الفصل الثاني

18.2K 460 24
                                    

الفصل الثانى
دخل طارق غرفته وهو يزفر أنفاسه بضيق، يعلم أن والده لن يتركه إلا بعد أن يتزوج من هذه المدعوة أسيل، بالتأكيد لن يتركها تعيش مع والدتها طالما عمه لا يوافق على ذلك!
اشتعل الغضب بداخله أكثر عندما وصلت أفكاره إليها، كيف له أن يتزوج من هذه الطفلة؟
يا إلهي، لم تمر أربع وعشرون ساعة منذ وصولها، وها هي بدأت فى إرباك حياته!
ماذا سيحدث له إن مكثت معه أسبوع مثلاً؟
أنّب نفسه على أفكاره هذه، الفتاة ليس لها ذنب فيما يحدث، هي حتى لا تعلم بمرض والدها، لا يصّح أن يضع اللوم عليها!
حرك رأسه بقوة مبعداً هذه الأفكار عنه، مقرر أنه لن يتراجع عن رأيه، لن يتزوج من هذه الطفلة ويترك حبيبته مهما حدث!
حبيبته، وها هى مشكلة أخرى تظهر أمامه، فإن علمت برغبة عمه وموافقة والده سيجّن جنونها، ووقتها لن يضمن رد فعلها..
لذا يجب عليه إنهاء هذا الأمر قبل معرفتها به!
التقط هاتفه ليتصل بابنة خالته، يهمس بحب عندما وصله صوتها:
"السلام عليكم حبيبتي، كيف حالكِ؟"
**********
على الطرف الأخر
ابتسمت نشوى بدلال، تستلقي على سريرها، تعبث بخصلة من خصلات شعرها.
"وعليكم السلام، حبيبتك غاضبة".
"مَن أغضبكِ؟"
تهتف بمشاكسة: "أنت".
لمعت حدقتاه بإدراك، هتف بمرح: "ولِمَ حبيبتي غاضبة مني؟"
ردت بنبرة معاتبة: "لم تهاتفنى اليوم، لم ترسل لي حتى رسالة واحدة تطمئنى فيها عليك".
رد بهدوء: "تعلمين أن عمي وابنته عادا اليوم، وكنت مشغولاً معهما".
تملكتها الغيرة، سألته: "وكيف هي ابنة عمك؟"
يبتسم بعبث، يدرك ما تشعر به، يرد بنبرة بريئة : "الحمد لله، تبعث لكِ السلام".
صاحت بحنق: "طارق، أنت تفهم سؤالي جيداً، لا تراوغني في الحديث".
تعالت ضحكاته المستمتعة بغيرتها عليه، همس بعبث:
"حبيبتي الغيورة، هل تخافين أن تأتي صغيرة وتأخذني منكِ؟"
قالت ببساطة: "لا.. لا أخاف، لأنك إن نظرت فقط مجرد نظرة لأنثى أخرى سأقتلها واقتلع عينيك الجميلتين كي لا تستطيع النظر بهما ثانية".
كتم ضحكاته بقوة، هتف بخوف مصطنع: "يا إلهي أخفتِني".
تقول بجدية: "قل ما تشاء، لكن ثق أننى لن اسمح لأخرى أن تأخذك مني".
كاد أن يرد عليها، إلا أن طرق على الباب وصوت والده قاطعه.
"طارق، ألا زلت مستيقظاً؟"
رد عليه: "نعم أبي، تفضل".
ثم قال لنشوى: "حبيبتي، سأحدثكِ لاحقاً، أبي يريدني".
**********
عندما يحين قدر الله..
نفقد قطعة من قلبنا دون سابق إنذار..
يكون الألم، كلمة قليلة على ما نشعر به!
ابنتي..
تخيّلتكِ عروساً ترتدين فستانكِ الأبيض..
زوجِكِ يحملكِ إلى بيتكِ..
لكننى اليوم أراكِ مُغطاة بالكفن الأبيض..
وأباكِ يحملكِ إلى الجنة!

أمام غرفة العمليات
قلوب تنتفض بخوف، ألسنة لا تكفّ عن الدعاء آملين أن يستجيب الله لهم وينقذ صغيرتهم.
خرج الطبيب يزفر أنفاسه بتعب إثر العملية الصعبة التى كان يجريها..
تقف أمامه عائلة الطفلة، ملامحهم ترسم من الألم الكثير، ومن الأمل أكثر!
انتظر حتى يسأله أحدهم عنها، لكن جميعهم كانوا صامتين، لا يجدوا الجرأة على السؤال خوفاً من الإجابة التى من الممكن أن تقضي على أملهم!
يبدأ هو الحديث منهياً هذه اللحظات الصعبة:
"فعلنا ما باستطاعتنا، لكننا للأسف لم نستطع إنقاذها، حالتها كانت صعبة، البقاء لله".
صياح، دموع، هتافات غير مصدقة انتشرت فى أرجاء المشفى.
لقد فقدوا صغيرتهم، مَن كانت تملأ البيت بمرحها وشقاوتها.
"لا رنيم ابنتي لا".
صاحت والدتها، يقترب منها زوجها، يضمها إلى صدره ودموعه تهبط على وجنتيه دون خجل..
كيف يخجل وهو فقد طفلته، زهرة حياته، مَن كانت ترسم البسمة على شفتيه بكلمة منها؟!
أخذت زوجته تهذي بانهيار، تصفع نفسها:
"لقد ماتت، ماتت، لن نرى ضحكتها ثانية، لن نرى تذمرها عندما لا نوافق على طلب لها، لن نرى مشاكستها لشقيقها، لن نراها ثانية".
تصيح بصوت عالي يعبر عن حرقة قلب أم فقدت صغيرتها للتو:
"ماتت، ابنتي ماتت، رنيم ماتت".
تبدأ ببكاء يمزِّق القلوب، والناس حولها تنظر لها بشفقة.
**********
استند على الحائط خلفه غير مدرك لما يحدث أمامه!
شقيقته ماتت، هل يعنى هذا أنه لن يلعب معها مرة أخرى؟
لن يصيح عليها عندما تشاكسه؟
لن تنام في حضنه بعد الآن؟
يهمس بتأنيب لنفسه: "أنا السبب، أنا مَن قتلها..
لو لم ألعب معها..
لو لم أركض خلفها وأصمم على الإمساك بها..
لو لم تتخطّى البوابة..
لكانت معنا الآن!"
و تستمر (لو) دون فائدة، فأمر الله قد حان، ولن يستطيع أحد رد قضائه.
**********
دخل محمد غرفة طارق.
يقول طارق بجدية فور أن رآه:
"أبي أرجوك، إن كنت قادماً لتحدثنى عن موضوع أسيل هذه فأنا أعلنت قراري ولن أغيّره، أنا لن أتزوج منها، أنا أحب نشوى ولن أتزوج غيرها".
يهتف محمد بصرامة: "أيمكنك أن تسمعنى أولاً!"
أردف محاولاً إقناعه: "لِمَ تنظر إلى الموضوع على أنه زواج فقط؟
ألا ترى عمك وخوفه على ابنته؟
هل تريده أن يموت وهو يشعر بعدم الاطمئنان عليها؟
لم أعهدك قاسياً هكذا، لقد كنت وما زلت تساعد الجميع..
لِمَ لا تريد أن تسعد عمك وتجعله يشعر بالراحة؟"
تأفف طارق بنفاذ صبر، قبل أن يقول: "ولكنها حياتي أبي، حياتي وعمري الذى سأعيشه، وأنتما تريدان أن تقيّدونى بفتاة لا أريدها".
وأردف بسخرية: "يا إلهي أى فتاة هذه، إنها طفلة، طفلة لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها بعد".
يقترب من والده، يجلس أسفل قدميه، يترجى بتوسل:
"أرجوك أبي، لا تجبرني على شيء، دعني أختار شريكة حياتي وأتزوج من الفتاة التي أريدها".
يقول والده بنفس نبرته: "وأنا أرجوك أن تفكر مرة أخرى، لا تحرجني مع أخي".
ثم أردف بحزن: "ومَن يعلم، من الممكن أن يكون هذا أول وآخر طلب يطلبه منك، لا تخذله".
ربتّ على وجنته ثم نهض ليغادر، تارك ابنه متخبطاً بين قلبه الذى يخبره ألا يهتم لهما ويختار حبيبته؛ وضميره الذى يصدح صوته مطالباً بتلبية رغبة عمه وجعله يشعر بالراحة!
**********
فتحت لارا عينيها لتجد أشعة الشمس منتشرة في الغرفة من خلال الشرفة الزجاجية التي تحتل جزء كبير من أحد الجدران، نهضت من على الأرض وهي تفرك عينيها بقوة، تتجّه نظراتها نحو الباب، استقامت وسارت اتجاهه، لتقوم بفتحه، فيُفتح معها!
قفزت بسعادة، تركض إلى المطبخ وتطلب الطعام..
"أنا جائعة، أيمكنكِ أن تصنعي لي بعض الطعام؟"
تقول الطاهية بصرامة: "لقد انتهى وقت الطعام يا صغيرة، لِمَ لم تلتزمي بالموعد؟"
بررت لارا برجاء: "لقد كنت معاقبة، حبسوني في الغرفة المظلمة ولم أخرج إلا الآن، أرجوكِ أعطيني شطيرة واحدة، أنا جائعة".
قالت الطاهية بقسوة: "هذا لأنكِ طفلة مشاغبة، لا تحترمي أحداً، تستحقين العقاب".
رددت بحزن: "نعم، أنا طفلة سيئة، استحق العقاب، لكنني أريد أن آكل".
هتفت الطاهية بتهديد: "أخبرتكِ أن وقت الطعام انتهى، انتظري موعد الغذاء، وإن لم تخرجي الآن سأخبر المشرفة عن طلبكِ الطعام في المواعيد الغير مخصصة له".
تهدّل كتفي لارا بحزن واستسلام، تهتف بصوت مختنق: "لا، لا تخبريها، سأذهب".
غادرت إلى غرفتها التي تتشاركها مع ثلاثة من الأطفال، اتجهت إلى سريرها، ترتمي عليه ويعلو صوتها بالبكاء.
اقتربت منها صديقتها ريناد، احتضنتها هاتفة:
"لارا، لِمَ تبكين؟"
قالت وسط شهقاتها: "لقد حبسوني أمس في الغرفة المظلمة، تركوني فيها، واليوم لم استيقظ بموعد الطعام، وعندما ذهبت إلى الطاهية وأخبرتها أنني جائعة، لم توافق أن تعطيني شيئاً لآكله".
مسحت ريناد دموع لارا بيديها الصغيرتين، وهي تهتف بحماس:
"لا تبكي، لقد لاحظت عدم وجودكِ، لذا أخفيت شطيرة لكِ".
نظرت لها لارا بسعادة ممزوجة بعدم تصديق، وقالت: "حقاً؟
ولم يروكِ؟"
ترد عليها بفخر: "بالطبع لا، ولقد ساعدتنى تسنيم أيضاً في تشتيت انتباههن".
احتضنتها لارا بقوة، تقول: "أحبكِ ريناد، أين الشطيرة؟"
ضحكت ريناد، ثم نهضت واتجهت إلى سريرها، تُخرج من خلفه حقيبة صغيرة من البلاستيك.
عادت إليها لتعطيها لها، وقالت:
"إنه ليس كبيراً، لن يكفيكِ، لكن هذا ما استطعت أن أخفيه".
هتفت لارا قبل أن تلتهم قطعة كبيرة منه: "لا مشكلة".
نظرت ريناد اتجاه الباب، وقالت: "حسناً، أنا سأقف عند الباب أراقب الطريق حتى لا تأتي إحدى المشرفات وتراكِ، وأنتِ حاولي أن تأكلي بسرعة".
هتفت لارا وفمها ممتلئ بالطعام: "حسناً، لا تخافي".
**********
استيقظ إسلام على طرق على باب شقته، كان يرتدي سروال المنامة فقط بينما صدره عارياً، شعره الأسود مشعث..
فتح الباب ليجد طارق يقتحم الشقة، يرتمي على الأريكة، وهو يتنهد بقوة.
نظر إليه بصمت، اتجه إلى غرفته، ارتدى قميصه، ليعود بعدها إلى طارق..
وجده يستتد برأسه على ظهر الأريكة، ملامحه يظهر عليها الإرهاق.
قال وهو يتجه إلى المطبخ: "سأحضّر شيئاً لنأكله".
أوقفه طارق هاتفاً: "لا أريد شيئاً".
رفع إسلام حاجبيه بحيرة وهو يراه بهذا الشكل..
جلس بجانبه، التقط وسادة متوسطة الحجم يستند عليها بيديه بكسل.
"ماذا حدث؟"
أغمض طارق عينيه بقوة، وقال: "أبي يريدني أن أتزوج ابنة عمي".
اعتدل إسلام في جلسته، قال بصدمة: "ابنة عمك!
كيف؟
ماذا عنك أنت ونشوى؟"
همس طارق بحزن: "عمي مريض بسرطان الدم، يقول أنه يريد الاطمئنان على ابنته قبل وفاته".
رفع إسلام أحد حاجبيه، سأله بدهشة: "أين والدتها؟"
يزفر طارق بضيق، ثم يقول: "والدتها بريطانية غير مسلمة، وعمي غير موافق على أن تعيش الفتاة معها إن حدث له مكروه".
رمقه إسلام بشك، وقال: "وما رأيك أنت؟"
صدرت من طارق تنهيدة قوية، قبل أن يقول: "لا اعلم، أنا لا أريد الزواج سوى من نشوى، لكنها أيضاً ابنة عمي وأنا أخاف عليها، لا أريد أن ارفض طلب عمي، حالته لا تحتمل أى حزن أو إجهاد".
ابتسم إسلام ببرود، وقال: "تزوجها إذاً".
يهتف طارق بغضب: "واترك نشوى؟
مستحيل".
"مشكلتك صعبة يا صديقي".
قالها ثم زفر أنفاسه بقوة، عاد بظهره إلى الوراء، يستند على ظهر الاريكة.
حينها انتبه طارق له، شعر أن هناك خطب ما، هتف بتساؤل:
"هناك شيء يزعجك، صحيح؟"
رد إسلام بشرود: "لا اعلم".
نظر له طارق بتركيز، وقال: " لا تعلم!
إذاً هناك شيء وشيء كبير أيضاً، أخبرني ماذا حدث؟"
قصّ له إسلام ما حدث بالأمس فى الحديقة، يقول طارق بحيرة:
"لا افهم، ما الذى يزعجك؟"
يهتف إسلام بحنق: "ألا تفهم طارق؟
أخبرتك أنها عاقبت الفتاة، حرمتها من رحلتها".
يقول طارق ببساطة: "وما المشكلة؟
نحن نسمع كل يوم عن دور الأيتام وما يحدث فيها..
إهمال.. ضرب.. اغتصاب..
للأسف ليس كل مَن يعمل في هذه الأماكن لديه قلب ويُشفق على هؤلاء الأطفال".
يعقد إسلام حاجبيه بضيق، يهتف: "لكن ما ذنب هؤلاء الأطفال..
لِمَ يعيشون هكذا ويُحرمون من أقل حقوقهم؟"
"ليس لديهم أى ذنب، الله اختار لهم هذا".
قالها طارق ببرود.
يسارع إسلام بحنق: "لكن الله لا يرضى بالظلم".
تعجّب طارق من انفعال صديقه الغير مبرر، سأله: "ما الذى تريد الوصول إليه؟"
يقول إسلام بدون وعي: "أريد كفالة هذه الطفلة".
صمتا قليلاً، وإسلام يحاول استيعاب ما قاله!
لم يفكر من قبل في هذا الموضوع، صحيح هو يشفق على الأطفال الأيتام، يشعر بهم، خاصة أن والدته توفت وهو صغير..
يعرف معنى اليُتم، معنى أن يتمنى الطفل حنان ولا يلقاه، لكن أن يكفل طفل، فكرة لم تخطر على باله من قبل!
قطع الصمت صوت ضحكات طارق العالية، يهتف بسخرية:
"حقاً؟
وكيف ستكفلها؟!"
يرفع إسلام أحد حاجبيه، يقول ببرود: "ما المضحك بالذي أقوله؟"
يقول طارق بنفس السخرية: "تقصد ما المنطقي بالذى تقوله!
هل تعتقد أن الموضوع بهذه البساطة؟"
نظر له إسلام بحنق، يتابع طارق:
"أخبرني كيف ستكفلها وأنت غير متزوج؟"
يهتف إسلام بحيرة: "ما دخل الزواج بالموضوع؟"
تتوسع عينا طارق بدهشة من عدم معرفة صديقه بالقوانين!
"الزواج هو الموضوع، لن تستطيع كفالة طفل إن كنت غير متزوج".
"ليس شرطاً أن أكون متزوجاً، سأبذل كل جهدي كي أسعدها وأعوضها عما لاقته فى الدار".
قالها إسلام بعناد، مصمم على كفالتها.
يهتف طارق بنفاذ صبر: "ألا تفهم؟
المسؤلون لن يوافقوا على أن تكفلها، يجب أن تكون متزوجاً".
صمت إسلام مفكراً في كلام صديقه، بينما تنهد طارق وهو لا يعرف ماذا يفعل مع عمه وابنته!
**********
وُضِع الطعام على المائدة أمام ما يصل إلى عشرين طفلة، بدأن بعض الاطفال في الأكل بنهم، بينما تذمر الآخرين بداخلهن من قلة الأنواع الموضوعة وعدم حبهن لها، لكن لم تكن لديهن الشجاعة الكافية ليُعبروا عما بداخلهن، وحدها لارا مَن كانت تمتلك تلك الشجاعة..
تهتف بتذمر طفولي: "ألا يوجد قطعة لحم أو دجاج؟"
ترد عليها الطاهية باقتضاب: "لا".
زمت شفتيها بضيق، تابعت بنفس النبرة: "ولا شيء غير الأرز والفاصولياء؟"
ردت الطاهية بحدة خفيفة: "لا".
كادت لارا أن تُكمل تذمرها، لولا تسنيم التي قاطعت الحديث، تضغط على يد لارا بقوة وتنظر لها بتحذير.
"وما بهما الأرز والفاصولياء لارا؟!
طعمهما لذيذ جداً، سلمّت يداكِ خالتي".
ابتسمت لها الطاهية بحب ثم نظرت للارا، وقالت: "لا اعرف كيف أنتما الاثنتان صديقتان؟!"
ثم عادت إلى المطبخ.
تقترب تسنيم من لارا هامسة: "ماذا؟
هل تريدين أن يعاقبوكِ و يحرموكِ من الطعام ثانية، كُلي وأنتِ صامتة، لا تتذمري أمامهن".
تهمس لها لارا بنبرة تحمل من الحزن والحرمان الكثير: "لكنني مللت، كل يوم نأكل الأرز والفاصولياء فقط، على الأقل يطهون لنا نوعاً آخر".
تهمس تسنيم بشدة هذه المرة: "إن أخبرتِهن بهذا، ستجديهن يصنعن لنا الفول، احمدي الله على النعمة وكُلي".
تنهدت لارا بقوة، ثم حملت ملعقة كبيرة من الأرز ووضعتها في فمها، تتمنى بداخلها أن يأتي اليوم الذي تتذوق فيه طعاماً مختلفاً.
**********
عبس عبد الله بملامحه بضيق، لقد أصر شقيقه على أخذه إلى الطبيب، ولم يستطع أن يثنيه عن قراره!
ها هو الآن يتنقل من غرفة إلى أخرى، يقوم بإجراء التحاليل والإشاعات التي طلبها منه الطبيب.
نظر محمد للطبيب بأمل، يتمنى أن يخبره أن شقيقه سيحيا، لن يحدث له مكروه، أن العلاج سيجدى فى حالته.
كاد الطبيب أن يبدأ حديثه، لكن عبد الله سبقه قائلاً:
"أيها الطبيب، لقد أجريت فحوصات عديدة في الخارج واعلم عن حالتي، لذا لا داعي أن تخفي شيئاً".
كان من الواضح للطبيب أن عبد الله يعلم خطورة حالته، يبدو اليأس من شفائه جليّاً على ملامحه، حاول بث بعض الأمل في حديثه:
"حالتك خطيرة سيد عبد الله، لكن هذا لا يعنى أن العلاج لن يجدى معك، إن اتبعت التعليمات التي سأخبرك بها وانتظمت على العلاج ستصبح بخير.. إن شاء الله".
ابتسم عبد الله بسخرية، لم يخيّب الطبيب ظنه وردد الكلمات التافهة التي يرددها أي طبيب!
هو يعلم بداخله أن نسبة شفاء مَن هم في مثل حالته مستحيلة!
شكر محمد الطبيب، ووعده أن يبدأ شقيقه العلاج معه من الغد، بينما عبد الله ظل صامتاً، كأنهما يتحدثان عن شخص آخر!
**********
"ستبدأ علاجك من الغد يا عبد الله، لا أريد أي اعتراضات".
تجاهل عبد الله حديثه، سأله بلهفه :
"هل وافق طارق على الزواج من أسيل؟"
رد عليه محمد بثقة: " ليس بعد، لكنه سيوافق، لا تقلق".
تنهد عبد الله وقال بضيق: "لِمَ أنت متأكد؟"
قال محمد بتأكيد: "لأنني سأفعل المستحيل من أجل زواجهما، لكنني احتاج مساعدتك".
يعقد عبد الله حاجبيه بتساؤل، يقول: "كيف؟"
يهتف محمد بغموض: "سأخبرك ، لكن عدني أنك ستبدأ في العلاج".
يهتف عبد الله بمراوغة: "أعدك أنني سأبدأ العلاج عندما اطمئن على ابنتي".
**********
وصل عبد الله و محمد إلى البيت، في نفس الوقت الذى وصل فيه طارق..
يهتف عبد الله فور دخولهم:
"طارق، هل يمكننا أن نتحدث؟"
"بالطبع عمي ، سأبدل ملابسي وآتي إليك".
قالها وهو يتجه إلى غرفته.
يقول عبد الله: "سأنتظرك في غرفتي".
دخل طارق غرفته وهو يزفر أنفاسه بضيق، لقد فكر بالموضوع مليّاً، لو لم يكن يحب نشوى ويريد الزواج منها، لكان وافق على طلب عمه بدون تفكير..
في النهاية هي ابنة عمه ولن يجد أفضل منها ، لكن حبه لنشوى هو ما يمنعه عن الموافقة..
كيف له أن يتزوج من فتاة بينما قلبه معلّق بأخرى؟!
**********
هتف طارق حالما دخل إلى الغرفة: "اعتذر عمي عما حدث أمس، لقد كنت منزعجاً بعض الشيء".
ابتسم عبد الله بتفهم، وقال: "لا عليك، أي شخص مكانك كان سيفعل ما فعلته وأكثر".
هتف طارق بندم: "لكن لم يكن عليّ أن ارفع صوتي في وجودك انت وأبي..
المهم الآن، كيف حالك؟
بم تشعر؟"
"صدقني طارق، لا يهمني حالي ولا مرضي، كل ما يهمني أن اطمئن على ابنتي"
قالها عبد الله بلا مبالاة.
"لا تقل هذا عمي، صحتك مهمة بالنسبة لنا".
يتجاهل عبد الله كلماته، ويقول: "اعلم أن ما أطلبه منك صعباً، لكنني أطمع في موافقتك".
يتنهد طارق، يهتف بمراوغة: "لنفترض أني وافقت، مَن سيزوِّجنا؟
ابنتك تحت السن القانوني، لن يسمح أحد بزواجها في هذا العمر".
شعر عبد الله ببدأ علامات القبول لدى طارق، هتف بهدوء يحاول إقناعه: "ستتزوجان عرفي".
ردد طارق بعدم تصديق: "عرفي؟"
"نعم، لا توجد سوى هذه الطريقة".
هتف طارق بتلعثم: "لِمَ تفعل بها هذا؟
أعنى.. هكذا زواج وهي في هذا العمر، لن يكون مناسباً لها، من رأيي لا داعي له..
ولو لا قدّر الله حدث لك مكروه، لتعِش هي مع والدتها".
يعترض عبد الله بحزم: "لا، والدتها لا، سافعل المستحيل لكي تبتعد أسيل عنها".
تساءل طارق بارتياب: "لِمَ ؟
بالأخير هي والدتها، بالتأكيد لن تفعل ما يضرها".
ضحك عبد الله بسخرية، ثم قال: "أنت تقول هذا لأنك لا تعرف سوزان، لقد قضيت معها ستة عشر عاماً في جحيم، لولا أسيل لكنت طلقتها منذ زمن، لكن وقتها كانت ستأخذ أسيل للعيش معها، فهي تحمل الجنسية البريطانية،  والسلطات هناك لم تكن لتسمح لها بالعيش معي".
سأله طارق بحيرة: "لِمَ تزوجتها إذاً؟"
أجابه عبد الله بتبرير: "وقتها كنت شاباً طائشاً، مبهور بالعالم الجديد الذى دخلته، وهي كانت إمرأة فاتنة.. ذكية.. استطاعت أن تجعلني اقع في حبها وأتزوج منها".
تنهد وهو يتذكر أيام شبابه، اعتقاده بحب سوزان!
"وبعد الزواج ظهرت على حقيقتها، لا استطيع أن أحدّثك عنها، فأنا اشمئز من مجرد التفكير فيها، يكفى أني كنت أحمقاً، لم انتبه لتصرفاتها الغريبة قبل زواجنا، وعندما قررت الانفصال عنها فاجأتني بخبر حملها لتربطني بها إلى الأبد".
بدأ طارق بالميل للموافقة على الزواج.،، حتى هو بدأ يخاف من بقاء أسيل مع والدتها!
ومع ذلك هتف محاولاً اختراق تفكير عمه:
"وإن لم أوافق على الزواج منها، ماذا ستفعل؟"
قال عبد الله ببرود: "سأعرضها على أي شاب آخر ليتزوج منها، وفق شروط أضعها أنا كي لا يظلمها".
توسعت عينا طارق بذهول من بساطة حديث عمه.
"بهذه البساطة!".
" نعم، إن كنت لا تعلم، المال يفعل أي شيء يا دكتور".
عمّ الصمت المكان، حيرة طارق تزداد أكثر..
هل يرفض ويسّلِم ابنة عمه لشاب آخر من الممكن أن يستغلها؛ أم يوافق ووقتها بكل تأكيد سيخسر نشوى؟!
وفجأة تراءت أمامه صورة صديقه!
يهتف وابتسامة غامضة ترتسم على شفتيه:
"إسلام".
**********
في نفس الوقت
وصلت أريج إلى منزل والدها، تقوم بتقبيل والدتها والسؤال عن حالها، ثم تسألها:
"أين البقيّة؟"
"والدكِ خرج مع عمكِ، وعندما عادا خرج مرة أخرى ولا اعلم إلى أين ذهب..
شقيقكِ يجلس مع عمكِ في الغرفة".
وأسيل لا تجلس سوى في غرفتها، لا اعلم ما خطبها؟
لِمَ لا تتقبلنا؟"
هتفت أريج بتبرير: "لقد عاشت خمسة عشر عاماً من عمرها بعيداً عنا، لم تكن تحدثنا ولا تعلم عنا شيئاً، ستحتاج إلى بعض الوقت لكي تعتاد علينا".
المهم أن تبعدي طارق عنها، إن فعل معها ما فعله أمس مرة أخرى سيزداد كرهها لنا بدلاً من أن تحبنا".
ثم قالت وهى تنهض متجهة إلى غرفتها السابقة: "ساذهب إليها".
**********
طرقت على باب الغرفة، تدخل جزء من وجهها، تقول:
"هل يمكنني الدخول؟"
أبعدت أسيل هاتفها لترى ابنة عمها، هتفت ببرود:
"تفضلي".
"كيف حالكِ؟"
سألتها أريج بينما تجلس بجانبها على السرير.
"بخير".
ردت أسيل باقتضاب، تسألها أريج:
"لازلتِ غاضبة مما فعله طارق أمس؟"
تحولت ملامح أسيل إلى الغضب، هتفت بحدة: "نعم، وإن كنتِ قادمة لتتحدثي عنه فمن الأفضل أن تذهبي".
لم تغضب أريج من حديثها، بل على العكس قالت محاولة كسب ودها:
"لا جئت لأجلس معكِ لنتحدث".
وتابعت باقتراح: "ما رأيكِ أن نخرج ونجلس في مكان هادئ؟
وفرصة لتري البلد".
لأول مرة تشعر أسيل بالحماس منذ عادت إلى وطنها، وافقتها بسعادة..
تخرج أريج وتتركها تبدل ملابسها، متمنيّة أن تستطيع كسر الحاجز بينها وبين ابنة عمها.
**********
لم يفكر في الزواج من قبل، لكن منذ أخبره صديقه عن ضرورة الزواج لكفل طفل والفكرة لا تخرج من رأسه!
"لارا".
لا يعلم كيف أثرت به!
كيف استطاعت أن تسرق قلبه في لحظات؟!
كل ما يعلمه أنه يريدها، يريد أن يعوّضها عن كل ما لاقته!
لتنتظر بعض الوقت وسيُحضرها للعيش معه، ومع زوجته!
صدح رنين هاتفه النقّال يقطع عليه تفكيره..
فتح الخط، يصله صوت طارق:
"إسلام أريد أن أراك الآن، سأنتظرك في المقهى القريب من بيتي".
رد عليه وهو ينهض ويلتقط مفاتيحه: "حسناً".
هبط سريعاً، يستقل سيارته متجهاً إليه، فبالتأكيد هناك جديد في موضوعه مع عمه، ومن الممكن أن يكون صديقه يحتاج إلى مساعدته.
**********
ومن شرفتها، نظرت إليه وهو يغادر بسيارته..
تبتسم بألم، تدعو الله أن يحفظه، تعلم أنه من المستحيل أن ينظر شاب مثله إليها، لكنها لا تكف عن التمني، أن يأتي يوم ويراها، يقبل أن تكون هي.. كل شيء له.
همست لنفسها بسخرية: "أجننتي يا هبه؟
هل سيرضى بكِ وأنتِ عاقر؟!
لا تكوني حمقاء، ليس هناك رجل يرضى بامرأة مثلكِ".
**********
دلف إسلام إلى المقهى، يرى طارق بصحبة أحد الرجال، يحتلا طاولة جانبية بآخر المقهى، اقترب منهما.
"السلام عليكم".
وقف طارق وعبد الله يحيّيانه، ينظر الأخير إلى عبد الله وطارق يقول:
"إسلام، إنه عمي عبد الله".
ابتسم له إسلام وقال: "حمد لله على سلامتك عمي".
ابتسم له عبد الله، يرمقه بتركيز، يتأمله بدقة، جسد عضلي نوعاً ما، شعر أسود يصل إلى أول عنقه عينان بنيتان، يظهر فيهما حنان كبير، وجهه يبعث الراحة في النفس، ربما هو يعرف أخلاقه فقط من حديث طارق وشقيقه، لكنه ارتاح له!
**********
قبل ساعات
تساءل عبد الله بحيرة: "إسلام؟"
اتسعت ابتسامة طارق بالتدريج، يقول بسعادة واجداً الحل لهذه المشكلة أخيراً:
"نعم، طالما أنت تريد أي رجل يتزوج ابنتك، فليس هناك أفضل من إسلام".
أردف يشرح له فكرته: "إنه صديقي منذ أيام الدراسة شخص محترم جداً وأخلاقه عالية، كما أنه يعمل في بنك مشهور وله دخل ثابت، أنا متأكد أنه سيكون الأفضل لأسيل".
نظر له عبد الله بشك، يتابع طارق حديثه:
"فكر معي، أنا أحب ابنة خالتي، غير مستعد للتضحية بالزواج من غيرها، خاصة أنها شديدة الغيرة، إن علمت بما تخطط له لا اعلم ما الذى ستفعله لأسيل!"
أضاف مُحاولاً إقناعه: "لكن إسلام غير مرتبط، ستكون مشاعره ملكاً لأسيل فقط، وعندما تتم الثامنة عشر، نوثق زواجهما ويصبح رسمياً".
رفع عبد الله أحد حاجبيه بتفكير، سأله: "هل أنت واثق منه؟"
يجيبه: "بالتأكيد، إن لم تصدقني يمكنك سؤال أبي، فهو يعرفه ويحبه كابن ثاني له".
أردف بسخرية: "كما أنه أفضل من أن تأتي بأي شاب لا نعرفه وتزوجه بها".
قال عبد الله باقتناع: "أريد أن أراه إذاً".
**********
التفت إسلام إلى طارق، يسأله:
"ماذا هناك يا طارق؟"
نظر طارق إلى عمه، ثم أعاد نظراته إلى إسلام، وهتف:
"لقد أخبرتك أن عمي مريض ويريد أن يزوج ابنته ليطمئن عليها".
ثم صمت، يحثه إسلام على متابعة ما يريده:
"نعم، شفاه الله وعافاه".
يهتف طارق متأملاً رد فعل صديقه بتركيز:
"وهو سيكون سعيداً إن وافقت أن تتزوج منها".
**********
اتصل محمد بنشوى، أخبرها أنه يريدها في موضوع هام، ينتظرها أسفل بيتها في سيارته.
دارت نشوى حول نفسها بسعادة، وهى تقول:
"بالتأكيد قادم ليتحدث معي في موضوع زواجي من طارق، يخبرني ألا ننتظر حتى أنهي دراستي، حبيبي طارق، بالتأكيد لجأ إلى والده عندما لاحظ إصرار والدي على إنهاء دراستي أولاً..
سأخبره أن يتحدث مع والدي ويقنعه".
ارتدت ملابسها وهى تدندن بإحدى أغانيها المفضلة..
خرجت من غرفتها، أسرعت اتجاه الباب، وهى تصيح:
"أمى، سأذهب لأشتري غرضاً".
خرجت دون سماع رد والدتها..
وقفت أسفل البناية، جالت بنظراتها الطريق بتفحص، تبتسم ابتسامة واسعة عندما رأت سيارة زوج خالتها، اتجهت إليها، فتحت بابها، لتصعد.
"السلام عليكم".
"وعليكم السلام، كيف حالكِ يا نشوى؟"
ابتسمت له، هتفت: "الحمد لله، كيف حالك أنت يا عمي؟
وكيف حال خالتي؟"
رد عليها بهدوء: "الحمد لله".
صمت للحظات يختار كلماته بعناية، ثم هتف بحذر:
"نشوى تعلمين أنني أحبكِ كأريج تماماً، يشهد الله أن غلاتك عندي من غلاتها".
ابتسمت بخجل، وهمست: "وأنا أيضاً عمي، أحبك واحترمك كثيراً، اعتبرك كوالدي".
ابتسم لها محمد بحب، وقال: "أنا اعلم أنكِ تحبين طارق، وهو يبادلِك المشاعر".
احتقنت وجنتا نشوى بخجل وأصبحت باللون الأحمر القاني، تخفض رأسها أرضاً بينما هي تسمعه يضيف:
"لكن صغيرتي الحياة لا تعطي الإنسان كل شيء، لابد أن يكون للقدر رأياً مخالفاً لما نريده، وفي النهاية كما يقولون، الزواج قسمة ونصيب".
صُدمت بكلماته، ترفع وجهها، تنظر في عينيه، تهتف بتردد: "ماذا تقصد عمي؟"
تنهد محمد، وقال: "بالتأكيد طارق أخبركِ أن شقيقي عاد من غربته أمس".
"نعم أخبرني بذلك".
نظر محمد من نافذة سيارته، يتطّلع للطريق أمامه بشرود، ثم همس بحزن:
"شقيقي مريض بالسرطان يا نشوى، أيامه في الدنيا أصبحت معدودة".
شهقت نشوى، تقترب منه، تضغط على يديه بدعم.
"لا حول ولا قوة إلا بالله، لا تقل هذا يا عمي، إن شاء الله سيتعالج ويصبح بخير، الطب تطور كثيراً".
"إن شاء الله، لكنه لديه طفلة صغيرة".
ثم أدار وجهه ناحيتها، نظر في عينيها، هتف: "تخيّلي إن لم يُجدي العلاج معه، ماذا سيكون مصير ابنته؟
لن نطمئن عليها إن عاشت مع والدتها، فهي أجنبية تحمل ديانة مختلفة عنّا".
نظرت له بحيرة، ما دخلها هي بكل هذه القصة؟!
"لا افهم عمي، ما دخلي أنا بكل هذا؟"
"أنتِ فتاة طيبة يا نشوى، لديكِ قلب كبير، أنا متأكد أنكِ ستتفهمي ما أريده".
همست بتوجس: "خير يا عمي".
هتف وهو يراقب رد فعلها بتركيز: "نحن نريد أن يتزوج طارق من ابنة شقيقي حتى لا قدّر الله إن حدث له مكروه لا تستطيع زوجته أخذ أسيل للعيش معها".
صدمة!
شعرت فجأة بنصل حاد يُغرز في صدرها، ألم كبير في قلبها..
طارق حب الطفولة والمراهقة، سيتزوج من أخرى!
لن تكون له ولن يكون لها..
ماذا عن أحلامهما وتخطيطاتهما لمستقبلهما؟
أيُعقل أن تكون الحياة قاسية عليهما إلى هذا الحد؟
ظهر الألم بوضوح على ملامحها..
"طارق غير موافق على الزواج منها من أجلكِ، لذا أتيت إليكِ على أمل أن تقنعيه أنتِ".
يكفى لا تريد سماع المزيد، أيطلب منها أن تقنع حبيبها بالزواج من غيرها؟!
هي مَن كانت تهدّده بقتل أي فتاة ينظر إليها، يريد عمها أن تذهب إليه وتخبره أن يوافق على الزواج من ابنة عمه!
كيف بحق الله؟
أغمضت عينيها بقوة ودمعة يتيمة هبطت على وجنتها البيضاء، هتفت بتمنى:
"ولكن عمي، ألا يوجد حل آخر غير زواجهما؟"
تنهد محمد بإشفاق، لا يريد أن يجرحها، لكن هذا لمصلحتهما!
هو يرى أنهما غير مناسبين لبعضهما، أنهما إن حدث وتزوجا سيكون مصير زواجهما الفشل.
"للأسف لا، الحل الوحيد هو زواجه من أسيل".
هتفت بملامح مبهمة: "أنا موافقة، لنذهب إلى البيت لأرى أسيل وأبلغ طارق بقراري!"
ابتسم لها بسعادة، يقوم بتشغيل سيارته، ويقول: "بالطبع صغيرتي، شكراً لكِ".
انتهى الفصل قراءة سعيدة

لست أبي (كاملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن