تابع الفصل الخامس عشر

10.6K 489 46
                                    


" أبي ألن تطعمني اليوم ؟ "
التفت إليها إسلام و بدأ في إطعامها و هو يقول : " و كيف هذا أميرتي ؟ "
هتفت إيمان بغيرة : " منذ أن جلسنا و أنت تطعم والدتي فقط " .
قهقه إسلام و هو ينظر إلى زوجته بطرف عينيه و يرى وجهها متورد خجلاً ..
أما هي فكانت تنظر لهما بخجل ممزوج بالغضب ، فلطالما أخبرت زوجها أن يكف عن إطعامها كالأطفال خاصة أمام بناتهما ، و لكنه عنيد لا يستمع إليها ..
هتف إسلام و هو يمد لها إحدي الملاعق : " هيا كلي و لا تتحدثي كثيراً " .
فتحت الطفلة فمها و بدأت في أكل ما يقدمه إليها والدها ، ليلنفت إسلام إلى لارا و يسألها :
" لِمَ لم ترتدي ملابسكِ حتى الآن ؟ "
أجابته بعد أن أصدرت صوتاً يدل على إعجابها بالطعام : " محاضراتي اليوم يعد الظهيرة " .
أومأ بالتفهم ثم سألها مرة أخرى : " هل ستذهبين بالمواصلات ؟ "
نفت بسعادة : " لا سيقلني عمي " .
نهض إسلام و هو يقول : " حسناً " .
و أردف : " هيا نحن كي لا نتأخر " .
نهضت هبه بدورها لتذهب و تقبل لارا و تقول : " انتبهي لنفسكِ حبيبتي " .
ابتسمت لها : " حسناً أمي لا تقلقي " 
غادروا جميعاً و تركوها لحالها في البيت ، تطلعت إلى الساعة فوجدتها تقترب من الثامنة .. أي لا زال لديها على الأقل ثلاث ساعات حتى تذهب إلى جامعتها ..
فكرت ماذا تفعل خلالهم لتبتسم فجأة بحماس و هي تلتقط عباءتها لترتديها و تخرج من شقتها صاعدة إلى شقة عمها و التي تحتل الطابق الذي يعلو طابقهم ، فبعد أن أوضح عمها من قبل حرجه في البقاء مع والدتها في نفس المنزل .. و بعد تفكير عميق من والدها قرر أن يشتري له منزل قريب منهم ، و من حظهم أنه تم عرض شقة في نفس بنايتهم للبيع فسارع والدها بشراءها و تسجيلها بأسم شقيقه ..
وصلت إلى شقته فبدأت بطرق الباب بسرعة و قوة أعتاد علاء عليها !
" متى ستطرقين الباب مثل البشر ؟ "
هتفت بغرور : " و من قال لك أنني كالبشر ، أنا كالملاك " .
سحبها من شعرها بممازحة و قال : " كم مرة أخبرتكِ أن تكفي عن هذا الغرور ؟ "
حاولت تحرير خصلات شعرها من يديه و هي تقول : " و أنا أوضحت لك أكثر من مرة أنني أمزح فقط " .
تنهدت براحة عندما حررت شعرها ، لتتحرك بعدها بحماس و رائحة جميلة تخترق أنفها ، وصلت إلى المطبخ لتجد الطعام موضوع على المائدة فملست على معدتها و هتفت بدرامية :
" يا إلهي رؤية طعامك فقط تجعلني أتضور جوعاً " .
تفحصها قائلاً : " لا أدري أين يذهب هذا الطعام ، فجسدكِ لا يظهر عليه أبداً " .
ضيقت عينيها و هي تقول بشك : " هل تحسدني ؟ "
لتردف : " ثم أن هذه طبيعة جسدي .. فأنا آكل ما أريد و مع ذلك وزني لا يتغير " .
و تابعت بفضول : " ثم أخبرني .. هل كنت تتوقع صعودي لدرجة أن تحضر لي الإفطار ؟ "
عقد حاجبيه بعدم فهم : " ماذا ؟ "
أشارت إلى الطعام قائلة ببساطة : " الطعام لشخصين " .
أخذ يتابع وضع المزيد من الطعام على المائدة و هو يقول : " نعم فليندا ستفطر معي "  .
عبست بملامحها : " هل ستأتي الآن ؟ "
و أردفت : " لا أعلم كيف توافق على أن تأتي إلى شقتك بهذه السهولة ؟ ، بل كيف يوافق أبي على هذا ؟ "
تنهد بضيق .. هو أيضاً غير راضي أبداً عن مجيئها إلى بيته كل فترة و كم حاول أن يقنعها أن تكف عن هذا و لكن ذات العقل اليابس لا تبالي بحديثه و تخبره بكل بساطة أنها تزور صديق !
تابعت لارا : " ثم أنني أكرهها " .
تفاجأ علاء من نبرتها التي توضح مدى كرهها و هتف بدهشة : " لماذا ؟ "
رفعت أكتافها بلا مبالاة : " لا أعلم أكرهها و فقط " .
حرك رأسه بقلة حيلة : " أنتِ مَن ترينها في الشهر مرة و تتعامل معكِ برسمية تكرهينها ، إذاً ماذا أفعل أنا المضطر في تحمل تهورها و إندفاعها ؟ "
هتفت ببرود : " لم يجبرك أحد على تحملها " .
تنهد بقوة و إحساس بالمسؤلية اتجاه صديقته يزداد كل يوم بداخله خاصة و هو يرى ضياعها الذي يزيد كل يوم بابتعاد والدها عنها ..
" بلى رجولتي .. و صداقتي لها هي مَن تجبرني " .
همست بخفوت : " شعارات " .
صدح صوت جرس الباب عالياً ليسرع علاء لفتحه و هو يقول : " ها قد أتت " .
لتسير لارا خلفه عابسة بملامحها و تقلد حركاته بسخرية ..
فتح الباب لتظهر ليندا من خلفه مرتدية سروال منقوش و بلوزة باللون النبيتي و بيدها حقيبة بلاستيكية تنبعث منها رائحة شطائر ساخنة و لذيذة ..
دلفت و هي تقول بحماس مشيرة إلى الشطائر : " لم أستطع مقاومة رائحتها " .
لتعبس بملامحها و هي ترى لارا واقفة أمامها و تنظر إليها بضيق ..
ابتسمت ببرود و قالت : " صباح الخير ، كيف حالكِ لارا ؟ "
ردت لارا بفظاظة : " كنت بخير .. " .
قاطعها علاء بحزم قبل أن تتابع حديثها : " لارا " .
نظراته التحذيرية جعلتها تصمت ، خطت عدة خطوات و سحبت الحقيبة البلاستيكية من يد ليندا و قالت :
" سأذهب لآكل " .
هتف علاء بحرج حالما دخلت لارا إلى المطبخ : " لا تغضبي منها ليندا " .
تجاهلت حديثه و هتفت بما لا يتوقعه : " ماذا تفعل عندك في هذا الوقت ؟ "
هتف ببلاهه : " مَن ؟ "
نظرت إليه بحنق : " تعتقد مَن ؟ ، أ يوجد غير أبنة شقيقك هنا ؟ "
هتف ببساطة : " تقصدين لارا ؟ ، ستفطر معنا ثم سنقلها إلى جامعتها " .
تنهدت ليندا بضيق .. ها هي مضطرة إلى تحمل هذه الطفلة لساعات قادمة .. تحمل وجودها بجانب علاء و ممازحتها له ، نعم هي تغار منها !..، و غيرتها ازدادت منذ أن علمت أن إسلام و هبه كفلوها و هي صغيرة ..
ربما أفكارها غبية لا أساس لها من الصحة ، كما أنها متأكدة من أن علاء لا يعتبر لارا سوى أبنه له و هي أيضاً تعتبره أب ثاني لها ..
و لكنها لا تملك سوى الغيرة من كل أنثى تقترب منه خوفاً من أن تختطفه منها !
لم ينتبه علاء إلى شرودها فسار أمامها و هو يقول : " هيا لنأكل قبل أن نجد المائدة فارغة " .
تبعته ليندا و هي تبتسم بشرود ..
دلفوا إلى المطبخ ليجدوا لارا تأكل بنهم فسحب منها علاء الصحن بممازحة و هو يجلس و قال : " اتركي لنا شئ " .
زمت شفتيها و قالت : " أنا جائعة " .
صفق بيديه بشفقة و قال : " سيعلن أخي إفلاسه عما قريب بسببكِ " .
لم تتأثر لارا بحديثه فهي معتادة على مثل هذا المزاح منه ، و تابعت أكلها و كأنه لم يقول شئ ..
انضمت لهما ليندا و بدأت في الأكل بهدوء و لم تشاركهما حديثهما المرح ..
فزفر علاء أنفاسه بقلة حيلة متمنياً أن يعلم سر كره الأثنتين لبعضهما !
**********
أسرعت لارا بخطواتها لتصعد السيارة و تحتل المقعد الأمامي .. المجاور لمقعد علاء .. فتبتسم لليندا بنصر ..
زمت ليندا شفتيها و احتلت المقعد الخلفي ، بينما احتل علاء مقعده و قاد إلى جامعة أبنة شقيقه ..
هتف بصبر ناصحاً إياها : " انتبهي إلى نفسكِ جيداً و ركزي في دروسكِ " .
" لا تقلق عمي " .
أوصلها إلى جامعتها فودعته بسرعة و دلفت إلى الداخل ..
ترجلت ليندا من السيارة لتصعد مرة أخرى و تشغل المقعد الذي شغلته لارا من قبل ، فقاد علاء إلى المشفى التي يعمل بها هو و ليندا .
هتف بهدوء : " يمكنكِ الإبتسام الآن " .
هتفت ببلاهه : " ماذا ؟ "
قال بنفس النبرة و إن كان يتخللها بعض التأنيب : " لقد ترجلت مَن كانت السبب في عبوس ملامحكِ منذ قليل ، لذا و كما تري لا يوجد غيري بالسيارة فلا داعي لهذا العبوس " .
ابتسمت بل ضحكت ضحكة خفيفة و قالت : " ليس لهذه الدرجة " .
رفع حاجبيه بعدم تصديق : " حقاً ؟ ، إذاً ما سر هذه الملامح المتجهمة ؟ "
رفعت أكتاقها ببرود ظاهري : " لا شئ " .
قال بسخرية : " لا شئ هذه تقوليها لصديقتكِ ليس لي " .
ابتسمت بخبث : " أنت أيضاً صديقي أي أنك لا تختلف عنها كثيراً " .
هتف بتقرير : " تعلمين أن علاقتنا تعدت نطاق الصداقة منذ زمن " .
للحظة دب الأمل في قلبها .. هل تعدت علاقتهما الصداقة فعلاً ؟
هل أصبح ينظر إليها كحبيبة .. كإمرأة من الممكن أن تشاركه حياته ؟
و لكنه سرعان ما قضى على آمالها حين قال : " فأنتِ شقيقتي التي منحها الله لي " .
أحنت رأسها بحزن عندما قال هذه الكلمة و قلبها يتألم بشدة ، منذ ما يزيد عن ثماني سنوات و هما يعرفان بعضهما .. يقضيا معظم الوقت سوياً ، و مع ذلك مشاعره لم تتحرك نحوها .. لم يراها سوى صديقة .. بل شقيقة !
ابتسمت بسخرية .. هو يعتبرها كشقيقته و هي تعتبره حبيبها و كل دنيتها ، و لكن متى سيراها هو كما تراه هي ؟
همست بمرارة و مع ذلك كان يتخلل نبرتها الإمتنان : " و أنت شقيقي الذي لا غنى لي عنه " .
لتلتفت بعدها ناظرة من الشباك محاولة حبس دموعها و منعها من الهبوط ..
" لم تخبريني حتى الآن .. ما سبب حزنكِ ؟ "
رفعت أحد حاجبيها باستغراب : " و ما الذي يجعلك متأكداً أن هناك ما يحزنني ؟ "
ابتسم بهدوء : " صداقة تسع سنوات " .
و تابع : " هيا أخبريني .. ماذا حدث ؟ "
تنهدت بقوة و هي تعلم أنه لن يتركها إلا عندما يعلم ما بها ..
" لقد تزوج أبي بالأمس من إمرأة جديدة " .
ألا يمل هذا الرجل ؟ ، كل شهرين يتزوج دون مراعاة مشاعر أبنته و كأن الزواج لعبة !
صفّ سيارته عند المشفى و ترجلا منها ليهتف بهدوء : " أعلم أن الأمر مزعج و لكن من المفترض أن تكوني اعتدتي عليه " .
همست بخفوت : " نعم .. لقد اعتدت " .
لتردف بعدها متهربة من مشاعرها المتألمة سواء بسببه أو بسبب والدها : " سأذهب لأباشر عملي " .
" و أنا أيضاً أراكِ في فترة الغذاء " .
**********
لوحت إلى صديقاتها و أسرعت إليهن هاتفة : " كيف حال الجميلات اليوم ؟ "
تأففن جميعاً و بدأن الشكوى المعتادة من الدكاترة و صعوبة المناهج ، فأصمتتهم قائلة :
" كفوا عن هذا أرجوكم " .
و تابعت : " من الأفضل أن نتحدث عن أي شئ غير الدراسة ، لأننا إن استمرينا على هذا الحال سوف نموت من الاكتئاب قبل نهاية السنة " .
ابتسمت لمياء بسخرية : " حسناً سنتحدث فيما تريدين و لكن ليس الآن فموعد المحاضرة قد حان " .
كان دورها الآن في التأفف بضيق و سارت برفقتهن إلى القاعة ..
جلسن جميعاً بجانب بعضهن و انتظرن حضور الدكتور ..
في نفس الوقت
سار سعيد برفقة خالد و هو يقول بضجر : " من أين أتت لك فكرة حضور المحاضرة اليوم ؟ ، منذ متى و نحن نحضر محاضرات ؟ "
هتف خالد بغموض : " منذ اليوم و حتى أحصل على ما أريد " .
ابتسم سعيد بحماس : " هناك من تريد أن تُسقطها في شباكك إذاً ، و أنا مَن كنت أظن أنك تفوقت فجأة " .
ابتسم خالد بخبث : " أنا متفوق فيما يستحق التفوق " .
ليضحكا سوياً باستمتاع و يدلفا إلى القاعة ..
جال خالد بنظراته المكان بحثاً عنها حتى وجدها جالسة في الصف الرابع .. تتحدث مع إحدى صديقاتها و ملامحها يكسوها المرح ..
نقل سعيد نظراته إلى ما ينظر إليه صديقه ليبتسم بمكر عندما رأى الفتاة التي أعجبتهما من قبل ، إذاً صديقه وضعها في عقله و بالتالي سيستمتعا بضحية جديدة قريباً !
سحب خالد صديقه ليجلسا في الصف السادس .. على بعد صفين من ضحيته !..، و طوال المحاضرة و هو يتأملها بدقة و يضع الخطط للإقتراب منها ، بينما تركيز لارا كان منصب على ما بقوله الدكتور غير مدركة لما يُخطط لها !
بعد انتهاء المحاضرة
أسرع كي يلحقها قبل أن تغادر القاعة ، و بالفعل وقف أمامها ليبتسم إحدى ابتساماته الرائعة و التي يعلم تأثيرها على الفتيات ..
" مرحباً لارا " .
تذكرته على الفور و لكن حديث والدتها عاد ليتردد في أذنها ..  فتظاهرت بأنها لا لم تعرفه و قالت ببرود : " أهلاً " .
تساءل بسماجة : " ألم تتذكريني ؟ ، أنا الذي اصطدمت بكِ " .
قاطعته بقوة : " و هل أنا مطالبة بتذكر كل شخص اصطدم به ؟ "
و تابعت دون إعطائه فرصة للرد : " حسناً اتركنا من هذا الآن ، ماذا تريد ؟ "
ابتلع ريقه بتوتر من هجومها الغير متوقع و هتف بتلعثم : " أنا .. كنت .. أريد " .
قاطعته للمرة الثانية و بنفس نبرتها القوية : " لا أرى أن هناك شئ مهم تريد قوله ، لذا أعذرني عليّ الذهاب " .
التفتت لصديقاتها و هتفت : " هيا يا فتيات " .
و تركته غير مبالية به .. فاشتعلت عيونه بنيران الغضب .. فهذه أول فتاة تواجهه بهذه القوة .. و تتجاهله بهذه الطريقة !
وقف سعيد بجانبه مبتسماً بإعجاب و همس : " فتاة شجاعة و .. صعبة ، لن تستطيع الحصول عليها بسهولة " .
نظر إليه بعيون محتقنة .. متوعدة : " و أنا أعشق النوع الصعب ، و هذه الفتاة سأحصل عليها .. سترى " .
حالما ابتعدوا عنه أثنت لمياء بإعجاب : " أعجبني ما فعلتيه ، فهذا النوع من الشباب لا يجدي معه سوى هذه الطريقة " .
تنهدت مروة بهيام و قالت معاتبة : " أي طريقة يا حمقاء ، هذا النوع من الشباب يجب أن نحارب لنحصل عليه و بعدها نقيده كي لا يبتعد " .
رفعت لمياء حاجبيها باعتراض : " حقاً ؟ ، و ما الذي سيجعلكِ تحاربين من أجله ؟ ، ركضه خلف الفتيات و تفحصه لجسدهن بجرأة و وقاحة ؟ "
لم تكن نظرة مروة إلى خالد كنظرة لمياء له !
فبينما كانت لمياء تنظر إليه بعقلها و تحلل تصرفاته و نظراته ..
كانت مروة تنظر إليه نظرة مراهقة فُتنت برجل وسيم يسعى وراءها ..
" هل أنتِ غبية ؟ ، ألا ترين وسامته ؟ ، شعره البني  و عيونه اللوزية و جسده " ، قالتها لتصدر تنهيدة هيام أخرى .
قالت لمياء بحدة : " إن كنت أنا غبية فأنتِ تافهه و لا تنظرين إلا إلى المظهر الخارجي و فقط و تتركين الجوهر " .
كانت لارا تتابع مناقشتهم بصبر منتظرة نتيجتها ، لتعقد حاجبيها بضيق عندما تفوهت لمياء بتلك الجملة ، و التفتت إلى مروة بتوتر ..
ابتسمت مروة بسخرية تخفي ورائها الكثير من الآلام : " و لِمَ سأنظر إلى الجوهر إن كانوا الناس لا ينظرون إلا إلى الشكل الخارجي ؟ "
توترت لمياء من نبرتها و أدركت أنها ضغطت على جرح مروة و بقوة فتمتمت باعتذار : " لم أقصد ما فهمتيه مروة صدقيني " .
شعرت لارا بالشفقة على صديقتها التي مرت بتجربة جعلتها تعتقد أن الجمال كل شئ ، فتدّخلت قائلة بمرح لتغير الأجواء : " انتما تتحدثان عنه و كأنه يسعى ورائكما لا ورائي ، أرجو أن تتركوا لي القرار في الإقتراب منه أو لا " .
سألتها لمياء بحذر : " و ما هو قراركِ " .
أجابت لارا ببساطة : " قراري أن نذهب للكافيتريا لأنني أكاد أموت جوعاً " .
ضحكت مروة بقوة و قالت : " ألا تتحدثين بجدية أبداً ؟ ، كل ما يهمكِ الطعام و فقط " .
لتتحدث لارا بعشق : " و هل يوجد أحلى من الطعام في هذه الدنيا ، إنه عشقي الأبدي " .
و تابعت : " هيا إلى الكافيتريا و إلا سأفقد وعيي من الجوع "  .
دفعتها لمياء بخفة : " لا أرجوكِ .. لا نريد أن نتورط بكِ " .
لتقول مروة بسخرية : " فلتتحملي قليلاً يا صغيرة مجرد دقائق و ستأكلين " .
**********
جلست على رصيف جانبي بعد سير طويل .. وجهها أحمر من الحرارة .. جبينها يقطر عرقاً و عيونها لا تستطيع فتحها من الشمس المسلطة عليها ..
لم تبالي بكل هذا ، فكل ما يشغل بالها الآن إلى أين ستذهب ؟
و ماذا ستفعل ؟
أين ستعيش ؟
و من أين ستحصل على الطعام ؟
أخرجت النقود التي أعطوها لها في الدار و بدأت في عدهم لتجدهم حوالي خمس مائة جنيه !
ماذا ستفعل بهذا المبلغ الضئيل في حياة كل ما بها يصرخ بغلاء الأسعار ؟
و إلى متى سيكفيها ؟
فحتى و إن بدأت في البحث عن عمل اليوم .. بل من هذه اللحظة .. لن تجد مَن يقبل بها بسهولة ، و هذا أمر طبيعي ؛ فمَن ذا الذي سيوافق أن تعمل لديه فتاة بالكاد حصلت على شهادتها الثانوية و أصحاب الشهادات الجامعية منتشرون بالأرجاء ؟
أبعدت خصلات شعرها عن وجهها و فكرة السرقة تراودها بشدة ، فهي الحل الوحيد الذي سيجعلها تحصل على المال بسهولة و سيوفر لها حياة مريحة إلى حد ما !
لفت نظرها عدد لا بأس به من الناس يقفون بعشوائية و ضجر على الرصيف المقابل لها و على ما يبدو أنهم بانتظار وسيلة مواصلات تقلهم ..
أرغمها عقلها على السير إليهم و عينيها لا تبحث سوى عن النقود التي يمتلكوها ، و بالفعل انضمت إليهم متظاهرة بانتظار الحافلة لتقلها هي الأخرى ..
دقائق و وقفت الحافلة أمامهم ليسرعوا بالصعود إليها بفوضواية و كل واحد منهم لا يهتم إلا بأن يصعد و يجد له مقعد يجلس عليه غير
مبالياً بغيره ..
صعدت ريناد بدورها و اندست بينهم و يديها بدأت بالتحرك و عينيها تبحث عن أنسب شخص تستطيع سرقته !
و قبل أن تسرق ما تستطيع أبعدت يدها بسرعة و الخوف احتل ملامحها ، ماذا إن كُشفت ؟ ، ماذا سيحدث لها حينها ؟
ستسجن .. ستقضي سنوات أخرى من العذاب ، ألا يكفي سنوات العذاب و الحرمان التي قضتها في الدار ؟
تراجعت بهدوء مقررة عدم التهور ، ستحاول أن تعيش في هذا العالم الجديد الذي دلفت إليه ، و إن لم تستطع .. وقتها لن يلومها أحد على أفعالها !
و عند أول محطة توقفت فيها الحافلة ترجلت بسرعة و بدأت في البحث عن شقة مناسبة تضمها !
**********
دلفت إلى الداخل و هي تسمع سمسار العقارات يقول : " هذه الغرفة بالكاد يصل إيجارها إلى ما تمتلكينه من نقود " .
تفحصت الغرفة بدقة لتراها صغيرة تبلغ مساحتها حوالي ستين متراً .. ذات حمام و مطبخ صغيرين .. و سرير خشبي صغير .. و خزانة بلون بني باهت ذو باب مكسور ، هذه الغرفة المقززة يطلب فيها إيجار ثلاث مائة جنيه !
تنهدت بضيق .. فهي مضطرة لتأجيرها .. فلن تجد شقة مناسبة بما تمتلكه من نقود ..
" حسناً سآخذها " .
لتخرج بعدها بعضاً من النقود و تعطيها له ، و يعطيها هو بدوره عقد الغرفة لتوقع عليه ..
استأذن منها بعدها لتختلي بنفسها في الغرفة ، تمددت على سريرها و بدأت في إحصاء النقود التي تبقت معها لتكتشف أنها أقل من مئتين جنيه !..، عليها الإسراع في البحث عن عمل و إلا أيام قليلة و لن تجد ما تأكله و ربما شهر و تتخذ من الشارع مسكن لها !
في اليوم التالي
وقفت تلتقط أنفاسها بتعب ، منذ سبع ساعات و هي تبحث عن عمل و كل الأبواب مغلقة في وجهها حتى بدأ اليأس يتسلل إليها ..
تنهدت بتعب .. لم يتبقى سوى مطعم واحد .. و إما أن يقبلوها فيه أو سينتهي يومها الأول في البحث دون أي نتيجة إيجابية ..
اتجهت إلى المطعم و دلفت إليه لتتوسع عيونها بانبهار ، كان المطعم يسرق الأنفاس برقيه ..
اقترب منها النادل و هتف بفظاظة : " ماذا تريدين ؟ "
بالطبع لم يكن سيسألها غير هذا السؤال ، فمظهرها لا يشير إلى سيدة مجتمع آتية للتمتع بوجبة لذيدة !
" لقد أتيت من أجل الوظيفة " .
رفع أحد حاجبيه باستغراب و قال : " اتبعيني " .
أخذها إلى غرفة تكاد تكون أكبر من الغرفة التي تقطن بها ، ذات أثاث راقي كرقي المطعم ، يستقر فيها مكتب متوسط الحجم و خلفه يجلس رجل بالخمسين من عمره .. شعره أسود يتخلله الكثير من الخصلات البيضاء و يرتدي نظارة بعدسات كبيرة ..
هتف النادل بهدوء : " لقد أتت هذه الفتاة من أجل الوظيفة سيدي " .
نظر إليها الرجل بتقييم و هتف : " ما اسمكِ " .
ردت بتوتر : " ريناد رفعت " .
" كم عمركِ ؟ "
" ثمانية عشر عام " .
عبس الرجل بملامحه و سأل : " هل تدرسين ؟ "
ردت بحذر : " أنا حاصلة على الشهادة الثانوية " .
قهقه النادل بسخرية لينظر له الرجل بغضب و يقول : " أ لا زلت هنا يا سمير ؟ ، اذهب و تابع عملك هيا " .
تنحنح بحرج : " أعتذر سيدي " .
حالما خرج سمير من الغرفة نزع رشدي نظارته و نظر إلى ريناد بتفحص و هتف : " هذا المطعم الذي تريدين العمل به يعد من أشهر المطاعم في الجمهورية كما أننا لدينا فرع في كل محافظة تقريباً " .
عقدت حاجبيها بعدم فهم ، أ يتوجب عليها معرفة السيرة الذاتية للمطعم قبل العمل فيه ؟
تابع بتوضيح : " نحن لا نقبل هنا سوى الحاصلين على شهادات عليا " .
تنهدت بضيق و قد علمت سبب هذه المقدمة الطويلة ، إلا أنها لم تفقد الأمل فهتفت برجاء :
" أرجوك سيدي أنا أحتاج إلى هذا العمل " .
هتف رشدي بقلة حيلة : " للأسف يا صغيرة هذه أوامر صاحب المطعم " .
هتفت و كأنها لم تسمعه : " أرجوك سيدي أقبلني و أعدك أنني سأبذل قصارى جهدي " .
" يبدو أنكِ لم تفهمين ما قلته " .
قاطعته بتوسل : " أرجوك أنا أحتاج لهذا العمل " .
تنهد بنفاذ صبر : " حسناً سأهاتف صاحب المطعم و أخبره .. إن وافق ستباشرين بالعمل .. و إن رفض لا أريد رؤيتكِ هنا مرة أخرى " .
و تابع : " انتظريني بالخارج " .
خرجت من الغرفة و هي تضع يدها على قلبها .. تدعو الله أن يوافق صاحب المطعم عليها و ألا تُضطر للبحث عن عمل أخر ..
دقائق مرت و في كل ثانية اليأس يتسرب إليها أكثر ..
ليخرج رشدي أخيراً من الغرفة و يهتف دون أن ينظر إليها : " اتبعيني لأعرفكِ ماذا ستفعلين " .
تنهدت براحة و هي تشكر الله لأنه رزقها بهذا العمل .
**********
كانت تقف في ركن بعيد عن الأنظار .. تتطلع إلى ما يحدث أمامها باشمئزاز ..
لطالما كرهت الحفلات التي تقيمها والدتها أو أحد أصدقائها بسبب ما يحدث فيها ، و لكنها ليس بيدها شئ لتفعله سوى الحفاظ على نفسها و الإلتزام بدينها ، و من رأيها أن هذا أفضل ما يمكن فعله ..
كان إدوارد يقف على مسافة قريبة منها .. ينظر إلى جسدها بشهوة و ينتظر اللحظة التي سيحصل فيها عليه ..
أشار إلى النادل فاقترب منه ، مال إليه و همس بعدة كلمات ليأومأ الأخير بالتفهم و يبتعد ..
سار إدوارد إليها و خطواته كأنها تتوعدها !..، وقف بجانبها ليهمس بهدوء : " لِمَ تقفين لحالكِ ؟ "
سيطر الخوف عليها فور وقوفه بجانبها و تحفزت عضلات جسدها لمقاومته إن فكر أن يقترب منها ، و مع ذلك لم تظهر إنفعالاتها هذه له .. بل احتفظت بهدوءها أمامه ..
" لا أعرف أحد لأقف معه " .
هتف بدهشة : " أنتِ هنا منذ ست سنوات و مع ذلك لم تنشئي أية صداقات " .
قالت بلا مبالاة : " كما ترى " .
تساءل قائلاً : " و لكن لِمَ ؟ "
لترد بعنجهية : " لا تعجبني شخصياتكم " .
نظر إليها بنصف عين و بداخله يتوعدها أنها بعد ساعات قليلة ستبدأ شخصبتها في التحول و تكون مثل مَن تسخر منهم !
اقترب منها النادل و قدم لها مشروب باللون الأصفر فرفضته بقرف ، تظاهر أنه يأخذه منها .. ليسحب يده دون أن تنتبه فينزلق المشروب على ملابسها و يلطخها ..
" هل أنت أعمى ؟ "
تمتم النادل : " أعتذر سيدتي " .
تأففت بضيق و هي ترى فستانها الذي ظهرت عليه بقعة كبيرة باللون الأصفر فقررت الذهاب و تبديله ..
ابتسم إدوارد بخبث و أشار للنادل بشكر ثم تبعها دون أن تشعر ..
دلفت أسيل إلى غرفتها لتخرج فستان أخر من خزانتها و تبدأ في نزع الفستان الذي ترتديه ..
كانت على وشك نزع الفستان تماماً حينما اقتحم إدوارد الغرفة بقوة ..
شهقت بخوف و رفعت الفستان بسرعة تداري به جسدها :
" ماذا تفعل هنا ؟ "
ابتسم بمكر و هو يغلق الباب بقدمه : " جئت لأحصل على ما أريد " .
و فجأة أصبح أمامها ليدفعها بقوة فتسقط على السرير ، ابتسم بمكر و سقط فوقها و هو يتمتم : " و أخيراً أسولتي " .
ليبدأ بالتمتع بجسدها غير مبالياً بصراخاتها و مقاومتها !
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
متنسوش الشرط، لو نص اللي قرأوا الفصل أو أكتر حطوا فوت و كومنت
هينزل بكرة الفصل ١٦ كاااااااااااامل
لكن لو ملقتش فوت و كومنتات كتيييييير، فشري هيطلع عليكم بقى 😈😈😈

لست أبي (كاملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن