الفصل السابع و العشرون

13K 417 24
                                    

زي ماحنا متفقين، زودوا الفوت و الكومنت ينزل الجديد أسرع مما تتوقعوا 😅😅😅

🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸

انهارت جالسة على الأرضية الباردة .. و خيالها يُصّوِر لها أن إدوارد قريب منها .. يداه تتجرأ على جسدها ، فأخذت تتلوى في مكانها محاولة إبعاده عنها ..
وقف إدوارد أمامها و ابتسامة خبيثة تزين شفتيه ، كاد أن يميل إليها .. إلا أن سوزان حذرته بنظراتها .. فأي حركة خاطئة سيقومان بها هنا ستُبعد عنهما أسيل إلى الأبد .
كان طارق الأسرع في الوصول إلى أسيل ، ليجدها على الأرض .. تبكي و تصرخ بكلمات غير مفهومة ..
مال إليها و ضمها إلى صدره بقوة ، هامساً بخوف نبع من قلبه : " حبيبتي ، ماذا حدث معكِ ؟ ، لِمَ تبكين هكذا ؟ "
تمسكت بأحضانه أكثر .. فهو مَن سيحميها من هذا الحقير و والدتها ..
ملس على شعرها بحنان .. و أخذ يهدهدها بخفوت ، لتهمس له بخوف و رجاء : " لا تجعله يلمسني .. أرجوك " .
عقد حاجبيه بعدم فهم و قال : " مَن ؟ "
خرج محمد من الغرفة .. ليجد أسيل على الأرض .. و طارق يحيط بها محاولاً بث الطمأنينة إلى قلبها ..
و على مقربة منهما ، كانت تقف سوزان .. برفقة شاب غريب لم يتعرف عليه ..
" أي رياح طيبة أتت بكِ إلينا يا سوزان ؟ "
حديث والده جعله ينتبه أنه هو و أسيل ليسا لحالهما ، و أن هناك مَن يشاركهما المكان .. و بالتأكيد أنه السبب في تلك الحالة التي سيطرت على صغيرته !
حاول الإبتعاد عنها ليفهم ما يجري حوله ، إلا أنها تمسكت فيه بقوة أكبر ، رافضة أن يبتعد و يترك الفرصة لهؤلاء بالإقتراب و النيل منها .
استقام طارق و هو يضم أسيل إلى أحضانه بحماية ، ثم نظر إلى سوزان التي كانت تقف أمامه مباشرة .. تنظر إليهما بسخرية ، و بجوارها شاب أشقر .. ينظر إلى أسيل برغبة واضحة ..
هذه النظرة جعلت طارق يشتعل من الغضب و .. الغيرة !..، فسحب أسيل إلى غرفتها التي كانت تحتلها عندما كانت تمكث معهما ، مخفياً إياها عن نظرات هذا الأشقر .
**********
أجلسها على سريرها برفق ، ثم مسح دموعها و هو يبتسم لها مطمئناً ..
" إهدأي .. أنا معكِ هنا ، لن يستطيع أحد أن يمسكِ بأذى " .
هتفت من بين بكائها و كأنه لم يتحدث : " ابقى معي طارق أرجوك ، لا تجعله يقترب مني ، هذه المرة إن لمسني لن أستطع الفرار منه " .
ظهرت الصدمة على ملامحه ، و همس بعدم تصديق : " هو الذي حاول أن " .
لم يستطع متابعة كلماته ، و لم تترك هي له الفرصة ليتابع .. حيث حركت رأسها بقوة مؤكدة ما يدور في عقله .. و دموعها تزداد أكثر ..
الحقير .. الوقح ، حاول أن يغتصب أبنة عمه من قبل .. تعدى على حرمة جسدها ، و مع ذلك يقف في منتصف بيته بكل ثقة و غرور ، ينظر إليها بخبث واعداً إياها بليلة أخرى يُحكِم فيها سيطرته عليها فلا تستطيع الهرب إلا عندما يأخذ منها ما يريد !
اشتعلت عيونه بغضب و هو يتخيل هذه الأشقر فوق أسيل ، يقبلها كما يريد و يداه تتجرأ على كل شبر في جسدها ، كما حاول أن يفعل من قبل .
نهض بقوة .. و قد فقد الجزء المتبقي من سيطرته على نفسه ، فسارع للخارج .. ليجد والده يجلس مع سوزان و هذا الأشقر ، و على ما يبدو أنه لم يعرف حتى الآن مَن هو ، و إلا لما كان يسمح له بدخول بيته ، اقترب منهم بجسد متحفز و ملامح وحشية تنم عن غضبه الشديد و رغبته في إحراق هذا الماثل أمامه ..
و دون أن يتحدث .. سحب إدوارد من قميصه ليقف و يواجهه ، و دون أي تفكير .. سدد له لكمة قوية جعلته يرتد إلى الخلف عدة خطوات ، و همس بحدة :
" هذه لنظراتك الغير مقبولة إلى أبنة عمي " .
وازن إدوارد نفسه .. و اقترب من طارق و هو يتمتم بعدة كلمات عصبية بلغته ، ثم رفع ذراعه ليرد لطارق لكمته ، إلا أن طارق كان أسرع منه .. حيث أمسك بذراعه بقوة و لواه إلى الخلف ، جاعلاً إدوارد يصرخ من الألم ، و همس بنبرة مقهورة :
" و هذه اليد التي تجرأت على لمس جسدها سأكسرها لك " .
نهض محمد مصدوماً مما يفعله ولده ، و همس بتأنيب : " طارق هل جننت ؟ ، إنه ضيفنا " .
" بل حشرة .. هو حشرة علينا قتلها و التخلص منها " ، قال جملته و هو يركل ساق إدوارد بقوة جعلت الأخير ينخفض أرضاً ، بينما يداه ما زالت متمسكة بذراعه بقوة ..
اقتربت سوزان منهما و خوفها على إدوارد يطل من عينيها ، لتتمتم بكذب : " اتركه طارق ، لقد جاء كي يعتذر من أسيل " .
صاح باستنكار : " يعتذر !..، و ماذا إن كان نجح فيما حاول فعله ؟ ، هل كان سيأتي ليعتذر أيضاً ؟! "
صاح محمد بتخبط و الشكوك بدأت تراوده : " طارق .. تحدث معي أنا ، مَن هذا ؟ "
هتف طارق من بين أسنانه .. و هو يلوي ذراع إدوارد أكثر ، فيحمر وجه الأخير من كثرة الألم : " هذا الحقير .. هو مَن حاول التعدي على أسيل من قبل " .
تجمد محمد في مكانه ، مَن حاول اغتصاب أبنة عبد الله .. الأمانة التي تركها شقيقه في عنقه ، هنا في بيته .. يجلس في مجلسه .. و يرحب هو به !
هتف باستنكار : " و تملك الجرأة لتأتي إلى هنا " .
قاطعه طارق بعصبية : " هذا من شدة حقارته يا أبي ، و لكن أقسم أنني لن أجعله يخرج من هنا على قدميه " .
حرر طارق ذراع إدوارد أخيراً ، إلا أنه لم يرحمه ، بل أخذ يركله في معدته و صدره بقسوة .. و هو يسبه بقوة ..
خرجت أسيل من غرفتها .. و الدموع لا زالت تزين وجنتيها ، لترى عمها يجلس على الأريكة و الجمود يحتل ملامحه ، تاركاً لطارق مهمة الأخذ بحقها ..
حانت منها نظرة إلى والدتها ، فوجدتها تحاول الدفاع عن إدوارد بكل ما تملك من قوة ، و الرعب يتجلى في كلماتها ..
تملّك الجمود منها ، فبدلاً من أن تنضم والدتها إلى طارق ، و تنتقم من إدوارد على تجرأه عليها ، تدافع عنه محاولة تخليصه من أيدي طارق ، أي قلب تملك !
تحركت بجمود لتجلس بجانب عمها ، تنظر إلى ما يفعله طارق بإدوارد و شعور بالسعادة يتسرب إليها ، فأبن عمها ينتقم لها من هذا الحقير ..
تنهدت سوزان بقلة حيلة عندما لم تفلح كل محاولاتها في إبعاد طارق عن أبن زوجها ، فنظرت إلى محمد هاتفة بحنق : " اجعله يتركه ، لقد أخبرتك أنه جاء كي يعتذر منها " .
شبح ابتسامة سخرية ظهرت على شفتي أسيل غير مصدقة ما قالته والدتها ، فما الذي سيجعل إدوارد يعتذر و هي مَن شجعته على هذا من الأساس ؟!
اشتعلت عينيها بكره .. و ودت لو تخبر طارق أن والدتها كانت تعلم ، بل هي مَن دفعت إدوارد ليقترب منها ، إلا أن بعض الرحمة بداخلها اتجاه تلك المرأة التي حملتها تسعة أشهر جعلتها تصمت ، مع أن سوزان لم تكن تستحق رحمتها ، فمنذ صغر أسيل و هي كانت تعاملها بجفاء ، و كأنها ليست أبنتها !
" لا .. لن يتركه إلا عندما ينتقم لي منه " .
نظرت لها سوزان بغضب ، فهي تبذل جهدها كي تلملم الموضوع و ترحم إدوارد من وحشية طارق ، إلا أن ابنتها لا تساعدها .. بل على العكس تزيدها اشتعالاً !
في الحقيقة لقد تفاجئت بمعرفة محمد و ولده عن محاولات إدوارد ، فعلى حسب ما تعلم عن المجتمع الشرقي ، هو أنه شديد البأس في هذه الناحية ، و أن مَن تتعرض من بناته إلى مثل ما تعرضت له ابنتها تُحاسَب ، حتى لو كانت هي الضحية !..، لذا لم تتوقع أبداً أن أسيل ستخبر عمها عما حدث معها !
شعر طارق بالتعب فابتعد أخيراً عن إدوارد ، بعد أن سدد ركلة بين ساقي الأخير .. جعلته يصرخ و يتلوى بألم ..
اقتربت سوزي من أبن زوجها بسرعة و ساعدته على النهوض ، ليصرخ إدوارد صرخة أشد قوة و ألماً .. غير قادراً على تحريك عضلة في جسده ..
جلس طارق ثم قال و هو يبتسم بتشفي : " تستحق أكثر من هذا ، لتتعلم من اليوم أن تحترم نفسك و ألا تنظر لما لا تملكه " .
زمجر إدوارد بغضب ، لتهمس له سوزان بخفوت : " ساعدني لآخذك إلى المشفى إدوارد ، و بعدها سأعود إليها و أتصرف معها " .
نهض إدوارد بتعب و كل خلية في جسده تصرخ من الألم ، و قبل أن يغادر مع سوزان .. نظر إلى أسيل و حرك شفتيه دون أن يصدر صوت قائلاً : " سأعود لأحصل عليكِ " .
خرجا من الشقة ليقابلا سعاد على الباب ، فنظرت لهما الأخيرة باستغراب بسبب حالة إدوارد الغريبة ..
" أهلاً سيدة سوزان ، لِمَ لم تخبرينا بقدومكِ حتى نكون في استقبالكِ " .
نظرت لها سوزان باشمئزاز واضح ، و تحركت من أمامها هي و إدوارد دون أن تلقي عليها تحية حتى !
لوت سعاد شفتيها باحتقار هامسة بداخلها : " و كأنني سأموت على تحيتكِ ، حمداً لله أنني لم أكن موجودة وقت مجيئكِ " .
دلفت إلى شقتها لتجد زوجها يضم أسيل بقوة إلى أحضانه .. يحاول أن يهدأها دون فائدة ، و ولدها جالس على مقعد أمامهما بملامح مكفهرة ..
" كان لدي إحساس أن زيارة هذه المرة لم تأتي بخير ، خاصة و أنا أرى بقايا الشاب الذي معها " .
تفاجئوا من وجودها ، ليتنحنح محمد بقوة .. حامداً الله بداخله أنها لم تصل و سوزان هنا ، و إلا لكانت عرفت بما حدث مع أسيل ..
في حين أن أسيل ابتسمت وسط دموعها .. عندما استمعت لكلمة زوجة عمها ( بقايا شاب ) فبالفعل طارق لم يترك في جسد إدوارد شئ سليم ..
جلست سعاد على أقرب مقعد و قالت بفضول : " ماذا كانت تريد ؟ ، و ماذا فعل ذلك الشاب لتفعلوا به كل هذا ؟ "
هتف محمد بهدوء .. متمنياً ألا يثير الشك بداخلها : " سوء تفاهم بسيط ، خذي أسيل الآن إلى غرفتها ، فهي ستقضي ليلتها معنا " .
ابتعدت أسيل عن أحضانه و همست بصوت مبحوح : " لا عمي سأصعد إلى شقتي " .
" و لكن يا حبيبتي " .
قاطعته برجاء : " أرجوك عمي ، اتركني أفعل ما أريد " .
شعر طارق بحاجتها للبقاء مع والديه ، و ظن أنه السبب في رفضها للبقاء على الرغم من حاجتها تلك ..
" يمكنني قضاء ليلتي بالخارج و تقضين أنتِ الليلة هنا " .
كانت تعلم أن والدتها لم تصمت على ما حدث اليوم .. و أنها ستعود إليها بعد أن تطمئن على إدوارد ، و بالطبع هي لن تواجهها أمام عمها و عائلته !
" شكراً لك ، و لكنني أحتاج إلى البقاء لحالي الليلة " .
قبل محمد رأسها بحنو و قال : " كما تريدين حبيبتي " .
نهضت أسيل لتصعد إلى شقتها ، فاستوقفتها سعاد قائلة : " انتظري حتى نأكل حبيبتي " .
همست بتعب : " ليس لدي شهية " .
هتف محمد بهدوء .. مقدراً حالتها : " اتركيها يا سعاد ، أحلام سعيدة حبيبتي " .
سعيدة !..، و من أين ستأتيها السعادة و والدتها قد عادت ؟!
و الله وحده يعلم لِمَ جائت .. و ما الذي تخطط له ؟
صعدت إلى شقتها ، و الخوف بدأ يسيطر على ملامحها مرة أخرى ، هي ليست غبية .. و والدتها أيضاً ليست كذلك !
بالتأكيد طالما جاءت إلى هنا بقدميها .. فإنها تخطط لشئ كبير .. متأكدة من نجاحه ، و لكنها ستقف لها بالمرصاد .. و ستمنعها بكل قوتها عن تدمير حياتها .. مهما تطلب ذلك !
دلفت إلى شقتها .. لتسرع إلى الشرفة منتظرة قدوم والدتها ، حتى تستقبلها قبل أن تذهب إلى شقة عمها ، فسوزان حتى الآن لا تعلم أن أسيل أصبح لديها شقتها الخاصة .
و بالفعل .. بعد مرور ساعات قليلة ، توقفت سيارة أجرة أمام منزل محمد .. و ترجلت منها سوزان بهيئتها الباردة و التي لا تتناسب مع الغضب المتقد في عينيها !
سارعت أسيل بالخروج .. و وقفت على الدرج منتظرة صعودها ، و ما هي إلا عدة ثواني و كانت سوزان واقفة أمامها .. رافعة أحد حاجبيها باستغراب ..
صعدت أسيل إلى شقتها مرة أخرى ، دون أن توجه لوالدتها كلمة ، و سوزان خلفها .. مستغربة من عدم دخول أسيل إلى شقة عمها ، و لكنها فهمت الأمر عندما دلفت أسيل إلى شقة أخرى .
جلست بغرور على الأريكة ، ثم هتفت باشمئزاز : " هل أعجبكِ ما فعله ابن عمكِ المتخلف ؟ "
بقت أسيل على وقفتها ، و ظهرت السخرية على ملامحها و هي تقول : " متخلف !.. ، متخلف لأنه دافع عني !..، لأنه أخذ حقي من الحيوان الذي شجعتيه على الإقتراب مني ! "
تبدلت ملامح سوزان إلى الإنزعاج و قالت : " لِمَ تكبرين الموضوع ؟ ، لقد حاول أن يقيم علاقة معكِ لا أكثر " .
قاطعتها بحدة : " علاقة ؟ ، بهذه البساطة ! "
عادت سوزان إلى برودها المشهورة به و قالت بقسوة : " نعم بهذه البساطة ، و لكنكِ مَن لا تنظرين و لا تنتظرين سوى ابن عمكِ ، تطمحين بأن ينظر لكِ يوماً " .
ثم مررت نظراتها عليها و قالت بسخرية : " مع أنني أعتقد أنكِ لن تنتظرين كثيراً .. طالما تتبعين هذا الأسلوب معه " .
عقدت أسيل حاجبيها بعدم فهم ، لتتابع سوزان بسخرية أشد : " الغريب أنكِ رفضتي إقامة علاقة مع إدوارد متحججة بأن دينكِ لا يسمح بهذا ، فهل دينكِ يسمح بأن ترتدي هكذا لرجل لتلفتين نظره و تجعليه يقترب منكِ " .
فُجِعت أسيل من اتهامها ، فوالدتها تظن أنها امتنعت عن إدوارد من أجل طارق .. و أن طارق إن كان مكان إدوارد لكانت رحبت به !
" أنا لا أرتدي هكذا من أجل طارق ، و مستحيل أن أجعله يقترب مني طالما لا يوجد رابط شرعي بيننا " .
أصدرت سوزان ضحكة سخرية .. مُعلِمة ابنتها أنها لم تصدق حرف مما قالته ، ثم قالت بأسى مصطنع : " أخشى أنه لن يكون هناك رابط شرعي بينكما يوماً ، فإدوارد فور أن يستيقظ سيُحرر محضراً ضد طارق يثبت فيه ما حدث " .
أصفر وجه أسيل من الخوف و همست بتشتت : " ماذا ؟ "
ابتسمت سوزان بانتصار و قالت : " حبيبكِ العزيز سيقضي بضع سنوات في السجن ، إلا إذا ! "
نظرت أسيل إلى والدتها بتوسل ، لتتابع سوزان : " أجمعي أغراضكِ ، سترحلين معي إلى بريطانيا و تتزوجين من إدوارد " .
شحبت ملامح أسيل حتى قاربت الموتى ، فوالدتها تُخيّرها بين حياتها و حب حياتها !
نعم .. لقد قررت أن تنسى طارق و تُخرجه من حياتها ، و لكنه سيظل يحتل جزءاً من قلبها .. و لو صغيراً ، سيظل هو أول مَن احتل قلبها و علّمه الحب ، و ستتمنى له السعادة دائماً ..
ثم أنه ليس من العدل أن يُسجَن بسببها .. بسبب دفاعه عنها ، لن تسمح بذلك !
حسناً .. ماذا تفعل ؟
هل توافق على عرض والدتها ؟
تترك وطنها و عائلتها مرة أخرى .. ذاهبة إلى وطن لم تشعر يوماً أنها تنتمي له !
تتزوج من شخص تشعر بالإشمئزاز عند رؤيته .. توهبه حياتها و جسدها و هي تعلم يقيناً أنه لا يحبها !
يا إلهي .. ما هذا الإختيار الصعب ؟
ابتسمت سوزان و هي تلاحظ تشتت ابنتها ، تعلم أن طارق هو حب حياتها ، و أنها مستعدة للدفاع عنه بكل قوتها إن شعرت أن هناك خطر يحيط به ، لذا استغلت ما فعله لصالحها ، كي تستطيع السيطرة على ابنتها التي لا تنصاع إليها بسهولة .
" أريد قراركِ الآ يا أسيل " .
أغمضت أسيل عينيها .. تحاول إسترداد قوتها و إيجاد فكرة للخروج من هذا المأزق ، فهي لن تضحي بحياتها .. و لن تُدخِل طارق السجن بيديها فتُعذِب قلب والديه عليه .
مرت دقائق كانت سوزان تنتظر فيها أسيل بثقة ، و أسيل تحاول بشتى الطرق إيجاد حل ، لتفتح الأخيرة عيني يظهر فيهما التحدي ، فوالدتها مَن اختارت اللعب بقذارة !
" حسناً أمي ، حررا محضراً ضد طارق ، و قصا فيه كيف ضرب إدوارد بوحشية " .
تفاجئت سوزان مما قالته ابنتها ، فلقد كانت تعتقد أن أسيل من المستحيل أن تقبل أن يمس طارق أذى ، و أنها ستضحي بحياتها من أجله ، و لم تتوقع أنها ستتنازل عنه هكذا بسهولة !
تابعت أسيل بخبث لمع في مقلتيها : " اسمحي لي الآن ، سأذهب لعمي و طارق لأخبرهما عن تلك الليلة ، و أنكِ كنتِ السبب فيما كاد أن يحدث لي " .
نهضت سوزان بفزع ، فإن علم محمد بهذا ستكون نهايتها .. و لن يتردد لحظة في قتلها ، فأسيل عنده خط أحمر .. فهي أبنة الغالي كما يقول ..
" ماذا ؟ ، هل جننتِ ؟ "
رفعت أسيل أكتافها بلا مبالاة و قالت : " لا عيب في الجنون إن كان سيأخذ لي حقي ، و طالما في كل الأحوال طارق سيُسجَن ، فلابد أن يكون السبب يستحق " .
همست سوزان برجاء : " و أنا ؟ ، أ لا تعلمين ما من الممكن أن يفعلاه بي إن علما ؟ ، أ أهون عليكِ ؟ "
انقلبت ملامح أسيل إلى الوحشية و قالت بقسوة : " كما هنت عليكِ أنا عندما سلمتيني لقذر مثل إدوارد ، لِمَ سأشفق عليكِ و أنتِ لم تشعري بالشفقة اتجاهي ؟ "
ابتعلت سوزان ريقها بتوتر و حاولت التفكير في حل لإعادة سيطرتها على الجلسة ، لترفع أسيل إصبعيها و تقول مُنهية اللقاء
: " أمامكِ اختيارين أمي ..
إما أن تخرجي من هذا الباب .. و تعودي إلى بلادكِ أنتِ و ابن زوجكِ .. و تنسيني للأبد ..
أم إنني لن أتردد لحظة في إخبار عمي عن كل مارتكبتيه في حقي " .
لترفع كتفيها قائلة ببساطة : " القرار لكِ " .
لم تكن سوزان بحاجة لأن تقرر من الأساس ، فحياتها هي أهم ما لديها ، لذا بدون تفكير التقطت حقيبتها و غادرت حياة ابنتها للأبد .. دون أن تودعها حتى !
حالما خرجت .. جلست أسيل على أقرب مقعد بتعب .. مصرة على ألا تبكي ، فسوزان لا تستحق دموعها !
**********
استلقى طارق على سريره ، و على الرغم مما مر به في هذه الليلة ، إلا أنه كان يشعر بالراحة ، ليس فقط لأنه انتقم لأسيل و أخذ بحقها من الحقير الذي حاول اغتصابها ، بل لأنها لم تذهب إلى ذاك الحفل !
ربما يظنه البعض مجنوناً في تفكيره هذا ، إلا أنه حقاً كان يشعر بالغضب من خروجها بهذا المظهر أمام الكثير و الكثير من الرجال ..
عاد ليتذكر مظهرها ، كم كانت تبدو جميلة بفستانها الأحمر .. عيونها الكحيلة .. شفتيها المغريتين و .. جسدها !
أغمض عينيه رافضاً أفكاره ، ليس عليه التفكير فيها بهذه الطريقة ، إنها أسيل .. أسيل أبنة عمه الصغيرة ، مَن اقتحمت حياته قبل أن تُتم الخمسة عشر عاماً .. و عاشت تحت جناحه و في حمايته ..
همس صوت بداخله باعتراض : " ليست صغيرة يا طارق ، لم تعد صغيرة ، لقد كبرت .. و أصبحت قادرة على إغراء أعتى الرجال .. حتى أنت لم تنجو من إغرائها " .
فتح عينيه ، و قال لنفسه مؤنباً : " إغراء !..، استيقظ يا طارق .. ما الذي تقوله ؟ ، ما الذي يحدث معك ؟ ، ثم أ نسيت أنها كانت زوجة لك من قبل و لم تحرك فيك شعرة " .
عاد الصوت بداخله ليقول : " هذا لأنها كانت صغيرة ، نعم كانت فاتنة ، و لكن ليس كما تبدو الآن ، لقد نضجت عقلياً و جسدياً ..
كما أنه بالماضي كانت هناك عدة أسباب تمنعك عنها ، أهمها إجباركما على هذا الزواج .. و حبك لنشوى " .
زفر أنفاسه بقوة مقتنعاً بكل ما قيل ، ليعلو صوت أخر قائلاً بسخرية : " حسناً و ما الذي ستستفيده من هذه الأفكار ؟ ، هل ستتزوجها مثلاً ؟ "
توسعت عيونه بذهول مما يدور بخلده : " أتزوجها .. مَن ؟ ، أسيل !
بحق الله إنني أكبرها باثني عشر عاماً ، كيف أتزوج طفلة ؟! "
صاح صوت بداخله : " طفلة مرة أخرى !..، هل سنعود إلى نفس النقطة كل مرة ؟ ، ثم ما المشكلة إن كنت تكبرها بكثير ؟ ، العديد من الأزواج بينهما فارق كبير في العمر و مع ذلك يحيون بسعادة " .
حرك رأسه بعدم تصديق : " لقد جننت ، حقاً جننت ، ما الذي أفكر فيه ؟ "
وضع يده على جبهته و هو يقول : " لا .. أنا متعب ، و هذه آثار التعب ليس إلا ..
من الأفضل أن أنام و أرتاح ، ففي النهاية .. قد كان اليوم عصيباً " .
**********
" لقد هاتفتني أسيل و اعتذرت عن المجئ اليوم " .
ترك كمال ما في يده و نظر إلى شقيقته بقلق جاهد كي يخفيه ..
" لماذا ؟ ، هل تشعر بالتعب ؟
إنها حتى لم تأتي إلى الحفل أمس ، مع أنكِ أخبرتيني أنكِ دعوتيها ، ماذا يحدث معها ؟ "
حاولت ملك كبت ضحكاتها على قلق شقيقها الواضح على أسيل ، فمهما أنكر .. هو منجذب لها ..
" على رسلك يا أخي ، أي سؤال تريدني أن أجاوب عليه أولاً ؟ "
انتبه كمال إلى فشل محاولاته لإخفاء قلقه ، فتنحنح بقوة و قد أحمر وجهه ، و قلبه ينبض بخوف على أسيل .. على الرغم من عدم اعترافه بذلك !
لم تستطع ملك تمالك نفسها أكثر ، فانفجرت ضاحكة و هي ترى ملامح شقيقها الخجولة ..
استندت بذراعيها على مكتبه و قالت بمرح : " طالما أنك مُعجَب بها إلى هذه الدرجة .. لِمَ الإنكار ؟ "
تظاهر بالنظر إلى الأوراق التي أمامه و قال بتهرب : " لا أعلم عما تتحدثين " .
قالت بشقاوة : " يا أخي ، انظر في عيني و اخبرني أن مشاعرك لم تتحرك نحو أسيل و لو قليلاً " .
ابتلع ريقه بتوتر و قال : " ملك .. كُفِي عن الحديث في هذه المواضيع و اذهبي و تابعي عملكِ " .
صاحت بطفولية : " كما تريد ، لكن ثق أنه سيأتي يوماً تحتاج فيه إلى مساعدتي ، لا تنسى أني صديقتها المقربة " .
و لكن .. و قبل أن تغادر مكتبه ، استوقفها قائلاً باستسلام .. مفصحاً عما يقلقه منذ ليالي : " ملك ، مَن هذا الذي جاء إلى هنا منذ أيام و أقلها إلى منزلها ؟ "
التفت ملك إليه .. مبتسمة بانتصار .. فأخيراً استطاعت سحب الكلمات من فم شقيقها ، و قالت بتلاعب :
" على أساس أنك لا تشعر نحوها بشئ " .
زم شفتيه و قال : " الخطأ خطأي أنني سألتكِ " .
ضحكت بقوة ثم قالت بمرح : " لا تغضب بهذه السرعة ، سأخبرك عن ذاك الرجل ، بل سأخبرك بقصة أسيل كاملة ، و أرجو أن تفكر ملياً قبل اتخاذ أي قرار " .
لتتبدل ملامحها إلى الجدية قبل أن تقول : " طارق أبن عمها هو مَن جاء إليها ذلك اليوم و .. زوجها السابق " .
قال كمال بصدمة : " زوجها ! "
سارعت بالقول : " اسمعني أخي و لا تقاطعني .. أرجوك " .
أصدرت تنهيدة قوية ثم قالت : " كما أخبرتك من قبل أن أسيل والدتها بريطانية و والدها مصري ، و قبل أن يتوفى والدها زوّجها من أبن عمها .. لأنه لم يكن يريد لأسيل أن تعيش مع والدتها ، و لا تسألني عن الأسباب لأنني لا أعرفها " .
سألها بتوجس : " و لِمَ تطلقت ؟ "
صمتت للحظة ثم قالت : " هذا من أسرار أسيل .. لا أستطيع الإفصاح عنه " .
زفر أنفاسه بعصبية و قال بغيرة تفاجأ من وجودها : " و هل تحبه ؟ ، أم هذا أيضاً من أسرارها ؟ "
هتفت ملك بجدية : " أخي ، أسيل عندما تزوجت طارق كان عمرها خمسة عشر عاماً ، و لم تقضي معه سوى بضعة أشهر قليلة و بعدها تطلقا ، أي أن أي مشاعر تحملها له فهي مشاعر مراهقة لابد أن تتخلص منها " .
همس بأسى : " أي أنها تحبه " .
هتفت بتصميم : " و ربما لا ، ربما هي تعتقد أنها تحبه لأنه لم يدخل شخصاً أخر حياتها و يعلمها ما هو الحب " .
نهضت لتقف خلفه و تربت على كتفه بحنو : " إن كنت متأكد من حبك لها فاسعى كي تحصل عليها و امنحها السعادة التي تستحقها ، فأسيل عانت كثيراً في حياتها و آن الأوان لها أن ترتاح " .
ثم خرجت من مكتبه .. تاركة إياه في دوامة أفكاره و مشاعره .
**********
بدون سابق إنذار .. سقطت دموع ياسمين من الخوف .. و الآف من السيناريوهات تدور في بالها عما ستفعله رانيا بها !
كانت ردة فعل فريد سريعة ، حيث سحبها بقوة إلى خارج المطبخ ، ثم دلفا إلى أول غرفة ظهرت أمامه ..
انهارت ياسمين خلف الباب برعب .. و هي تستمع إلى صوت ميرفت .. تلقي على إحدى الخادمات بعض الأوامر ..
فمال فريد إليها .. و ضمها إلى صدره بحنو و هو يقول : " إهدأي هي لن ترانا " .
لم تهدأ ياسمين .. بل تمسكت بأحضانه و بكاءها يزداد أكثر كل لحظة ، ليبتعد فريد عنها قليلاً .. و يمسك ذقنها ليرفع وجهها إليه .. فتتقابل نظراتها الخائفة بنظراته الواثقة ، استغرق لحظات ينظر فيها إلى عينبها .. محاولاً بث الطمأنينة إليها ، ثم ظهرت ثقته في كلماته و هو يقول : " مما أنتِ خائفة ؟ ، أنتِ مع فريد الجندي ، لن يمسك سوء طالما أنتِ في حمايته " .
لم تقتنع بكلماته .. فطالما هو واثقاً بقدراته إلى هذه الدرجة ، لِمَ سحبها بخوف مختبئين في أول غرفة قابلتهما !
عادت لتنتبه إلى ما يحدث ، إنها الآن بغرفة غريبة معه ، غرفة بالتأكيد تحتلها إحدى الخادمات .. بسبب قرب موقعها من المطبخ ، ماذا سيحدث إن جاءت تلك الخادمة إلى الغرفة الآن ؟!
شهقت بخوف .. و أبعدت عينيها عنه متأملة الغرفة .. محاولة اكتشاف لمَن تعود ، لتتنهد براحة عندما اكتشفت أنها غرفتها ، فبالأخير كان القدر رحيماً بها !
نهضت مبتعدة عنه و هي تمسح دموعها ، لينهض هو الأخر .. متأملاً الغرفة التي دلف إليها ، كانت غرفة بسيطة .. بسرير متوسط الحجم و دولاب صغير يكفي لضم أغراض الخادمة ، و على الجانب كانت هناك مرآة صغيرة ..
ضيق عينيه و هو ينظر إلى الصورة الموضوعة على المرآة بعناية ، لقد كانت صورة حلوته مع فتاة أخرى لم يهتم للنظر إليها ..
اقترب من المرآة ليتأمل صورة زوجته بدقة ، كانت ترتدي ملابس بسيطة .. باهتة ، و مع ذلك كانت تبدو فاتنة ، من الممكن أن تكون ابتسامتها الخلابة و .. لمعة عينيها .. هما من أضافا لها تلك الفتنة !
كانت ياسمين تنظر له و هو يتأمل صورتها هي و ريناد ، و وجهها قد تورد بخجل إثر نظراته المعجبة ..
التفت .. و اقترب منها ، ليضمها إلى صدره مرة أخرى ، ثم همس و شفتيه تلامس أذنها : " تزدادين في عيني جمالاً كل لحظة ، كم أنا محظوظ بكِ " .
و على الرغم من كل ما يفعله بها ، إلا أن أنوثتها دائماً ما تتأثر بكلماته .. و غزله بها !
تحركت شفتيه لتقبل خلف أذنها هابطة إلى عنقها ، لتنتبه هي إلى ما يفعله .. فتقول باعتراض واهي : " ابتعد .. ماذا .. " .
قاطعها و هو يقول أمام شفتيها بحدة : " أخبرتكِ ألا تخافي طالما أنا معكِ " .
و أردف قبل أن يقبل شفتيها بشغف : " أتوق لتجربة سريركِ الصغير " .
بعد فترة
انتهى منها فريد .. إلا أنه لم يغادر سريرها ، بل على العكس .. أخذ وضعية جيدة ليرتاح في نومه ، حاولت ياسمين النهوض ، إلا أنه أحتضنها بقوة مانعاً إياها من الحركة ..
همست بتوسل : " يجب أن أخرج قبل أن تنتبه إحداهن إلى غيابي " .
كانت نظراته مركزَة على شفتيها المتورمة إثر قبلاته .. غير مبالياً بما تقوله ، و كم أثارته بحمرتها الطبيعية و تورمها ، و كأنه لم يُشبع رغبته فيهما منذ قليل !
مال ليقبلها مرة أخرى بشغف لا ينضب ، ليتركها بعد ثواني و هي تلهث محاولة التقاط أنفاسها ، ثم احتضنها مقرباً إياها من صدره .. مستنداً بذقنه على رأسها ..
دفنت ياسمين رأسها في صدره ، و مشاعر غريبة تنتابها ، كره لما يفعله بها ، و عشق لحنانه عليها !..، على الرغم من أنها لم تجرب هذا الحنان إلا مرتين فقط .. و أثناء علاقتهما الخاصة ، إلا أنه كافياً لجعل الحب يتسرب إلى قلبها ، فطوال حياتها لم يكن هناك مَن يحنو عليها و يراعي مشاعرها ، على العكس كانت تُعامل في الدار بكل قسوة من قبل مشرفاته ، و لم تكن تشعر بالراحة إلا عندما يأتي الليل .. فتُغلق عليها الغرفة هي وصديقاتها ..
قبل فريد رأسها عدة قبلات صغيرة ، ثم همس بأنانية : " سأسامح شرودك هذا إن كنتِ شاردة بي ، و لكن غير ذلك غير مسموح و ..  ستعاقبين عليه " .
نظرت له بأعين متوسعة ذهولاً .. مستنكرة لما يقوله ، ليتابع بتملك : " أنتِ كلكِ ملكي .. مشاعركِ لي .. و تفكيركِ لا يشغله سواي ، فهمتي ؟ "
أومأت بصمت .. مع أنها تشعر بالغرابة من أفكاره ، فهو لا يريد امتلاك جسدها فحسب ، بل يريد امتلاكها كلها !
ابعدها فريد عنه برفق عندما لاحظ أنه تأخر كثيراً على عمله ، لينهض بخفة و يرتدي ملابسه ..
نهضت ياسمين هي الأخرى .. و هي تمسك الغطاء بقوة .. مخفية به جسدها ، التقطت ملابسها ، إلا أنها خجلت من أن ترتديها أمامه ، ففضلت أن تنتظره حتى يخرج من الغرفة .. و من ثم ترتديها ..
مال عليها فريد مبتسماً بشقاوة ، ثم هتف بوقاحة : " ارتديها .. لا تخجلين .. فمنذ دقائق كنت أضم جسدكِ العاري إلى صدري " .
شهقت بقوة .. لترتمي على السرير دافنة وجهها في الوسادة من شدة خجلها ..
قهقه باستمتاع .. و حاول أن يرفعها لتواجهه و .. ليستمتع بهذا الخجل ، إلا أنها اعترضت بقوة .. متمسكة بالوسادة بيد .. و الغطاء باليد الأخرى ..
همس بجانب أذنها : " لولا أنني يجب أن أغادر ، لما كنت لأترككِ اليوم ، و لكن بسيطة .. غداً يوم إجازتكِ ، سآخذكِ للشقة و استمتع بكِ طوال اليوم " .
ثم استقام ليهتف بنبرة صارمة : " إن خرجتي و سألتكِ إحداهن أين كنتِ ، أخبريها بأنكِ شعرتي ببعض التعب فغفيتي ، مفهوم ؟ "
رمشت بعينيها بضعف .. و قد بدأ إحساس العار يتسلل إليها مرة أخرى ، إلى جانب حيرتها من انقلابه المفاجئ .. و العودة إلى شخصيته القاسية !
كرر بحدة : " مفهوم ؟ "
همست بخزي : " مفهوم " .
**********
صفّ سيارته أمام منزلها بتهور ، مجنونٌ هو منذ أن أخبرته بعدم رغبتها في إتمام خطوبتهما و أغلقت الخط دون أن توضح السبب ، فلم يشعر بنفسه إلا و هو يلتقط مفاتيح سيارته و يذهب إليها ، غير مبالياً بالتوقيت و أن الساعة تقارب الفجر ، و لا مبالي برد فعل عائلتها عندما يروه ..
كل تفكيره كان فيما حدث معها ، و ما الذي جعلها تقول له هذا !
لقد كان يتحدث معها قبلها بدقائق و كانت كل الأمور بخير ، ليته لم يغلق الخط .. ليته ظل يُحادثها و لم يهتم بدموعها ..
ترجّل من السيارة .. و ملامحه محتقنة من الغضب و .. الخوف !
يخاف ألا توافق على الرجوع إليه و تتمسك بقرارها ، و يموت هو في بعادها ..
طرق الباب بقوة أفزعت مَن في المنزل ، إلا واحد .. كان يتوقع أن هذا ما سيحدث ..
سار بكسل ليفتح الباب ، ثم يستند عليه بملل و يقول باستفزاز : " هل هذه أوقات ملائمة للزيارة ؟ "
تفاجأ سيف بوجود مازن أمامه ، فطبقاً لما يعرفه ؛ أن مازن ترك البيت و قاطع عائلته منذ أن وافقت تسنيم على الزواج منه .. ضغطاً عليها كي تتراجع ..
لذا فوجوده الآن لا يعني سوى شئ واحد !
هجم عليه و هو يصيح بغضب : " يا حقير أنت السبب .. أنت مَن أجبرتها " .
لم يتحرك مازن من مكانه .. و لم يبادله هجومه ، بل بقى ساكناً .. مبتسماً باستفزاز ..
هزه سيف بقوة و هو يصيح بألم : " ما أحقرك .. ما أحقرك !
أبعدتها عني من أجلك .. من أجل سعادتك ، كم أنت أناني لا تهتم سوى بنفسك ! " .
و أردف بحرقة : " إن كنت لا تريدني لها .. تكرهني .. فلا مشكلة ، و لكن انظر لها " .
أشار إلى تسنيم الواقفة أعلى الدرج .. تراقبهما و دموعها تُغرِق وجنتيها : " أ يرضيك بكاءها ؟ ، أ يهون عليك ؟
ألا تقول دائماً أنك لا تستطيع رؤية دموعها .. أن سعادتها أهم ما لديك ؟
هاك .. انظر ، إنها تبكي بسببك " .
رفع مازن نظراته إليها ، إلا أن بكاءها لم يؤلمه بقدر ما آلمه أنها تبكي على سيف .. على خسارتها له ..
صوت سيف العالي أيقظ طه و هالة من نومهما ، و هبطا بفزع ليرا ما يحدث ، ليتفاجئوا بعودة مازن إلى المنزل .. بعد ما فعله بحفل الخطبة ، و وجود سيف عندهما في هذه الساعة !
كانت هالة أول مَن تحركت بخوف ، لتحاول تخليص مازن من يد سيف ..
في حين أن طه بقى مكانه .. يحاول تحليل ما يحدث أمامه ، و يبحث بعينيه عن السبب الرئيسي الذي سيجعل سيف و مازن يتشاجرا ..
و بالفعل وجدها .. تقف أعلى الدرج بضعف ، و دموعها أكبر دليل على أنها السبب ..
صاحت هالة بغضب : " اتركه سيف ، اتركه " .
ترك سيف مازن بقوة جعلته يرتد للخلف عدة خطوات ، و نظر إلى خالته بوجه محتقن من الغضب ..
" لقد تركتني تسنيم " ، قالها بحرقة تعبر عن مدى ألمه ..
ففي النهاية كان لديه حق ، عدم ثقته في مشاعر تسنيم اتجاهه لم تكن من فراغ ..
فها هي حبيبته أكدت ظنونه ، و تخلت عنه من أجل شقيقها ..
خسارة فيها كلمة حبيبة !
فالفتاة العاشقة لا تتخلى عن حبيبها ، تظل معه و تحارب الدنيا من أجله !
و لكن هي .. خذلته من أول مواجهه مع شقيقها .
ارتسمت الصدمة على ملامح هالة ، فبعد تمسك تسنيم بسيف اعتقدت أنها ستُكمل معه و تنسى مازن ..
نظرت إليها .. و على الرغم من الألم الذي احتل قلبها لحزن تسنيم الواضح ، إلا أنها ابتسمت لها بامتنان ، لأنها أعادت لها ولدها ..
استوعب طه ما يحدث ، لينظر إلى ولده بغضب ، فلا مجال للشك أنه السبب فيما حدث ..
صعد إلى تسنيم و سحبها معه إلى غرفتها ، دون أن يوجه إلى أحد الشابين كلمة ، فبالنهاية قرار تسنيم و سعادتها هو ما يريده ..
أجلسها و مسح دموعها بحنو ، لتقول هي بصوت مبحوح :
" لقد رأيت عينيه أبي .. رأيتها ، لقد كانت قاسية .. حازمة ..
و لسانه قد أقسم على أنه سيبتعد عني للأبد ..
و أنا لا أستطيع تحمل هذا ، و الله لا أستطيع " .
ربت طه على ذراعيها و همس : " أهدأي حبيبتي .. أهدأي " .
همست بطفولية : " لا أريده أن يبتعد عني يا أبي " .
تنهد بصبر ، يعلم كم مشاعرها متخبطة هذه الأيام ، و لكن ما تفعله أيضاً غير مقبول .
" تسنيم نحن لا نلعب ، لا يمكنكِ قول أنكِ تريدين سيف ، و بعدها تعودين و تقولين أنكِ لا تريدينه ، أنتِ تجرحين الاثنين بما تفعليه ، عليكِ اتخاذ قرار نهائي بلا تراجع " .
أطرقت برأسها دون رد ، ليتابع قائلاً : " لا تريدين أن يبتعد مازن عنكِ ، صحيح ؟ "
أومأت ببكاء ، فقال بجدية : " و ستتحملين ابتعاد سيف عنكِ ؟ ، ستتحملين رؤيته مع أخرى غيركِ ؟ "
نظرت له بصدمة ، و كأن هذا لم يخطر على بالها من قبل !
ليتابع رافعاً أحد حاجبيه : " ماذا هل تظني أنه سيعيش مخلصاً لكِ للأبد .. و سيظل يحبكِ مع أنكِ مَن تخليتي عنه ؟! ، حتى الروايات لا يحدث فيها هذا !
لذا قبل أن تختارين .. عليكِ التفكير في كل شئ ، و أول هذه الأشياء سعادتكِ ..
و أنا سأكون معكِ و بجواركِ دائماً ، مهما كان اختياركِ " .
صمتت تسنيم تفكر بجدية ، فوالدها لديه حق .. و تصرفاتها الطفولية يجب أن تتخلص منها ، عليها أن تنضج .. أن تختار ما يجعلها سعيدة طوال حياتها !
**********
أجلست هالة سيف تترجاه أن يهدأ و ينتظر ما سيفعله طه ، فجلس بغضب .. و نظرات الغيرة و الحقد موجهه إلى مازن ..
في حين أن مازن لم يتحرك من مكانه ، مع أن عيونه كانت معلقة على المكان الذي كانت تسنيم واقفة فيه ، و قلبه يخبره ألا يخاف ، أنها لن تتركه بعد أن أختارته ..
ليعود عقله و يقول : " و لِمَ لا تفعلها ؟ ، ألم تترك سيف و تختارك بعد أن كانت اختارته ؟ ، فلِمَ لا تفعلها مرة أخرى ؟
ثم لا تنسى أنها جالسة مع والدك ، الذي أوضح أكثر من مرة رفضه لما تفعله معها  " .
أفكاره زرعت المزيد من الخوف بداخله ، و أخذ يهمس : " لا تخذليني تومي ، أرجوكِ " .
مرت حوالي نصف ساعة أو أكثر ، كلٌ قضاها في خوفه و أمانيه ..
ليأتي طه .. وحده .. بملامح لا تنم عن شئ ..
اقترب منه سيف بسرعة و قال : " أين تسنيم يا عمي ؟ ، أرجوك اجعلني اجلس معها دقائق ، لا يمكنها تركي بهذه البساطة " .
نظر طه إلى ولده الذي لم يتحرك من مكانه خطوة .. و لم يتفوه بحرف أيضاً ، و كأنه متأكد من قرار تسنيم او .. خائف منه !
أعاد نظراته إلى سيف الماثل أمامه بأمل و رجاء ، ليُصدر تنهيدة قوية قبل أن يقول :
" أعتذر بنيّ " ، لم يستطع متابعة كلماته و هو يرى ملامح سيف المذهولة ، و كأن تسنيم لم تخبره من قبل بتركها له ، فصمت بقلة حيلة .. مدركاً أن سيف لا يحتاج إلى سماع المزيد .
في حين ان مازن تنهد براحة ، فأخيراً صغيرته عادت إليه ، كما كانا من قبل ..
ضحك سيف بعدم تصديق : " هذه مُزحة ثقيلة عمي ، أنت لا تتحدث بجدية ، أليس كذلك ؟
مستحيل ان تتركني تسنيم .. مستحيل " .
أسبل طه جفنيه ، لا يعلم بما يرد عليه ، ففي النهاية سيف معذور ، فبالتأكيد لم يتوقع أن حبيبته ستتركه بعد ساعات من إعلان خطبتهما !
التفت سيف إلى مازن ليصيح بغيرة و تهور : " ارتحت الآن .. ارتحت ، بالتأكيد تشعر بالإنتصار الآن ، تعتقد أنها أصبحت لك .. ملكك ..
و لكن استيقظ ، ما تحلم به لن يحدث ، تسنيم لن تنظر لك يوماً ، هي لا تراك سوى شقيق ، و أنا متأكد أنها لن تراك من هذه الناحية حتى عندما تعلم برغباتك اتجاهها " .
شهقة عالية صدرت عن هالة بسبب حديث أبن اختها الجنوني ..
و تجمد مازن في مكانه بصدمة من اتهامات سيف القذرة له ..
ليصيح طه بغضب : " سيف أقدر ما تشعر به الآن ، و مع ذلك لا أسمح لك بإلقاء هذه الاتهامات ، أنت لا تعي ما تقوله ، مازن شقيق تسنيم .. شقيقها و فقط " .
ضحكة أعلى صدرت عن سيف ، ضحكة يتخللها الجنون و اللاتصديق
" بل أنت الذي لا تعي ما تقوله يا عمي " .
ليُصدر تأوهاً غريباً ثم يقول : " أوه أعتذر ، أنت لا ذنب لك ، فولدك بالدهاء الكافي ليخفي ما يريده " .
نهضت هالة قائلة بغضب : " لقد جننت ، ترك تسنيم لك افقدك عقلك و جعلك تتفوه بالحماقات " .
التفت لها سيف قائلاً بوقاحة : " انا اعقل من ولدكِ ، أفهمه جيداً و أفهم ما يريده " .
لينظر إلى مازن و بتابع : " و لكن أقسم لك بحياتي أن ما تطمح إليه لن يحدث ، و تسنيم لن تنظر لك يوماً بالطريقة التي تتمناها " .
لم يستطع مازن تمالك نفسه أكثر و الصمود أمام اتهامات سيف له ، فلم يشعر بنفسه إلا و هو يسحبه بقوة ليلقيه خارج المنزل و هو يقول :
" لقد صبرت عليك كثيراً ، و لكن جنونك زاد عن حده ، اخرج من هنا و لا تعود مرة أخرى ، لأنني إن رأيتك ثانية لن أرحمك " .
و أغلق الباب في وجهه و عاد إلى والديه .. دون أن يرد أو يعلق على اتهامات سيف له !
و لِمَ سيعلق عليها و هي جنونية من وجهة نظره ؟
دلف إلى الداخل ليستقبله والده قائلاً بصدمة : " ما هذا الذي قاله ؟ "
شحب وجه مازن و قال بتوتر : " لا يُعقل أن تكون صدقته يا أبي ! "
همس طه بتشتت : " بالطبع لا ، فتسنيم شقيقتك .. شقيقتك و فقط ، أليس كذلك ؟ "
همس مازن بمشاعر متخبطة و حديث سيف يتردد في أذنه : " نعم ، شقيقتي و فقط " .
تنهد بقوة و تابع : " سأصعد لأراها " .
عاد طه إلى تركيزه و تذكر ما حدث مع تسنيم و ما فعله مازن معها
" ما فعلته معها لن يمر بسهولة ، و أرجو ألا يؤثر هذا عليها سلبياً في المستقبل " .
" كانت ستتأثر إن كانت استمرت مع سيف يا أبي ، لأنني لم أكن لأسامحها وقتها ، أما الآن فكل شئ بيننا سيكون طبيعي " .
قالها ثم صعد بثقة إلى صغيرته التي عادت إليه للتو .
**********
متمددة على سريرها .. تنظر إلى سقف غرفتها بشرود ، لا تعلم إن كان اختيارها صحيح أم لا ، إن كان سيجعلها سعيدة طوال حياتها أم ستكون التعاسة نصيبها !
كل ما تعلمه أنها لا تستطيع إتخاذ اختيار أخر ، لا يمكنها الابتعاد عن مازن و جرحه ..
مازن ليس شقيقها فحسب ، بل هو كل حياتها ، لا تستطيع أن تحيا بدون وجوده بجانبها ..
و في نفس الوقت قلبها يتألم على سيف ، فهو أحبها بحق و لا يستحق منها ما فعلته معه ..
لا تعلم كيف ستستطيع العيش من دونه ، و لكن هذا اختيارها و عليها تحمل نتائجه !
طرقات خفيفة على الباب و دخول مازن إليها أخرجها من أفكارها ، فنظرت إليه بأعين ذابلة .. متعبة ..
اقترب ليجلس بجانبها ، وجهه تعلوه ابتسامة جميلة لتكسر توتر الأجواء ، هو ليس غبياً .. و يدرك جيداً أنها ستحتاج إلى بعض الوقت كي تتأقلم على ابتعاد سيف ، و هذه مهمته !..، سيكون بجوارها دائماً .. يحنو عليها و يمرح معها ، حتى تنسى سيف نهائياً .
" لِمَ تجلسين لحالكِ ؟ "
همست بلا مبالاة : " و ماذا سأفعل و الوقت يقارب الفجر ؟ "
تظاهر بالصدمة و هو يقول بمشاكسة : " تسنيم مَن تسأل هذا السؤال ؟! ، رحم الله أيام الدراما الكورية التي كنتِ تسهرين عليها للصباح تاركة دروسكِ " .
لم تعلق على كلماته ، ليتنهد بقوة .. لا يريد رؤيتها هكذا ، يريدها كما كانت من قبل .. بنفس مرحها و ابتسامتها التي كانت تبعث السعادة إلى قلبه ..
لمعت الفكرة في رأسه ، ليسحبها من ذراعها و هو يقول بمرح :
" انهضي .. هيا " .
نظرت إليه باستغراب و قالت : " إلى أين ؟ "
" سنذهب لنعد المعكرونة ، ثم نشاهد فيلماً من اختياركِ " .
عقدت حاجبيها بطفولية : " معكرونة !. ، في هذا الوقت ! "
ضحك بقوة و قال : " و هل هذه أول مرة نفعلها ؟ ، انهضي من دون كلام .. هيا " .
تململت باعتراض و قالت : " لا ، ليس لدي مزاج ، أريد أن أنام " .
همس بمشاكسة : " حسناً ، أنتِ مَن أخترتِ " .
و قبل أن تعي مقصده وجدت نفسها معلقة في الهواء ، و هو يقول بمرح :
" سنصنع المعكرونة و نشاهد الفيلم و نصلي و بعدها سنتام ، و لن أقبل بأي اعتراضات " .
طوّحت قدميها بقوة و هي تقول : " مازن .. انزلني ، أنا لست صغيرة لتحملني بهذه الطريقة " .
هتف بعناد : " سنفعل ما قلته أم لا ؟ "
تأففت بضجر و قالت : " حسناً ، و لكن انزلني أولاً " .
أنزلها و من ثم أشار لها بصرامة : " أمامي " .
تحركت أمامه و هي ما زالت تطلق العديد و العديد من التأففات ، إلا أن هذا لم يؤثر فيه ، فهدفه واحد .. و هو إزالة الحزن من قلبها ، و لن يستسلم إلا عندما يزيله .. و يُخرج سيف من قلبها !
دلفا إلى المطبخ ، لتتخذ مكانها المعتاد ، فتجلس على السطح الرخامي .. تؤرجح قدميها بملل .. مُستغنية عن مرحها المعتاد ..
دلف مازن خلفها و بدأ يعمل بسرعة و رشاقة ، حركاته محفوظة عن ظهر قلب ، إلا أن عمله كان ينقصه مشاكسات صغيرته المعتادة !
" تعالي و قلبي المعكرونة " .
هتفت بسخرية مقلدة إياه : " و منذ متى و أنا أساعدك في صنعها ؟ ، ألست أنت مَن تعدها دائماً بينما أنا أنظر إليك ؟ "
نظر إليها بجدية و قال : " متذ الآن ستساعديني ، تعالي " .
تأففت بضجر ، و اقتربت مرغمة منفذة ما أمرها به .
لحظات قليلة و وقف جانبها و هو يقول بذهول مصطنع : " لا تقلبيها هكذا " .
لوت فمها بملل و قالت : " و هل للتقليب قوانين ؟! "
تحدث بجدية مصطنعة : " نعم .. انظري إليّ و تعلمي " .
سحب الملعقة الخشبية منها ، و أخذ يقلب المعكرونة مثلما كانت تفعل تماماً ، فقالت بتذمر :
" هذا ما كنت أفعله أنا " .
قال بمشاكسة : " لا أنا افعلها بضمير على عكسكِ " .
كتفت ذراعيها و قالت بحنق : " حقاً ؟ ، قلبها انت إذاً و اتركني بحالي " .
كادت أن تعود إلى مكانها ، لولا أنه أوقفها بقوله : " قطعي أنتِ الخضراوات " .
تأفف أعلى صدر منها قبل أن تذهب و تباشر في تقطيع الخضراوات ، و لكنه لم يرحمها أيضاً .. فوقف ورائها و صاح بتذمر
: " ليس هكذا " .
تركت السكين بقوة ليصطدم بالسطح الرخامي ، و صاحت بنزق : " ماذا أيضاً ؟ "
أمسك قطعتين كانت قد قامت بتقطيعهما و قال : " انظري هذه أكبر من هذه " .
نظرت إلى القطعتين بتعجب ، فكما ترى لا يوجد بينهما أي فرق ، و حتى إن وُجِد فلا مشكلة ، فبالأخير كل هذه القطع ستُأكل ..
أردف مازن بحزم مصطنع : " اقطعيهما متساويتان " .
تكتفت و قالت بسخرية : " و كيف أفعلها يا أذكى الناس ؟ "
وضع مازن القطعتين على بعضهما بمرح و قال : " هكذا ، ضعي واحدة فوق الأخرى و اقطعيها .. حتى تكونا في نفس المقاس " .
ضحكت بقوة على تصرفاته حتى دمعت عيونها ، ثم سحبت منه القطعتين بقوة و هي تقول : " هيا مازن لا تمزح ، لقد بدأت أشعر بالجوع " .
تنهد بارتياح حالما سمع ضحكتها ، فهذا ما يسعى إليه من الأساس ..
حملها بحنو و أجلسها في مكانها و هو يهمس : " دقائق و سيكون الطعام جاهزاً لأحلى تومي " .
عاد إلى عمله ، يطهو لها أكلتها المفضلة بمهارة و سرعة ..
لتعود هي و تشرد فيما حدث معها ، و عندما لاحظ شرودها ، غنى بصوت أقل ما يُقال عنه أنه نشاز !
أجفلت تسنيم على صوته القوي ، و عبست بملامحها بانزعاج و قالت : " مازن لا تغني ، صوتك ليس جميلاً " .
التفت إليها .. واضعاً يده على قلبه ، و قائلاً بتمثيل : " يا إلهي ، ما هذه القسوة التي تمتلكيها !..، لقد حطمتي قلبي الصغير " .
و للمرة الثانية تنطلق ضحكاتها العالية إثر تصرفاته ، ليبتسم هو بسعادة ، و من ثم يحمل أحد الصحون و يطرق عليها بقوة ، و يغني أغنية لا يحفظ كلماتها من الأساس ، فتصبح كلماتها غريبة و غير متراكبة ..
أمسكت تسنيم ببطنها غير قادرة على التوقف عن الضحك ..
" يكفي مازن ، لا أستطيع التحمل أرجوك " .
استمر مازن في الغناء و الرقص بحركات مضحكة و هو يضع المعكرونة في الصحن ، مستمتعاً بضحكاتها الجميلة .
فقفزت تسنيم بعد أن وضع الطعام في الصحون .. و سارت معه .. ليجلسا و يشاهدا فيلماً كوميدياً .. حرص مازن على اختياره كي لا تنزاح الضحكة من على وجهها ، و بدأ يُطعمها بيديه و هي تشاهده ، لتُختتم ليلتهما بسعادة .. على عكس بدايتها .
**********
عادت إلى البيت بشوق ، لقد بدأت تشعر أنه بيتها .. ملكها .. تنتمي له ، حتى أنها لم تجلس مع والديها سوى ساعتين أو أوقل ، على الرغم من أنه كان مر عليها أكثر من أسبوع دون أن تراهما ..
لا تدري ما يحدث معها ، كيف تعلقت بأطفال وحيد على الرغم من أنها تجد الأطفال كائنات مزعجة لا يجلبوا سوى الصداع ..
و مع ذلك تيم و لمار احتلا قلبها ، أصبحت تحب مشاكسة تيم
دائماً و رؤية وجهه الأحمر من الإستفزاز و العصبية ..
أصبحت تعشق تعلق لمار بها و وجودها الدائم بجوارها ..
مع أنها لم تظهر لهما هذا ، فأمامهما و أمام والدهما .. تتذمر من تصرفاتهما ، لا تكف عن توضيح عدم تقبلها لوجودهما ..
و وحيد - زوجها الغامض - الذي يصمت على كل ما تفعله ، بل أحياناً يمازحها دون مبالاة لما تقوله ، و كأنه يعلم ما في قلبها و ما تجاهد كي تخفيه !
و في نفس الوقت علاقتها معه تثير ريبتها ، فهي على الرغم من كرهها لقربه و حرصها على إظهار هذا الكره له ، إلا أنه عندما يقترب منها تتجمد .. لا تستطيع منعه أو الإعتراض ، لامساته تثير فيها شعور غريب بالأمان و .. الإنتماء !
حتى تصرفاته معها و رجولته التي تظهر في كل أفعاله تثير إعجابها و بشدة ، و كم تكره هذا !
تشعر أنها تخون طارق بانجذابها لوحيد ، و هي لا تريد خيانته .. فطارق الوحيد الذي سيكون في قلبها ، حتى لو لم تكن معه !
دلفت إلى شقتها لتجد الصالة خالية ، و أصوات عالية مرحة منبعثة من المطبخ ..
عبست بملامحها و جزت على أسنانها بعصبية ، فوحيد لا يدخل المطبخ إلا ليصنع لأطفاله كعكتهما المفضلة .. كعكة البرتقال ، المفضلة عندها أيضاً ..
أسرعت إليهما .. و دون أن تحييهما حتى .. جلست ساحبة أحد الصحون .. لتضع لها العديد من القطع و تأكلها بنهم ..
سحب وحيد الصحن من أمامها و هو يبتسم ، فعبست بملامحها و هي تحاول أخذه بفشل ..
" أعطني إياه ، ألا يكفي أنك صنعتها و أنا غير موجودة " ، قالتها بحنق و هي تسحب منه الصحن بقوة .
قهقه باستمتاع ، فهي أمام هذه الكعكة .. لا فرق بينها و بين أطفاله في التصرفات ..
بل لا فرق بينها و بينهما في شئ ، فكثيراً ما يشعر أنه لم يتزوج ، بل أحضر طفلة ثالثة إلى بيته !..، و على الرغم من غرابة الأمر ، إلا أنه اعتاد على وجود نشوى في حياته ، ليس هو وحده .. بل أطفاله أيضاً ..
لاحظ إشارات طفلته إليه و من ثم إلى نشوى ، ليفهم ما تريده .. فيشير إليها بالصبر ..
لم يكن هو وحده مَن لاحظ إشارات لمار ، فنشوى كانت منتبهه إلى كل ما يصدر من الصغيرة ، و لكنها أدعت أنها لا ترى شيئاً .. حتى تعرف نهاية تلك الإشارات ..
بعد أن أنهيا تيم و لمار طعامهما أخذهما وحيد إلى غرفتهما كي يناما ..
وضع لمار على سريرها ، و قال بحنو : " نامي جيداً حتى تؤدين غداً جيداً في الحفل " .
زمت الطفلة شفتيها و قالت : " و أمي أبي ، أنت لم تخبرها حتى الآن ، ماذا إن رفضت المجئ ؟ "
ابتسم كي يطمئنها و قال : " بالعكس ستفرح كثيراً و ستكون متشوقة لرؤيتكِ تغنين " .
هتفت بحماس : " و فستاني ؟ "
اتسعت ابتسامته و قال : " ستحضره لكِ قبل الحفل و تساعدكِ على ارتداءه " .
قبلها و همس : " هيا نامي " .
ثم اتجه إلى تيم ليقبله هو الأخر و همس : " أحلاماً سعيدة حبيبي " .
خرج بعد أن أغلق أنوار غرفة أطفاله ، و اتجه إلى غرفته هو و نشوى ..
اقترب ليسحب منها المجلة التي كانت تقرأها ، و قال : " الحفل الذي ستغني فيه لمار ، سيُقام غداً " .
كانت على علم بهذا الحفل من قبل ، فلمار لم تنفك عن ذكره و عن غناء الأغنية التي ستؤديها فيه ليلاً و نهاراً حتى حفظوها هم أيضاً ، و لكنها لم تكن تعلم بموعده تحديداً ، حيث أن المدرسة غيرت الموعد عدة مرات .. حتى ظنت أنهم سيلغوا الحفل نهائياً ..
" و ما دخلي أنا ؟ "
أمال شفتيه بسخرية و قال : " ماذا تظنين ؟ ، ستأخذين الفستان و تذهيين إليها قبل موعد الحفل بوقت كافي و تساعديها على ارتداءه " .
هتفت ببرود : " هل أخبرك أحدهم أنني مربية خاصة لأطفالك ؟ "
تأفف بضجر و قال : " بل أم ، لمار تحتاج إلى والدة تقف بجانبها غداً ، تشجعها و تحنو عليها أمام صديقاتها ..
هذا من الأساس أول حفل لها منذ وفاة بسمة ، و هي لم تشترك فيه إلا لأنكِ ستكونين متواجدة " .
احتلت السعادة قلب نشوى ، فيوماً بعد يوم تثبت لها لمار مدى تعلقها بها و حبها لها ، و حبها هذا هو ما جعلها هي تتعلق بالصغيرة و يحتل حبها قلبها ..
أخذت تفكر كيف ستقضيان يوم الغد و ماذا ستفعلان ، فبالتأكيد يومهما لن ينتهي بعد تلك الحفلة ..
و على الرغم من كل ما يدور في خلدها ، إلا أنها هتفت باستفزاز باتت تستمتع برؤية تأثيره عليه :
" لست بمزاج جيد لحضور حفلات و تحمل صداع الأطفال ، و لكنني سأحاول " .
تنهد بقوة ، هذه نشوى و لن تتغير .. لا ترتاح إلا عندما تثير استفزازه : " لن تحاولين ، بل ستذهبين ، لا مجال للتفكير أو المناقشة في هذا " .
تأففت بضجر مصطنع و قالت : " أف أخبرتك أنني سأحاول ، و الآن أتركني لأنام فأنا أشعر بالإرهاق " .
و دون أن تنتظر رده .. أغلقت الضوء الجانبي المستقر جانب سريرها ، و استلقت مستعدة للنوم ، إلا أن النوم كان بعيداً عن جفونها .. و تفكيرها منشغل بأحداث الغد و ماذا ستفعل مع لمار ؟
تأفف وحيد بدوره و استلقى لينام هو الأخر ، متمنياً أن يمر يوم الغد على خير و ألا تُجرح طفلته الصغيرة .
**********
وقفت وحيدة .. تنظر إلى صديقاتها اللاتي يقفزن بسعادة .. مرتديين الفساتين التي سيؤدون بها فقرتهن في الحفل ، و بجانبهن أمهاتهن يبتسمن على سعادتهن ..
أعادت نظراتها إلى الباب .. منتظرة دخول والدتها ، فلم يعد يتبقى الكثير على بدء الحفل .. و هي لم تأتي حتى الآن !
سقطت بضع دموع و هي تفكر أن والدتها لن تأتي .. و أنها ستكون مثار سخرية صديقاتها ببكاءها و وحدتها ، فانزوت بعيداً و عيونها مازالت معلقة على الباب .. كلها أمل بدخول والدتها في أي لحظة ..
لكن نشوى لم تدخل ، بل دخل مكانها تيم .. بوجه أحمر من الغضب .. و عيون تلمع بحزن ، فشقيقته كانت ترفض الإشتراك في هذا الحفل السنتين الماضيتين حتى لا ترى كل طفلة بجوار والدتها عداها .. حتى لا تشعر بيُتمها ..
و اليوم اشتركت على أمل أنها تملك والدة أخيراً .. أن والدتها ستكون بجانبها .. تُعرّفها على صديقاتها بسعادة ، و لكنها نست أن نشوى لم و لن تكون والدتها !
اقترب ليضمها إلى صدره .. يرفع وجهها لتنظر إلى عينيه ، و استعان بكلمات والده التي كان لا ينفك عن قولها لهما قبل زواجه ، فقال :
" أمي .. والدتنا بسمة ، تنظر إليكِ الآن .. تتألم لأنها تراكِ حزينة ، و تتنظر رؤيتكِ بفستان جميل مثلكِ و أنتِ تغنين بسعادة " .
زمت لمار شفتيها .. مانعة المزيد من دموعها من الإنهمار ، فأردف
: " سأتصل بوالدي ، ليأتي الآن .. بعد أن يشتري لكِ فستاناً جديداً ، كي تغنين و تتألقين في الحفل " .
أبتعدت عنه .. محركة رأسها باعتراض ، و قالت بحزن : " لا أريد الإشتراك في الحفل تيم ، أرجوك .. أخبر المعلمة بذلك و اتصل بأبي ليأخذنا إلى المنزل " .
لم يجادلها .. لأنه يعي صعوبة الأمر عليها ، فحتى هو انقطع عن الكثير بعد وفاة والدته ..
فابتعد متجهاً إلى معلمتهما .. مخبراً إياها بانسحاب لمار من الحفل .. متعللاً بشعور شقيقته بالتعب ، و طالباً منها الإتصال بوالده .
**********
لم تمر نصف ساعة و كان وحيد أمام مدرسة أولاده ، بداخله الكثير من الأفكار و التساؤلات ، فأبنه لم يخبره بالكثير .. فقط طلب منه أن يأتي لهما في الحال ..
تُرى ماذا حدث ؟
هل تشاجر مع نشوى ؟
أو أن هناك مشكلة في فستان لمار ؟
قاطع أفكاره خروج طفليه من المدرسة ، و ملامح الصغيرة يكللها الحزن و الأسى ..
عقد حاجبيه بعدم فهم ، و ازدادت انعقاداً عندما وجدهما يصعدان إلى السيارة ..
نظر إليهما من خلال الشباك و قال : " إلى أين ؟ ، أليس من المفترض أن هناك حفل بعد أقل من ساعة ؟ "
أجابه تيم : " نشوى لم تأتي .. و لمار انسحبت " .
استغرقه الأمر عدة ثواني كي يستوعب ما يحدث ، كي يصدق أن نشوى فعلتها و لم تأتي !..، لقد كان يظن أنها كانت تشاكسه بالأمس ، لم يكن يتوقع أنها جدية .. أنها ستجرح طفلته إلى هذه الدرجة !
صعد إلى سيارته و قاد إلى المنزل دون أي كلمة ، إلا أن تيم لم يصمت ..
" نحن لا نريدها ، لقد أخبرتنا أنك ستتزوجها لتكون أماً لنا ، و لكنها لم تكن يوماً كذلك ، حتى اليوم لم تأتي للمار .. مع أنها تعلم مدى احتياجها لها في هذا اليوم " .
هتف وحيد من بين أسنانه ، و رؤيته لحزن أبنته يُقطّع قلبه : " اصمت يا تيم " .
إلا أن تيم لم يصمت : " نحن لا نريدها ، لا نريد أن تمكث معنا ، لا نريدها في حياتنا " .
صاح وحيد بصوت أشد حدة : " اصمت يا تيم " .
صمت تيم مجبراً ، و مع ذلك كان مصمماً على عدم وجود نشوى في حياتهم بعد اليوم ، و أن والده لابد أن يتركها ..
وصلا إلى المنزل بعد دقائق ، فلاحظ وحيد الصمت المخيّم عليه ، و تمنى بداخله الأ تكون نشوى موجودة ، أن تكون ذهبت إلى المدرسة ..
دلف إلى غرفتهما فوجدها نائمة براحة .. هانئة البال ، فوقف للحظات يتأملها ، ملامحها الطفولية الجذابة لا تنم عن مدى أنانيتها و عدم تحملها للمسئولية ..
يا إلهي ، كيف استطاعت عدم الذهاب إلى لمار ؟
ألم تشعر ببعض الشفقة على الطفلة عندما تكون لحالها وسط صديقاتها ؟
لم ينغمس كثيراً في أفكاره تلك ، فلا فائدة من لومها و عتابها ، يعلم جيداً سبب فعلها لكل هذا ، و سيحقق لها غرضها !
التقط حقيبتها الكبيرة من فوق الدولاب ، و ألقاها على السرير بقوة أفزعت نشوى و أيقظتها من نومها ..
نهضت بأعين نصف مفتوحة ، تنظر إلى وحيد باستغراب ، و قالت بنعاس : " كم الساعة ؟ "
و تسأل أيضاً !..، يا لها من وقحة !
لم يجيبها ، و فتح الدولاب ملتقطاً ملابسها ليلقيها في الحقيبة بعشوائية ..
تفاجئت نشوى مما يفعله و حكت عينيها بقوة كي تستيقظ تماماً ، ثم سألته باستغراب : " وحيد ماذا تفعل ؟ ، هل سنسافر ؟ ، ثم ماذا عن حفل لمار ؟ "
ابتسم بسخرية و قال : " هذا يعني أنكِ تتذكريه ، جيد ! "
لم تفهم مغزى كلاماته ، و التقطت هاتفها كي ترى كم الساعة .. و كم متبقي على حفل لمار ، فتفاجئت أن هاتفها مغلق .. بطاريته فارغة ..
و في نفس اللحظة سمعت وحيد يتمتم : " لقد تحملتكِ كثيراً ، تحملت تصرفاتكِ الطفولية و قولت لا ضرر .. طالما أنها و الأطفال فرحين فلا مشكلة ، تحملت ترجيكِ لطليقكِ كي يسامحكِ ، مع أنه لو كان رجلاً أخر مكاني لكان طلقكِ في الحال ، و لكنني تحملت .. تحملت و خلقت لكِ أعذاراً أيضاً ، صبّرت نفسي بحجة أنكِ لم تعتادي عليّ بعد ، أنكِ تحتاجين لبعض الوقت كي تتأقلمين على حياتكِ الجديدة " .
ألقى ما بيده من ملابس تخصها في الحقيبة بقوة ، و نظر إليها صائحاً بقهر : " لكن أن تجرحي طفلتي ، أن تجعليها تقف وحيدة بين صديقاتها تخفي دموعها أمامهن بالقوة ، تجعلي قلبها يأن ألماً متمنية عودة والدتها إلى حياتها ، فهذا ما لن أسامحكِ عليه في حياتي ، لقد انتهينا يا نشوى " .
الحرقة التي ظهرت في نبرته .. و الألم الذي ظهر جلياً على ملامحه ، جعلا دموعها تسيل دون إرادة منها ، لم تفهم العديد مما قاله أو .. لم يستوعبه عقلها !
فكيف جرحت لمار و هي من الأمس تخطط ليومهما ؟
متى وقفت الطفلة حزينة بين صديقاتها بسببها هي ؟
حركت رأسها بعدم فهم ، لتتعلق نظراتها على الساعة المعلقة  وسط الحائط  ..
و فهمت ، لقد فهمت كل ما يحدث ، لقد تأخرت على الصغيرة .. تأخرت على موعد حفلتها !
أمسكت بهاتفها تنظر إليه بغل ، هو السبب .. هو مَن لم يرن في الموعد الذي ضبطته عليه ..
نقلت نظراتها إلى وحيد و قالت بحزن حقيقي : " أين لمار ؟ ، ماذا فعلت في الحفل ؟ "
قبض وحيد على كفه بقوة كي لا يتهور و قال : " و لكِ عين تسألين ؟ ، انسي أولادي يا نشوى .. انسيهم و اخرجي من حياتنا ، لقد كان خطئي من البداية لأني أدخلتكِ فيها " .
همست بريبة : " ماذا تقصد ؟ "
هتف بقسوة : " أنتِ طالق ، لا أريد رؤية وجهكِ مرة أخرى " .
للمرة الثانية تسمع نفس الجملة .. بنفس البساطة ، و لكن شتان بين المرتين ..
بالمرة الأولى كانت من رجل أوهبته نفسها و قلبها و روحها ، أحبته بصدق و كانت تغير عليه من الهواء الذي يلامسه ، و لكنها أعتقدت أن الحب كل شئ و نست أن هناك أسس أخرى لبناء بيت سعيد ..
و المرة الثانية كانت من رجل علمها منذ أول لحظة لهما معاً أن الأحترام أساس كل شئ ، تحمل طفولتها و عنادها كثيراً ، أدخل حبه هو و أطفاله إلى قلبها بعفوية و دون أن تشعر ..
و لكنها للمرة الثانية كانت عديمة المسئولية و لم تُقدّر النعمة التي بيدها ..
ودت أن تخبره ، أن تقول له أنها شعرت بالتعب فور أن نزل هو و الأطفال صباحاً ، فقررت أن تنام لساعة بعد أن أخذت حبوب مسكنة ، تريد أن تخبره أنها ضبطت هاتفها كي تستيقظ في الموعد إلا أنه مَن فعلها و فرغت بطاريته ، تريد أن تخبره أنها كانت تشاكسه في الأمس و أنها كانت تخطط ليوم رائع يقضونه سوياً ..
تريد أن تخبره بكل هذا ، و لكن .. هل سيصدقها ؟
سار ليخرج من الغرفة و هو يقول : " أمامكِ ربع ساعة ، و بعدها لا أريد رؤيتكِ هنا " .
قفزت من على سريرها بحزن و هي تقول : " وحيد انتظر ، اسمعني " .
لم يتوقف ، تابع سيره و هو يقول بقسوة : " انتهى كل شئ ، و أعتقد أن هذا ما كنتِ تريدينه من البداية " .
**********
استيقظت بحماس لم يعد يفارقها الأيام الماضية ، تحديداً منذ أن أعلن إسلام مسامحته المبدأية لها ، على شرط أن يتأكد أنها تغيرت .. أنها أصبحت تثق فيه و لا تستمع لأى أحد مهما كان و مهما قال ..
شردت في أحداث ذلك اليوم ، حينما تملكتها الشجاعة لتواجهه و تحصل على غفرانه .

لست أبي (كاملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن