{ما ضاق صدرٌ بذكر الله إلّا اتّسع، وما أثقلت الهموم قلبًا لجأ إلى ربّه إلّا خفَّ، ففي القرب من الله طمأنينة لا يعرفها إلّا من جرّب، ونورٌ يبدّد عتمة الطريق مهما طال.}
{إن مُحمَّدًا لهُ في القلبِ حُبًا، فصلّوا عليه كي يزيد الحُبّ حبًا.}
__________________
ما بين الرحيل والوصال، تضيع أرواح وتُبعث أخرى من رمادها. هناك قلوب اختارت أن تُغادر صامتة، تاركة خلفها أنينًا لا يُسمع إلا في ليلٍ طويلٍ مثقوب بالوحدة، وقلوب أخرى عادت بعد غياب، كأنها كانت تبحث عن طريق العودة منذ البداية.
ما بين الرحيل والوصال، يتكشّف الضعف الإنساني في أبهى صوره؛ لحظة تنكسر فيها كل الجسور، وأخرى تُبنى فيها من جديد فوق شقوق الألم.
إنَّه الامتحان الأبدي الذي تخوضه الأرواح؛ أن تختار إمَّا أن تظل سجينة للفقد، أو أن تجرؤ على التشبث بيدٍ أُخرى تمتد من بين العتمة.
الرحيل ليس دائمًا خيانة، كما أن الوصال ليس دائمًا نجاة. أحيانًا يرحل أحدهم ليترك مساحة للنور أن يتسلل، وأحيانًا يعود آخر ليُخبر القلب أن الحياة لم تتوقف بعد.
وما بين هذه الثنائية الموجعة، تتأرجح القلوب، تبحث عن مستقرٍ يليق بوجعها، وعن مأمنٍ يليق بصدقها.
في النهاية، يظل السؤال معلقًا في فضاء الأيام: أيُّهما أصدق؟ الرحيل الذي يُوجعنا ويعلّمنا كيف نصبر؟ أم الوصال الذي يُحيينا من جديد ولو بعد انكسار؟
قاد رافع السيارة بجنون، كأن الطريق يبتلع أنفاسه قبل أن يصل. كانت قبضته مشدودة على المقود، وصدره يعلو ويهبط في فوضى الرعب الذي اعتصره على ابنة عمه. إلى جواره جلست رِسال، تحدّق في الطريق بعينين مضطربتين، تارة تتشبث بلوحة القيادة وكأنها تُمسك بآخر خيط أمان، وتارة تلتفت إلى رافع في ارتباك، ترى فيه خليطًا من الخوف والغضب والانفعال الذي يكاد يفتك به.
وصل إلى البرج الخاص بالعائلة في وقت قياسي، لم يُدرك كيف اختصر المسافة، كأن الأرض قد طُويت تحت قدميه. ما إن أوقف السيارة حتى اندفع منها اندفاع العاصفة، يركض إلى الداخل متجاوزًا الأمن والدهشة التي ارتسمت على وجوههم. صعد السلالم بخطوات متلاحقة كمن يهرب من قدر أسود يُطارده.
وعند الطابق الثالث، توقّف قلبه للحظة وهو يُبصر باب شقة ريان مفتوحًا على مصراعيه، وقطرات دماء متناثرة على العتبة كأنها شواهد على مأساة وشيكة. كاد صوته يختنق وهو يصرخ باسم مياسة، ثم اندفع إلى الداخل دون تردد.
دخلت رِسال خلفه، يكسوها قلق غريب، تتأمل الفوضى التي عمّت المكان؛ الأثاث مقلوب، والوسائد مُتناثرة، والهدوء الموحش يبعث على الجنون. اندفع رافع إلى الغرفة الخاصة بمياسة وريان، يطرق الباب بجنون، وحين لم يتلقَّ جوابًا، صرخ من أعماقه ودفع الباب بذراعيه بعنف حتى انخلع من موضعه وسقط مُشرعًا كأنه انصاع لفاجعة تنتظرهما.
أنت تقرأ
الــورثــة | قـيـد الـتـعـديـل |
Cintaفي العائلات الكبيرة، تُخفى الأخطاء تحت بساط الهيبة، وتُدفن الأسرار في صدورٍ أُجبرت على الصمت. لكن ليس كل من سكت... نسي. وليس كل من غاب... انكسر. هناك دائماً من يعود، يحمل في قلبه حسابًا مؤجلًا، وقوّة لا يعرفها إلا من ذاق طعم الخذلان. وجوههن قد تبدو...
