الفصل الأول

2.6K 55 9
                                    

                                   ( المقدمه ...📖 )

في زمان ماتت فيه النوايا. وتحجرت القلوب ، في زمان تحول فيه السند والأمان هو السلاح الذي أصابك من ظهرك ليدمر بقايا ما تركته الحياه في قلبك .
في زمان صارت فيه الأموال هي من  تتحكم في جُل امور الحياه .
في زمان ركعت فيه الشوارب إلى نعال النساء  ، وحكمت اوراق العملات أمور الرجال ...
في هذا الزمان القاسٍ طباعه. والمؤلم شؤنه ،  ليأتي العشق ملثم من عمق الظلام. ، ليقاتل كـ فارس همام  قتل معشوقه بسيف الغيره والندمان ....
في نهايه كل قصه يظهر الحق مهما طال الظلام .
تعود الحقيقه مرتديه ثياب النجوم والملكات  لتُزين صدور المظلوم مهما طال الزمان..

★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★

 

                               📖 الفصل الاول 📖


في الثانية بعد منتصف الليل , باب منزل الحج سليمان يُفتح ... يدلف منه هشام سليمان  إلى المنزل ، ذاك الشاب طويل البنيه ، ذا جسد رياضي وبشره بيضاء ، في عمر الخامسه والعشرين ، شاب من كثره غناه ومال أبيه اتجه إلى ما يغضب الله , يتطاوح يُمنى ويُسرى , لا يستطيع تمالك نفسه أو السيطرة على قدمية من سُكرة وكثره الإفراط في شرب المُسكرات بكل أنواعها .
صوت يخرج من غرفة الحج سليمان , من الواضح من نبرته أنه صوت مُتعب بشكل كبير  :
هشـــ... هشاام ؟؟
نظر هشام بحالته الساكرة تلك جهه الغرفة التي يخرج منها هذا الصوت الذي بدء يبغضه  في الفترة الأخيرة , يود أن لا يُجيب  علية ولا يعيرة أى إهتمام من الأساس ، وكأنه لم يسمع شيء   , إلا أن الحج سليمان أستمر في المناداه..
تحرك هشام جهه  الغرفه التي يقبع فيها أبيه حتى وصل إليها : أيوه ، في حاجه يا بابا؟؟
ذاك الحج  الذى بات ضريح فراشه منذ فتره ليست بالقصيرة ، بشده إعياءه ومرضه  ,مٌتعب بشكل ظهر على هيئته وعلى  وشحوب وجهه , من يراه يتيقن أن شبح الموت يحُوم حوله لا محاله , أن أجله قد أقترب , تحدث بصوته المتعب ذاك :
أنت لسه جاي من بره ؟
كنت فين يابني كل دا ؟؟
هشام بزمجرة , هو مل من تلك الأسئلة والمنااقشات والجدالات التي  تنهمر عليه يوميًا , يردد بداخله لاعنًا والده : إيه يا عم أنت مش بتزهق؟؟
مش بتمل من الكلام دا؟؟ كل يوم نفس الكلام كل يووم!!
دا أنا شخصيًا زهقت و مليت  !! ما تتهد بقى وتريح نفسك وخليك في مرضك وتعبك دا , ولا تموت وتريح نفسك وهتريحنا معاك والله ....
أنهى هشام  شروده وحالته الساكرة تلك متحدثًا: آه يا بابا لسه جاي , كنت سهران مع صحابي ، خير  كنت عايز منى حاجة !!
الحج سليمان بصوت مبحوح : هعوز إيه منك يا هشام غير أنك تفهم إنك مبقتش صغير للحاجات اللي بتعملها  دي؟؟
هعوز إيه غير أنك تفهم إنك بقيت راجل , وأنت  شايف حالي أهو بين اللحظة والتانية ممكن أموت!!
هو الأب هيعوز إيه من ابنه غير أنه يكون أحسن واحد في الدنيا !!
والله إني خايف عليك وعايز مصلحتك , تفوق لنفسك ولحالك وتسيبك من الناس إللي إنت ماشي معاهم دول , والله هيضيعوك وهيودوك في داهية , أنت مبقتش صغير يا هشام !!!
هشام بغضب : بدأنا فى إسطوانة كل يوم أهو , الكلام إللي مش منه أي فايدة ولا بقدم ولا بيأخر في حاجة .
الناس إللى بتتكلم عنهم دول صحابي , ومش هبعد عن حد , وكمان أنت قولت بلسانك حالًا إني مبقتش صغير .
فكويس إنك عارف كده   وأنا كمان عارف مصلحتي  أكتر منك  ، وعارف أنا بعمل إيه كويس  .
متزعلش نفسك أو تشغل بالك بيا أو بأمري خالص  ، وياسيدي لم أجي أشتكيلك من حياتي أو من الناس اللي ماشي معاهم  أبقى وقتها تعال أتكلم أو عاتب أو أعمل اللي أنت عايزة.

أدمعت عينا سليمان على حال ابنه الذي آل إليه  , لم يرزقه الله إلا إياه هو وأخته , يجني ثمار دلعه له واستهتاره بتربيته  , الآن ابنه أصبح مدمن للكحوليات والمخدرات , تصاحب على مجموعة من الشباب افقدوه  عقله تمامًا , يلوم نفسه على ما فعله  في ابنه  من تقصير .
تنهد ثم تحدث : يا بني يا حبيبي والله ما في حد في الدنيا هيخاف عليك أكتر منى , أرجع لعقلك وربنا ومش هتندم صدقني , أرجع لطاعة ربنا , محدش مشى في طريقه وضل خطاه ابدًا , أنا هموت , أنت هتبقى مسؤول عن شركاتي الأربعة وعن أمك وأختك , خليني أموت وأنا مطمن عليهم , هما ملهمش حد بعدى غيرك يا هشام , أنت راجلهم , فوق يا بني وخلى بالك من نفسك شويه وسيبك من الطريق إللي أنت ماشي فيه دا.

ضحك هشام بمكر ثم تحدث وهو يغادر الغرفة قائلًا : ما تموت يا عم أنت ماسك في الدنيا  ومتبت فيها كده ليه ؟
خليني أتمتع  بحياتي بقى والفلوس ,هو هتفضل حارمنا منها كده إيه القرف دا , أمى وأختى ؟؟
كل واحد عارف مصلحته , أنا مش كنت واصي عليهم , كل واحد يعمل إللي هو عايزه , سلام يا عم الله يخدك بوظت ليا الدماغ إللي كنت عاملها .

غادر الغرفة تاركًا والده في حالته تلك , حتى أنه لم يشفق عليه وقد تساقطت ادمعه  أمام عينه , يتمزق قلب سليمان أضعاف مرضه , وكأن حزنه النفسي على ابنه هو مرضه الحقيقي , هو الأمر الذي ُيعجل من اقتراب موته ,,, يتحسر على حال تلك المسكينة , ابنته التي ستعانى الويلات هي ووالدتها بعد وفاته , لا يوجد بقلبه أي ذرة شك في أنه بعد وفاته سيُزيقهم هشام  من الأوجاع والذل كل الألوان والأشكال , ولكنه لن يسمح بحدوث ذلك ابدًا حتى لو كلفه الأمر أن يفعل ما لا يُرضى ذاك الشاب المتغطرس .
ذاك اللاهي في ملكوت الحياه لاهثًا خلف شهاوتها دون النظر إلى عاقبه ما يفعل .
قرر سليمان أن يكتب كل تركته باسم ابنته ليحميها من ظلم ذاك الوغد , في الصباح سيبلغ الأمر لزوجته ومن ثم إحضار المحامي وإنهاء تلك الأمور . ...

...........................................

في صباح اليوم التالي  أقبلت السيدة آيات إلى البيت ،  كانت متواجدة في زيارة قصيرة هي وابنتها لدى ابيها في مكان مجاور ،  فقد توفقت والدتها ، وأبيها الآن يجلس وحيدًا ، لا أحد يهتم لأمره أو يهتم لشؤنه من إعداد الطعام وتنظيف المنزل وكل تلك الأمور ، اصرت عليه آيات مرارًا أن يترك منزله ويأتي ليعيش معهم  في بيتهم ، لكنه أبى الأمر تمامًا ، يرفض مغادرة منزله ... يشعر بدنو أجله هو الآخر ، لذلك يفضل البقاء هنا.
الموت على فراشه ، وسط داره مع ذكرياته وذكريات زوجته... لا يود الخروج من هنا إلى على مقبرته مباشرة ، يتيقن بمقوله (من خرج من داره قل مقداره ).
على أي حال تعودت آيات وهاجر زيارته من حين إلى آخر للاطمئنان عليه وإعداد كل ما يحتاجه .....

دلفت السيدة آيات إلى غرفتها ، سليمان قابع على فراشه بحالته التي يرثى لها القلب  من الأعياء ...
حزين على ابنه الذى خيب أمله ...نظر إلى آيات قم تحدث :-شايفه أبنك عمره مسمع كلام حد وكل يوم يجي وش الفجر؟؟
شايفه أخر الإهمال في تربيته  ، وأننا سبناه يعمل إللي هو عايزه من غير حساب ؟؟
شايفه حاله وصل لحد فين ؟؟

آيات بحزن على حاله أبنها:-هنعمل إيه بس ياحج كله من صحاب السوء إللى مصاحبهم حسبي الله ونعم الوكيل فيهم.

سليمان بحزن:-كله بسببي أنا.. أنا اللي دلعته زياده عن اللزوم ، اعتبرته الكبير وأنه هيتعلم ويتعدل ،  أنا الغلطان.

آيات وهي تشعر بالحزن والآلم على زوجها وأبنها:-لا متقولش كدا أنت ربيته صح هو وهاجر وما شاء الله هاجر  متدينة وملتزمة وعارفه ربنا كويس ، لا بتعمل حاجه تزعل، ولا بتعمل حاجه غلط ،  أما هشام فربنا يهديه والله ، مش عارفه ليه اتحول كده؟
قوملنا أنت بس بالسلامة وخليك معانا وكل حاجه بعد كده هتبقى بخير .

سليمان :-خلاص العمر مبقاش فيه حاجه يتبكي عليها يا آيات ، كلها مسألة وقت مش اكتر.

آيات بحزن شديد:-لا متقولش كدا إن شاء الله قوم لينا، ربنا يديك طول العمر يارب ، إحنا عايشين على حسك بعد ربنا .

سليمان بحزن وضيق نفس:- متضحكيش على نفسك ولا عليا ده ربنا بيقول..
بسم الله الرحمن الرحيم
(لِكُلِ أجَلِ كِتَابْ)
صدق الله العظيم.

آيات ببكاء خفيف لا يلاحظه أحد:-صدق الله العظيم.
بس أنت عارف إنك لو سبتنا هنبقى لوحدنا طول عمرنا .
أنا وبنتك ملناش حد غيرك بعد ربنا(سبحانه وتعالي) حتى أبنك لا يُعتمد عليه أبدًا.

سليمان  بدمعه سقطت دون ارادته:- ربنا أكيد مش هيسيبكم لوحدكم وهيحميكم وهيهدى هشام بإذن الله.

آيات وقد ظهر عليها البكاء وأحمرت عيناها ووجنتيها:- بـ....بس أنت لازم متسبنيش أنت كنت سندي على طول ، أنا وهاجر عمرنا محصل معانا حاجه إلا وحليتهلنا وعمر محد قدر يدوسلنا على طرف بوجودك .

سليمان وقد شعر ببكائها فزداد بكاءه هو الأخر:-متعيطيش يا آيات عشان خاطري ، أنا مش حمل وجع قلب ،  لازم تكوني جامده عشان هاجر  .

آيات وقد توقفت عن البكاء للحظات:-إن شاء الله بس أنا مش خايفة على نفسي  ، أنا خايفة على هاجر أنا كمان مش بقيالها طول العمر  ، وأنت شايف ابنك  وأسلوبه  ، الله أعلم هيعمل معاها أي وياترى أي إللي هيحصلها بعد ما أموت.

سليمان بحزن ، يحاول أن يخفي حزنه  لها ، يحاول أن يبين  أنه بخير ليواسيها:-إن شاء الله تعشيلها  طول ما ربنا رايد ، تحميها  وتصونيها وتخلى بالك منها  ، لسه قدامك العمر طويل بإذن الله .

آيات بسخريه:-عمر طويل إيه بس يا حج !
خلاص العمر جري بسرعه ، بس الحمد لله أننا عملنا فيها حاجات صح ترضي ربنا.

سليمان وقد ضاق نفسه لشده تعبه وحزنه:-أنا قررت أني أكتب البيت و ٤شركات وفلوسي كلها باسم هاجر هي اللي هتعرف تحافظ عليهم وعمرها متضيعهم أنا واثق في بنتي ، واثق إن عمرها ما هتضيع تعبي ،أنا ربتها كويس وعرفتها الغلط وعرفتها الصح ..وعمرها ما خيبت ظني فيها .
هتاخد بالها من كل حاجه ، رغم إنها لسه صغيره ، بس ربنا معاها وحافظها وصاينها .

آيات بدهشه وعدم استيعاب : تكتب لهاجر ؟؟
أنت كده بتفتح عليها أبواب ملهاش اخر ،  أنت عارف إن هشام مش هيسكت   ولا هيسبها في حالها ...
.
سليمان :-والله مش عارف بس أنتي لازم تحميها منه  وتأخدي بالك منها دا لو وصلت انكوا تبعدوا عنه خالص ،ملهاش حد بعدي غيرك يا آيات .

آيات بحزن:-حاضر ياحج ربنا يقويني بس ويقويك أنت كمان.

سليمان بحزن وحسرة شديده على ابنه:-كان نفسى أقسم الفلوس عليهم هما الأتنين بالعدل ويحافظ على أخته وعليكي وعلى الفلوس وأموت وأنا مرتاح بس يلا الحمد لله على كل شيء.
آيات :-يلا الحمد لله على كل شيء ..ريح أنت بس عشان تقوملنا بالسلامة .. إحنا مالناش غيرك ومنقدرش على فراقك...وربنا يستر وإن شاء الله كل حاجة هتبقى كويسة...أنا هقوم أجيبلك أكل عشان أنت مأكلتش من أمبارح.

سليمان بتعب شديد:-لا مش عاوز ملهوش لزمه المهم أنتي كلميلي المحامي عشان أقوله على وصيتي قبل ما ربنا ياخد أمنته ، لازم أكتب كل حاجه باسم هاجر بأسرع وقت.

آيات بحزن هي لا تؤيد الفكرة من الأساس ولكن لا إعتراض ، هي غير قادره على الرفض أو على عصيان الأوامر ، تعلم أن ابنها لن يصمت عن هذا الأمر  بالتأكيد ،  على أي حال هي تدعوا الله على أن تصير الأمور على النحو الأفضل ،  فكل ما يأتي من عند الله هو الخير لا شك في ذلك .

:هقوم أكلمه بس لازم تاكل الأول.
سليمان بابتسامة مزيفة :-حاضر ، بس ابعتيلي  هاجر ، عايز أقعد معاها شوية .
آيات:  حاضر ، هبعتهالك .

...........................................................


داخل منزل الشيخ عبد الرحمن

عاد الشيخ عبد الرحمن من  الخارج ، ليجد عبير في المطبخ .... تقدم جهه المطبخ بابتسامة عذبه ...

الشيخ عبد الرحمن : بتعلمي إيه يا عبير؟

نظرت عبير خلفها لتجد زوجها بابتسامة تلك ، فتحدثت هي الأخرى مبادله لنفس الابتسامة :  بعملك الأكلة إللي أنت بتحبها (مكرونة) .

الشيخ عبد الرحمن بحالته  :الله الله.... اي اكل من ايدك جميل  ، تسلم أيديك ياست الكل ولا يحرمنا منك ابدًا .

عبير بحنان : تسلملي يا بو مالك يارب ويديمك نعمه لينا يارب العالمين.
الشيخ عبد الرحمن : وأنتي سند البيت يا عبير والله وضحكته ، ربنا يديمك .

عبير: تعرف يا عبد الرحمن.. أنت واولادنا حقيقي كرم ونعمه من ربنا ليا.
ربنا رزقني بيك رزقني بزوج صالح وذريه صالحه من صلب صالح ربنا يحفظكم ليا.

وضع الشيخ عبد الرحمن يده على وجهها  بحركة هادئة ، ثم زين ثغره بابتسامة حانيه ناظرًا لـ عيناها...

عبد الرحمن : في حاجه في الدنيا أجمل من حنانك دا؟؟
حنانك عليا أنا و ولادك  بيخليني مالك الدنيا وكل من فيها ،  عمرك ما قصرتي معايا ولا مع ولادنا،  يعلم الله أني بحبك  حب ملوش وصف .

بنفس الوضعية الهادئة ، وضعت عبير يديها على يد عبد الرحمن  ، تلك المتواجدة على خديها  ....

عبير: وانا كمان  والله يا عبده ، يعلم ربنا أنت أي في قلبي ..

عبد الرحمن : أنا لو لفيت الدنيا كلها عمري ما ألاقي واحدة زيك. وقفتي جمبي في كل الصعوبات اللي واجهتنا ، عمرك ما اشتكيتي..  دايمًا بتطمنيني ومعايا على الحلوة والمرة.

عبير: وهفضل جمبك طول العمر ،  ومش هلاقي واحد زيك في حنيتك وقلبك الطيب.

تزداد ابتسامة عبد الرحمن  ، ابتسامة مليئة بالعشق والحب وكأنهما  فتيه ما زالا في مرحله المراهقة ، وكأنهم قرارا في هذه اللحظة التي لا تتكرر كثيرًا ، أن يتناسيا عمرهما ، ذاك الذي تجاوز الخمسين ، فقررا أن يعيشا تلك اللحظة بكل ما تحمله من مشاعر وأحاسيس ....
ينظر لعينيها البُنيه اللامعة ليغيب معاها ف كلام العيون والحب... نظرات تحمل بين طياتها أحدايث  لا يستطيع فهمها سواهم.

عبير بكسوف حاولت الهروب  من نظراته تلك : يوه الأكل على النار نستني .... هيتحرق ....

عبد الرحمن ضاحكًا بمكر : ههههه أيوه أيوه ألحقي المكرونة...

كان يرى وجنتها الحمراء ويبتسم لكسوفها.

دلف مالك إلى غرفة أخته بعد أن طرق  الباب فأذنت له بالدخول...

ضحى منشغله في ترتيب فراشها ، وإعداده بشكل متناسق كعادتها اليومية ....

مالك : صباح الخير ياضحى

ضحى بابتسامة وحنين : صباح الفل والورد والياسمين على أحلى مالك في الدنيا .

اقترب مالك منها ثم وضع على جبينها قبله اعتزاز وحب : صباحك جنه يا قلب مالك .... نايمة لحد  دلوقتي.... نموسيتك كحلي يا قلب أخوكي ...

ضحى بابتسامة هادئة : ما أنت عارف أن النهاردة مفيش كلية وكده .... فـ قولت أنام شويه وأخد راحتي في النوم.

مالك ناظرًا لعيني أخته ، تلك التي لطالما كانت سنده وسره وأمنه بعد أبيه وأمه في هذه الدنيا  : ولا يهمك يا نور العين .... أنت ترتاحي وأحنا نخدمك بقلوبنا ....

ضحى : قلبي أنت والله يا مالك ، قولي ماما وبابا فين ؟  ، مش سامعه صوت في البيت يعني ؟؟ ولا في حد في الصالة ... كنت شوفت من شويه ملقتش حد ...

مالك بابتسامة بلهاء مصحوبة بمكر : ما حضرتك قاعدة هنا وسايبة عصافير الحب في المطبخ .

ضحى بعدم فهم : عصافير حب إيه! ، مش فاهمة!؟

مالك بضحك: أبوكي وأمك ياستي قاعدين يحبوا في بعض في المطبخ ، بخرج من أوضتي سمعتهم وهما بتغزلوا في بعض ، اتسحبت براحه من غير ما يحسوا بيا وجيت ليكي ....صمت للحظات  ثم أكمل حديثه بهيام :ياااااه يا ضحى ياااااه  أمتى يكون ليا عصفورة حب كده  ، وافضل أغازل وأحب فيها.

ضحكت ضحى بشده وقالت له : والله أنت رايق يا مالك  أكتر من بابا وماما .... صمتت هي الأخرى للحظات ثم  نظرت له نظره يعرفها جيدًا  ويعرف ما يليها ، بالتأكيد هو مقلب جيدًا من مقالب ومشاكسات صغيرته ، لم تمهله وقت طويل للتفكير فتحدثت   بخبث: فاهمني من غير ما أتكلم  هاااا؟؟

مالك بخبث : أنا اللي فاهمك يا قلبي أنا ...

ضحى وهي تنهض من موضعها : طيب يلا بقى يا شبح ورايا ، تعالي نرخم عليهم شوية.

مالك ضاحكًا : وراكي يا زعيم المافيا وراكي .

ذهب مالك وضحى إلى المطبخ ، حيث ما زال عبد الرحمن متواجد ، أما السيدة عبير تهتم بالطعام...
نظر مالك وضحى لهم بمكر ، لكذت ضحى مالك في كتفه ثم  تحدثت : إيه يا مالك اللي شيفاه دا ، هو الحج بيتعلم الطبخ ولا إيه؟؟؟
الحج شكله بيرجع أيام الشباب تقريبًا ، ثم ضحك مالك والمجنونة الصغيرة  بصوت عالي  


التفت إليهم الشيخ عبد الرحمن وعبير بعدم فهم ،  أكمل مالك الخطة غامزًا لهم بمشاكسة : إيه يا شيخ عبد الرحمن هتطبخ لينا إيه النهاردة ؟؟
الشيخ عبد الرحمن وقد فهما ما يرميا أليها الفتيه ، ضم عبير تحت ذراعيه ثم تقدم إلى أحد الارائك وجلسا اثنتيهم ، كأنه يتحدى الفتيه ثم تحدث : إيه يا ولاد أنتوا واقفين عندكم ليه ؟؟
هتطبخوا ولا إيه .... تعالو... تعالو اقعدوا تعالو ..

لم يتمالك  الفتيه نفسهما من كتم ضحكاتهم أكثر  من ذلك ، ضم مالك أخته تحت ذراعيه هو الآخر ثم تحدث بمكر : تعالى يا قلبي نقعد هناك كده ، جايين يا شيخنا جااايين ...

جلست اثنتيهم ثم تحدث مالك: إيه ياحج مستفرد بالقمر بتاعنا ليه؟

نظر له عبد الرحمن بابتسامة وقال: هو أنا ليا بركه غير القمر بتاعنا ؟؟
أم مالك وقلب أبو مالك .

ضحى بابتسامة : ربنا يخليكم لبعض يا بابا بس أم مالك اللي ليها الحب كله.

أبتسم عبد الرحمن لأبنته وقال: إنتي القمر بتاعنا إللي منور البيت بضحكتك دي ،  ربنا يحميكي يابنتي ويرزقك بإبن الحلال إللي يسعدك.

مالك بتأثر مزيف وحزن مصطنع :  أم مالك البركة بتاعة البيت ، وضحى القمر بتاع البيت ،  وأنا يعبده ماليش في الحب ده؟؟
أي أنا مرمطون البيت؟؟


ضحكوا جميعًا على حديث  مالك ، ثم تحدث أبيه  موجهًا حديثه إليه قائلا : أنت سندي وابني وصاحبي وضهري في الدنيا  ، وسند أمك وأختك من بعدي.


نهض مالك من مكانه  ، ثم جلس على ركبتيه أمام والده مقبلًا يديه ، ثم تحدث  : ربنا يخليك لينا ياحج ولا يحرمنا منك ولا من صوتك وسطنا ، أنت سندنا وأمنا كلنا .

أكمل عبد الرحمن حديثه قائلا: أنتوا نعمة ربنا إللي رزقنا بيها ،  وبدعي ربنا دايمًا يخليكم ليا ويسعدكم في حياتكم.

احتضن مالك وضحى أبيهم.... نظرت لهم عبير وقد زرفت دمعه من عينيها وقالت : ربنا يخليكم ليا يااااارب وتفضلوا متجمعين حواليا دايما ...

الشيخ عبد الرحمن : اللهم أمين يارب يا عبير .
حاول مالك تخفيف الوضع : إيه يا ماما ، هنقلبها عياط ولا إيه ؟؟
مش هناكل ؟؟
أنا جعان وعايز أكل  ، يلا يا ضحى ، خدي ماما وخلصوا الأكل. 
ضحى بحنين : ثواني والأكل يبقى خلصان يا قلب ضحى أنت.  

..  ................... .............. ...............  .............. ...............

دلفت هاجر إلى  غرفة والدها ،  تنظر إلى ذاك المتمدد على فراشه بحالته التي يُرثى القلب لها ، حالة إعياءه الشديدة تلك .
جلست بجانبه ثم تحدثت  بلهجه يشوبها الحزن.

هاجر بحزن :  بابا  حبيبي ، عامل إيه دلوقتي؟؟

سليمان بصوت مبحوح من شده التعب : حاسس إن خلاص  يابنتي.
من الواضح إن  أمر الله قرب ،  لله الأمر من قبل ومن بعد.

حاولت هاجر حبس دموعها فتحدثت قائله : لا يا بابا متقولش  عشان خاطري  كده ،  أنت ضهري وسندي ، هتكسر من بعدك والله  ، أنت كل حاجه ليا  ، هتخف وترجع زي الأول وأحسن كمان  والله ،  بس بالله عليك متقولش الكلام ده تاني ،  أنا قلبي بيوجعني عليك لما بشوفك كده ، أنت عارف اني من بعدك وحيدة ، هتبهدل من بعدك.

سليمان بحزن : أنا ده إللي شايل همه يابنتي والله .
إني  أموت وأنا مش مطمن عليكي إنتي وأمك .
هشام طماع ومش سند يقف جمبك ، هيبهدلك من بعدي  ، ده يبيع الدنيا علشان الفلوس.

هاجر : يبقي تهتم بصحتك علشان ماليش حد غيرك.

سليمان بتعب  :  والله يا بنتي أنا نفسي هشام ربنا يصلح حاله وأموت وأنا مطمن إنه ماشي في الطريق الصح  ، وأنه هياخد باله منك إنتي وأمك ،  يخاف عليكم زي ما أنا بخاف عليكم .
يكون أمانك وحمايتك في الزمن الأسود ده.

هاجر: هو الشيطان مسيطر عليه هو صحابه اللي  إتلم عليهم  الفترة الاخيرة دي ، كل يوم سهر في الكباريهات للصبح ،  خايفه يأذي نفسه ويفوق بعد ما يخسر كل حاجه.

سليمان : هشام خلاص مشي في السكه اللي بيروح مش بيرجع منها ،غير وهو خسران نفسه ودينه ودنيته.

هاجر محاولة تهدئه والدها : نحاول معاه تاني يابابا ، ربنا  غفور رحيم ،  يمكن يتصلح حاله ويرجع زي الأول، هشام اللي عارف ربنا وطريق الخير ، هشام اللي مش بسيب أي فرض وبيصوم وعارف الصح ، مش هشام اللي بقى عليه دا .

سليمان : كان نفسي يكون إبن صالح أفتخر بيه قدام الناس ،  كان نفسي يخرج معايا للمسجد نصلي مع بعض ويدير ماله علشان ربنا يباركله في حياته.

هاجر: أنا بقيت أخاف منه يا بابا  والله ....
لما بيدخل البيت سكران،  مش بيكون واعي بأي حاجة وبيضربني علشان ياخد مني فلوس وماما مش بتقدر عليه.

سليمان : ربنا يحميكي منه يابنتي ،  أبني بقا شيطان على هيئه بني آدم.

نظرت هاجر إلى والدها بعينان يملئهما الحزن ، ترى حالته تسوء لحظه عن الأخرى ، تحدثت بحزن ...

هاجر: بابا أنت تعبان جدا ، أنا هجيب الدكتور يطمن عليك  ، أنت شكلك تعبان أوي ،  وأنا خايفة عليك  ، أنا من غيرك أموت والله .

سليمان : يابنتي أنا كويس أهو  قدامك ومرتاح كده دكاترة إيه بس ؟!
هيقعد يديني في علاج ومش هيجيب نتيجة.

هاجر بحزن : بس أنت حالتك بتسوء ، وأنا مش هقعد أتفرج عليك لحد ماتروح مني.

سليمان  محاولًا تهدئته ابنته : يابنتي الأعمار بيد الله  ، أنا مش خايف من الموت بمقدار  الخوف اللي حاسه  من المصير إللي هيقابلكم إنتي وأمك  من  الشيطان اللي أنا مخلفه.

هاجر: هشام هيضيع كل حاجه وهيضيعنا معاه ،  وأنا وماما مش هنقدر عليه والله ، أنت لازم تقوم وتقف على رجلك تاني  وتنور بيتنا .... من غيرك أنا وماما ملناش أي لزمه .

سليمان : إذا كان مد أيده عليا وعلى أمك ،  ودايما خناق ومشاكل واهانه.

هاجر: أنا هفضل أدعي إن ربنا يطول في عمرك ،  إذا كان وحضرتك موجود بيعمل فينا كده ،
اومال لما.... ثم صمتت لبرهة تساقطت من عينيها دمعة دون اراده  ،  تبكي وتحتضن والدها قائله : لا  يا بابا أكيد مش هتسيبني لوحدي في الدنيا دي ،  ياااااااارب خد من عمري وأعطيه .

سليمان : يابنتي أنا بتعب لما بشوفك كده والله ،  قلبي بيوجعني عليكي لو أنا سيبتك ربنا مش هيسيبك ،  ربنا رحمته واسعه، وهيحميكي من هشام وغيره.

هاجر : ونعمه بالله بس أنا عايزاك جمبي  ، أنت إللي تكون معايا في يوم فرحي  ، تسلمني لعريسي بايدك ،  تشاركني فرحتي مش هقدر أعيش أي لحظة من غيرك.

سليمان وقد زرفت دمعه من عينه متأثر بكلام ابنته وليس بيده شيء  لفعله ، فكل شيء بيد الله عز وجل.

سليمان : أنا لازم أمن مستقبلك إنتي ووالدتك علشان تعرفوا تعيشوا من بعدي.

هاجر: أنا مش عايزة أي حاجه غيرك أنت ،  أنا مستعدة أتنازل عن كل حاجة علشان تفضل معايا.

ابتسم سليمان على أن الله عوضه بفتاه مثل هاجر تحبه وتهتم لأمره ، ليس كذلك الشيطان  ، فتاه لا ترغب في شيء سوى أنه يصبح بخير ولا شيء اخر .

سليمان : ربنا يباركلي فيكي يابنتي ويحميكي من أي شر.

هاجر: ويخليك ليا يا بابا وأشوفك دايما بخير  ، بس لازم تسمع الكلام وأجيب الدكتور يشوفك علشان نطمن اكتر.

سليمان وهو يحاول أن يطمئنها عليه  ، يحاول إخفاء الألم الذي يشعر به.

سليمان بمشاكسة لابنته : إنتي فاكراني عجزت يا بت ولا إيه ؟؟
دا أنا بفكر لما أخف اتجوز تاني على أمك ، أنت أي رايك في الموضوع؟؟

ضحكت هاجر على حديث  أبيها ، رُسمت على وجهها ابتسامه لرؤيتها ابتسامة ذاك الذي غابت بسمته لفتره طويلة.

هاجر بابتسامة  : قوملي أنت بالسلامة بس وأنا إللي هختارلك العروسة  ، بس الموضوع يفضل سر بينا ، أوعي تجيب سيره لماما.

ضحك سليمان رغم الألم الذي يشعر به وتحدث إلى هاجر قائلا: أنا أمك دي لو لفيت الدنيا كلها عمري ما ألاقي في طيبه قلبها وأصلها.
دايما واقفه جمبي في محنتي ،  عمرها ما اشتكت ، دايما خايفة عليكم وعايزاكم أحسن الناس ،
بس هشام خيب أملها ، نفسي يكون ابن صالح بار لأمه وأبوه والحضن والسند لأخته بس هنعلم ايه!؟

زرفت دمعه على خده بتذكره ما يفعله إبنه بأمه والحزن الذي يراه على وجهها، وتحدث في سره : يااااارب أنا ماليش غيرك أحمي بنتي ومراتي من شر هشام وطمعه وأهديه للطريق الصح.

نظرت هاجر إلى والدها تدعو الله أن يطمئن قلبه و يشفيه ويبارك في صحته.
احتضنته  تحاول أن تستمد منه الأمان  والسند  لتواجهه ذاك العالم  ولعنته ، وكأنها تشعر بأن أجل والدها قد  دنى ، تعلم مدى تعبه وألمه ،ولكن ما باليد حيلة .

 

★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★*★★★★★
يُتبــــع......
.............................................
ضع تقييمك بالتصويت أو التعليق فضلًا وليس أمرًا 😍⁦❤️⁩
★★★★★★★★★★★★★★
#بقلم_فريق_الاحلام
 

الإرث الملعون حيث تعيش القصص. اكتشف الآن