تابع الفصل الحادي عشر

9.2K 383 10
                                    

ودعت طارق و أسيل لتنظر بعد مغادرتهما إلى الشقة المقابلة لشقتها و ترى بابها المغلق و الذي بختفي خلفه شقيقها و زوجته ، شقيقها الذي لم يسأل عن حال زوجها منذ دخوله إلى المستشفى و لم يزوره و لو لمرة واحدة ، تذكرت الإحراج الذي شعرت به عندما زار إسلام كل أصدقائه و معارفه إلا هو .. و حمداً لله أن حبيبها تفهم الوضع و لم يسأل عنه ..
أغلقت الباب و عادت إلى حبيبها فوجدته مستلقي و مغمض عينيه فظنت أنه غفى ، سارت بهدوء كي لا تزعجه و جلست بالقرب منه ، مررت يدها بخفة على وجهه لتبتسم بعشق ، شردت في حياتهما منذ أول مرة رأته فيها و حتى اللحظة التي كاد أن يفقد فيها حياته ، نفضت هذه الأفكار البائسة عنها و ركزت في اللحظات السعيدة التي قضتها معه ..
أثناء شرودها كانت تحرك يدها على ملامح وجهه حتى استقرت على شفتيه ، لتشعر فجأة بيد إسلام تستقر فوق يدها و تمنعها عن الحركة ..
حالما خرج طارق أغمض عينيه كي يسترخي حتى تعود حبيبته ، لتدلف و تبدأ في تأمل ملامحه ، استرخى جسده أكثر و ترك لها الحرية و كل لحظه يفتح جزء من عينيه ملاحظاً تبدل ملامحها ، حتى وصلت أصابعها إلى أنفه و بعدها شفتيه ليبتسم بخبث و يقبض عليها بقوة ..
شهقت بخجل و حاولت إبعادها و لكن إسلام تمسك بها بقوة :
" إسلام ابعد يديك " .
ما زالت ابتسامته الخبيثة تزين محياه و همس : " لماذا ؟ "
و قبل أن تفكر في إجابة سحبها إليه ليلتقط شفتيها يقبلها بحب ..
أغمضت عينيها باستسلام لعشقه و حبه و حركت يديها لتستقر على صدره لتذهب معه إلى عالمهما الخاص ..
صدر تأوه من إسلام نتيجة ضغطها على مكان عمليته ، لتتذكر أنه ما زال مريضاً فابتعدت عنه بهدوء ..
نظر لها باستغراب ، فهمست بخجل : " أنت لا زلت مريضاً " .
سحبها مرة أخرى بلا مبالاة و همس : " أنتِ دوائي " .
اعترضت بحزم : " لا ، يجب أن ترتاح " .
تأفف بملل ليجعلها تستقر في أحضانه و هتف بطفولية : " سأكون بخير غداً " .
قهقهت بينما هي تضم نفسها إليه أكثر ، لتتحول بعدها ضحكاتها إلى دموع و شهقات عالية ..
التفت إسلام إليها و هتف بخوف : " هبتي " .
قاطعته بما يجيش في صدرها : " ارتعبت عليك إسلام ، خفت أن يحدث لك مكروه و أبقى لحالي " .
همس بحنو مهدأً إياها : " إهدأئي حبيبتي ، أنا بخير و معكِ .. لن أترككِ أبداً " .
" عندما كنت في غرفة العمليات كنت أدعي الله أن ينجيك ألا يحرمني منك " .
" هبتي " .
استقامت لتصبح أمامه وجهها مقابل لوجهه و همست بجرأة :
" أحبك إسلام " .
ابتسم بمشاكسة : " و ها أنا حبيبتي تعترف لي بالحب أثناء بكاءها " .
نظرت له بعدم تصديق ، أهذا ما لفت انتباهه في كل ما قالته له !
أعادها إلى أحضانه و همس بنبرة عاشقة : " و أنا هبتي أحبكِ ، بل أعشقكِ لا أعلم كيف و لا متى اقتحمتي قلبي ، كل ما أعلمه أنني لن أستطيع أن أكمل حياتي من دونكِ " .
أحتضن وجهها و أردف : " أنتِ أمي التي حرمت منها .. و شقيقتي التي لم أرزق بها .. و حبيبتي التي لا ينبض القلب سوى لها .. و زوجتي التي سأكمل معها حياتي ..أنتِ هبتي التي أنعم الله بها علىّ .. هبة إسلام " .
و كالعادة سيطر خجلها عليها و جرأتها اكتفت بالاعتراف بحبها و لم تساعدها في مجاراته في مغازلته ، تود أن تخبره أنه ليس حبيبها فقط ، بل هو فارسها و منقذها الذي أنقذها من براثن عائلتها و طليقها السابق .. مَن رضى بها و بعقمها دون السخرية منها .. مَن منحها السعادة التي ظنت أنها لن تعيشها ، إن كانت هي الهبه التي أنعمها الله عليه .. فهو فارسها الذي أعاد لقلبها الحياة ..
رأى تورد وجهها دليل على خجلها و لكن هذا لم يمنعه من إلقاء المزيد من كلمات الغزل عليها مستمتعاً بازدياده ، لتغفو على همساته فيبتسم و يقبل جبينها و يغفو بجانبها و كلاهما قلبه يدق بعشق للأخر .
**********
أرتدى ملابسه و ذهب إلى حبيبته و أخذ يوزع قبلاته على وجهها ، تململت في نومها و فتحت عينيها فتراه أمامها ، لتنهض بفزع :
" إسلام هل أنت بخير .. هل مكان العملية يؤلمك ؟ " ، قالتها و هي تتلمس جسده بخوف .
قبل يديها و ابتسم بحب : " صباح الخير هبتي " .
و أردف : " أنا بخير لا تقلقي ، و هيا لتبدلِ ملابسكِ " .
" لماذا ؟ "
ابتسم بحماس : " سنذهب لدار الأيتام لنتبنى لارا " .
انفرجت ملامحها بسعادة لكن خوفها على حبيبها تغلب على إحساس الأمومة المتشوقة لتجربته :
" لنؤجلها ليوم أخر ، لتكون شفيت بالكامل " .
نهض من مكانه و هتف بتصميم : " أنا بخير و سنذهب لنأتي بها اليوم ، هيا كي لا نتأخر "
" لكن " .
هتف بحزم : " لا يوجد لكن هيا " .
نهضت باستسلام منفذة لأمره و كلها شوق لرؤية هذه الطفلة التي لفتت انتباه حبيبها و أحيت به مشاعره الأبوية ، و ستعوضها عن الأمومة التي فقدتها .
**********
أنهيا الإجراءات بعد عناء و ذهبت المشرفة لإحضار لارا ، دلفت إلى الغرفة التي تضمها هي و أخواتها و هتفت بسعادة :
" هيا لارا هناك من جاء ليتبناكِ ، جهزي نفسكِ " .
تجمدت لارا في مكانها برعب ، لا تريد لأحد أن يأخذها من هنا ، لقد اعتادت على الحياة هنا .. حتى لو كانت حياة قاسية مليئة بالعقابات فيكفيها وجود أخواتها ، لكن ماذا عن العائلة التي ستأخذها .. و كيف ستعاملها ؟ ، أستخرج من جحيم لتذهب إلى جحيم أخر ؟
صاحت بها المشرفة : " هيا لِمَُ تقفي مكانكِ كالتمثال ؟ ، أذهبي و جهزي حالكِ " .
تحركت لارا باستسلام فمَن هي لتعترض أو ترفض قرارهم ..
تجمعت الدموع في عيني ريناد و ياسمين فها هما سيحرما من أخت أخرى بعد رحيل تسنيم ، و كأن الحياة مصرة على التفريق بينهن ، فهل سيأتي اليوم الذي سيتركا هما فيه الدار أيضاً ؟ ، و كيف ستكون حياتهما حينها ؟
اقتربت منهما لارا بعد أن جمعت ملابسها القليلة ، وقغت أمامها و هي تحاول السيطرة على حزنها و دموعها و احتضنتهما بحب :
" لن أنساكما .. و أنتما لا تنسوني " .
همست ياسمين بين شهقاتها : " سأشتاق إليكِ كثيراً " .
سقطت الدموع من عينيها فأزالتها بهدوء و هتفت : " و أنا أيضاً " .
ثم وجهت حديثها لريناد فهتفت بمرح : " انتبهي لنفسكِ و لياسمبن " .
و همست بالقرب من أذنها حتى لا يصل حديثها إلى المشرفة التي تقف فوق رؤوسهم : " و لا تسرقي ثانية حتى لا يكتشفوكِ و تعاقبي " .
ابتسمت ريناد بلا مبالاة و همست بصدق : " سأفتقدكِ أختي " .
سأمت سامية من عرضهما فهتفت بسخرية : " ألم ينتهي هذا الفيلم ؟ "
فردت عليها لارا : " ليس بعد " .
سحبتها من ملابسها : " و هل سأنتظركِ الليل بطوله ، هيا كي لا نتأخر عليهما " .
ابتعدت عنها لارا بعنف : " ليس قبل أن أودع صديقاتي " .
زفرت سامية أنفاسها بملل و هتفت بتقرير : " لا داعي لهذا ، أنا متأكدة أنكِ ستعودين قريباً فليس هناك من يتحملكِ " .
ضمتهما لارا مرة أخرى غير مبالية بحديث المشرفة العقيم ، لتسير بعدها أمامها بغرور طفولي ، و قبل أن تخرج من الغرفة لوحت للطفلتين بوداع أخير .
وصلت إلى غرفة المديرة و كل خطوة تخطوها نبضات قلبها تزداد ، فهي على وشك معرفة العائلة التي ستقضي بقية حياتها معهم و سؤال وحيد يشغل بالها ؛ كيف ستكون حياتها ؟
دلفت للداخل لتقع نظراتها على إمرأة شابة ملامحها تبدو سعيدة و مرتاحه ، وجدتها تبتسم لها لترد لها ابتسامتها بأخرى متوترة ، نقلت نظراتها للرجل الذي يرافقها لتعقد حاجبيها باستغراب ..
وصلها صوت المديرة : " لارا إنهما الأستاذ إسلام و المدام هبه ستعيشين معهما بدأً من اليوم " .
انتبهت فقط إلى اسم الرجل " إسلام " نظرت إليه بتركيز متأكدة أنها رأته من قبل ، لحظات و لمعت عيونها بإدراك و هتفت بعدم تصديق :
" أنت مَن قابلتك في الحديقة ، مَن أعطيتني السندوتش " .
تنهد إسلام براحة و أخيراً أنهيا هذه الإجراءات و سيستطيع أن يأخذ لارا معه ، انتظر لتذهب المشرفة و تأتي بها ، و بعد فترة دلفت إليهم و ملامحها يبدو عليها الخوف و التوتر ، نظرت إلى هبه لتنظر بعدها إليه لتتحول ملامحها في دقائق من التوتر إلى الإستغراب ثم عدم التصديق ، ابتسم بحنو و انحنى ليصبح في مستواها و هتف :
" كيف حالكِ صغيرتي ؟ "
لازالت ملامحها متفاجأة : " أنت مَن ستتبناني ؟ "
أومأ بالإيجاب ليتبدل حزنها و توترها إلى السعادة ، فيكفي أنها تعرفه من قبل بل جربت حنانه و عطفه ..
التقط إسلام يد هبه و سحبها لتنضم إليهما و هتف : " و هذه هبه زوجتي " .
ابتسمت لارا بهدوء و همست بخجل : " مرحباً سيدتي " .
ابتسمت لها هبه بتوتر بعدما رأت سعادتها برؤية إسلام و تقبلها السريع له ، بينما تتعامل معها برسمية .. تخشى ألا تجد هذا الحب .. ألا تتقبلها .. ألا تتقبل أمومتها ..
أستقام إسلام و شكر المديرة و المشرفة على تعاونهما ليغادر بصحبة عائلته الصغيرة المكونة من هبه و لارا .
**********
صعدت لارا الدرجات بحماس و إسلام و هبه خلفها حتى صاح إسلام
: " توقفي لقد وصلنا " .
نظرت لارا إلى الشقتين اللاتي تحتلا الدور بفضول ، لتجد إسلام يتجه إلى أحداهما و يفتح بابها فعلمت أنه منزلها الجديد ..
وقفت هبه خلفها و هتفت بمرح : " وصلنا أخيراً " .
صفقت لارا بجذل و هتفت بحماس : " هبا أبي افتح الشقة " .
و بينما إسلام ينفذ طلبها صدح صوت الباب المقابل و ظهرت من خلفه مشيرة .
**********
وصلتها أصوات إسلام و هبه بينما هي تجلس في صالة منزلها و لكن هذا لم يهمها فهي تعلم أن إسلام خرج من المستشفى بالأمس و حالته جيدة ، و قبل أن تبدأ بالتنفيث عن حقدها و كرهها استرعى انتباهها صوت طفلة صغيرة ، كادت أن تظن أنها أبنة أحد الجيران لولا صوتها المختلط مع صوت إسلام و هبه ، لتسيطر الحيرة عليها فهبت واقفة لترى ما يحدث ..
فتحت باب شقتها لترى الطفلة تقف معهما فتساءلت :
" مَن هذه ؟ "
رد إسلام بهدوء : " و عليكم السلام ، إنها ابنتنا " .
ابتسمت مشيرة بسخرية و الشماتة احتلت قلبها و هي تجد سبب جديد تعكر به صفو حياة هبه :
" أبنتكم كيف ؟ ، لم يمر شهر على زواجكما " .
و أردفت بسخرية لاذعة : " يا إلهي لقد نسيت أن هبه غير قادرة على الإنجاب ، أعذريني حبيبتي " .
" إذاً أخبروني من أي دار حصلتما على هذه " ، قالتها و هي تشير إلى لارا باحتقار .

لست أبي (كاملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن