الفصل الحادي عشر | لـمـعـة الـعـيـن الـأولـى |

33.8K 1.1K 40
                                        

{وفي رحمة الله متّسع لكل قلبٍ أثقله الحزن، وفي قربه طمأنينة تُبدّد كل خوف، فهو الأعلم بما تُخفيه الصدور،
والأقدر على جبر ما انكسر.}

{‏إن مُحمَّدًا له في القلبِ حُبًا فصلّوا عليه كي يزيد الحُبّ حبًا.}

______________

لم تكن العيون يومًا سلاحًا يُشهره العاشق في وجه عدوه، لكن حين التقت عيناهما، بدا الأمر كمعركة لا صوت لها، معركة من نوعٍ آخر...

نظرة واحدة، حادة كحد السيف، لكنها تحمل في عمقها دفء النار حين تشتعل في ليلٍ بارد.

تلك اللحظة العابرة، التي لم تتجاوز ثوانٍ، انغرست في القلب كالسهم، حتى وإن أنكر كلاهما ذلك بلسانه.

كان كل منهما يكره الآخر بكل ما أوتي من عناد، يترصّد الفرصة لينتصر عليه في حربهم التي أعلنت منذ زمن، لكن شيئًا ما في تلك النظرة جعل الخطوط تتشابك، وجعل الحرب أكثر تعقيدًا.

لم تكن لمعة العين الأولى بريق حب، بل كانت اعترافًا خفيًا بأن القلب - رغم كل الحواجز - قد لمح شيئًا يخشى أن يراه مرة أخرى... أو ربما يتوق إليه أكثر مما يظن.

أصرَّ وجيه أن يأخذ كلٌّ منهما زوجته، ليذهبا جميعًا لتناول العشاء في أحد المطاعم، بعد أن انتهى زفاف ريان ومياسة، وأُقيم لهما احتفال صغير.

قاد رافع السيارة بهدوء متعمد، يشق طريقه نحو أحد المطاعم الفاخرة في منطقة راقية وهادئة من قلب القاهرة، بينما جلست رِسال بجانبه، تحدق في الطريق بعينين شاردتين، يكسوهما الضيق من وجودها معه.

لم يحاول رافع أن يفتح معها حديثًا أو حتى أن يلتفت إليها، متجاهلًا وجودها كأنها ظلّ لا يراه، مما زاد ضيقها وأشعل في صدرها غيظًا مكتومًا.

وبعد ساعة كاملة من القيادة الصامتة، وصلا أخيرًا. ترجل رافع من السيارة بخطوات واثقة، ودخل إلى المطعم دون أن يكلف نفسه عناء الالتفات إليها أو انتظارها.

عضّت رِسال على شفتها السفلى بقهر، ثم نزلت من السيارة وهي تخطو بسرعة غاضبة. وما إن دخلت حتى وقع بصرها عليه جالسًا على إحدى الطاولات، فاندفعت نحوه تقول بغيظ:

-أنتَ واحد وقح على فكرة.

ارتشف رافع رشفة هادئة من كوب الماء أمامه، وأومأ برأسه إيجابًا دون أن ينبس بكلمة.
زفرت رِسال بضيق وجلست بجانبه، تتمتم بحدة:

-أنا عاوزه أمشي، يا تروحني، يا هخرج أركب تاكسي وأمشي.

رفع عينيه نحوها ببرود قاتل، وتجاهلها للمرة الثالثة، حتى كاد صبرها ينفد. نهضت بعصبية، وكادت تدير ظهرها، لكنه قبض على معصمها فجأة، وجذبها لتجلس بجواره مجددًا، وهو يتشدق ببرود مستفز:

الــورثــة | قـيـد الـتـعـديـل |حيث تعيش القصص. اكتشف الآن