد غنيم ! "
ابتسم سعيد و قد بدأ يشعر بقرب حصولهما على الفتاة التي لطالما رغب صدبقه بها ، ليقول بثقة : " و لارا سيكون لها دور في موافقته أيضاً ، لذا عليك التأثير عليها قبل أن تتقدم لها " .
هتف خالد بثقة مماثلة : " بالتأكيد ، ثم لا تقلق أنا أشعر بإعجابها بي ، يكفي غضبها من معاملة صديقتها لي ، هذا أكبر دليل على أنها تحمل لي مشاعر خاصة " .
صفق سعيد بجذل و هو يقول بسعادة متمكنة منه : " و أخيراً سنستمتع " .
لمعت عينا خالد بالرغبة و قال : " و سنتذوق تلك الفاتنة ! "
**********
صعدت لارا إلى السيارة لتحيي علاء و أمير بخفوت : " السلام عليكم " .
ردا عليها علاء و أمير ، ليعقد علاء حاجبيه باستغراب ، فهذه أول مرة تصعد إلى سيارته دون مرحها و شقاوتها المعهودة ، كان ليرجح هذا على أنه خجلاً من وجود أمير ، إلا أن ما حدث بينهما من قبل جعله يبعد هذا عن عقله !
نظر إليها من خلال المرآة و قال باستغراب : " ماذا بكِ حبيبتي ؟ "
ردت لارا بتجهم و ملامح عابسة : " بعض الإرهاق من طول اليوم " .
هز علاء رأسه بتفهم ، في حين أن أمير سألها بشوق جاهد كي لا يظهر في نبرته : " كيف حالكِ لارا ؟ "
أجابته باقتضاب : " بخير عمي " .
و لثاني مرة تناديه بهذا اللقب !
قبض على كفه بغضب ، يود أن يصيح بها بأنه ليس عمها ، أن مشاعره نحوها أبعد ما تكون عن هذا اللقب الغبي ..
عض على شفتيه بقوة ليمنع نفسه من التفوه بهذه الكلمات ، على الأقل الآن !
لكن قريباً سيكون له كل الحق في قول ما يريده .. دون أن يلومه أو يمنعه أحد !
سيعاقبها على كل مرة دعته فيها بعمي بطريقته الخاصة ، و سيحاسبها على مجابهتها له بتلك القوة ذلك اليوم الذي كانت تجلس فيه مع أصدقائها !
قال علاء مقاطعاً أفكاره : " إلى أين تود المدللة الذهاب ؟ "
عبست لارا بملامحها ، كانت ترغب في الذهاب إلى أي مكان و الإستمتاع بهذا الجو المنعش ، لتنسى تحكم والدها بعلاقاتها مع أصدقائها ، و الحزن الغريب الذي سيطر عليها منذ أن منعها عن الحديث مع خالد !
إلا أن وجود أمير مع عمها بالتأكيد لن يمنحها الإسترخاء الذي تنشده ، بل على العكس .. من الممكن أن يزيد من توتر أعصابها !
لذا باستسلام قالت : " لنذهب إلى البيت عمي ، أشعر بالتعب و أريد النوم " .
اندفع علاء بالقول مستغرباً : " لارا ترفض الخروج !..، ماذا حدث بالدنيا ؟ "
تأففت و لم ترد عليه ..
في حين سيطر على أمير هاجس أنها تراجعت عن رغبتها في الخروج بسبب وجوده ، و دون أن يعطي نفسه فرصة للتفكير ، قال كي يتأكد من ظنونه : " إن كنتِ لا تريدين الخروج معي فأحب أن أطمئنكِ بأن علاء سيصلني لبيتي أولاً " .
سارع علاء يقول بحرج : " لا تظلمها يا أمير ، تعلم كيف يكون اليوم الدراسي طويلاً و مرهقاً ، ثم ما بينكما كي ترفض الخروج معك !..، أنت تبالغ في ظنونك " .
بينهما الكثير .. يكفي ما حدث بينه و بين اللزج صديقها ، و لولا أن أبن عمه هو مالك المطعم ، لكان النادلين طلبوا لهم الشرطة حرصاً على سمعة المطعم ..
لم تبالي لارا بحديث عمها ، و هتفت بشجاعة تميز شخصيتها و صراحة معتادة عليها : " جيد أنك أخبرتني ، إذاً عمي سأفكر في مكان ما لنذهب إليه لحين أن تصل صديقك إلى منزله " .
تلون وجه علاء من الحرج ، و التفت إليها ليقول بعتب ممزوج بالغضب : " لارا ، احترمي نفسكِ و لا تتحدثين " .
قاطعه أمير قائلاً بكذب : " لا تشغل بالك علاء ، كلماتها لا تؤثر بي ، فبالنهاية هي لازالت طفلة " .
ليتابع بداخله : " طفلة تستحوذ على قلبي دون أن أدري " .
لمعت عينا لارا بغضب من نعته لها بالطفلة ، ما باله كل مرة يراها بها يطلق عليها اسم مختلف ..
مرة كومة شعر ..
مرة القزمة ..
و الآن طفلة ..
تُرى ماذا سيدعوها المرة القادمة ؟!
هتفت بوقاحة غير مبالية بحرج عمها : " لِمَ تعنفني عمي ؟ ، من حقي أن أختار الأناس الذين سأتنزه معهم ، و أنا لا أحبذ الخروج مع هذا الرجل ، فهو يثير استفزازي و يجعلني " .
" اخرسي " ، صاحها علاء بحدة و هو يود لو أن يصفّ السيارة خصيصاً كي يضربها على وقاحتها و عدم احترامها لصديقه ..
سارع أمير يقول برجاء : " بالله عليك أهدأ و لا تبالي بكلماتها ، اجعلها تقول ما تريده لا أهتم " .
تنفس علاء بقوة و قال بغضب : " أتركها لتتواقح أكثر !..، صحيح أننا دللناها أكثر مما ينبغي " .
زمت لارا شفتيها بضيق ، من حديث عمها عنها .. خاصة أمام أمير ، و قالت بعتاب : " أ فرطوا في دلالي أنا عمي ! "
هتف علاء من بين أسنانه : " أخرسي لا أريد أن أسمع صوتكِ ، و لعلمكِ أنتِ ممنوعة من الخروج لمدة أسبوع ، حتى تتعلمين الأدب " .
هتف أمير بهدوء مثيراً استفزاز لارا : " ليس هناك داعي لهذا يا علاء صدقني " .
هتفت لارا بحنق : " لن يطلب منك أحد التدخل " .
تأفف أمير بقوة و همس : " ناكرة الجميل " .
هتف علاء بصرامة : " لا حديث أكثر في هذا الموضوع ، و حسابنا عندما نعود إلى المنزل يا لارا " .
صمتت بعدها لارا متأففة .. و حزينة في نفس الوقت لأنها أغضبت عمها منها ، و لكن كله بسبب هذا المتطفل !
صفّ علاء السيارة و هو يقول : " لقد وصلنا يا أمير " .
ثم لمح والد أمير و هو يخرج من البيت ، فترجل كي يحييه ..
التفت أمير إلى لارا قبل أن يترجل و قال : " قريباً .. عندما يكون لي حق بكِ سأحاسبكِ على ما فعلتيه اليوم " .
و للمرة الثانية .. و دون أن يعطيها فرصة للرد .. ترجل من السيارة .. متجهاً إلى والده و علاء ..
عقدت لارا حاجبيها بقوة ، هذا .. ما قاله الآن ، مشابه لما قاله لها من قبل ، عندما أقنعها أنها تتخيل و أنه لم يقول شيئاً !
و لكن اليوم .. تقسم أنها لا تتخيل ، لقد قال أنه سيكون له الحق فيها ، و كأنه سيملكها !
مَن يظن نفسه ليقول لها هذه الكلمات بهذه الثقة ؟!
ثم .. ماذا تعني كلماته ؟
حركت رأسها باستهزاء ، أ تتساءل عن معناها و هو واضح وضوح الشمس !
سيكون قريب منها .. له الحق فيها .. يحاسبها على أفعالها ..
هل يريد الزواج منها ؟
ارتسمت الصدمة على ملامحها ، و نظرت له و هو يقف مبتسماً مع والده و عمها ..
عقدت حاجبيها بتفكير ؛ هي .. تتزوج من هذا الطويل !
هذا الرجل الذي لا ينفك عن إثارة استفزازها و الإستهزاء منها في كل مرة يتقابلا !
هل جن ليفكر في هذا ؟!
ثم .. كيف له أن يتحدث بهذه الثقة و كأن موافقتها أمر مفروغ منه ؟
هل يظن أنها سترحب بالزواج منه .. قافزة على السحب من السعادة ؟
مخطئ إذاً ؛ فهي لن توافق على الزواج منه و لو انطبقت السماء على الأرض !
**********
وقفت في أحد الأركان تنظر له بحذر دون أن ينتبه إليها ، أو هكذا تظن هي !
تأملته ملياً ؛ بتواضعه في التعامل مع العاملين ، بملابسه البسيطة و التي تجعله يبدو كواحداً منهم ، بابتسامته التي تجعل نبضات قلبها تتسارع دون أن تدرك !
أمالت برأسها قليلاً متمعنة في كل حركة يقوم بها و على شفتيها ابتسامة غريبة ، في الحقيقة .. لقد بدأت تعتاد وجوده في حياتها ، تعتاد اقترابه منها كل يوم و سؤاله المختصر .. الخجول عن حالها ، و نظرته إليها !
مشاعر غريبة تنتابها في وجوده لا تعلم ماهيتها و لا متى سيطرت عليها ، إلا أنها تمنح حياتها لوناً مختلف !
و ما يجعلها تتمادى في مشاعرها هو أنها تظن أنه يشعر بما تشعر به !
و إلا ما السر في لمعة عينيه و هو ينظر إليها ؟
و اسمه الذي لا ينفك عن إخبارها كم هو رائع من شفتيها ، و كأنه يتعمد إحراجها !
أنزاحت عينيها عنه للحظة ، لحظة كانت كافية لرسم الحزن على ملامحها .. و الغيرة في عينيها !
فهناك على إحدى الطاولات ، كانت تجلس عائلة مكونة من أب و أم و طفلة ، طفلة كانت تتدلل على والديها بابتسامة شقاوة تزيد من جمال ملامحها ، و والداها يستقبلان دلالها هذا برحابة صدر و رغبة في إسعادها مهما كان ما تريده !
يا الله .. كم تتمنى أن تكون مكان هذه الطفلة ، أن تعود السنوات إلى الخلف .. عشرة أو أكثر ، يكونا والديها لازالا على قيد الحياة .. و هي تعيش معهما ، ألا تدخل لهذا الدار الذي لم تجد فيه سوى البؤس و الحرمان ، أن تكون كأي فتاة في مثل سنها حالياً ، تخرج و تتنزه و تشتري الكثير من الملابس و أحدث الأجهزة الإلكترونية ، لا أن تعمل ليلاً و نهاراً لتوفر ما يكفي لإطعامها و إيوائها ..
ليت والدبها لم يمتا ، ليتها تملك عائلة تحتويها ، على الأقل كان حالها سيكون أفضل مما عليه الآن !
**********
كان مدركاً لتأملها له .. و عينيها التي تحاصر كل ما يفعله ، و كم أسعده ذلك !
ففكرة أن تكون تبادله الإعجاب تجعل قلبه يقفز سعادة ، لا ليس الإعجاب .. بل الحب ، لقد تعدى معها مرحلة الإعجاب بمراحل ، إنها تجذبه .. بعفويتها .. بابتسامتها على الرغم من الحزن الذي يلتمع بعينيها .. بشجاعتها و عدم خوفها طالما هي على حق ، إنها تمثل بالنسبة له نموذج مختلف تماماً عما يعرفه من خريجي دار الأيتام ، و هذا ما يجعله لا يتوقف عن التفكير فيها و تحليل تصرفاتها .
التفت بوجهه قليلاً .. لتقع نظراته عليها ، محاولاً ألا تنتبه هي لذلك ، فتفاجأ و قد أبعدت عيونها عنه .. لتتركز مع عائلة تجلس على إحدى الطاولات .
نظر إلى ما تنظر إليه ، لينقبض قلبه بألم عليها ، لقد كانت هناك طفلة لا يعطيها أكثر من عشر سنوات .. تضحك بسعادة و والدتها تُطعمها برفق .. و والدها يشاكسها في نفس الوقت .
عاد بنظراته إلى ريناد ليرى الغيرة التي تلتمع بعينيها ، و لم يحتاج إلى الكثير من الذكاء كي يدرك سبب هذه الغيرة ، فرغبتها في أن تكون مكان تلك الطفلة كانت جلية .
اقترب منها و الشفقة تظهر في عينيه رغم كل محاولاته كي يزيلها ، كي لا تحزن هي أكثر !..، و كم تمنى أن يقترب منها أكثر و يعوضها عما لاقته في الدار و عن رحيل والديها !
وقف بجانبها .. إلا أنها ام تشعر بوجوده ، فما كانت تنظر إليه استحوذ على كل انتباهها و مشاعرها ، و هو بدوره أبقى نظراته على تلك الطفلة ، و همس و هو ينظر إليها :
" ليحفظها الله لوالديها " .
أجفلت على وجوده بجانبها ، و مع ذلك لم تنظر إليه .. خشية من أن ينتبه على الألم و الحزن المرتسمين على ملامحها ، و همست :
" ليحفظ والديها لها " .
التفت إليها و سألها : " جميلة ، أ ليس كذلك ؟ "
ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتيها و قالت : " جمالها ينبع من سعادتها و شقاوتها " .
سألها فجأة ، دون أن يفكر حتى في سؤاله : " و أنتِ ؟ "
سألته بعدم فهم : " أنا ماذا ؟ "
صمت للحظة منتبهاً إلى ما قاله ، يا له من غبي !
كان يقصد بسؤاله إن كانت سعيدة أم لا ، و كأن من تحيا مثل حياتها تطرق السعادة أبوابها !
ابتلع ريقه بتوتر لا يعلم ماذا يقول لها ، بل لا يعلم ما الذي جعله يتوتر و يسألها هذا السؤال !
و عندما وجدته صامتاً تحركت من أمامه و هي تقول : " اسمح لي سيد بشار ، سأذهب لأتابع عملي " .
أوقفها بسرعة ، لا يريدها أن تبتعد عنه : " ريناد ، ألم تزوري دار الأيتام الذي كنت فيه بعدما خرجتي منه ؟ "
لينتبه إلى تهوره للمرة الثانية ، فيعض على شفتيه بندم .
وقفت مكانها في صدمة ، ليرتسم الجمود على ملامحها فجأة ، التفتت إليه ببطئ و قالت :
" عفواً ، ما سبب هذا السؤال ؟ "
لم يستطع أن ينظر إليها و هو يقول بحرج : " انسي الأمر ، لقد كان مجرد فضول " .
إلا أنها قالت بجمود : " ذهبت إليه مرة واحدة لأسأل عن صديقتي ، و وقتها طردتني المشرفة متذمرة من عودتي إلى هناك مرة أخرى ، و كأنني عائدة إلى الجنة ! "
أطرق وجهه بحزن ، و برر سؤاله قائلاً : " لقد أعتقدت أنكِ تذهبين إلى الدار باستمرار لرؤية صديقاتكِ " .
ابتسمت بسخرية و قالت : " صديقاتي .. اثنتين منهما خرجتا من الدار و هما لم يتما العاشرة بعد ، فأنستهما الحياة و جمالها صديقاتهما ، و الأخيرة خرجت من الدار و لا أستطيع العثور عليها ، ثم مَن تخرج من دار مثل ما كنت فيه لا تعود إليه مرة أخرى .. حتى لو لزيارة ! "
همس بأسف : " أعتذر على تطفلي " .
ابتسمت بسماحة ، تود أن تخبره أنها مرحبة بتطفله هذا طالما أنه لن يجعله ينظر لها بشفقة ، أو يراها أقل منه !
مع أنها بالفعل أقل منه في كل شئ ، كمادياً و علمياً ، حتى في الشكل .. تعتقد أن ملامحها البسيطة أقل بكثير من ملامحه الجذابة الواثقة !
هتفت ببساطة : " لم أشعر بأي تطفل " .
ثم سارت لتتابع عملها ، في حين هو تابعها مبتسماً و عينية تلمع بطريقة .. جعلت قلب رشدي ينقبض خوفاً مما قد يحدث في المستقبل !
**********
فتحت عينيها لتجد نفسها مستقرة في أحضانه و ذراعيه تحاوطنها ، نظرت إلى جسدها لتجد أن الغطاء فقط ما يغطيه !
بدأت تسب نفسها بقسوة على استسلامها له و السماح له بالتمادي معها ، لا تعلم كيف حدث ذلك ؟ ، تقسم أنها كانت ستبعده عنها ، و لكنها لم تشعر بنفسها ، و كأنه فصلها عن العالم بقبلاته و مشاعره !
أغمضت عينيها بقوة و هي تطرق الوسادة برأسها ، غبية يا نشوى ، غبية و حمقاء كما تقول عنكِ والدتكِ ، ماذا دهاكِ ؟
كيف نسيتي طارق بهذه السهولة و سمحتي لرجل أخر باحتلال مكانه بهذه السهولة ؟!
فتحت عينيها على وسعها بصدمة من أفكارها ، مَن نست ؟
و مَن احتل مكان مَن ؟
بما تهذي ؟
لابد أنها أصيبت بالجنون لتفكر أن وحيد احتل مكان طارق !
هو لم يحتله .. و لن يفعلها ، هي لا تحب .. و لا تريد سوى طارق ، طارق و فقط ، و أي ذكر غيره ليس رجلاً في عينيها !
صوت قوي من جانبها جعلها تنتفض في مكانها ، التفتت .. لترى وحيد يفتح عينيه ، و يرفع يديه بقوة ماطاً بجسده ..
لحظات و نظر إليها مبتسماً و همس : " صباح الخير يا حلوة " .
نظرت له بامتعاض ، و كلمته البسيطة أثارت استفزازها بلا سبب !
" من الواضح أنك لازلت نائماً ، أنا نشوى .. لست لمار " .
تأوه بسخرية و قال مثيراً استفزازها أكثر : " أعتذر ، تعرفين تأثير النوم و هكذا ، صباح الخير يا حمقاء " .
توسعت عيونها بغضب و صاحت باستنكار : " حمقاء ، أنا حمقاء ! "
تأفف بضجر و قال : " إن كنتِ لستِ حلوة .. و لستِ حمقاء ، فماذا تكونين ؟ "
رفعت ذقنها بغرور و قالت : " أنا نشوى ، ليس أي لقب يليق بي " .
حرك رأسه بقلة حيلة و همس بصوت بالكاد يُسمع : " أقسم أنكِ حمقاء " .
صاحت بقلة احترام : " احترم نفسك يا وحيد ، و انتبه إلى مَن تتحدث ! "
سحبها بقوة لتسقط بين أحضانه ، ثم أمسك ذقنها و ضغط عليها بقوة ، مما جعلها تتأوه بألم ، و قال بغضب مكبوت :
" أتحدث إلى زوجتي ، و التي لا تكف عن محاولاتها لإغضابي ، هل تريدبن أن نتشاجر من أول النهار ؟ "
حاولت إبعاد يده عن ذقنها بضعف و هي لا زالت تتأوه ، ليسحب هو يده بقوة .. فيسقط رأسها على صدره ، ثم أبعدها عنه بقسوة لتعود إلى جانبها من السرير .
نهض وحيد ليدلف إلى الحمام و هو يقول : " أعدي الفطور حتى أخرج " .
اعترضت باندفاع : " لن أعد لك شئ " .
وقف أمامها ليقبض على ذراعها بقوة و هو يقول : " كما توقعت إذاً ، تريدين افتعال مشكلة من الصباح ، حسناً و أنا أكثر من مرحب بذلك ، فحتى الآن لا زال هناك غضباً بداخلي منكِ أجاهد لأسيطر عليه ، لكن من الواضح أنكِ تريدين رؤية وجهي الأخر مرة أخرى ، و هذه المرة سينفجر كل غضبي ، فأنا لم أتخلص من ربعه حتى " .
ابتلعت ريقها بخوف من كلماته ، و نظر هو لها بحدة و هو يقول مشدداً على حروفه : " سأخرج و أجد الطعام معداً " .
أومأت برأسها عدة مرات بلا شعور و نظراته ترعبها ، ليقول بنبرة قوية : " لم أسمع " .
همست بطاعة : " حسناً " .
ابتعد عنها و هو يحدجها بنظرة قوية مهددة ، ثم دلف إلى الحمام مغلقاً الباب خلفه .
جلست نشوى في مكانها .. ترمش بعينيها بعدم تصديق !
ماذا حدث معها ؟
كيف أطاعت أمره ؟
بل كيف سمحت له أن يتحدث معها بهذه الطريقة ؟!
هي التي لم يرفع أحدهم صوته عليها من قبل ، يأتي هذا يصيح عليها و يهددها و يأمرها !
ضربت الوسادة بقوة و هي تصيح من بين أسنانها : " ما الذي يحدث لي ؟ ، لِمَ أصمت أمامه دون أن أستطيع أن أعترض بحرف ؟ ، أنا لم أكن هكذا ، حتى طارق كنت أقف أمامه و أجابهه بكل قوة دون ذرة خوف !
لِمَ لا أفعل هذا مع وحيد ؟ "
جاءها صوته صائحاً : " دقائق و سأخرج يا نشوى ، أرجو أن يكون الفطور جاهزاً " .
قفزت من مكانها بسرعة و هي تهمس : " سأفكر في هذا لاحقاً ، لأحضر له الآن الفطور حتى لا أرى وجهه الأخر هذا ، يكفي أن وجنتي بقت تؤلمني لثلاثة أيام عندما رأيته أول مرة ! "
دلفت إلى المطبخ و حضّرت الفطور ، ليدلف وحيد إليها فيرى أنها نفذت ما أمرها به ..
نظر إلى الطعام الموضوع على المائدة و قال : " تيم و لمار لا يأكلون البيض المسلوق ، أقلي لهما بيض و بطاطس حالما أوقظهما " .
أعترضت بتذمر : " لا .. لقد تعبت في إعداده ، و لن أعد شيئاً أخر ، إن لم يعجبهما لا يأكلا " .
رفع حاجبيه باعتراض و هو ينظر إلى ما أعدته بسخرية ، ثم نظر لها و قال : " تعبتي في وضع البيض في الماء على الموقد ، أم إخراج الجبن و المربى و وضعهما في الصحون ، لا تقولي أن إعداد الفول و تقطيع الخيار هو ما أتعبكِ " .
زمت شفتيها من سخريته الواضحة ، إلا أنه لم يعطيها فرصة للرد ، حيث أردف بأمر : " أعدي ما أمرتكِ به حتى أعود " .
خرج من المطبخ و هو يتأفف بضيق ، فهي تضطره بأن يتعامل معها بطريقة لا بحبها و لا يفضلها ، و لكنها هي مَن تجعله يخرج عن شعوره باستفزازها و عدم احترامها له ، أ لا يكفي أنه مازال متزوجاً منها على الرغم مما فعلته مع طليقها السابق !
إلا أنه يفهمها جيداً ؛ هي تفعل كل هذا كي يطلقها ، و لكنه لن يستسلم لها بهذه السهولة ، إن كان استعاذ من الشيطان و سيطر على غضبه عندما تحدثت مع طليقها و لن يطلقها ، فهل يطلقها لأنها تسنفزه بطفولة ؟!
نعم هي طفلة ، طفلة بجميع تصرفاتها و حركاتها ، و هو سيربيها من جديد !
**********
لست أبي

لست أبي (كاملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن