الفصل العشرون

11.9K 422 24
                                    

متنسوش الفوت و الكومنت 😅😅

توسعت عيون هبه بذهول و تورد وجهها بغضب ، في حين رد إسلام بحدة :
" سيدة هناء أنا لا أسمح لكِ بإهانة زوجتي ، ثم أنكِ هنا للعمل ليس لتقييم حياتي الخاصة " .
ليسحب هبه من خصرها موقعاً إياها بين أحضانه : " كما أن زوجتي لا تنافسها إمرأة جمالاً ، أحمد الله ليلاً و نهاراً على أنه رزقني بها " .
ليميل بعدها مقبلاً هبه من شفتيها ، قبلة صغيرة .. سريعة ، و لكنها كانت كافية لإصمات الجالسة أمامه ..
نظرت له السيدة هناء بصدمة و شفتيها مزمومتان بضيق بينما عينيها ترسل إلى هبه نظرات حاقدة لحصولها على مثل هذا الرجل !
كانت هبه تنظر له بعشق ينضج في عينيها ، يا إلهي .. أ هذا إسلام المتحفظ الذي يبثها عشقه بهذه الطريقة أمام إمرأة غريبة لا يعرفونها ؟
كيف شكت فيه و في حبه من قبل ؟
كيف سلمّت أذنها لمشيرة و كادت أن تنساق وراء سمومها بهذا الغباء ؟
أغمضت عينيها بتلقائية عندما قبلها إسلام ، لتهمس حالما ابعد شفتيه عن خاصتها : " أحبك إسلامي " .
ابتسم إسلام لها ثم أبعدها عنه برفق ، و التقط مفاتيح سيارته و نهض قائلاً : " انتظريني بالسيارة حبيبتي ، دقائق و سآتي لكِ " .
أطاعته هبه بسعادة مقسمة بداخلها على عدم الإنسياق وراء أحد من الآن .. و الثقة في زوجها ، فإسلام الذي لا يظهر مشاعره نحوها أمام قريب أو بعيد تغزل بها الآن أمام إمرأة لم تراها من قبل ، و هذا كفيل لتوضيح حبه و احترامه لها ..
لوت السيدة هناء شفتيها بعدم رضى و هي ترى إسلام يخرج من المكتب برفقة عائلته .. دون أن يوجه لها أي كلمة !
حسناً .. و ماذا عما من المفترض أن ينجزه لها ؟ ، مَن الذي سينهيه ؟
أ تذهب إلى رئيسه الآن شاكية إياه عن أحد عاملينه الذي لا يحترم عملاء البنك ؟ ، أم تغادر و تأتي لإسلام في يوم أخر و كأن ما حدث اليوم لم يحدث ؟!
و قبل أن تتخذ قرارها فاجئها دخول إسلام برفقة شخص أخر ، و إسلام يقول له :
" أشكرك عاطف على ما تفعله معي ، سأرد لك جميلك عما قريب " .
هتف عاطف بسماحة : " لا يوجد شكر بيننا يا رجل " .
نظر إسلام إلى هناء و قال : " الأستاذ عاطف سيتابع مع سيادتكِ العمل منذ اليوم " .
هتفت باعتراض : " و لكن " .
قاطعها إسلام بلا مبالاة : " سأغادر أنا يا عاطف ، أراك غداً " .
هتف عاطف بمشاكسة : " نعم أذهب كي لا تتأخر على زوجتك ، فالنساء يصبحن شرسات عندما يغضبن " .
تأفف إسلام بضيق .. ها زميل أخر من زملائه يسخر منه بسبب زوجته ، الوضع أصبح لا يحتمل و عليه الحديث مع هبه و التوضيح لها أن مجيئها إلى مقر عمله يحرجه أمام زملائه ..
**********
جلس خالد بجانب لارا بأريحية و هتف محيياً : " كيف حالكِ اليوم ؟ "
نظرت له لارا مبتسمة ، فخلال الأسبوع الماضي و بعد ما فعله معها و وقوفه بجانبها أثناء ما حدث لها مع الدكتور ؛ أصبحت أكثر ليونة في التعامل معه .. فلم تعد تتجاهله كالسابق ، و مع ذلك لم تتعدى علاقتهما حدود الصداقة !..، و هذا ما أثار غضب خالد و جعله يفكر في طريقة جديدة للتقرب منها أكثر ..
فلقد وضعها في عقله .. نصب عينيه ، و لن يهدأ له بال إلا بعدما يحصل عليها !
" بخير ، كيف حالك أنت ؟ "
تظاهر خالد بالإنزعاج و قال : " لست بخير للأسف ، أشعر بأنني سأحمل هذه المادة هذه السنة أيضاً " ، قالها مشيراً إلى كتاب أمامه يرجع إلى إحدى المواد المشتركة بينه و بين لارا و التي ترجع إلى الدكتور الذي كاد أن يُحملها المادة هي أيضاً من قبل ..
زمت لارا شفتيها بضيق و قالت : " لا تقول هذا .. ستنجح فيها إن شاء الله " .
تنهد خالد بضيق و قال : " لا أعتقد .. فأنا لا أفهم فيها كلمة واحدة " .
شردت ملامح لارا بتفكير ؛ لقد ساعدها خالد من قبل .. و لولاه لكانت حملت هذه المادة بكل تأكيد ، أ ليس عليها أن تساعده و ترد له جميله ؟
بينما كان خالد ينظر إليها بترقب منتظراً سماع عرضها الذي يريده ، و إلا سيطلبه هو بنفسه !...، و لكنها لم تخيب ظنه حينما قالت :
" أنا أفهم المادة جيداً ، إن واجهت أي صعوبة فيها تعال إليّ و سأساعدك " .
رفع خالد حاجبيه بشك : " حقاً ؟ "
ابتسمت لارا ببساطة :  " نعم .. أنا كثيراً ما أشرح لصديقاتي ما يصعب عليهن فهمه ، يمكنك الإنضمام إليهن في أي وقت " .
تنهد خالد بانزعاج .. صديقاتها .. و هل سيستطيع فعل ما يريد معها أمامهن !..، و لكنه سريعاً ما هدأ .. مقنعاً نفسه أن انضمامه لصديقاتها سيكون البداية فقط ، و بعدها سيتسلل و يقترب منها كما يريد ..
وصلا لمياء و مروة ، لتهتف لارا : " لِمَ تأخرتا ؟ ، أكاد أموت جوعاً " .
انقلبت ملامح لمياء حالما رأت خالد يجلس برفقة لارا ، فهي لم ترتاح أبداً إلى هذا الرجل .. تشعر أنه ليس سهلاً .. و أن اقترابه من صديقتها سيضرها كثيراً !
على عكس مروة .. و التي كانت ترى أن خالد فتى أحلام العديد من الفتيات .. و أن صديقتها ستكون محظوظة إن استطاعت أن تُسقطه في هواها ، فهي - و منذ ما يقارب العام تحديداً - ترسخ في عقلها أن المظهر هو كل شئ .. و هو ما يجب أن ننظر له دائماً ، و لم تقتنع برأي صديقاتها التي لا ينفكا يخبراها أن الجمال جمال الروح ..
هتفت لمياء بفظاظة لم تتخلى عنها في الحديث مع خالد على الرغم مما فعله مع صديقتها : " هذا مكاني " .
رفع خالد حاجبيه بعدم فهم : " عفواً ؟ "
ابتسمت لمياء ببرود : " أنهض من هنا .. فالمكان الذي تجلس فيه مكاني أنا " .
هتف خالد بسخرية : " هل تم تسجيله بأسمكِ ؟ "
رفعت لمياء كتفيها ببرود : " لا .. و لكن أغراضي الموضوعة بجانبك توضح أنني أجلس هنا من قبلك " .
نظر خالد إلى الحقيبة و الكتب المستقرين أمامه ، ثم نقل نظراته إلى لارا قائلاً : " أ ليست هذه أغراضكِ ؟ "
ابتسمت لارا بحرج و قالت : " لا .. إنها تخص لمياء ، و لقد تركتها و ذهبت برفقة مروة ليحضرا طعاماً " .
تأفف خالد بنزق ثم نهض و هو يقول باستفزاز موجهاً حديثه إلى لمياء : " تحدثي بلطافة مرة أخرى " .
ثم نظر إلى لارا و قال : " أراكِ قريباً لارا " .
هتفت لمياء بصوت عالي ليصله بينما هو يسير بعيداً عنهن : " أنا أتحدث بلطافة مع مَن يستحق " .
ثم تجلس هي و مروة إلى جانب لارا ، هتفت مروة بعتاب : " لِمَ تحدثتي معه بهذه الطريقة الفظة ؟ "
رفعت لمياء أحد حاجبيها و قالت : " و كيف تريدين مني أن أتحدث معه ؟ ، أبتسم في وجهه بإعجاب و أهمس بحالمية و كأنني أرغب في نيل رضاه ! "
تدخلت لارا و لأول مرة تتفق مع مروة فيما يخص خالد : " ليس عليكِ فعل ذلك يا لمياء ، و لكن أيضاً ليس عليكِ أن تتحدثي معه بهذه الفظاظة ، إما أن تتحدثي معه بطبيعية أو تجاهليه " .
لوت لمياء شفتيها بعدم رضى : " بالطبع ستساندين مروة بما تقوله ، ألم يصبح هذا الثعبان صديقكِ في الفترة الأخيرة ؟ "
رددا كلاً من لارا و مروة كلمتها بذهول : " ثعبان " .
تجاهلت لمياء دهشتهما و هتفت بتحذير موجهة حديثها إلى لارا : " احذري منه يا لارا .. هو لا يتقرب منكِ إلا من أجل غرض في نفسه ، و إن استسلمتي له سيضركِ " .
هتفت لارا بثقة مبالغ فيها : " لا تقلقي من هذه الجهة ، لا أحد يستطيع فعل شئ لي " .
لتقول مروة بحسن نية : " أنا لا أعتقد أنه سيضرها في شئ ، على العكس أرى أنه معجب بها ، و إن كنت مكانها لم أكن لأدعه يهرب من يدي " .
هتفت لمياء بجدية : " ليس من الشرط أن ينقلب الإعجاب إلى حب .. من الممكن أن يكون مجرد انجذاب و يختفي ، هذا إن كان خالد حقاً معجباً بها " .
تساءلت مروة بعدم فهم : " ماذا تقصدين ؟ "
لتهتف لارا بضجر قبل أن تستفيض لمياء في الشرح : " أنتما اختلقتوا حواراً و موضوعاً من لا شئ ، أرجوكما لنتحدث في شئ أخر ، فما تتحدثون فيه مجرد أوهام .. نحن مجرد أصدقاء و صداقة بعيدة أيضاً ليس متوطدة ، فلا داعي لكل هذا " .
تنهدت لمياء و قالت : " حسناً لارا .. و لكن ثقي أنني سأكون معكِ دائماً و لن أسمح لأي كان بأذيتكِ " .
سارعت مروة بالقول : " و أنا أيضاً " .
ابتسمت لارا بحب أخوي و قالت : " لا حرمني الله منكما حبيباتي " .
**********
عادت لارا إلى منزلها فوجدته هادئاً لا أحد فيه مما أثار الإستغراب داخلها ، فيفترض أن تكون والدتها و شقيقاتها قد عادن من المدرسة ..
قررت أن تصعد و تجلس مع عمها ثم تتصل بهن لتعرف سبب تأخيرهن ، لتتوقف عند باب الشقة قبل أن تخرج متذكرة أن عمها الآن في المستشفى ، تأففت بضجر و التفتت لتجلس على أحد المقاعد ملتقطة هاتفها لتتصل بوالدتها ..
صوت رنين هاتف هبه كانت تسمعه بوضوح مما جعلها تعقد حاجبيها باستغراب ، إلا أن الإستغراب لم يدم كثيراً .. حيث فُتِح باب الشقة دالفاً منه والديها و شقيقاتها ..
قالت لارا بمشاكسة : " كنتِ أخبرتيني أنكِ تريدين مفاجأة والدي في عمله .. كنت أتيت معكِ " .
ابتسمت هبه ببشاشة .. ابتسامة قد فقدتها منذ أسبوع أو أكثر .. و الفضل في هذا يعود إلى مشيرة !..، و قالت : " مرة أخرى .. سأخبركِ من قبلها و نذهب سوياً " .
هتف إسلام بجدية .. و ملامح غامضة : " لارا .. خذي شقيقاتكِ و بدلي لهن ملابسهن " .
هتفت هبه بعفوية غير منتبهة لملامح زوجها : " لا .. اذهبي أنتِ و ارتاحي و أنا سأساعد شقيقاتكِ و أعد الطعام " .
هتف إسلام بنفس نبرته الجدية : " لا أنا أريد أن أتحدث معكِ " .
" الآن إسلام " .
التفت إسلام متجهاً إلى غرفتهما و هو يقول لها : " نعم الآن .. الموضوع لا يتأجل " .
كان قد فكر ملياً طوال الطريق في سر مجئ هبه الدائم إلى مقر عمله ، الأمر الذي قاده إلى نواحي أخرى ؛ منها .. تصرفات زوجته الغريبة في الفترة الأخيرة .. سؤالها عن كل كبيرة و صغيرة تحدث معه و كأنها تريد معرفة شئ محدد ، الأمر الذي أثار الريبة بداخله و جعله يشك أن زوجته وراءها موضوع كبير .. و أن الأمر لا يقتصر على مجرد زيارات إلى عمله تثير فيها سخرية زملائه منه ، و قد حسم أمره لمعرفة ما تخفيه زوجته اليوم .. بل الآن !
تفاجئت هبه من تصرفاته الغريبة و تسرب التوتر إليها ، تبعته إلى غرفتهما بقلق بعد أن قالت إلى لارا :
" افعلي ما أمركِ به والدكِ " .
لتدلف بعدها إلى الغرفة فتجد إسلام جالساً ينظر أمامه بشرود ..
همست بقلق : " خير يا إسلام " .
نظر لها إسلام مبتسماً ابتسامة صغيرة زادت من توترها بدلاً من أن تطمئنها و قال : " اجلسي أولاً ، هل سنتحدث و أنتِ واقفة هكذا ؟ "
جلست هبه مقابله دون أن تتحدث ، نظر لها إسلام طويلاً ثم هتف بتساؤل : " ماذا هناك يا هبه ؟ "
رددت هبه جملته بعدم فهم : " ماذا هناك ؟ "
هتف بهدوء : " ما الذي يحدث معكِ ؟ ، أشعر أن هناك شيئاً يقلقكِ " .
أجابته باندفاع : " يهيأ لك .. ليس هناك شيئاً " .
رفع أحد حاجبيه بشك : " حقاً ؟ "
ابتسمت بطمأنينة : " نعم حبيبي لا تقلق " .
إلا أن إسلام لم يكتفي بإجابتها المختصرة و طمأنتها الغير صادقة - من وجهة نظره - فهتف : " إذاً ما الذي يأتي ب إذاً بكِ كل يومين إلى عملي ؟ "
بدى التوتر على ملامحها على الرغم من محاولاتها للسيطرة عليه و عاتبته بخفوت : " أ لا يحق لي أن آتي إلى عملك ؟ "
ابتسم لها بصدق و قال : " بالطبع يحق .. يحق إن كان مرة كل أسبوع .. إن كانت زيارتكِ بريئة ليس ورائها هدف ، لكن .. أن تأتي إلى عملي دائماً .. و تحسابيني في خروجي و دخولي .. إلى جانب تصرفاتكِ الغريبة معي ، الأمر مثير للشك " .
شحبت ملامحها إلا أنها احتفظت بتماسكها الواهي أمامه ، لكن إسلام استطاع قراءة ملامحها بسهولة ..فهتف بجدية :
" صارحيني بما يعتمل في قلبكِ يا هبه و لا تخافي " .
ثواني استغرقتها في التفكير .. إن كان عليها أن تخبره بما يقلقها أم لا .. فوجدت أن إخباره من الممكن أن يولد المشاكل بينهما .. فلا داعي له .. خاصة و هي قد تأكدت من أنه لها .. و من المستحيل أن ينظر إلى إمرأة أخرى ..
فابتسمت بمرح قائلة : " لقد أصبحت تتخيل كثيراً حبيبي ، كل ما تقوله أشياء طبيعية أفعلها معك دائماً ، و إن كان مجيئي إلى عملك يزعجك و يجعلك تشعر أن تصرفاتي مريبة .. فلا بأس .. سأتوقف عن المجئ إليك من الغد " .
هل هي على حق ؟
هل انزعاجه من مجيئها إلى عمله جعله يشك في تصرفاتها ؟
زفر أنفاسه بقوة و قال : " حسناً حبيبتي ، لكن لا تنسي أنني معكِ دائماً و إن أقلقكِ أي شئ لا تترددي في إخباري " .
ابتسمت له ثم نهضت و هي تقول : " سأذهب لأعد الطعام ريثما تبدل ثيابك " .
خرجت من الغرفة لتتوقف فجأة .. ناظرة إلى مشيرة الماثلة أمامها ، ليصلها صوت لارا قائلة : " كنت سآتي لأخبركِ بمجيئها أمي " .
اقتربت منها مشيرة مبتسمة .. و قبلت وجنتيها بلطف مصطنع ثم قالت : " كيف حالكِ حبيبتي ؟ "
ردت لها هبه ابتسامتها و قالت : " بخير يا زوجة أخي ، أخباركِ أنتِ ؟ "
" بخير " .
لتبتسم بخبث متابعة : " أخبريني .. ماذا فعلتِ مع زوجكِ ؟ "
سارت هبه بتوتر لتجلس على الأريكة .. و همست بخفوت : " أفعل في ماذا يا زوجة أخي ؟ "
لوت مشيرة شفتيها بعدم رضى و قالت : " فيما قصصته عليكِ الزيارة الماضية " .
لتتحرك جالسة بجانبها قائلة : " ألم تلاحظين شيئاً غريباً عليه ؟ ، ألم تتقصي عن أفعاله ؟ ، أم ستنتظرين حتى تحدث المصيبة و بعدها تبكين كمداً و ندماً " .
هتفت هبه بثقة اكتسبتها حديثاً : " لا قدر الله يا زوجة أخي .. أي مصايب اللاتي تتحدثين عنها !..، لن يحدث شيئاً بمشيئة الله ، أنا واثقة من زوجي .. و أحيا معه في سعادة أنا و بناتي " .
منذ متى و هبه تتحدث بهذه الثقة ؟
منذ متى لا تتأثر بكلماتها ؟
ما الذي حدث و غيرها بهذه الطريقة ؟
و هل هذا يعني فشلها هي في مهمتها و عدم قدرتها على افتعال المشاكل بين هبه و إسلام ؟!
تأففت بنزق ، لكنها سرعان ما ابتسمت عندما لاحظت خروج إسلام من غرفته ، لتنهض قائلة بصوت خافت .. إلا أنه وصل إلى إسلام بوضوح : " استمري على هذا حبيبتي .. راقبيه جيداً و فاجئيه في عمله دائماً .. حتى تطمئني أنه لن يخونكِ أو يترككِ ، وداعاً " .
تفاجئت هبه من حديثها الغريب ، فهي أخبرتها منذ لحظات بوضوح أنها تثق في زوجها و تحيا معه في سعادة ، فما الذي جعلها تقول ما قالته ؟!
ليشحب وجهها عندما تسمع صوت إسلام من خلفها و هو يقول بتجهم : " أنرتِ يا مشيرة " .
ابتسمت له مشيرة بمكر ملاحظة انقلاب ملامحه .. فتتأكد من أنها استطاعت فعل ما تريد ..
" نورك يا إسلام ، لقد رايتكم و أنتم تصعدون سوياً .. فأحببت أن آتي و أطمئن على هبه " .
ابتسم إسلام بسخرية و قال : " صاحبة واجب يا مشيرة ، في الحقيقة لقد فاجئتني هبه بزيارة إلى عملي و عدنا معاً " .
غمزت مشيرة إلى هبه في حركة بدت واضحة إلى إسلام .. ثم قالت : " سأغادر أنا لأعد الطعام قبل أن يأتي محمود " .
لتلتفت إلى هبه قائلة : " أراكِ قريباً حبيبتي " .
غادرت مشيرة مغلقة الباب خلفها ، بينما هبه ما زالت واقفة في مكانها بجمود .. ناظرة إلى إسلام بخوف ..
في حين نظر إليها إسلام بخيبة أمل ، ثم خرج هو الأخر من المنزل دون أن يوجه لها أي كلمة !
ارتمت هبه على المقعد المستقر خلفها و شرعت في بكاء شديد ، فركضت إليها لارا - و التي كانت تتابع كل ما يحدث دون أن ينتبهوا لها - مهدئة إياها .
**********
زفرت أنفاسها بانزعاج من تجاهله لها طوال النهار .. حيث أنها لم يرافقها إلى المشفى كما اعتادا .. كما أنه لم يتحدث معها ، و إن رآها أدار وجهه بعيداً عنها ، و كل هذا بسبب محادثتهما الأخيرة عن لارا و ما حدث فيها ..
رأته يتجه إلى كافيتريا المشفى فسارت ورائه ، لتجلس على نفس الطاولة التي يجلس فيها .. على المقعد المستقر أمامه ..
ابتسمت بمرح و كأن لا شئ حدث بينهما و قالت : " يفترض بي أن أعاقبك و أغضب منك لأنك لم تأتي لتقلني اليوم مع أنك تعلم كرهي للقيادة " .
تأفف علاء بانزعاج و لم يرد عليها ، فهو حتى الآن لم ينسى الإتهام الشنيع الذي وجهته إليه بحمله لمشاعر خاصة اتجاه ابنة شقيقه ..
إلا أن ليندا لم تبالي بتجاهله ، فكم من مرة تجاهلها بها من قبل !
" و لكن .. و بما أنني أملك من الطيبة و الحنان الكثير فسأسامحك هذه المرة " .
ابتسم علاء بسخرية و هتف : " حقاً ؟ ، هذا كرم كبير منكِ .. لا أعلم كيف أشكركِ " .
ابتسمت ليندا بمكر : " سنتناول العشاء و نسهر سوياً ، هذا أقل شئ تشكرني به " .
التقط علاء كوب القهوة الخاص به و نهض من على المقعد و هو يقول : " ليس لدي وقت لكِ " .
تألمت ليندا من جملته مع أنها تعلم أنه قالها بسبب غضبه منها ، إلا أنها لم تظهر ألمها له ، بل بكل إرادة نهضت و سارت وراءه إلى الغرفة التي تضمهما مع مجموعة من زملائهما الأطباء ..
دلفت إلى الداخل لتجد علاء يقف مع طبيبة لم تراها من قبل و يتأملها بإعجاب !
اقتربت منهما بتحفر لينظر لها علاء و يهتف بنبرة رسمية : " الدكتورة زينه .. ستعمل معنا من اليوم " .
تفحصتها ليندا بتقييم .. بدءً من وجهها الدائري المحاط بحجاب باللون النبيتي .. و الذي ناسب بشرتها البيضاء بطريقة جعلتها شهية للنظر .. مروراً بفستانها الطويل .. الفضفاض ... و الذي كان يخفي جسدها جيداً .. حتى كعبها الأسود ..
عادت لتنظر إلى عينيها و قلبها قد بدأ يؤلمها دون أن تعرف السبب !
" دكتورة ليندا " .
ابتسمت زينة ببشاشة و قالت : " تشرفت بلقائكِ دكتورة " .
تجاهلتها ليندا و نظرت إلى علاء قائلة : " أريد أن أتحدث معك " .
تأفف علاء و قال : " لا يوجد بيننا حديث " .
طرقت الأرض بقدمها بعصبية صائحة : " لِمَ تعقد المواضيع ؟ ، ما قولته لا يستحق كل ما تفعله " .
نظر إليهما بعض الأطباء باستغراب .. في حين رفعت زينه أحد حاجبيها بذهول ، مما دفع علاء إلى الإبتسام بحرج و الخروج من الغرفة ..
لحقته ليندا للمرة الثالثة هاتفة : " علاء .. علاء " .
ليلتفت إليها علاء هاتفاً : " لدي عمل عليّ إنهائه " .
ثم تحرك دون أن يتفوه بكلمة زائدة تاركاً إياها تتنهد بضيق .
**********
" إلى أين ستذهبين يا رانيا ؟ "
وضعت رانيا المزيد من أحمر الشفاه على شفتيها ثم قالت : " سأذهب لبيت صديقتي .. و بعدها سأذهب إلى مركز التجميل ، و سأنتظرك هناك لتأتي و نذهب إلى الحفل معاً " .
نفى فريد قائلاً : " و لكنني لن أذهب إلى الحفل " .
التفتت له رانيا منصدمة و صاحت : " كيف ؟ "
رفع فريد أكتافه ببرود : " ما سمعتيه .. أنا لن أذهب إلى هذا الحفل " .
وضعت يديها في خصرها و سألته بحدة : " و هل يمكنني معرفة السبب ؟ "
أجابها بنبرة لا مبالية : " ليس لدي مزاج لحضور حفلات اليوم " .
اعتدلت في وقفتها قائلة بجدية : " لا تمزح معي يا فريد " .
ابتسم ببرود : " أنا لا أمزح ، حقاً ليس لدي الرغبة لحضور حفلات اليوم " .
صاحت بغضب : " ماذا تريد إذاً ؟ ، أن أذهب لحالي وسط جميع المدعوين و أكون حديث السهرة ! " .
استرخى في جلسته و قال باستفزاز : " لا تذهبي إذاً ، ابقي و نسهر الليلة سوياً " .
كتفت ذراعيها قائلة بحدة : " أنت تمزح بالتأكيد !..، هل تريد مني أن أبقى معك عوضاً عن الذهاب ؟ "
أمال فريد جسده بمسرحية : " أعتذر سيدتي ، لقد نسيت أن مَن لا تذهب منكن لمثل هذه الحفلات .. تصبح حديث الأسبوع .. و يتناولن النساء أخبارها بشماته " .
رفعت أحد حاجبيها و قالت : " جيد أنك تعلم " .
التفتت إلى المرآة لتتأكد من مظهرها و هي تقول : " متى ستأتي إليّ ؟ "
صاح فريد بضجر : " أي جزء لم تفهميه في أنني لن أذهب " .
نظرت له من خلال المرآة قائلة بعدم تصديق : " أنت جاد إذاً " .
رفع أكتافه ببرود : " كما ترين " .
التفتت سائلة إياه بحدة : " و أنا ماذا سأفعل ؟ "
ابتسامة صغيرة ارتسمت على شفتيه قبل أن يقول : " لقد أعطيتكِ الحل و أنتِ رفضتيه " .
صاحت بغضب : " فريد " .
إلا أنها صمتت و هي تراه يخرج من الغرفة بلا مبالاة ..
تأففت بحنق لا تعلم ما الذي عليها فعله اليوم تفادياً للإحراج أمام صديقاتها ، لتلتقط حقيبتها الصغيرة و هي تسب فريد و اليوم الذي تزوجته فيه ..
خرجت من الغرفة و هي تنظر إلى حقيبتها متفقدة أغراضها ، لتصطدم بإحدى الخادمات بقوة عن طريق الخطأ ..
تراجعت رانيا خطوتين إلى الوراء صائحة بغضب : " أنظري أمامكِ يا عمياء " .
مَن العمياء فيهما ؟
أ ليست مَن تنظر في حقيبتها غير منتبهة إلى طريقها ؟
أم هي .. مَن عليها الإنتباه على المزهرية الزجاجية التي تحملها .. و التي إن كُسرت سوف تطردُ على أقل تقدير ؟
و لكن .. مَن هي لتخبر سيدتها بهذا ؟ ، خاصة و هي ترى طباعها الحادة و معاملتها القاسية للجميع!
توترت ياسمين في وقفتها و همست بخوف : " أعتذر سيدتي " .
نفضت رانيا فستانها باشمئزاز و قالت : " أنا لا أقبل الأخطاء و الإعتذارات .. انتبهي مرة أخرى و إلا لتتركي مكانكِ لخادمة أفضل " .
ثم سارت متعدية إياها و مغادرة القصر بأكمله .
عادت ياسمين إلى المطبخ .. لتجلس و حزنها يظهر جلياً على ملامحها ..
نظرت إليها ميرفت باستغراب و سألتها : " ما بكِ ؟ "
أجابتها ياسمين بحزن طفولي : " لقد صرخت السيدة رانيا في وجهي و عنفتني " .
لوت ميرفت شفتيها و هتفت : " أي مصيبة فعلتيها ؟ "
رفعت ياسمين إصبعها ببراءة : " لم أفعل شئ أقسم .. هي من أخطأت بالأساس حيث أنها كانت تنظر في حقيبتها .. و اصطدمت بي " .
قالت ميرفت بهدوء مستفز : " بل أنتِ من أخطأتي و عليكِ الإنتباه مرة أخرى " .
فغرت ياسمين فاهها بذهول .. ثم زمت شفتيها بصمت معترض و بداخلها تشعر أن رحلة الظلم التي بدأت منذ مولدها لم تنتهي بعد .
دلفت إحدى الخادمات إلى المطبخ و قالت : " السيد فريد يريد فنجان قهوة " .
هتفت ميرفت بأمر : " انهضي و أعديه يا ياسمين " .
نهضت ياسمين و شرعت في تحضيره ، ثم أخذته و توجهت إلى حيث يجلس فريد ..
اقتربت منه و هي تراه جالساً على مكتبه يتصفح أحد الملفات ..
وضعته على المكتب بهدوء .. ثم اعتدلت في وقفتها قائلة : " هل تريد شيئاً أخر سيدي ؟ "
ترك فريد الملف الذي بيده و نظر إليها للحظات و قال : " اجلسي يا ياسمين " .
ارتبكت ياسمين و قالت : " لكن .. سيدي " .
تنهد فريد بقوة و كرر : " اجلسي " .
جلست ياسمين بتوتر .. و أطرقت برأسها ناظرة إلى أرضية الغرفة المغطاة بسجاد بني ، مما أتاح الفرصة لفريد لتأملها كما يشاء .. بشعرها الكستنائي المعقود بشريطة سوداء تمنع حركته و تمرده .. و عينيها العسلية المحدقة في سجاد الأرضية بتوتر جليّ .. هذا إلى جانب جسدها المتناسق .. الذي بجذبه بشدة و لا يستطيع إبعاد عينيه عن منحنياته .. و ساقيها البيضاء الظاهرة لعينيه ..
ازداد توتر ياسمين و ارتباكها من صمت سيدها المريب .. و نظراته التي تشعر أنها مركزة عليها ، إلا أنها لم تجد الجرأة لرفع عينيها و التأكد و .. منعه من هذا .
بعد دقائق أشبع فيها فريد نظراته هتف بهدوء : " أخبرتيني من قبل أنكِ نشأتي في دار الأيتام " .
شبكت ياسمين كفيها بتوتر : " نعم سيدي " .
همس فريد بتساؤل : " أي أن عمركِ لا يتعدى الثمانية عشر عاماً " .
همست : " صحيح .. لقد أتممت الثمانية عشر منذ أسبوعين " .
استرخى في جلسته و همس بإعجاب : " صغيرة .. و جميلة " .
نظرت له بدهشة و همست بتوتر : " ماذا ؟ "
ابتسم فريد بمكر و هتف : " أنتِ ليس لديكِ أحداً ، أ ليس كذلك ؟ "
ارتسم الحزن على ملامحها و هي تهمس بخفوت : " ما أعلمه أن والداي توفيا و أنا في الثالثة من عمري في حادث .. و لم يكن لي قرائب " .
لم يستطع السيطرة على سعادته فهمس : " رائع " .
نظرت له ياسمين بقلق و قد بدأ الخوف يتسرب إليها : " عفواً ؟ "
سيطر على انفعالاته بالقوة و هتف : " و كيف تجدين العمل هنا ؟ ، هل هناك ما يزعجكِ ؟ "
نعم .. هناك ما يزعجها .. أو يخيفها إن صح التعبير ، و هو أن تقوم رانيا بطردها .. و وقتها لن تجد إلا الشارع ملاذاً لها ..
كانت تنظر له بصمت .. إلا أن الخوف كان جلياً على ملامحها ، مما جعل فريد يسألها : " أخبريني ما الذي يزعجكِ و لا تخافي " .
همست ياسمين بارتباك : " لا شئ سيدي .. و لكنني أخشى أن تقوما بطردي .. و أنا لا " .
لتصمت بعدها غير قادرة على إيجاد كلمات مناسبة تعبر بها عن مشاعرها ..
إلا أن فريد كان يفهم ما تريد قوله .. و ما يخيفها ، و هذا جعل بعضاً من الثقة يتسرب إليه .. حيث أنه تأكد أن ما يطمح به سوف يناله ..
" و ما الذي جعلكِ تعتقدين أننا سننطردكِ ؟ "
هل عليها إخباره بما فعلته رانيا معها ؟
هل إذا أخبرته سوف يؤثر هذا على عملها هنا ؟
حثها فريد عندما لاحظ توترها : " ياسمين " .
همست كاذبة : " لأنني لست على دراية كاملة بقواعد العمل هنا و أخشى أن أُخطأ فتطردوني " .
ابتسم لها فريد مطئمناً : " لا .. لا تخافي " .
ليرتشف بعدها من فنجان القهوة الذي جلبته و يسألها : " هل أنتِ مَن صنعه ؟ "
أومأت بالإيجاب ، ليقول بإعجاب : " لن أجامل إن قولت أن هذه أفضل قهوة تذوقتها في حياتي " .
ابتسمت بسعادة : " شكراً سيدي " .
لتنهض بعدها قائلة : " أسمح لي .. سأعود إلى عملي " .
أشار لها فريد بالذهاب و عينيه كالعادة لا تنفك عن تأمل جسدها .. و لسانه لا يكف عن ترديد : " صغيرة و .. جميلة و .. وحيدة " .
  و لكنه أضاف هذه المرة : " و صانعة قهوة بارعة " .
عادت ياسمين إلى المطبخ .. لتسألها ميرفت فور دخولها : " ما الذي كنتِ تفعليه كل هذا الوقت ؟ "
أجابتها بتبرير : " لقد جلست مع السيد فريد و سألني إن كان هناك ما يزعجني في العمل هنا " .
لتتحرك بعدها و تتابع عملها .. مفكرة في كم أن فريد مختلف عن زوجته .. في تواضعه و تفهمه ، كما أنه وسيم .. وسيم جداً .. بشعره البني الداكن .. و عينبه بلون السماء .. و ملامح وجهه الرجولية .. و جسده الرياضي ، تنهدت بإعجاب ثم بدأت في ممارسة عملها ..
بينما ميرفت تنظر لها بارتياب .. و الشك يراودها فيما يحدث ، ففريد هو مَن أمر بعمل ياسمين .. و لقد طلب من قبل أن تآتي له ياسمين بالقهوة .. و اليوم يجعلها تجلس معه و يسألها عن إن كانت لا تجد الراحة في العمل !..، الأمر غريب .. و يثير الشك .. و عليها الإنتباه و مراقبة ما يحدث .
**********
دلفت ريناد إلى المطعم الذي تعمل به بسرعة .. و هي تجاهد لإلتقاط أنفاسها ، فبعد تعب و معاناة مع المواصلات و الإزدحام وصلت إلى عملها ، و لكنها تأخرت ما يقارب النصف ساعة !
وقفت أمام سمير سائلة إياه بقلق : " هل السيد رشدي سأل عني ؟ "
نفى سمير قائلاً : " لا .. و لكن " .
إلا أنها قاطعته قائلة براحة : " الحمد لله " .
ليأتي صوت من خلفها جعلها تبتلع ريقها بتوتر : " أنا من سألت عنكِ يا ريناد " .
التفتت ريناد ببطئ .. متمنية من كل قلبها أن ما سمعته غير صحيح .. و أن بشار ليس من يقف خلفها ..
لتغمض عينيها بقوة عندما رأته واقفاً خلفها .. مستنداً بذراعه على الجدار و ثانياً قدميه .. ينظر إليها بسخرية ..
ما تعلمه أن بشار لديه سلسلة من المطاعم ورثها من والده .. و الذي جاهد لإنشائهما ، و أن بشار لا يأتي لهذا الفرع من المطاعم - الذي تعمل فيه - إلا قليلاً .. حيث أن علية متابعة بقية الفروع و سير العمل بها ، هذا ما أخبرها به رشدي ..
إذاً ما الذي جاء به اليوم ؟
هل يأتي فقط في الأيام التي لا يحالفها فيها حظها ؟
ففي المرة الماضية - و التي كانت أول مرة تراه فيها - حدثت مشكلة معها مع أحد الزبائن ، و كانت من الممكن أن تؤدي إلى طردها لولا ستر الله و تصديق بشار لها ..
و اليوم يأتي و يراها متأخرة على عملها ..
هل سيعتقد الآن أنها مهملة لا تهتم بعملها ؟
فتحت عينيها لتنظر له قائلة بهدوء محاولة إخفاء توترها" صباح الخير سيدي " .
رفع بشار أحد حاجبيه باستغراب .. فمن المفترض أن تبرر له سبب تأخيرها .. لا أن تقف أمامه و تحييه بكل هذا الهدوء ، أم عليه أن يطلق عليه برود و عدم اهتمام !
إلا أنه رد عليها : " صباح الخير يا ريناد " .
و تابع قائلاً : " هل يمكنني معرفة سبب تأخركِ ؟ "
أطرقت برأسها هامسة باعتذار : " أعتذر سيدي .. لكن الطريق كان مزدحماً .. كما أنني لم أجد حافلة لتقلني بسهولة " .
حرك وجهه بإعتراض : " إذاً عليكِ الإستيقاظ مبكراً من الغد .. حتى تتفادي هذا " .
تنهدت بقوة ثم قالت : " حسناً سيدي " .
اعتدل في وقفته ليهتف بجدية مقتتها : " و عقاباً لكِ على تأخيركِ سيُخصم نصف راتب اليوم " .
عقدت حاجبيها باعتراض و كانت تتمنى لو تستطيع لكمه على هذه الجملة .. فراتبها بالكاد يكفيها ..
تابع بشار مشيراً لها بالذهاب : " هيا .. ابدأي عملكِ " .
ابتعدت ريناد عنه و هي تتأفف بضيق ، انضمت إلى سمير لتسأله : " ألن يأتي السيد رشدي اليوم ؟ "
أجابها سمير بسرعة قبل أن يتجه إلى إحدى الطاولات : " لا " .
تنهدت بضيق .. لقد كانت تريد أن تخرج و تبحث عن ياسمين اليوم .. مع أنها لا تعلم أين من الممكن أن تبحث عنها و لا كيف !..، و لكنها تعتقد أن ياسمين لن تكون مبتعدة كثيراً عن الدار .. لذا ستسأل في الفنادق الصغيرة المحيطة بالدار .. لعل ياسمين تكون جالسة في أحدهم .. أو من الممكن أن تكون عملت في أحد المحلات القريبة ، لا تعلم .. إلا أنها ستبحث عنها في كل مكان .. و لن ترتاح إلا عندما تجدها ..
المشكلة الآن في بشار .. و إن كان سيسمح لها بالذهاب أم لا .. خاصة بعد تأخيرها اليوم !
**********
نظرت إلى الساعة لتجد أنه تبقى ساعتين فقط على انتهاء العمل ، هل إن ذهبت إليه الآن و طلبت منه المغادرة سيوافق ؟
في الحقيقة .. هي تشعر بالكثير من التردد و الحرج في الذهاب إليه ، إلا أنها مضطرة لذلك .. فقلبها يأكلها من الخوف على ياسمين .. و تخشى أن يحدث لها مكروه ..
سمت بالله و اتجهت إلى مكتبه .. طرقت على الباب و دلفت إلى الداخل عندما سمح لها ، فرأته جالساً .. ممدداً قدميه على سطح المكتب .. و يعبث بهاتفه ، تأملته بشرود .. بشعره البني الفوضوي و بعض خصلاته المستقرة على جبينه .. و عيونه بلون الشوكولا المحدقة بشاشة هاتفه .. و فمه المزموم بتركيز ..
رفع بشار عينيه عن الهاتف عندما لاحظ الصمت الغريب ، فوقعت نظراته على ريناد .. و التي تتأمله بشرود ممزوج بالإعجاب ، مما جعله يعتدل في جلسته متنحنحاً بحرج ..
انتبهت ريناد إلى نفسها .. لتطرق رأسها بخجل ، دقائق مرت دون أن تتفوه بحرف .. فسألها بشار : " هل تريدين شيئاً يا ريناد ؟ "
همست : " نعم سيدي .. إن تسمح لي .. أريد أن أغادر " .
رفع أحد حاجبيه بتساؤل : " الآن ؟ ، لازال يتبقى ما يزيد عن الساعة و نصف على انتهاء عملكِ " .
همست برجاء : " نعم و لكن .. يجب أن أغادر الآن .. الأمر ضروري .. أرجوك سيد بشاي " .
بشاي !
كانت قد نطقت اسمه بطريقة غريبة .. حيث نطقت حرف الياء بدلاً من الراء !
عقد حاجبيه باستغراب و قال : " ماذا ؟ "
كان يقصد بسؤاله اسمه الذي نطقته خطأ ، إلا أنها لم تنتبه إلى ذلك .. و اعتقدت أنه يقصد أمر مغادرتها : " أرجوك سيدي .. عليّ الذهاب الآن " .
ركز في كلماتها ليجد أن حرف الراء في كلمة ( أرجوك ) نطقته بنفس الطريقة أيضاً .. أي نطقته كياء ..
تجاهل رجاءها و هتف بما لا تتوقعه : " ما اسمي ؟ "
تفاجئت من سؤاله .. حتى أنها ظنت أن ما سمعته خطأ .. فقالت : " ماذا ؟ "
استند بشار على ظهر مقعده و سأل : " هل السؤال صعب أم ماذا ؟ ، أخبريني .. ما اسمي ؟ "
و على الرغم من تفاجئها .. و حيرتها من هذا السؤال .. إلا أنها أجابته : " سيد بشار " .
و قد نطقته بتلك الطريقة الغريبة و التي جعلت الإستمتاع يتسرب إليه ..
ابتسم بشار قائلاً باستمتاع : " أنتِ لدغة " .
عضت على شفتيها بقوة .. شاعرة بالإستغراب من انتباهه إلى لدغتها ، فهذه مشكلتها التي تواجهها منذ صغرها .. و للأسف لم تستطع نطق حرف الراء بالطريقة الصحيحة على الرغم من كل محاولاتها ..
تابع بشار باستفزاز : " من المؤسف أن تكونين لدغة في حرف الراء و اسمكِ يبدأ به " .
هتفت بتهور : " هذا ما أثار انتباهك في كل ما قولته " .
هتف ببرود : " و ماذا كنتِ تقولين ؟ "
نظرت له بغضب .. ليطرق على جبينه باصطناع قائلاً : " نعم .. كنتِ تريدين المغادرة " .
لينظر لها و استمتاعه قد ازداد و هو يرى ملامحها الحانقه .. فارتسمت ابتسامة كبيرة على شفتيه و قال : " حسناً .. اذهبي " .
توسعت عيونها بعدم تصديق : " حقاً ؟ "
أومأ بالإيجاب : " نعم .. هيا .. اذهبي " .
وضعت كفها على صدرها و قالت : " شكراً .. شكراً سيدي " .
و خرجت بعدها بسرعة لتغادر باحثة عن صديقتها .
عاد بشار إلى جلسته السابقة و ابتسامته مازالت مرتسمة على شفتيه ، لتنقلب بعدها إلى ضحكة كبيرة و هو يردد بطريقتها : " أرجوك .. شكراً .. بشار " .
انتهت ضحكته فتنهد محاولاً التقاط أنفاسه .. ثم همس : " ممتعة " .
**********
نظرت منال إلى ولدها الشارد باستمتاع .. تعلم ما سبب شروده و عدم تركيزه في مذاكرته هذه الأيام .. ليس هذا فقط بل أنها تعلم كيف تعيده إلى سابق عهده ، لقد فكرت كثيراً حتى قررت .. و حصلت على موافقة والده بعد ساعات قضتها في إقناعه ، و الآن عليها أن تبشره و تريحه !
جلست بجانبه .. و ملست على شعره بحنو قائلة : " ما بك حبيبي ؟ "
انتفض سيف من لمستها .. ليتنهد بعدها قائلاً : " أمي .. أفزعتني " .
هتفت : " أخبريني .. ما سبب هذا الشرود الذي جعلك لا تنتبه إلى دخولي ؟ "
زفر أنفاسه بضيق .. موضوع تسنيم و خطبتها يشغل باله .. على الرغم من أنه تم رفض العريس المتقدم إليها ، إلا أنه يخشى من أن بتقدم أخر .. و أخر ، و حينها لا يعلم كيف ستفرضهم .. و ماذا سيحدث لحبهما !
و مع ذلك لا يستطيع إخبار والدته بحبه و يطلب منها أن يتقدم لتسنيم .. فهو ما زال يدرس و بالتأكيد والديه لن يوافقا على ذلك ..
تابعت منال عندما لاحظت صمته : " هل تعلم أن قلب الأم يشعر بولدها و ما يريده دائماً ؟ "
لم يتوتر سيف من حديثها .. حيث أنه يستبعد معرفتها بمشاعره اتجاه تسنيم : " بالتأكيد أمي " .
طرقت منال على رأسه بخفة قائلة : " هل تجاريني في الحديث يا ولد ؟ "
قهقه مبعداً رأسه عنها ثم قال : " لا .. لكنني مستغرب من هذا الحدبث " .
ابتسمت له ثم قالت : "  أعلم ما يقلقك و يجعلك تشرد كثيراً هذه الأيام " .
نظر لها بشك ، بينما تابعت هي مبتسمة بحنان : " ما رأيك أن أخطبها لك ؟ ، حينها ستكون مطمئناً من أنها ستكون لك ؟ "
همس بارتياب : " مَن ؟ "
قهقهت قائلة : " و كم فتاة تحبها يا ولد ؟ ، تسنيم بالطبع " .
توسعت عيونه بعدم تصديق .. و ملس على شعره بتوتر : " أمي .. أنا " .
قاطعته قائلة : " ماذا ؟ ، أ لا تريدها ؟ "
سألها بحيرة : " كيف علمتي ؟ "
هتفت بمرح : " ألم أقل لك أن الأم تشعر بأولادها ؟ "
و أردفت بتوضيح : " لقد كنت أشك في الأمر عندما أرى نظراتكما إلى بعضكما البعض و ابنسامتكما ، على الرغم من أنكما كنتما تحاولا ألا ينتبه أحد إلى ذلك ، إلا أنني كنت منتبهة و مراقبة إياكما ، و قد تأكدت من مشاعركما عندما أخبرتني هالة عن تقدم أحدهم لخطبتها .. و غضبك و انقلاب ملامحك عندما علمت " .
هتف بذهول : " أمي .. أنتِ رائعة " .
قهقهت و قالت بغرور مصطنع : " أعلم ذلك " .
لتسأله بعدها : " متى تريدني أن أخطبها لك ؟ "
هتف بعدم تصديق : " أنتِ جدية في هذا " .
ابتسمت بسعادة لسعادته و قالت : " بالطبع " .
قفز سيف بسرعة .. ثم توقف قائلاً بتوتر : " و ماذا عن أبي " .
ابتسمت مطأمنة : " والدك يعلم و موافق " .
مال عليها ليقبلها و هتف : " أنتِ أروع و أجمل أم في العالم " .
ليركض بعدها مجلباً الهاتف .. أعطاه لها قائلاً بابتسامة واسعة : " أخطبيها لي الآن " .
هتفت بصدمة : " الآن " .
قاطعها بلهفة : " نعم .. أمي .. هيا .. أرجوكِ " .
تنهدت باستسلام و شرعت في مهاتفة شقيقتها لإخبارها عن رغبتهم في التقدم لخطبة تسنيم !
**********
دلفت تسنيم إلى غرفة شقيقها و ملامحها يبدو عليها الضيق و الضجر ، جلست على سريره قائلة بتعب : " مازن .. لقد مللت .. و و لم أفهم حرف في هذه المادة " .
ابتسم مازن و التقط كتابها قائلاً : " أريني .. ما الذي لا تفهميه ؟ "
أجابته : " كلها .. مادة معقدة .. لا فائدة من دراستها " .
قهقه على ملامحها .. ثم فتح كتابها و هو يقول : " بل المادة سهلة للغاية ، و لكنكِ مَن تتدللين " .
زمت شفتيها باعتراض و قالت : " أنت تقول هذا لأنك تحبها ، أما أنا فأكرهها .. هي و الكلية " .
شعور الندم و الذي يراود مازن دائماً على إجباره لها لدخول كليته .. و الذي دائماً ما يسيطر عليه مقنعاً نفسه أن هذا أفضل لها حتى لا يصيبها مكروه .. راوده مرة أخرى ، فسألها بضيق : " هل تكرهيها كثيراً ؟ "
تمعنت تسنيم في ملامحه التي انقلبت إلى الضيق مما جعلها تشعر بالذنب ، على الرغم من أنها كانت تتمنى دخول كلية الطب مع سيف ، إلا أن إصرار مازن على التحاقها بنفس كليته جعلها ترضخ له ، و بعدها اهتمامه بها و حرصه عليها جعلها تنسى رغبتها و كأنها لم تكن أمنية حياتها !
" جميع الطلاب يقولون هذا مازن بسبب صعوبة المناهج " .
نظر لها مازن بشك ، فابتسمت له و قالت بمرح مبددة هذا الضيق : " هل ستشرح لي أم ستتصل بصديقك ليعطيني أسئلة الإختبار ؟ ، و حينها سأكون شاكرة لكما معروفكما " .
زال شعور الندم بسرعة كما راوده بسرعة ، و اقترب منها .. واضعاً الكتاب في المنتصف بينهما و هتف : " بل سأشرح لكِ يا كسولة " .
أخذ يشرح لها ما لاتفهم له و هي تصب كامل تركيزها معه ، ليقاطعهما دخول والدتهما المفاجئ و صياحها السعيد : " حبيبتي .. لقد تقدم أحدهم لخطبتكِ " .

لست أبي (كاملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن