" أبي ألن تطعمني اليوم ؟ "
التفت إليها إسلام و بدأ في إطعامها و هو يقول : " و كيف هذا أميرتي ؟ "
هتفت إيمان بغيرة : " منذ أن جلسنا و أنت تطعم والدتي فقط " .
قهقه إسلام و هو ينظر إلى زوجته بطرف عينيه و يرى وجهها متورد خجلاً ..
أما هي فكانت تنظر لهما بخجل ممزوج بالغضب ، فلطالما أخبرت زوجها أن يكف عن إطعامها كالأطفال خاصة أمام بناتهما ، و لكنه عنيد لا يستمع إليها ..
هتف إسلام و هو يمد لها إحدي الملاعق : " هيا كلي و لا تتحدثي كثيراً " .
فتحت الطفلة فمها و بدأت في أكل ما يقدمه إليها والدها ، ليلنفت إسلام إلى لارا و يسألها :
" لِمَ لم ترتدي ملابسكِ حتى الآن ؟ "
أجابته بعد أن أصدرت صوتاً يدل على إعجابها بالطعام : " محاضراتي اليوم يعد الظهيرة " .
أومأ بالتفهم ثم سألها مرة أخرى : " هل ستذهبين بالمواصلات ؟ "
نفت بسعادة : " لا سيقلني عمي " .
نهض إسلام و هو يقول : " حسناً " .
و أردف : " هيا نحن كي لا نتأخر " .
نهضت هبه بدورها لتذهب و تقبل لارا و تقول : " انتبهي لنفسكِ حبيبتي " .
ابتسمت لها : " حسناً أمي لا تقلقي "
غادروا جميعاً و تركوها لحالها في البيت ، تطلعت إلى الساعة فوجدتها تقترب من الثامنة .. أي لا زال لديها على الأقل ثلاث ساعات حتى تذهب إلى جامعتها ..
فكرت ماذا تفعل خلالهم لتبتسم فجأة بحماس و هي تلتقط عباءتها لترتديها و تخرج من شقتها صاعدة إلى شقة عمها و التي تحتل الطابق الذي يعلو طابقهم ، فبعد أن أوضح عمها من قبل حرجه في البقاء مع والدتها في نفس المنزل .. و بعد تفكير عميق من والدها قرر أن يشتري له منزل قريب منهم ، و من حظهم أنه تم عرض شقة في نفس بنايتهم للبيع فسارع والدها بشراءها و تسجيلها بأسم شقيقه ..
وصلت إلى شقته فبدأت بطرق الباب بسرعة و قوة أعتاد علاء عليها !
" متى ستطرقين الباب مثل البشر ؟ "
هتفت بغرور : " و من قال لك أنني كالبشر ، أنا كالملاك " .
سحبها من شعرها بممازحة و قال : " كم مرة أخبرتكِ أن تكفي عن هذا الغرور ؟ "
حاولت تحرير خصلات شعرها من يديه و هي تقول : " و أنا أوضحت لك أكثر من مرة أنني أمزح فقط " .
تنهدت براحة عندما حررت شعرها ، لتتحرك بعدها بحماس و رائحة جميلة تخترق أنفها ، وصلت إلى المطبخ لتجد الطعام موضوع على المائدة فملست على معدتها و هتفت بدرامية :
" يا إلهي رؤية طعامك فقط تجعلني أتضور جوعاً " .
تفحصها قائلاً : " لا أدري أين يذهب هذا الطعام ، فجسدكِ لا يظهر عليه أبداً " .
ضيقت عينيها و هي تقول بشك : " هل تحسدني ؟ "
لتردف : " ثم أن هذه طبيعة جسدي .. فأنا آكل ما أريد و مع ذلك وزني لا يتغير " .
و تابعت بفضول : " ثم أخبرني .. هل كنت تتوقع صعودي لدرجة أن تحضر لي الإفطار ؟ "
عقد حاجبيه بعدم فهم : " ماذا ؟ "
أشارت إلى الطعام قائلة ببساطة : " الطعام لشخصين " .
أخذ يتابع وضع المزيد من الطعام على المائدة و هو يقول : " نعم فليندا ستفطر معي " .
عبست بملامحها : " هل ستأتي الآن ؟ "
و أردفت : " لا أعلم كيف توافق على أن تأتي إلى شقتك بهذه السهولة ؟ ، بل كيف يوافق أبي على هذا ؟ "
تنهد بضيق .. هو أيضاً غير راضي أبداً عن مجيئها إلى بيته كل فترة و كم حاول أن يقنعها أن تكف عن هذا و لكن ذات العقل اليابس لا تبالي بحديثه و تخبره بكل بساطة أنها تزور صديق !
تابعت لارا : " ثم أنني أكرهها " .
تفاجأ علاء من نبرتها التي توضح مدى كرهها و هتف بدهشة : " لماذا ؟ "
رفعت أكتافها بلا مبالاة : " لا أعلم أكرهها و فقط " .
حرك رأسه بقلة حيلة : " أنتِ مَن ترينها في الشهر مرة و تتعامل معكِ برسمية تكرهينها ، إذاً ماذا أفعل أنا المضطر في تحمل تهورها و إندفاعها ؟ "
هتفت ببرود : " لم يجبرك أحد على تحملها " .
تنهد بقوة و إحساس بالمسؤلية اتجاه صديقته يزداد كل يوم بداخله خاصة و هو يرى ضياعها الذي يزيد كل يوم بابتعاد والدها عنها ..
" بلى رجولتي .. و صداقتي لها هي مَن تجبرني " .
همست بخفوت : " شعارات " .
صدح صوت جرس الباب عالياً ليسرع علاء لفتحه و هو يقول : " ها قد أتت " .
لتسير لارا خلفه عابسة بملامحها و تقلد حركاته بسخرية ..
فتح الباب لتظهر ليندا من خلفه مرتدية سروال منقوش و بلوزة باللون النبيتي و بيدها حقيبة بلاستيكية تنبعث منها رائحة شطائر ساخنة و لذيذة ..
دلفت و هي تقول بحماس مشيرة إلى الشطائر : " لم أستطع مقاومة رائحتها " .
لتعبس بملامحها و هي ترى لارا واقفة أمامها و تنظر إليها بضيق ..
ابتسمت ببرود و قالت : " صباح الخير ، كيف حالكِ لارا ؟ "
ردت لارا بفظاظة : " كنت بخير .. " .
قاطعها علاء بحزم قبل أن تتابع حديثها : " لارا " .
نظراته التحذيرية جعلتها تصمت ، خطت عدة خطوات و سحبت الحقيبة البلاستيكية من يد ليندا و قالت :
" سأذهب لآكل " .
هتف علاء بحرج حالما دخلت لارا إلى المطبخ : " لا تغضبي منها ليندا " .
تجاهلت حديثه و هتفت بما لا يتوقعه : " ماذا تفعل عندك في هذا الوقت ؟ "
هتف ببلاهه : " مَن ؟ "
نظرت إليه بحنق : " تعتقد مَن ؟ ، أ يوجد غير أبنة شقيقك هنا ؟ "
هتف ببساطة : " تقصدين لارا ؟ ، ستفطر معنا ثم سنقلها إلى جامعتها " .
تنهدت ليندا بضيق .. ها هي مضطرة إلى تحمل هذه الطفلة لساعات قادمة .. تحمل وجودها بجانب علاء و ممازحتها له ، نعم هي تغار منها !..، و غيرتها ازدادت منذ أن علمت أن إسلام و هبه كفلوها و هي صغيرة ..
ربما أفكارها غبية لا أساس لها من الصحة ، كما أنها متأكدة من أن علاء لا يعتبر لارا سوى أبنه له و هي أيضاً تعتبره أب ثاني لها ..
و لكنها لا تملك سوى الغيرة من كل أنثى تقترب منه خوفاً من أن تختطفه منها !
لم ينتبه علاء إلى شرودها فسار أمامها و هو يقول : " هيا لنأكل قبل أن نجد المائدة فارغة " .
تبعته ليندا و هي تبتسم بشرود ..
دلفوا إلى المطبخ ليجدوا لارا تأكل بنهم فسحب منها علاء الصحن بممازحة و هو يجلس و قال : " اتركي لنا شئ " .
زمت شفتيها و قالت : " أنا جائعة " .
صفق بيديه بشفقة و قال : " سيعلن أخي إفلاسه عما قريب بسببكِ " .
لم تتأثر لارا بحديثه فهي معتادة على مثل هذا المزاح منه ، و تابعت أكلها و كأنه لم يقول شئ ..
انضمت لهما ليندا و بدأت في الأكل بهدوء و لم تشاركهما حديثهما المرح ..
فزفر علاء أنفاسه بقلة حيلة متمنياً أن يعلم سر كره الأثنتين لبعضهما !
**********
أسرعت لارا بخطواتها لتصعد السيارة و تحتل المقعد الأمامي .. المجاور لمقعد علاء .. فتبتسم لليندا بنصر ..
زمت ليندا شفتيها و احتلت المقعد الخلفي ، بينما احتل علاء مقعده و قاد إلى جامعة أبنة شقيقه ..
هتف بصبر ناصحاً إياها : " انتبهي إلى نفسكِ جيداً و ركزي في دروسكِ " .
" لا تقلق عمي " .
أوصلها إلى جامعتها فودعته بسرعة و دلفت إلى الداخل ..
ترجلت ليندا من السيارة لتصعد مرة أخرى و تشغل المقعد الذي شغلته لارا من قبل ، فقاد علاء إلى المشفى التي يعمل بها هو و ليندا .
هتف بهدوء : " يمكنكِ الإبتسام الآن " .
هتفت ببلاهه : " ماذا ؟ "
قال بنفس النبرة و إن كان يتخللها بعض التأنيب : " لقد ترجلت مَن كانت السبب في عبوس ملامحكِ منذ قليل ، لذا و كما تري لا يوجد غيري بالسيارة فلا داعي لهذا العبوس " .
ابتسمت بل ضحكت ضحكة خفيفة و قالت : " ليس لهذه الدرجة " .
رفع حاجبيه بعدم تصديق : " حقاً ؟ ، إذاً ما سر هذه الملامح المتجهمة ؟ "
رفعت أكتاقها ببرود ظاهري : " لا شئ " .
قال بسخرية : " لا شئ هذه تقوليها لصديقتكِ ليس لي " .
ابتسمت بخبث : " أنت أيضاً صديقي أي أنك لا تختلف عنها كثيراً " .
هتف بتقرير : " تعلمين أن علاقتنا تعدت نطاق الصداقة منذ زمن " .
للحظة دب الأمل في قلبها .. هل تعدت علاقتهما الصداقة فعلاً ؟
هل أصبح ينظر إليها كحبيبة .. كإمرأة من الممكن أن تشاركه حياته ؟
و لكنه سرعان ما قضى على آمالها حين قال : " فأنتِ شقيقتي التي منحها الله لي " .
أحنت رأسها بحزن عندما قال هذه الكلمة و قلبها يتألم بشدة ، منذ ما يزيد عن ثماني سنوات و هما يعرفان بعضهما .. يقضيا معظم الوقت سوياً ، و مع ذلك مشاعره لم تتحرك نحوها .. لم يراها سوى صديقة .. بل شقيقة !
ابتسمت بسخرية .. هو يعتبرها كشقيقته و هي تعتبره حبيبها و كل دنيتها ، و لكن متى سيراها هو كما تراه هي ؟
همست بمرارة و مع ذلك كان يتخلل نبرتها الإمتنان : " و أنت شقيقي الذي لا غنى لي عنه " .
لتلتفت بعدها ناظرة من الشباك محاولة حبس دموعها و منعها من الهبوط ..
" لم تخبريني حتى الآن .. ما سبب حزنكِ ؟ "
رفعت أحد حاجبيها باستغراب : " و ما الذي يجعلك متأكداً أن هناك ما يحزنني ؟ "
ابتسم بهدوء : " صداقة تسع سنوات " .
و تابع : " هيا أخبريني .. ماذا حدث ؟ "
تنهدت بقوة و هي تعلم أنه لن يتركها إلا عندما يعلم ما بها ..
" لقد تزوج أبي بالأمس من إمرأة جديدة " .
ألا يمل هذا الرجل ؟ ، كل شهرين يتزوج دون مراعاة مشاعر أبنته و كأن الزواج لعبة !
صفّ سيارته عند المشفى و ترجلا منها ليهتف بهدوء : " أعلم أن الأمر مزعج و لكن من المفترض أن تكوني اعتدتي عليه " .
همست بخفوت : " نعم .. لقد اعتدت " .
لتردف بعدها متهربة من مشاعرها المتألمة سواء بسببه أو بسبب والدها : " سأذهب لأباشر عملي " .
" و أنا أيضاً أراكِ في فترة الغذاء " .
**********
لوحت إلى صديقاتها و أسرعت إليهن هاتفة : " كيف حال الجميلات اليوم ؟ "
تأففن جميعاً و بدأن الشكوى المعتادة من الدكاترة و صعوبة المناهج ، فأصمتتهم قائلة :
" كفوا عن هذا أرجوكم " .
و تابعت : " من الأفضل أن نتحدث عن أي شئ غير الدراسة ، لأننا إن استمرينا على هذا الحال سوف نموت من الاكتئاب قبل نهاية السنة " .
ابتسمت لمياء بسخرية : " حسناً سنتحدث فيما تريدين و لكن ليس الآن فموعد المحاضرة قد حان " .
كان دورها الآن في التأفف بضيق و سارت برفقتهن إلى القاعة ..
جلسن جميعاً بجانب بعضهن و انتظرن حضور الدكتور ..
في نفس الوقت
سار سعيد برفقة خالد و هو يقول بضجر : " من أين أتت لك فكرة حضور المحاضرة اليوم ؟ ، منذ متى و نحن نحضر محاضرات ؟ "
هتف خالد بغموض : " منذ اليوم و حتى أحصل على ما أريد " .
ابتسم سعيد بحماس : " هناك من تريد أن تُسقطها في شباكك إذاً ، و أنا مَن كنت أظن أنك تفوقت فجأة " .
ابتسم خالد بخبث : " أنا متفوق فيما يستحق التفوق " .
ليضحكا سوياً باستمتاع و يدلفا إلى القاعة ..
جال خالد بنظراته المكان بحثاً عنها حتى وجدها جالسة في الصف الرابع .. تتحدث مع إحدى صديقاتها و ملامحها يكسوها المرح ..
نقل سعيد نظراته إلى ما ينظر إليه صديقه ليبتسم بمكر عندما رأى الفتاة التي أعجبتهما من قبل ، إذاً صديقه وضعها في عقله و بالتالي سيستمتعا بضحية جديدة قريباً !
سحب خالد صديقه ليجلسا في الصف السادس .. على بعد صفين من ضحيته !..، و طوال المحاضرة و هو يتأملها بدقة و يضع الخطط للإقتراب منها ، بينما تركيز لارا كان منصب على ما بقوله الدكتور غير مدركة لما يُخطط لها !
بعد انتهاء المحاضرة
أسرع كي يلحقها قبل أن تغادر القاعة ، و بالفعل وقف أمامها ليبتسم إحدى ابتساماته الرائعة و التي يعلم تأثيرها على الفتيات ..
" مرحباً لارا " .
تذكرته على الفور و لكن حديث والدتها عاد ليتردد في أذنها .. فتظاهرت بأنها لا لم تعرفه و قالت ببرود : " أهلاً " .
تساءل بسماجة : " ألم تتذكريني ؟ ، أنا الذي اصطدمت بكِ " .
قاطعته بقوة : " و هل أنا مطالبة بتذكر كل شخص اصطدم به ؟ "
و تابعت دون إعطائه فرصة للرد : " حسناً اتركنا من هذا الآن ، ماذا تريد ؟ "
ابتلع ريقه بتوتر من هجومها الغير متوقع و هتف بتلعثم : " أنا .. كنت .. أريد " .
قاطعته للمرة الثانية و بنفس نبرتها القوية : " لا أرى أن هناك شئ مهم تريد قوله ، لذا أعذرني عليّ الذهاب " .
التفتت لصديقاتها و هتفت : " هيا يا فتيات " .
و تركته غير مبالية به .. فاشتعلت عيونه بنيران الغضب .. فهذه أول فتاة تواجهه بهذه القوة .. و تتجاهله بهذه الطريقة !
وقف سعيد بجانبه مبتسماً بإعجاب و همس : " فتاة شجاعة و .. صعبة ، لن تستطيع الحصول عليها بسهولة " .
نظر إليه بعيون محتقنة .. متوعدة : " و أنا أعشق النوع الصعب ، و هذه الفتاة سأحصل عليها .. سترى " .
حالما ابتعدوا عنه أثنت لمياء بإعجاب : " أعجبني ما فعلتيه ، فهذا النوع من الشباب لا يجدي معه سوى هذه الطريقة " .
تنهدت مروة بهيام و قالت معاتبة : " أي طريقة يا حمقاء ، هذا النوع من الشباب يجب أن نحارب لنحصل عليه و بعدها نقيده كي لا يبتعد " .
رفعت لمياء حاجبيها باعتراض : " حقاً ؟ ، و ما الذي سيجعلكِ تحاربين من أجله ؟ ، ركضه خلف الفتيات و تفحصه لجسدهن بجرأة و وقاحة ؟ "
لم تكن نظرة مروة إلى خالد كنظرة لمياء له !
فبينما كانت لمياء تنظر إليه بعقلها و تحلل تصرفاته و نظراته ..
كانت مروة تنظر إليه نظرة مراهقة فُتنت برجل وسيم يسعى وراءها ..
" هل أنتِ غبية ؟ ، ألا ترين وسامته ؟ ، شعره البني و عيونه اللوزية و جسده " ، قالتها لتصدر تنهيدة هيام أخرى .
قالت لمياء بحدة : " إن كنت أنا غبية فأنتِ تافهه و لا تنظرين إلا إلى المظهر الخارجي و فقط و تتركين الجوهر " .
كانت لارا تتابع مناقشتهم بصبر منتظرة نتيجتها ، لتعقد حاجبيها بضيق عندما تفوهت لمياء بتلك الجملة ، و التفتت إلى مروة بتوتر ..
ابتسمت مروة بسخرية تخفي ورائها الكثير من الآلام : " و لِمَ سأنظر إلى الجوهر إن كانوا الناس لا ينظرون إلا إلى الشكل الخارجي ؟ "
توترت لمياء من نبرتها و أدركت أنها ضغطت على جرح مروة و بقوة فتمتمت باعتذار : " لم أقصد ما فهمتيه مروة صدقيني " .
شعرت لارا بالشفقة على صديقتها التي مرت بتجربة جعلتها تعتقد أن الجمال كل شئ ، فتدّخلت قائلة بمرح لتغير الأجواء : " انتما تتحدثان عنه و كأنه يسعى ورائكما لا ورائي ، أرجو أن تتركوا لي القرار في الإقتراب منه أو لا " .
سألتها لمياء بحذر : " و ما هو قراركِ " .
أجابت لارا ببساطة : " قراري أن نذهب للكافيتريا لأنني أكاد أموت جوعاً " .
ضحكت مروة بقوة و قالت : " ألا تتحدثين بجدية أبداً ؟ ، كل ما يهمكِ الطعام و فقط " .
لتتحدث لارا بعشق : " و هل يوجد أحلى من الطعام في هذه الدنيا ، إنه عشقي الأبدي " .
و تابعت : " هيا إلى الكافيتريا و إلا سأفقد وعيي من الجوع " .
دفعتها لمياء بخفة : " لا أرجوكِ .. لا نريد أن نتورط بكِ " .
لتقول مروة بسخرية : " فلتتحملي قليلاً يا صغيرة مجرد دقائق و ستأكلين " .
**********
جلست على رصيف جانبي بعد سير طويل .. وجهها أحمر من الحرارة .. جبينها يقطر عرقاً و عيونها لا تستطيع فتحها من الشمس المسلطة عليها ..
لم تبالي بكل هذا ، فكل ما يشغل بالها الآن إلى أين ستذهب ؟
و ماذا ستفعل ؟
أين ستعيش ؟
و من أين ستحصل على الطعام ؟
أخرجت النقود التي أعطوها لها في الدار و بدأت في عدهم لتجدهم حوالي خمس مائة جنيه !
ماذا ستفعل بهذا المبلغ الضئيل في حياة كل ما بها يصرخ بغلاء الأسعار ؟
و إلى متى سيكفيها ؟
فحتى و إن بدأت في البحث عن عمل اليوم .. بل من هذه اللحظة .. لن تجد مَن يقبل بها بسهولة ، و هذا أمر طبيعي ؛ فمَن ذا الذي سيوافق أن تعمل لديه فتاة بالكاد حصلت على شهادتها الثانوية و أصحاب الشهادات الجامعية منتشرون بالأرجاء ؟
أبعدت خصلات شعرها عن وجهها و فكرة السرقة تراودها بشدة ، فهي الحل الوحيد الذي سيجعلها تحصل على المال بسهولة و سيوفر لها حياة مريحة إلى حد ما !
لفت نظرها عدد لا بأس به من الناس يقفون بعشوائية و ضجر على الرصيف المقابل لها و على ما يبدو أنهم بانتظار وسيلة مواصلات تقلهم ..
أرغمها عقلها على السير إليهم و عينيها لا تبحث سوى عن النقود التي يمتلكوها ، و بالفعل انضمت إليهم متظاهرة بانتظار الحافلة لتقلها هي الأخرى ..
دقائق و وقفت الحافلة أمامهم ليسرعوا بالصعود إليها بفوضواية و كل واحد منهم لا يهتم إلا بأن يصعد و يجد له مقعد يجلس عليه غير
مبالياً بغيره ..
صعدت ريناد بدورها و اندست بينهم و يديها بدأت بالتحرك و عينيها تبحث عن أنسب شخص تستطيع سرقته !
و قبل أن تسرق ما تستطيع أبعدت يدها بسرعة و الخوف احتل ملامحها ، ماذا إن كُشفت ؟ ، ماذا سيحدث لها حينها ؟
ستسجن .. ستقضي سنوات أخرى من العذاب ، ألا يكفي سنوات العذاب و الحرمان التي قضتها في الدار ؟
تراجعت بهدوء مقررة عدم التهور ، ستحاول أن تعيش في هذا العالم الجديد الذي دلفت إليه ، و إن لم تستطع .. وقتها لن يلومها أحد على أفعالها !
و عند أول محطة توقفت فيها الحافلة ترجلت بسرعة و بدأت في البحث عن شقة مناسبة تضمها !
**********
دلفت إلى الداخل و هي تسمع سمسار العقارات يقول : " هذه الغرفة بالكاد يصل إيجارها إلى ما تمتلكينه من نقود " .
تفحصت الغرفة بدقة لتراها صغيرة تبلغ مساحتها حوالي ستين متراً .. ذات حمام و مطبخ صغيرين .. و سرير خشبي صغير .. و خزانة بلون بني باهت ذو باب مكسور ، هذه الغرفة المقززة يطلب فيها إيجار ثلاث مائة جنيه !
تنهدت بضيق .. فهي مضطرة لتأجيرها .. فلن تجد شقة مناسبة بما تمتلكه من نقود ..
" حسناً سآخذها " .
لتخرج بعدها بعضاً من النقود و تعطيها له ، و يعطيها هو بدوره عقد الغرفة لتوقع عليه ..
استأذن منها بعدها لتختلي بنفسها في الغرفة ، تمددت على سريرها و بدأت في إحصاء النقود التي تبقت معها لتكتشف أنها أقل من مئتين جنيه !..، عليها الإسراع في البحث عن عمل و إلا أيام قليلة و لن تجد ما تأكله و ربما شهر و تتخذ من الشارع مسكن لها !
في اليوم التالي
وقفت تلتقط أنفاسها بتعب ، منذ سبع ساعات و هي تبحث عن عمل و كل الأبواب مغلقة في وجهها حتى بدأ اليأس يتسلل إليها ..
تنهدت بتعب .. لم يتبقى سوى مطعم واحد .. و إما أن يقبلوها فيه أو سينتهي يومها الأول في البحث دون أي نتيجة إيجابية ..
اتجهت إلى المطعم و دلفت إليه لتتوسع عيونها بانبهار ، كان المطعم يسرق الأنفاس برقيه ..
اقترب منها النادل و هتف بفظاظة : " ماذا تريدين ؟ "
بالطبع لم يكن سيسألها غير هذا السؤال ، فمظهرها لا يشير إلى سيدة مجتمع آتية للتمتع بوجبة لذيدة !
" لقد أتيت من أجل الوظيفة " .
رفع أحد حاجبيه باستغراب و قال : " اتبعيني " .
أخذها إلى غرفة تكاد تكون أكبر من الغرفة التي تقطن بها ، ذات أثاث راقي كرقي المطعم ، يستقر فيها مكتب متوسط الحجم و خلفه يجلس رجل بالخمسين من عمره .. شعره أسود يتخلله الكثير من الخصلات البيضاء و يرتدي نظارة بعدسات كبيرة ..
هتف النادل بهدوء : " لقد أتت هذه الفتاة من أجل الوظيفة سيدي " .
نظر إليها الرجل بتقييم و هتف : " ما اسمكِ " .
ردت بتوتر : " ريناد رفعت " .
" كم عمركِ ؟ "
" ثمانية عشر عام " .
عبس الرجل بملامحه و سأل : " هل تدرسين ؟ "
ردت بحذر : " أنا حاصلة على الشهادة الثانوية " .
قهقه النادل بسخرية لينظر له الرجل بغضب و يقول : " أ لا زلت هنا يا سمير ؟ ، اذهب و تابع عملك هيا " .
تنحنح بحرج : " أعتذر سيدي " .
حالما خرج سمير من الغرفة نزع رشدي نظارته و نظر إلى ريناد بتفحص و هتف : " هذا المطعم الذي تريدين العمل به يعد من أشهر المطاعم في الجمهورية كما أننا لدينا فرع في كل محافظة تقريباً " .
عقدت حاجبيها بعدم فهم ، أ يتوجب عليها معرفة السيرة الذاتية للمطعم قبل العمل فيه ؟
تابع بتوضيح : " نحن لا نقبل هنا سوى الحاصلين على شهادات عليا " .
تنهدت بضيق و قد علمت سبب هذه المقدمة الطويلة ، إلا أنها لم تفقد الأمل فهتفت برجاء :
" أرجوك سيدي أنا أحتاج إلى هذا العمل " .
هتف رشدي بقلة حيلة : " للأسف يا صغيرة هذه أوامر صاحب المطعم " .
هتفت و كأنها لم تسمعه : " أرجوك سيدي أقبلني و أعدك أنني سأبذل قصارى جهدي " .
" يبدو أنكِ لم تفهمين ما قلته " .
قاطعته بتوسل : " أرجوك أنا أحتاج لهذا العمل " .
تنهد بنفاذ صبر : " حسناً سأهاتف صاحب المطعم و أخبره .. إن وافق ستباشرين بالعمل .. و إن رفض لا أريد رؤيتكِ هنا مرة أخرى " .
و تابع : " انتظريني بالخارج " .
خرجت من الغرفة و هي تضع يدها على قلبها .. تدعو الله أن يوافق صاحب المطعم عليها و ألا تُضطر للبحث عن عمل أخر ..
دقائق مرت و في كل ثانية اليأس يتسرب إليها أكثر ..
ليخرج رشدي أخيراً من الغرفة و يهتف دون أن ينظر إليها : " اتبعيني لأعرفكِ ماذا ستفعلين " .
تنهدت براحة و هي تشكر الله لأنه رزقها بهذا العمل .
**********
كانت تقف في ركن بعيد عن الأنظار .. تتطلع إلى ما يحدث أمامها باشمئزاز ..
لطالما كرهت الحفلات التي تقيمها والدتها أو أحد أصدقائها بسبب ما يحدث فيها ، و لكنها ليس بيدها شئ لتفعله سوى الحفاظ على نفسها و الإلتزام بدينها ، و من رأيها أن هذا أفضل ما يمكن فعله ..
كان إدوارد يقف على مسافة قريبة منها .. ينظر إلى جسدها بشهوة و ينتظر اللحظة التي سيحصل فيها عليه ..
أشار إلى النادل فاقترب منه ، مال إليه و همس بعدة كلمات ليأومأ الأخير بالتفهم و يبتعد ..
سار إدوارد إليها و خطواته كأنها تتوعدها !..، وقف بجانبها ليهمس بهدوء : " لِمَ تقفين لحالكِ ؟ "
سيطر الخوف عليها فور وقوفه بجانبها و تحفزت عضلات جسدها لمقاومته إن فكر أن يقترب منها ، و مع ذلك لم تظهر إنفعالاتها هذه له .. بل احتفظت بهدوءها أمامه ..
" لا أعرف أحد لأقف معه " .
هتف بدهشة : " أنتِ هنا منذ ست سنوات و مع ذلك لم تنشئي أية صداقات " .
قالت بلا مبالاة : " كما ترى " .
تساءل قائلاً : " و لكن لِمَ ؟ "
لترد بعنجهية : " لا تعجبني شخصياتكم " .
نظر إليها بنصف عين و بداخله يتوعدها أنها بعد ساعات قليلة ستبدأ شخصبتها في التحول و تكون مثل مَن تسخر منهم !
اقترب منها النادل و قدم لها مشروب باللون الأصفر فرفضته بقرف ، تظاهر أنه يأخذه منها .. ليسحب يده دون أن تنتبه فينزلق المشروب على ملابسها و يلطخها ..
" هل أنت أعمى ؟ "
تمتم النادل : " أعتذر سيدتي " .
تأففت بضيق و هي ترى فستانها الذي ظهرت عليه بقعة كبيرة باللون الأصفر فقررت الذهاب و تبديله ..
ابتسم إدوارد بخبث و أشار للنادل بشكر ثم تبعها دون أن تشعر ..
دلفت أسيل إلى غرفتها لتخرج فستان أخر من خزانتها و تبدأ في نزع الفستان الذي ترتديه ..
كانت على وشك نزع الفستان تماماً حينما اقتحم إدوارد الغرفة بقوة ..
شهقت بخوف و رفعت الفستان بسرعة تداري به جسدها :
" ماذا تفعل هنا ؟ "
ابتسم بمكر و هو يغلق الباب بقدمه : " جئت لأحصل على ما أريد " .
و فجأة أصبح أمامها ليدفعها بقوة فتسقط على السرير ، ابتسم بمكر و سقط فوقها و هو يتمتم : " و أخيراً أسولتي " .
ليبدأ بالتمتع بجسدها غير مبالياً بصراخاتها و مقاومتها !
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
متنسوش الشرط، لو نص اللي قرأوا الفصل أو أكتر حطوا فوت و كومنت
هينزل بكرة الفصل ١٦ كاااااااااااامل
لكن لو ملقتش فوت و كومنتات كتيييييير، فشري هيطلع عليكم بقى 😈😈😈
أنت تقرأ
لست أبي (كاملة)
Romance"هل لي أن اعلم ما الذي فعلتِه؟ كيف ترفضين الزواج من إسلام؟ ألا تعلمين ماذا فعلت لكي يقبل الزواج بكِ؟" شعرت بقبضته القوية على ذراعها، همست متأوهة بألم، تحاول تحرير ذراعها دون جدوى.. تجاهلت ألمها عندما سمعت توبيخه لرفضها لإسلام، برقت مقلتاها بالتحدي،...