الفصل الخامس والعشرين

414 26 3
                                    

رواية(الإرث الملعون)

                        الفصل الخامس والعشرون


جلس مالك في المسجد بعد أن أدى فريضة صلاة الظهر، ليعطي الدرس للمصلين كما أعتاد بعد وفاة والده.....
تجمع حوله المصلين، ومن ثَم شرع مالك بالتحدث بهدوء: بسم الله، والصلاة والسلام على شفيعنا وحبيبنا رسول الله، تحبوا بقا النهاردة نتكلم عن ايه؟
أجاب أحد الجالسين أي شيء يا دكتور كل كلامك ودروسك جميلة وبنستفاد منها ... وأكد الموجودين على كلامه، مُصرين أن يختار مالك الموضوع الذي سيتحدث عنه...

في تلك اللحظة التي كان سوف يبدأ فيها مالك بالكلام نظر أمامه واعتلت الصدمة وجهه عندما رأي هشام يجلس بين الحضور، ابتسم ابتسامة عريضة وشرع في التحدث....
موضوع درسنا النهاردة عن الصداقة....

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر الميامين ما اتصلت عين بنظر ووعت أذن بخبر وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد أيها الإخوة المؤمنون: فطر الله -عز وجل- الإنسان وجعله يميل بطبيعته وفطرته إلى بعض الأشياء ، مثلا أن يكون الإنسان مختارًا لصديق يكون مصاحبًا له؛ إما أن يكون صديقًا خليلاً دائمًا، أو أن يكون صديقًا عامًا، ولقد جعل الله -تعالى- شريعة نبينا -صلى الله عليه وسلم- التي كان يبينها للناس، ويشرح أحكامها جعلها الله -تعالى- مقيدة وضابطة  ولم يمنع العبد من أن يكون له صديق، لكن ربنا -جل وعلا- جعل لذلك ضوابط وآداب وأحكام .

لعلنا اليوم نتكلم عن فطرة فطر الله -تعالى- الإنسان عليها، وجعل الله -تعالى- لها ضوابط، هذه الفطرة قد يكون الإنسان إذا عمل بها يرفعه الله -تعالى- عنده درجات، بل يصل إلى اعلى مراتب في الجنة، وربما ضل الإنسان بسببها، ألا وهي اختيار الصديق، فكيف يختار الإنسان صديقه؟ وما مميزات الصديق الذي ينبغي أن يحرص العبد على مصاحبته؟ وكيف ربما يردي الصديق صديقه؟ وكيف ربما يرفعه عند الله -تعالى- درجات؟ وكيف أوصى الله -تعالى- باتخاذ الأصدقاء؟ وكيف تكلم النبي عليه الصلاة والسلام عنهم وذكر الآداب معهم؟

يقول نبينا -صلوات ربي وسلامه عليه-: “المرء على دين خليله ” أي: على دين صاحبه الذي يجالسه دائما ويسافر معه وربما آكله وشاربه قال: “المرء على دين خليله” يعني على دين من يصاحب ويتخذه خليلاً مقربًا “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل” وكأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ينبه هنا إلى أن المرء إذا صاحب السيئين ربما جروه إلى ما يقعون فيه حتى ولو لم يشعر بذلك.

ولذلك قال ربنا -جل وعلا- موجهًا نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) [الكهف:28]، يعني إن كنت مريدًا لصاحب أو صديق أو أخ، فأتخذ هؤلاء اللذين يعينوك على طاعة الله.

وقال نبينا -صلى الله عليه وسلم- موضحًا أثر الأصدقاء قال: “مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك“، ذاك الذي يبيع العطر “إما أن يحذيك” إذا جئت إليه، إما أن يستخرج شيئًا من العطر ثم يضعه على ثيابك أو يضعه على طرف يدك إما أن يحذيك أن يعطيك من عطره “وإما أن تجد منه رائحة طيبة”...
الصديق الصالح إما أن تتأثر أنت بأخلاقه فإذا كان كثير الذكر تأثرت -سبحان الله- بطبيعته فأصبحت كثير الذكر مثله.

إذا كان حريصًا على التقدم إلى الصلوات رأيت نفسك تتبعه في ذلك وتتأثر..
إذا كانت أخلاقه حسنة، إذا كانت ألفاظه حسنة، وجدت أن ألفاظك تتطبع بطباعه.

إذا كان بارًّا بوالديه إذا كان أمينًا في تجارته إذا كان حريصًا على القيام بعمله حريصًا على وظيفته، نشيطًا في الاستيقاظ مبكرًا تجد أنك تتأثر به حتى ولو لم تشعر بذلك..
ولذلك قال في الحديث: “إما أن يحذيك وإما أن تشم منه ريحًا طيبة“، هذا إن لم تتأثر به فإنك ستكسب سمعة طيبة من مصاحبته فإذا رآك الناس معه قالوا: ما شاء الله فلان يمشي مع فلان هنيئًا له، وإذا سئل الناس عنك قالوا: لا ما دام أن صديقه فلان العاقل الصالح فاعتبروه من الصالحين يعطيك سمعة طيبة عند الناس.

أما صاحب السوء فقال -عليه الصلاة والسلام- فيه قال: وأما “جليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك“..
ونافخ الكير هو الحداد الذي ينفخ على الحديد فيتطاير الشرار، فإذا وقفت عنده  يتطاير بعض الشرار على ثوبك ..فإذا صاحبت السيئ تأثرت به.
قال: “وإما أن تشم منه رائحة خبيثة” فإذا صاحبت إنسانًا سيئًا ربما كان سارقًا أو مرتشيًا أو محتالاً أو ربما كان عاقًّا لوالديه أو ربما كان مدخنًا أو شاربًا للخمر أو متعاطيًا للمخدرات أو كلما جلس معك حدثك بسفره إلى بلد كذا وبلد كذا ووقوعه في أنواع الفواحش، فهذا إن لم تتأثر به وتشتاق إلى ما يفعل ويقول لك الشيطان لماذا لا تكون مثله وتسافر معه؟ لماذا لا تدخن مثله؟ لماذا لا تجرب أن تسهر معه ليلة وتشرب المُسكر مثله؟ ها هو هاتفه لا يكاد أن ينقطع الاتصال من الفتيات اللاتي يغازلهن لماذا لا تكون مثله؟


إما أن يحرق ثيابك يؤثر فيك ولو على مسير الوقت قال: “وإما أن تشم منه رائحة خبيثة“
تصبح سمعتك سيئة عندما يقال: والله رأيناه خارجًا من بيت فلان أو رأيناه راكبًا مع فلان في سيارته أو أن فلان يتصل به كثيرًا .

ولذلك كان السلف الصالح -رحمهم الله- يحرصون على مصاحبة الأخيار يحرصون على مصاحبة الصالحين، يبتعد عمن قد يؤثر فيه بألفاظه أو يؤثر فيه بأفعاله...
بل يقول الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: “استكثروا من الأصحاب الصالحين في الدنيا؛ فإنهم ينفعون يوم القيامة“.

في تلك الأيام أصبح الأبناء يمنعون آبائهم من مساعدتهم في بناء حياتهم ويمنعونهم من أختيار الصديق الجيد لهم ، لا .. لابد أن يساعدوا ابنائهم وأن يختاروا الصديق المناسب لهم، وألا يدعوهم بعواطفهم وشهواتهم الخاصة، تميل أنفسهم دون توجيه، فكم من صديق أردى صديقه...
ولو ذهبت اليوم إلى السجون ورأيت الذين عليهم قضايا المخدرات أو ربما أيضًا قضايا المسكرات وقضايا القتل لوجدت الكثير من الشباب، وإذا سألت الواحد منهم عن السبب ذكر لك أن أصدقاءه هم الذين جروه إلى مثل ذلك.

وقد رأيت والله عجائب في مثل هذا ينشأ الشاب صالحًا، ثم يتعرف على رفقة سيئة فيجرونه إلى مخدرات وإلى غيرها بطول جلوسه معهم وغفلة والديه.

ولذلك أيها الإخوة الكرام ينبغي علينا أن نحرص على صحبتنا وعلى من نجالسهم نحن هل يرفعوننا أم يخفضوننا؟  ينبغي أن تحرص على الصحبة وأن تدعو الله -تعالى- لهم بأن يحفظهم من صحبة السوء لعل الله -تعالى- أن يستجيب لك فيقر بذلك عينك.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يصحبون الأخيار، ونسأل الله أن يحفظنا وذرياتنا من صحبة الأشرار، وأن يجمعنا بمن نحب في جناته، أقول ما تسمعون وأستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

تحدث مالك مرة أخرى قائلًا: وكدا نكون خلصنا، حد عنده أي سؤال، أو أي استفسار ؟!

تحدث احد الأشخاص : الله يفتح عليك يا دكتور استفادنا النهاردة جدا والموضوع مؤثر وفعلا بيعاني منه شباب كتير ..

مالك بابتسامة :ربنا يبعد أي سوء عن شباب الأمة الاسلامية كلها..
الجميع: اللهم امين....
بدأ الجميع في الرحيل...فـ نظر مالك مختلسا إلى ذلك الجالس ولا يتحرك، وانتظر حتي خرج جميع المُصلين، انتظر حتى  خرج اخر شخص من الموجودين.
مسك مالك المصحف وبدأ يقرأ به، ليأتي إليه هشام وجلس بالقرب منه، ثم بدأ بالتحدث قائلًا..
هشام بخجل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
مالك بابتسامة: وعليكم السلام ورحمة وبركاته.....ازيك يا هشام عامل ايه؟
هشام بهدوء: الحمدلله كويس وبخير.. أنا بس كنت عاوز اشكرك على وقفتك مع اختي في الظروف اللي فاتت دي..
مالك بابتسامة: لا متقولش كدا، دا واجبي....والدتي واختي بيعزوا الأنسة هاجر والحاجة آيات الله يرحمها جدا، ووقفوا جمبنا يوم وفاة والدي، فـ دا أقل شيء اقدمهولكم، بس أكتر شيء فرحني وجودك هنا النهاردة.
هشام بإحراج : أنا اللي مبسوط، واستفدت كتير من الموضوع اللي حضرتك اتكلمت فيه النهاردة، ويارب اكون اتعلمت ...بمناسبة كلامة عن الصداقة بتمنى حقيقي من كل قلبي إننا نكون اصدقاء، تقبلني صديق؟
مد هشام يده كي يسلم على مالك...فـ مد مالك يده أيضًا كدليل على موافقته على طلب صداقته ثم تحدث بابتسامة قائلا: دا شرف ليا أنا إني أكون صديقك يا هشام، اه وبالمناسبة أنت معزوم أنت والأنسة هاجر على كتب كتاب أختي يوم الجمعة..
ابتسم هشام قائلًا : ربنا يتمملها على خير يارب وإن شاء الله نحضر، استأذنك أنا بقا همشي دلوقت، السلام عليكم.
مالك بحب : وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته..
تحدث مالك في نفسه قائلًا : ربنا يهديك يا هشام ويقبل توبتك ويصلح حالك يارب .

.…………………….………………
مرت الأيام، وجاء موعد عقد قران ضحى وحازم...
جاءت هاجر وشهد للوقوف بجانب ضحى في هذه المناسبة السعيدة، استقبلتهم عبير استقبالًا حارًا، واحتضنتهم وتمنت لهم أن يرزقهم الله بالزوج الصالح، ثم دلفوا إلى غرفة ضحى فـ جدوها تجلس شاردة...
شهد بمشاكسة : إيه ياعروسة قاعدة سرحانة كدة ليه، إيه اللي واخد عقلك؟!
هاجر بابتسامة : مالك ياضحي شكلك مضايقة أوي، ده حتى النهاردة كتب كتابك المفروض تكوني مبسوطة وفرحانة.
ضحى بحزن : كان نفسي بابا يكون معايا في مناسبة زي دي، ويحط أيده في أيد حازم ويسلمني ليه يوم فرحنا.

هاجر بحزن والدموع تملئ عينيها : ربنا يرحمه يااارب، بس الحمد لله ربنا رزقك بمالك... نعم الأخ والسند وكمان طنط عبير معاكي ربنا يخليهالك وأحنا أهو جمبك وهو أكيد مبسوط وحاسس بيكي وفرحان بفرحتك....
ثم أكملت ضاحكة: بلاش تنكدي على نفسك في يوم زي ده وفرفشي كده عشان حازم ميقولش عليكي نكديه من أولها كدة، ويلا قومي البسي عايزين نشوف الفستان عليكي.
قامت ضحى واحتضنت هاجر بشدة، ثم دلفت إلى الغرفة الأخرى لترتدي فستانها.
شردت هاجر قليلا في كلام ضحى وتذكرت أنها ستمر بذلك الموقف؛ لعدم وجود والدها ووالدتها بجانبها في مثل ذلك المناسبة ونزلت دمعه حارقه من عيونها فـ مسحتها سريعا حتى لا ينتبه إليها أحد وتحدثت مع شهد.
هاجر : عقبالك يا شهد إن شاء الله.
شهد بحزن : لا أنا مش بفكر في الموضوع ده دلوقتي، لما أخلص دراسة الأول واشتغل وبعدين ربنا لما يريد بقا.
هاجر : ربنا يكرمك ياحبيبتي بالزوج الصالح يااارب.
جاءت ضحى وكانت ترتدي فستان من الاوف وايت وترتدي حجابًا من نفس لونه، كانت تبدو كـ الملاك في هذه الثياب، جلست بجانب هاجر وشهد ووضعوا لها القليل من مساحيق التجميل وأرتدت هاجر فستان من اللون الاسود، يزينها حجابها الذهبي، ولم تضع أي شيء على وجهها من تلك المساحيق...
وأرتدت شهد فستان من اللون الكاشمير وتركت شعرها منسدلًا على ظهرها، ووضعت القليل من مساحيق التجميل أيضًا
دخلت عبير إلى الغرفة وقد أدمعت عيناها لرؤيه ابنتها التي تستعد لكتب كتابها وبعد أيام ستصبح عروس وستتزوج وتتركها.
احتضنت ضحى وتمنت لها السعادة وقامت باحتضان شهد وهاجر، ثم استعدوا للخروج لبدء كتب الكتاب.
جاء مالك من الخارج وأرتدي ملابسه وانتظر مجيء حازم والمأذون، فقد كانت المناسبة عائليه لم يدعو مالك إلا القليل نظرًا لوفاة والدة هاجر وهشام، جاء كريم ورحب به مالك فقد طلبوا منه ضحى وحازم أن يأتي لكي يكون بالقرب من شهد، وأيضًا جاء هشام وجلسوا ثلاثتهم يتحدثون مع بعضهم البعض إلى حين مجيء حازم والمأذون.
بعد القليل من الوقت جاء حازم مصطحبًا المأذون، والابتسامة تزين وجهه من شدة السعادة..
دق مالك على باب غرفة ضحى  للاستئذان بالدخول وإبلاغهم بمجيء المأذون..
وعندما اذنوا له بالدخول فـ نظر إلى ضحى مباشرة، اقترب إليها واحتضنها بشدة وقبلها من جبينها، لكن عندما وقعت عينيه على هاجر شرد لـ لحظات، تمنى أن تكون أعوام، تمنى أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه زوجته..
كأنهم بعالم أخر، هم الاثنان فقط لا أحد سواهم، لا يشعرون بوجود الجميع حولهم، كأن الوقت متوقف الأن، تبادلوا النظرات بدون حديث، تركوا المجال لأحاديث عيونهم، فـ قد تضيع الكلمات من الانسـان، ولكنها تظل مرسومة في عينيه، وبعض العيون تفضح صـاحبهـا، وتفتن عليه.
"لغة العيون فهمتُـها لكنني، أحتاج صوتِك في الهـوى بـرهانًا.."
قامت ضحى مثل العادة بمشاكستهم.
ضحى: مالك... إيه يا حبيبي مش بتقول المأذون جه هنفضل واقفين كده ولا ايه؟!
ضحكت عبير وشهد على مشاكسة ضحى لاخيها فقد لاحظوا نظرات مالك لهاجر وتمنوا لهم ان يجعلهم الله من نصيب بعضهم.
مالك بضحك: لا يا لمضة مش هنفضل واقفين، يلا نخرج، ربنا يكون في عونك ياحازم يا صاحبي.
احتضنت أخيها قائله: قول يا بخته بيا ده أنا عسل.
وخرجت عبير وضحى وشهد وهاجر من الغرفة ومعهم مالك الذي جلس بجانب المأذون لإتمام القران، بدأ المأذون ووضع مالك يده في يد حازم، وانتهوا بقول المأذون بارك الله لكم وبارك عليكما وجمع بينكما في الخير.
قام مالك باحتضان حازم، وبارك له هشام وكريم واحتضنت عبير ابنتها وباركت لها هاجر وشهد واحتضنوها واقترب لها مالك واحتضنها قائلًا: مبارك يا قلب أخوكي، ربنا يسعدك يااارب ويتمم ليكي على خير.
ضحى بمشاكسه : الله يبارك فيك يا لوكا عقبالك قريب إن شاء الله ثم نظرت لهاجر وغمزت له.
قامت عبير وشهد وهاجر بتحضير الاكل والمشروبات للاحتفال بهذه المناسبة السعيدة وجلسوا سويًا يتحدثون ويضحكون، فكان مالك وكريم يسرقون النظرات من الحين والآخر إلى حورياتهم ويدعون الله أن يجمعهم بهم في الخير.
انتهوا من الطعام وقاموا البنات بمساعدة عبير في حمل الأطباق من على السفرة وآتوا بالمشروبات، واستأذن هشام ليغارد لأنه يشعر بالتعب قليلًا وترك هاجر بعد إصرار عبير وضحى لتجلس معهم، وسيوصلها مالك إلى منزلها.
جلست ضحى بجوار حازم الذي كان يشعر بفرحة كبيرة؛ لأن ضحى اصحبت زوجته الأن.
حازم بسعادة: ده أحلى يوم في عمري إنك بقيتي على اسمي.
ضحى بوجه محتقن بدماء الخجل : أنا كمان مبسوطه اوووي.
حازم بهيام : عارفه ياضحي أنا حبيبتك من أول يوم شوفتك فيه من ساعة ماجيتي الصيدلية لمالك، من اليوم ده وصورتك ما فرقتش خيالي يوم واحد، دايما ألاقي نفسي بفكر فيكي، ودعيت ربنا إنك تكوني من نصيبي والحمد الله استجاب.
ضحى بخجل : أنا كمان فرحانة اوووي ومبسوطة والحمد لله ربنا جمع ما بينا، عقبال هاجر ومالك يااارب وشهد وكريم يفرحوا زي ما إحنا فرحانين دلوقتي.
حازم  بابتسامة: اللهم امين ياااارب.
كانت عبير تجلس مع هاجر ومالك وشهد وكريم فدلفت إلى غرفتها حتى تتركهم بحريتهم ليتحدثوا مع بعضهم وجلست على الفراش وامسكت بصورة عبد الرحمن والدموع في عيونها: بنتك اتكتب كتابها النهاردة، كان نفسي تكون موجود معانا، الفرحة ناقصة من غيرك ربنا يرحمك ويغفرلك يااارب، ودلفت إلى الحمام وتوضأت وصلت ركعتين لله شكر، ودعت لمالك أن يجعل هاجر من نصيبه.
في الخارج كان يجلس مالك بجوار هاجر عم الصمت قليلًا فبدأ مالك بالحديث موجهًا إلى هاجر: عامله إيه دلوقتي؟
هاجر : الحمد لله على كل حال.
مالك : أنا كنت قلقان عليكي علشان بتقعدي لوحدك في البيت،  قصدي كلنا يعني قلقانين عليكي.
ظهرت ابتسامه صغيره على وجه هاجر لاهتمام مالك بها : لا خلاص لازم اتعود على الوضع ده وإن اقعد لوحدي، وبعدين هشام اتغير خالص وبيرجع البيت بدري وبيقعد معايا شوية.
مالك بتساؤل : وأنتى عايزه تقعدي دايما لوحدك كدا، مش عاوزة تفرحينا بيكي زي ضحى، نسيت أقولك عقبالك.
هاجر بخجل :شكرا عقبالك أنت، اخلص بس الجامعة وبعدين افكر في الموضوع ده.
مالك بمشاكسه : ما ضحى في الجامعة اهي واتجوزت وهتكمل دراستها في بيتها.
هاجر بخجل : ربنا يسعدها ياارب ويوفقها.
مالك : مبتجيش تقعدي مع ماما وضحى ليه زي الاول؟ ايه مش بنوحشك يعني قصدي بيوحشوكي يعني .
هاجر بضحكة: هما فعلا بيوحشوني جدًا وإن شاء الله ابقى اجي واقعد معاهم.
مالك في سره : ياااارب تيجي وتقعدي معانا دايما وتكوني من نصيبي ياهاجر ياترى معجبه بيا زي ما انا معجب بيكي كده ومطيره النوم من عيني.
في الجانب الاخر كانت شهد تجلس بجوار كريم الذي تفاجأت بوجوده، وهو أيضًا لم يتوقع أن تأتي نظرا للظروف التي تمر بيها.
كريم : ازيك ياشهد عامله ايه؟عقبالك..
مكنتش متوقع إن اشوفك النهاردة، مع إن كنت بتمنى من ربنا اشوفك واستجاب لدعائي.
شهد بتوتر : أنا الحمد لله بخير، ازاي مجيش لضحي واقف جمبها في مناسبة زي دي، ضحى دي صاحبة عمري مهما كانت الظروف لازم أكون معاها.
كريم بحزن : بتهربي مني ليه ياشهد؟!
كل لما أرنلك تليفونك يا اما مقفول يا اما مش بتردي عليا وبقلق عليكي دايما... أنا محتاجك جمبي يا شهد وعايزك...
ليه بتعذبيني دايما؟ أنا ماليش دعوة باللي حصل في الفترة اللي فاتت....وعايزك أنتي كمان تنسى وتفكري في حياتك ومستقبلك بس واحنا مع بعض.
شهد بحزن : الكلام ده مينفعش دلوقتي ياكريم أنا منفعش ليك ولا لغيرك متظلمش نفسك معايا، أنت وقفت معايا طول الفترة اللي فاتت، مع إن أنا مكنتش بسمع كلامك، أنا كنت ماشيه ورا قلبي لحد ما ضيعت نفسي، أنت تستاهل واحدة احسن مني بكتير   شوف مستقبلك وإنساني ياكريم.
كريم بحدة انتبه له الآخرون : وأنا مش عايز غيرك ياشهد ومش هتجوز غيرك، أنتي كل حاجه في حياتي، وعايز أنا كمان أكون كل حياتك، وأنا اهو قدامهم كلهم بطلب إيدك وبقولك متفكريش في أي حاجه حصلت ارمي الماضي وراء ضهرك ونبدأ من جديد وأنا معاكي هنعيش أسعد أيام حياتنا.
شهد بفرحة بتمسك كريم بها : أنا موافقة ياكريم وأرتمت بين احضانه.
مالك وحازم بصوت واحد : احم نحن هنا. إيه يا كيمو استنى لما تكتب الكتاب حتى.
مالك بمشاكسه : كل الأحبه اتجمعوا، ثم نظر إلى هاجر قائلًا: عقبالي يااااااارب.
جلسوا جميعا يضحكون ويتسامرون فارحين لموافقه شهد بارتباط كريم بها، وجلس مالك يفكر متى سيصبح مثلهم ويصارح هاجر بمشاعره تجاهها وعدى الوقت سريعا وغادر حازم وكريم وشهد الذي صمم كريم ان يوصلها إلى منزلها وغادرت هاجر مع مالك ليوصلها إلى منزلها أيضا.
...……………….….…………………………………………

بعد مرور اسبوعين على عقد قران ضحى وحازم...  كانت هاجر جالسة تُفكر في مالك، كان يقف معها دائمًا، كلما احتاجته وجدته بجانبها، فهي أصبحت متعلقة به أكثر من قبل، وايضًا هشام الذي تغير 180 درجة... فهو لم يعد كما كان نهائيًا، وأنقلب رأسًا على عقب، ولكن شرودها هذا لم يدم طويلاً ... حيث أنها فاقت على صوت جرس الباب...
هاجر باستعجاب:  يا ترى مين اللي جايلي دلوقت ... هشام في الشركة ومش بيجي دلوقت!
أتجهت لتفتح الباب ... تفاجأت بوجود ضحى وشهد أمامها ... فهي لم تراهم منذ أسبوعين،
فابتسمت هاجر ثم تحدثت قائلة: أهلًا، إيه المفاجأة الحلوة دي، اتفضلوا.
استقبلتهم هاجر استقبالًا حارًا، ثم جلسوا جميعًا في الصالون...
ثم تحدثت ضحى بمكر: إحنا لقيناكي مش بتيجي تشوفينا ،قولنا نيجي احنا.
هاجر: والله كنت مشغولة في الكلية وكدا حقكوا عليا.
شهد بضحك: أمم خلاص سماح المرادي.
هاجر بابتسامة: ماشي يا ستي، المهم تشربوا إيه؟!
ضحى: لا يا حبيبتي إحنا مش جايين نشرب إحنا جايين نقعد معاكي.
هاجر: لا لازم برضوا تشربوا حاجة، وأقعدوا معايا براحتكم.
امسكتها ضحى من يديها وأجلستها مرة أخرى : يا ستي أقعدي إحنا مش عاوزين حاجة.
ضحكوا جميعهم ثم تحدثت شهد: عاملة إيه في كليتك يا هاجر ؟
هاجر: الحمد لله، امتحاناتي قربت أهو..
ضحى بحب: بالتوفيق يا حبيبتي.
شهد بتساؤل: هتخلصي وتشتغلي في شركتوا صح؟
هاجر بابتسامة: أه إن شاء الله.
أنتوا مش متخيلين أنا فرحانة قد إيه..
هشام بقى حد تاني خالص ، بقى يدير الشركة كويس، الشركة اليومين دول حققت ربح كويس، وبقى يصلي، ومبيسهرش برا خالص، وبقى يعاملني كويس، ومش مخليني محتاجة حاجة... عوضني عن بابا وماما الله يرحمهم.
فردت ضحى بحب: الله يرحمهم يا حبيبتي، أما عن هشام فربنا يثبته على كدا يارب ، وميرجعش للي كان ماشي فيه تاني، ومالك قالك قبل كدا يا حبيبتي أنه هيبقى كويس، وأهو بقى كدا فعلاً الحمد لله.
هاجر بابتسامة: أيوا الحمد لله، مين كان يتخيل.
فردت شهد: فعلاً ويهدي من يشاء.. الحمد لله ربنا هداه وإن شاء الله هيعوضك عن كل السنين اللي فاتت.
هاجر: إن شاء الله يا حبيبتي.
فتبادلت النظرات بين ضحى وشهد دليل على بدء تنفيذ خطتهم...
ضحى نظرت إلى أعلى وكأنها تتأمل في شيء ما، ثم تحدثت قائلة: يااااه مفيش أجمل من الحب، مفيش أجمل من أنك تلاقي نصك التاني، اللي يكملك ويشاركك في كل حاجة...
فنظرت شهد هي الأخرى إلى الأعلى وتحدثت قائلة: ياااه عندك حق والله يا ضحى، مفيش أجمل من أنك تلاقي حد بيخاف عليكي، وبيهتم بيكي، يبقى عايز يشوفك في كل وقت، يبقى بيتحجج بأي حجة ولو صغيرة عشان يتكلم معاكي بس.
فاندهشت هاجر من ضحى وشهد... فهي لا تفهم ما الذي يفعلونه.. فأصبحت متحيرة في أمرهم ، ثم نظرت إلى السقف هي الأخرى وتحدثت قائلة: هو فيه إيه؟! هو أنتوا شايفين حاجة في السقف أنا مش شايفاها؟
فلم يُعيرها أي منهم أي اهتمام...
وأكملت ضحى حديثها: ياااه أما يبقى فيه شخص شاغل كل تفكيره بيكي إنتي بس، وأما يشوفك ينسى كل الدنيا ويسرح في عنيكي....
وستُكمل ضحى حديثها.. حتى قطعتها هاجر قائلة: جماعة فهموني فيه إيه؟  قلبتوا انتوا الاتنين رومانسيين مرة واحدة؟
فسألتها شهد: طيب يا هاجر سيبك من كل دا واضح أنك مفهمتيش.. مش بتفكري ترتبطي زينا كدا ؟
ثم أكملت ضاحكة: ما غيرتيش مننا يعني ؟
فتحدثت هاجر بعدم اهتمام: لا مش بفكر في الموضوع ده دلوقتي خالص، أما أخلص الجامعة الأول.
فردت ضحى: عادي يعني مأنا أتجوزت أهو ولسه مخلصتش جامعه!
فردت هاجر: ربنا يوفقك يا حبيبتي بس أنا مش بفكر خالص...
ثم شردت هاجر ولاحظت أن هذا الحوار دار من قبل ثم تحدثت إلى نفسها: أه صح مالك كان قايلي نفس الكلام ده في فرح ضحى، غريبة.
فقطعت ضحى شرودها وتحدثت قائلة: مش بتفكري في الجواز برضوا حتى لو مالك؟؟؟
فلم تنتبه هاجر لما قالته ضحى وردت بعدم تركيز قائلة: يا بنتي قولتلك مش هوافق حتى لو ما......
فانتبهت هاجر لما قالته ضحى .... وصمتت فجأة ... وما عادت قادرة على الحركة أو الكلام... فهي لا تُصدق ما سمعته من ضحى، أهم كانوا يفعلون كل هذا ليُلمحون لها بالموضوع؟؟؟
هل كل هذا حقيقة أم حلم ، فهي أخيرًا علمت حقيقة مشاعر مالك تجاهها، فهي لا تُصدق نفسها.....
فقد وقفت الكلمات والحروف عاجزة عن وصف تلك المشاعر التي ينبض بها القلب وتحيا بها النفس...
ظلت ضحى وشهد يراقبان ردة فعلها في صمت... فقد ظهر عليها الفرحة والصدمة والارتباك في نفس الوقت ... هذه هي مشاعر الحب ..
حتى أرادت شهد قطع شرودها فتحدثت قائلة: إيه الجميل سرحان في إيه؟؟
هي الملامح دي و ردة الفعل تدل على أنك موافقة صح؟!
فارتبكت هاجر ثم تحدثت قائلة: مش بالظبط يعني بس...
ضحى ضاحكة: بس إيه بس يا حبيبتي، احنا عارفين أنك موافقة أصلا، يلا على خيرة الله.
ففرحت هاجر لمعرفتهم حقيقة مشاعرها من دون أن تتحدث ثم ابتسمت والخجل يملأ وجهها.
شهد: يلا بقى يا ضحى... عشان منتأخرش ونسيب هاجر لوحدها شوية.
فضحكت ضحى ثم قالت: ماشي يا شهد يلا، مع السلامة يا حبيبتي.
فأوصلتهم هاجر إلى الباب ثم سلموا على بعضهم وبعدها إنصرفوا.....
وتركوا هاجر وحدها، وما زالت  في صدمتها....
...…………………………..……

الإرث الملعون حيث تعيش القصص. اكتشف الآن