الفصل العشرون | شـرارة الـحـرب |

26.2K 626 27
                                        

{كل ما في الدنيا زائل، ولا بقاء إلا لما عند الله. والقدر لا يرحم من تعلق بغيره، لكن من توكل على الله سلّم قلبه، فاطمأن مهما عصفت به الحياة.}

{إن مُحمَّدًا لهُ في القلبِ حُبًا، ‏فصلّوا عليه كي يزيد الحُبّ حبًا.}

                            ___________

حين تنطفئ مساحات الوهم، وحين تنكشف الوجوه التي لطالما تجمّلت بالكذب والخداع، لا يتبقى في الساحة سوى حقائق عارية، جارحة، تتطاير منها شظايا الحقد والدم.

هناك لحظة فاصلة ينهار عندها الصبر، وتنهض العداوة من بين الركام لتفرض حضورها كوحشٍ لا يُروَّض. تلك اللحظة التي لا تعود بعدها القلوب كما كانت، ولا يظل الطريق ممهدًا للصلح، بل يصبح مسرحًا لحرب لا ينجو منها أحد.

كل طرفٍ يظن نفسه على الحق، وكلٌّ يحمل في صدره ندوبًا قديمة، غائرة، أُعيد فتحها بجراحٍ أشدّ عمقًا. لم يعد هناك مكان للتسامح، ولا لزيف المودّة، فالحقيقة خرجت من مخابئها، ودمها يغلي كالنار المشتعلة في هشيمٍ جافّ.

وما إن تشتعل الشرارة الأولى حتى تتسابق النيران في التهام كل شيء، فلا تُبقي سوى أطلال وحسرة، ودموع لا تجف.

إن ما ينتظرهم ليس سوى حربٍ باردة في ظاهرها، مشتعلة في بواطنها؛ حرب بين قلوب محطمة، وعقول لا تعرف سوى الانتقام، وأرواح سُلبت منها الطمأنينة. وكل خطوة قادمة، كل كلمة تُقال، ستكون سهمًا جديدًا يغرس في صدر الآخر بلا رحمة.

إنه زمن الحقد، زمن الانفجار الكبير… حيث لم يعد للودّ مكان، ولا للسلام سبيل. وكل ما سيأتي هو صراع مرير، لن يُبقي من الأحلام إلا رمادًا مبعثرًا، ولن يترك في القلوب إلا نزفًا لا ينتهي.

كان ممرّ المستشفى يغرق في صمت ثقيل، صمتٍ لا يقطعه سوى صوت دقات عقارب الساعة على الجدار، وأنفاس العائلة المتلاحقة وهم مصطفّون على المقاعد، وجوههم شاحبة يكسوها القلق، والعيون متعلقة بباب غرفة العمليات المغلق.

عزّام جلس ويده متشابكة في بعضها بإرتجافٍ واضح، عاصف واقف واضع كفيه في جيبه يحاول أن يخفي توتره، رهام تنظر إلى الأرض كأنها تحاول الفرار من لحظة الانتظار، ورِسال وقلبها يطرق صدرها بقوة، كأنها تُدرك أن القادم أثقل مما تتخيل.

وفجأة، فُتح الباب، وخرج الطبيب بخطوات بطيئة، وملامحه جامدة تحمل ثِقَل الخبر.. ارتفعت العيون كلها نحوه بلهفة، واقترب عزّام بخوفٍ مرتعش:

-دكتور… وجيه عامل إيه؟

تنفس الطبيب بعمق قبل أن يجيب بصوت هادئ لكنه صارم:

-هو نجا من النزيف… لكن للأسف دخل في غيبوبة… ومحدش يقدر يحدد هتستمر قد إيه.

كلمات الطبيب سقطت كالصاعقة، لتشيع صمتًا أكبر، وكأن الهواء نفسه أثقل من أن يُستنشق. انحنت النساء تبكي بهدوء، وعاصف يضغط على أسنانه كي لا ينفجر، بينما مياسة تشبثت بيد شقيقها في صمتٍ مطبق.

الــورثــة | قـيـد الـتـعـديـل |حيث تعيش القصص. اكتشف الآن