ودعت طارق و أسيل لتنظر بعد مغادرتهما إلى الشقة المقابلة لشقتها و ترى بابها المغلق و الذي بختفي خلفه شقيقها و زوجته ، شقيقها الذي لم يسأل عن حال زوجها منذ دخوله إلى المستشفى و لم يزوره و لو لمرة واحدة ، تذكرت الإحراج الذي شعرت به عندما زار إسلام كل أصدقائه و معارفه إلا هو .. و حمداً لله أن حبيبها تفهم الوضع و لم يسأل عنه ..
أغلقت الباب و عادت إلى حبيبها فوجدته مستلقي و مغمض عينيه فظنت أنه غفى ، سارت بهدوء كي لا تزعجه و جلست بالقرب منه ، مررت يدها بخفة على وجهه لتبتسم بعشق ، شردت في حياتهما منذ أول مرة رأته فيها و حتى اللحظة التي كاد أن يفقد فيها حياته ، نفضت هذه الأفكار البائسة عنها و ركزت في اللحظات السعيدة التي قضتها معه ..
أثناء شرودها كانت تحرك يدها على ملامح وجهه حتى استقرت على شفتيه ، لتشعر فجأة بيد إسلام تستقر فوق يدها و تمنعها عن الحركة ..
حالما خرج طارق أغمض عينيه كي يسترخي حتى تعود حبيبته ، لتدلف و تبدأ في تأمل ملامحه ، استرخى جسده أكثر و ترك لها الحرية و كل لحظه يفتح جزء من عينيه ملاحظاً تبدل ملامحها ، حتى وصلت أصابعها إلى أنفه و بعدها شفتيه ليبتسم بخبث و يقبض عليها بقوة ..
شهقت بخجل و حاولت إبعادها و لكن إسلام تمسك بها بقوة :
" إسلام ابعد يديك " .
ما زالت ابتسامته الخبيثة تزين محياه و همس : " لماذا ؟ "
و قبل أن تفكر في إجابة سحبها إليه ليلتقط شفتيها يقبلها بحب ..
أغمضت عينيها باستسلام لعشقه و حبه و حركت يديها لتستقر على صدره لتذهب معه إلى عالمهما الخاص ..
صدر تأوه من إسلام نتيجة ضغطها على مكان عمليته ، لتتذكر أنه ما زال مريضاً فابتعدت عنه بهدوء ..
نظر لها باستغراب ، فهمست بخجل : " أنت لا زلت مريضاً " .
سحبها مرة أخرى بلا مبالاة و همس : " أنتِ دوائي " .
اعترضت بحزم : " لا ، يجب أن ترتاح " .
تأفف بملل ليجعلها تستقر في أحضانه و هتف بطفولية : " سأكون بخير غداً " .
قهقهت بينما هي تضم نفسها إليه أكثر ، لتتحول بعدها ضحكاتها إلى دموع و شهقات عالية ..
التفت إسلام إليها و هتف بخوف : " هبتي " .
قاطعته بما يجيش في صدرها : " ارتعبت عليك إسلام ، خفت أن يحدث لك مكروه و أبقى لحالي " .
همس بحنو مهدأً إياها : " إهدأئي حبيبتي ، أنا بخير و معكِ .. لن أترككِ أبداً " .
" عندما كنت في غرفة العمليات كنت أدعي الله أن ينجيك ألا يحرمني منك " .
" هبتي " .
استقامت لتصبح أمامه وجهها مقابل لوجهه و همست بجرأة :
" أحبك إسلام " .
ابتسم بمشاكسة : " و ها أنا حبيبتي تعترف لي بالحب أثناء بكاءها " .
نظرت له بعدم تصديق ، أهذا ما لفت انتباهه في كل ما قالته له !
أعادها إلى أحضانه و همس بنبرة عاشقة : " و أنا هبتي أحبكِ ، بل أعشقكِ لا أعلم كيف و لا متى اقتحمتي قلبي ، كل ما أعلمه أنني لن أستطيع أن أكمل حياتي من دونكِ " .
أحتضن وجهها و أردف : " أنتِ أمي التي حرمت منها .. و شقيقتي التي لم أرزق بها .. و حبيبتي التي لا ينبض القلب سوى لها .. و زوجتي التي سأكمل معها حياتي ..أنتِ هبتي التي أنعم الله بها علىّ .. هبة إسلام " .
و كالعادة سيطر خجلها عليها و جرأتها اكتفت بالاعتراف بحبها و لم تساعدها في مجاراته في مغازلته ، تود أن تخبره أنه ليس حبيبها فقط ، بل هو فارسها و منقذها الذي أنقذها من براثن عائلتها و طليقها السابق .. مَن رضى بها و بعقمها دون السخرية منها .. مَن منحها السعادة التي ظنت أنها لن تعيشها ، إن كانت هي الهبه التي أنعمها الله عليه .. فهو فارسها الذي أعاد لقلبها الحياة ..
رأى تورد وجهها دليل على خجلها و لكن هذا لم يمنعه من إلقاء المزيد من كلمات الغزل عليها مستمتعاً بازدياده ، لتغفو على همساته فيبتسم و يقبل جبينها و يغفو بجانبها و كلاهما قلبه يدق بعشق للأخر .
**********
أرتدى ملابسه و ذهب إلى حبيبته و أخذ يوزع قبلاته على وجهها ، تململت في نومها و فتحت عينيها فتراه أمامها ، لتنهض بفزع :
" إسلام هل أنت بخير .. هل مكان العملية يؤلمك ؟ " ، قالتها و هي تتلمس جسده بخوف .
قبل يديها و ابتسم بحب : " صباح الخير هبتي " .
و أردف : " أنا بخير لا تقلقي ، و هيا لتبدلِ ملابسكِ " .
" لماذا ؟ "
ابتسم بحماس : " سنذهب لدار الأيتام لنتبنى لارا " .
انفرجت ملامحها بسعادة لكن خوفها على حبيبها تغلب على إحساس الأمومة المتشوقة لتجربته :
" لنؤجلها ليوم أخر ، لتكون شفيت بالكامل " .
نهض من مكانه و هتف بتصميم : " أنا بخير و سنذهب لنأتي بها اليوم ، هيا كي لا نتأخر "
" لكن " .
هتف بحزم : " لا يوجد لكن هيا " .
نهضت باستسلام منفذة لأمره و كلها شوق لرؤية هذه الطفلة التي لفتت انتباه حبيبها و أحيت به مشاعره الأبوية ، و ستعوضها عن الأمومة التي فقدتها .
**********
أنهيا الإجراءات بعد عناء و ذهبت المشرفة لإحضار لارا ، دلفت إلى الغرفة التي تضمها هي و أخواتها و هتفت بسعادة :
" هيا لارا هناك من جاء ليتبناكِ ، جهزي نفسكِ " .
تجمدت لارا في مكانها برعب ، لا تريد لأحد أن يأخذها من هنا ، لقد اعتادت على الحياة هنا .. حتى لو كانت حياة قاسية مليئة بالعقابات فيكفيها وجود أخواتها ، لكن ماذا عن العائلة التي ستأخذها .. و كيف ستعاملها ؟ ، أستخرج من جحيم لتذهب إلى جحيم أخر ؟
صاحت بها المشرفة : " هيا لِمَُ تقفي مكانكِ كالتمثال ؟ ، أذهبي و جهزي حالكِ " .
تحركت لارا باستسلام فمَن هي لتعترض أو ترفض قرارهم ..
تجمعت الدموع في عيني ريناد و ياسمين فها هما سيحرما من أخت أخرى بعد رحيل تسنيم ، و كأن الحياة مصرة على التفريق بينهن ، فهل سيأتي اليوم الذي سيتركا هما فيه الدار أيضاً ؟ ، و كيف ستكون حياتهما حينها ؟
اقتربت منهما لارا بعد أن جمعت ملابسها القليلة ، وقغت أمامها و هي تحاول السيطرة على حزنها و دموعها و احتضنتهما بحب :
" لن أنساكما .. و أنتما لا تنسوني " .
همست ياسمين بين شهقاتها : " سأشتاق إليكِ كثيراً " .
سقطت الدموع من عينيها فأزالتها بهدوء و هتفت : " و أنا أيضاً " .
ثم وجهت حديثها لريناد فهتفت بمرح : " انتبهي لنفسكِ و لياسمبن " .
و همست بالقرب من أذنها حتى لا يصل حديثها إلى المشرفة التي تقف فوق رؤوسهم : " و لا تسرقي ثانية حتى لا يكتشفوكِ و تعاقبي " .
ابتسمت ريناد بلا مبالاة و همست بصدق : " سأفتقدكِ أختي " .
سأمت سامية من عرضهما فهتفت بسخرية : " ألم ينتهي هذا الفيلم ؟ "
فردت عليها لارا : " ليس بعد " .
سحبتها من ملابسها : " و هل سأنتظركِ الليل بطوله ، هيا كي لا نتأخر عليهما " .
ابتعدت عنها لارا بعنف : " ليس قبل أن أودع صديقاتي " .
زفرت سامية أنفاسها بملل و هتفت بتقرير : " لا داعي لهذا ، أنا متأكدة أنكِ ستعودين قريباً فليس هناك من يتحملكِ " .
ضمتهما لارا مرة أخرى غير مبالية بحديث المشرفة العقيم ، لتسير بعدها أمامها بغرور طفولي ، و قبل أن تخرج من الغرفة لوحت للطفلتين بوداع أخير .
وصلت إلى غرفة المديرة و كل خطوة تخطوها نبضات قلبها تزداد ، فهي على وشك معرفة العائلة التي ستقضي بقية حياتها معهم و سؤال وحيد يشغل بالها ؛ كيف ستكون حياتها ؟
دلفت للداخل لتقع نظراتها على إمرأة شابة ملامحها تبدو سعيدة و مرتاحه ، وجدتها تبتسم لها لترد لها ابتسامتها بأخرى متوترة ، نقلت نظراتها للرجل الذي يرافقها لتعقد حاجبيها باستغراب ..
وصلها صوت المديرة : " لارا إنهما الأستاذ إسلام و المدام هبه ستعيشين معهما بدأً من اليوم " .
انتبهت فقط إلى اسم الرجل " إسلام " نظرت إليه بتركيز متأكدة أنها رأته من قبل ، لحظات و لمعت عيونها بإدراك و هتفت بعدم تصديق :
" أنت مَن قابلتك في الحديقة ، مَن أعطيتني السندوتش " .
تنهد إسلام براحة و أخيراً أنهيا هذه الإجراءات و سيستطيع أن يأخذ لارا معه ، انتظر لتذهب المشرفة و تأتي بها ، و بعد فترة دلفت إليهم و ملامحها يبدو عليها الخوف و التوتر ، نظرت إلى هبه لتنظر بعدها إليه لتتحول ملامحها في دقائق من التوتر إلى الإستغراب ثم عدم التصديق ، ابتسم بحنو و انحنى ليصبح في مستواها و هتف :
" كيف حالكِ صغيرتي ؟ "
لازالت ملامحها متفاجأة : " أنت مَن ستتبناني ؟ "
أومأ بالإيجاب ليتبدل حزنها و توترها إلى السعادة ، فيكفي أنها تعرفه من قبل بل جربت حنانه و عطفه ..
التقط إسلام يد هبه و سحبها لتنضم إليهما و هتف : " و هذه هبه زوجتي " .
ابتسمت لارا بهدوء و همست بخجل : " مرحباً سيدتي " .
ابتسمت لها هبه بتوتر بعدما رأت سعادتها برؤية إسلام و تقبلها السريع له ، بينما تتعامل معها برسمية .. تخشى ألا تجد هذا الحب .. ألا تتقبلها .. ألا تتقبل أمومتها ..
أستقام إسلام و شكر المديرة و المشرفة على تعاونهما ليغادر بصحبة عائلته الصغيرة المكونة من هبه و لارا .
**********
صعدت لارا الدرجات بحماس و إسلام و هبه خلفها حتى صاح إسلام
: " توقفي لقد وصلنا " .
نظرت لارا إلى الشقتين اللاتي تحتلا الدور بفضول ، لتجد إسلام يتجه إلى أحداهما و يفتح بابها فعلمت أنه منزلها الجديد ..
وقفت هبه خلفها و هتفت بمرح : " وصلنا أخيراً " .
صفقت لارا بجذل و هتفت بحماس : " هبا أبي افتح الشقة " .
و بينما إسلام ينفذ طلبها صدح صوت الباب المقابل و ظهرت من خلفه مشيرة .
**********
وصلتها أصوات إسلام و هبه بينما هي تجلس في صالة منزلها و لكن هذا لم يهمها فهي تعلم أن إسلام خرج من المستشفى بالأمس و حالته جيدة ، و قبل أن تبدأ بالتنفيث عن حقدها و كرهها استرعى انتباهها صوت طفلة صغيرة ، كادت أن تظن أنها أبنة أحد الجيران لولا صوتها المختلط مع صوت إسلام و هبه ، لتسيطر الحيرة عليها فهبت واقفة لترى ما يحدث ..
فتحت باب شقتها لترى الطفلة تقف معهما فتساءلت :
" مَن هذه ؟ "
رد إسلام بهدوء : " و عليكم السلام ، إنها ابنتنا " .
ابتسمت مشيرة بسخرية و الشماتة احتلت قلبها و هي تجد سبب جديد تعكر به صفو حياة هبه :
" أبنتكم كيف ؟ ، لم يمر شهر على زواجكما " .
و أردفت بسخرية لاذعة : " يا إلهي لقد نسيت أن هبه غير قادرة على الإنجاب ، أعذريني حبيبتي " .
" إذاً أخبروني من أي دار حصلتما على هذه " ، قالتها و هي تشير إلى لارا باحتقار .
أنت تقرأ
لست أبي (كاملة)
Romance"هل لي أن اعلم ما الذي فعلتِه؟ كيف ترفضين الزواج من إسلام؟ ألا تعلمين ماذا فعلت لكي يقبل الزواج بكِ؟" شعرت بقبضته القوية على ذراعها، همست متأوهة بألم، تحاول تحرير ذراعها دون جدوى.. تجاهلت ألمها عندما سمعت توبيخه لرفضها لإسلام، برقت مقلتاها بالتحدي،...