24

2K 128 3
                                    




المرة الأولى التي رأى فيها جاريد منزل آيزك من الداخل كان يوم الأربعاء، بصورة غير مُتوقعة بتاتاً. كان بينهما إتفاق غير مباشر أن يأتي آيزك لمنزل جاريد و يوصله للمدرسة، ويمكنه معرفة مزاجه من الموسيقى الموجودة.
جاريد بنفسه كان يأخذ دروس تعلم السياقه، محاولتان فاشلتان بشكل يحطم الرقم القياسي في الاختبار النظري وبالكاد تبعه نجاح واحد وبعده  فشلان في الاختبار العملي.

يوم الاربعاء، نسى آيزك نظاراته الخاصة بالقراءة. تذكرها فور أن دخل جاريد في السيارة فشتم (قال 'تباً' بنعومة لأنه لا يزال آيزك حتى عندما يكون منزعجاً) رفع جاريد حاجبيه بتساؤل.

"نظاراتي," قال آيزك. "هل تمانع أن نعود لمنزلي لأخذها؟"

القيادة إلى منزل آيزك كانت نوعاً ما متوترة. جاريد أخبر آيزك عن مراسلاتِه الليلة الفائته مع ويلّا (كانت سهلة التعامل بطريقه مخيفه ولا يبدو أن اعجابه بها يتلاشى ولو قليلاً) وكيف أن كوزمو حصل على الوظيفة كنادل، و أن أمه ذاهبة إلى سنغافورة اليوم  لكن للصراحة لم يكونوا ليُلاحظوا على الأغلب. لم تكن في المنزل سوى للنوم و أكل الميسلي* لأسابيع. كل هذه المدة كان آيزك يُهمهم ليُبيّن أنه يَستمع لكن شفتاه كانتا مطبوقتان بخط مستقيم وكان ينقر بأصابعه على عجلة القيادة خارجاً عن الإيقاع.

في النهاية إستسلم جاريد عن الكلام و سمحَ لصوت الأغنية أن يملأ السيارة. محاولاته في التحدث كانت مُفاجِئة. في العادة آيزك هو الذي يحاول خِداعه ليتحدث وليس العكس. ربما بدأ يأخذ بعض العادات السيئة.

عندما وصلوا للمنزل نزل جاريد من السيارة بجانب آيزك، من دون تفكير. بدأ يشعر بالتوتر ايضاً; كان يملك هذه الرغبة ليأمر آيزك أن يخبره بمكان النظارات حتى يدخل بنفسه و يبقى آيزك في السيارة. لأن آيزك كان مُتنرفزاً و يتلاعب بالمفاتيح كأنه لا يريد استخدامها، كأنه لا يريد أن يدخل.

"هل أنت بخير؟" سأل جاريد بشكل اخرق. سؤال غبي. الإجابة كانت واضحة، و محرمة تماماً.

"أجل، بخير."

أنت لست مضطراً للكذب معي, أراد جاريد أن يخبره، قبل أن يُدرك فجأة, لو أراد آيزك أن يكذب بإقناع فهو يستطيع فعلها بسهولة. آيزك يملك أفضل إبتسامة 'أنا بخير' كان قد رأها على الاطلاق. مع ذلك- ها هو، من دون ابتسامة. إنه لا يدّعي، حتى بواسطة 'انا بخير' التلقائيه. تباً، فكر جاريد. من بين كل الناس الذين إستطاع أن يختارهم، آيزك قرر عدم التمثيل أمام جاريد؟ الإدراك إجتاحه في الوقت ذاته مع الذعر و هذا الشعور الغريب بالدفئ في أعماقه.

المنزل كان شبه مُنفصل مكوّن من طابقين، بتصميم من الستينيات و ستائر صافيه. المنازل على طول الطريق كانت متشابهة تشبه العاب التركيب مع حدائق بسيطة تمتد إلى الرصيف. منزل آيزك كان منزل قبيح و عملي بلون رمادي و سطح خشن و ليس كآيزك على الإطلاق.

خلف الباب كلب صغير إستقبلهم وإنحنى آيزك ليُداعبه، هامساً له 'مرحباً' هادئة. كان يوجد خزانة ملابس سوداء خشبية بجانب الباب مملوءة بالمفاتيح و قطع اخرى، وتوجد رسمة بإطار ذهبي للمسيح بوجه كئيب ويده اليسرى مرفوعة، واليمنى تبدو كأنها تُلامس قلبه. على الحائط فوقه، صليب نحاسي وإلى يساره صورة لمريم العذراء. آيزك لم ينظر إلى أي من هذا.

بعد لحظة نظر نحو جاريد و قال,

"تعال معي," ثم إتجه نحو السلالم. الأرضية في كل مكان كانت بلون كريمي مُريح، مُرتّبة و مُنظفة بشكل مثالي. المنزل كان هادئاً بشكل مخيف.

لكن عندما وصَلا إلى غرفة آيزك كان هناك سجاد رث على الأرضية و أكوام من الصناديق تحتوي على أفلام وكتب و المكتب في حالة فوضى. يبدو أن آيزك إطمئنَ قليلاً، وبدأ يبحث على المكتب، مزيحاً قدحاً مُنقّطاً مملوء بالأقلام. الكلب تبعهم إلى الطابق الثاني والآن قفز على السرير مُلتفّاً على شكل حزمة بيضاء ناعمة على اللحاف الكشكول*.

"يُمكنك الجلوس," قال آيزك، بينما يفتح أدرُج المكتب و شعره يتمايل بفوضى على جبهته. "لا أعتقد أن أحداً هنا."

جلس جاريد على السرير، عيناه تتفقدان الغرفة. وقع نظره على نظام صوت* و كومة من الأسطوانات و الصور المثبتة بفوضوية على الحائط. كان هناك ساعة تدُق على المنضدة بجانب سرير آيزك وكانت تقول أنهم تأخروا عن المدرسة، مجدداً، لكن بطريقة ما بدا الأمر عديم الاهمية. على أي حال، كان هناك تجمّع قبل الدروس، والذي يستطيعان تخطّيه من دون جَلَبة، وهنا في غرفة آيزك كأنهما في عالم معزول تماماً عن أشياء كالمدرسة.

"ألم تنتهي من التفريغ؟" سئل جاريد في النهاية، مُشيراً الى الصناديق. إبتسم آيزك بخجل. الآن مُمسِك بالنظارات في يده و رفع كتفيه.

"أنا لست مُنظماً كثيراً,"هو أجاب، و غمازاته قد ظهرت- ذُهِل جاريد من كم أصبح مُرتاحاً الآن.


_______________

*الميسلي هي اكله  عبارة عن رقائق الافطار

*الكشكول هي تقنية خياطة تتكون من تجميع عدة قطع من الأقمشة من مختلف الأحجام والأشكال والألوان لجعل أنواع مختلفة من العمل.

*نظام تعزيزالصوت هو مزيج من الميكروفونات ومعالجات الإشارات ومضخمات الصوت ومكبرات الصوت في حاويات يتم التحكم فيها جميعًا بواسطة وحدة خلط تجعل الأصوات الحية أو المسجلة مسبقًا أعلى.

Invincible - مَنيعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن