الفصل الثامن والعشرون | خـيـوط الـظـلـام |

26.8K 1K 79
                                        

{حين يظن الإنسان أن الظلام أحاط به من كل جانب، وأن الظلم قد طواه، تذكر أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وأن كل سرّ سيُكشف، وكل مظلوم سينتصر، وكل ظالم سيُحاسب. فثق أن قضاؤه الحكيم أعدل من كل البشر، وأن في الصبر والأناة نجاة، وفي التوكل على الله قوة لا تهزم.}

{إن مُحمَّدًا لهُ في القلبِ حُبًا، ‏فصلّوا عليه كي يزيد الحُبّ حبًا.}

                      _________________

في صمت الليل العميق، حيث تختبئ الأسرار بين طيات الظلام، شعرت الروح وكأنها تُسحب إلى ما لا يُرى، إلى ما لا يُسمع إلا بصدى القلب.

هناك، في زوايا النفس، تختبئ الأسئلة التي لا تجد إجابة، والحقائق التي تُثقل القلب قبل العينين. كل لحظة تمرّ كانت كالسيف، يجرح بلا دم، ويترك أثرًا لا يُمحى، يذكرك بأن ما نراه ليس إلا ظلًّا لما كان وما سيكون.

المدينة نائمة، لكن أسرارها مستيقظة، تتحرك بين جدران البيوت، تتسرب في شوارعها، تراقبنا ونحن نخطو، كأن هناك عينًا خفية لا تنام.

والشمس التي على وشك أن تشرق، لا تبدّد كل الظلال، بل تكشفها لتزداد حدة، لتصنع في النفوس خوفًا من الغد، وفضولًا لا يُقاوم لمعرفة الحقيقة.

في هذه الأثناء، تتلمّس هي طريقها وسط ضجيج القلب وأصداء الماضي، تدرك أن كل ما حدث لم يكن صدفة، وأن اليد التي تحرك الأحداث كانت خفية، دقيقة، قاسية.

كل نفس تلتقطه، كل صوت يخترق صمتها، كل ورقة تُمسك بها، يحمل معها وعدًا بأن الغموض لم يُكشف بعد، وأن الحقيقة لم تُقال بالكامل.

الآن، وعندما تتلاقى خيوط الماضي مع حاضرٍ هشّ، ومع من لم يُكشف عنهم بعد، تشعر أن الوقت يتقلّص، وأن كل لحظة تحمل معها وزنًا من الترقب والرعب والفضول، وأنه مهما حاول أحدهم أن يخفي الشر أو يموّه الحقيقة، فإن الصياد سيأتي يومًا ليجني ما زرعه، وسيكشف المستور، مهما طال الزمان أو كتم الصوت.

مرّت ثلاثةُ أيامٍ كأنها دهور، ثِقالٌ على صدور الجميع، كأن الزمن نفسه أبى أن يمضي سريعًا.

حادثةُ رافع كانت كالطعنة في قلب العائلة، إذ يرقد في العناية المُشددة مثخنًا بجراحه، مُحاطًا بأجهزة تُبقي أنفاسه حاضرة بين الحياة والموت. إصاباته الخطيرة جعلت القلق يخيّم كسحابة سوداء لا تنقشع، تُظلّل القصر والقرية وكل من عرفه.

خرجت رِسال من قيد الحبس لتصطدم بخبر الحادثة، فتزلزل كيانها، وتاهت بين وجعها وخوفها، كأن الأرض قد غاصت تحت قدميها. كانت نظراتها متعبة، تتأرجح بين الرجاء واليأس، بين دعاءٍ صامت وأنين مكتوم لا يسمعه سواها.

القلوب جميعها كانت مُثقلة بالخوف عليه، حتى الجدران بدت وكأنها تشهد على صمتٍ موجوع يكسو المكان. الليل يمرّ بطيئًا، والنهار أشد قسوة، والأنفاس محملة بالترقب.

الــورثــة | قـيـد الـتـعـديـل |حيث تعيش القصص. اكتشف الآن