...
..
تفحصني بنظراته الثاقبة من رأسي حتى أخمص قدميّ، عدل نظارته الدائرية التي بالكاد يتجاوز اتساعها محيط عينيه الضيقتين وتململ في جلسته على الكرسي الجلدي بجسده الممتلئ خلف طاولةٍ من خشب الزان الرخيص التي تمتد أفقيًا بطول مترين ويبلغ ارتفاعها مترًا، مسح على رأسه الحليق وانزلقت يده حتى استقرت في رقبته وأخذ يفركها بضجر، كنتُ أراقب كل حركةٍ تصدر عنه لألتقط أول ما تنبس به شفتاه:"ما الذي تستطيع القيام به يا فتى؟ ".
قال أخيراً قاطعاً حاجز الصمت الذي طال كدهرٍ من الزمن:
"سأفعل أي شيء تكلفني به".
"هممممم".
عدل نظارته ذات العدسات الضيقة وقرّب جسده من الطاولة وشبك فوقها أصابعه.
"لا يبدو لي أن جسدك الواهن قادرٌ على تحمل الـ...
"لا يا سيدي، أستطيع العمل صدقني.. وقد عملتُ من قبل في صنع الأثاث"قلتُ مقاطعاً كلامه باندفاع، فافتر فمه عن ابتسامةٍ استحالت لضحكة مجلجلة تدفقت على إثرها الدموع من عينيه، أبعد نظارته بيُسراه وبأصابع يده اليمنى مسح دموعه ثم أعاد نظارته.
"يا لك من مُتسرع! لم تمهلني حتى أكمل كلامي... الواقع يا صغيري أن العمل هنا لن يتطلب عبئًا جسمانيًا".
ارتخت عضلاتي وأصغيتُ له:
"قد أوظفكَ كمساعدٍ لي".
وأشار بيده لما يزخر به المحل من قطع الأقمشة الزاهية بخاماتها المتعددة المزدانة بنقوشٍ فريدةٍ وألوانٍ مُلفِتة..
"ستكون وظيفتك هي عرض هذه الخامات للزبائن ولاحقًا سأعلمك كل ما يَلزم بشأنها".
"متى سأبدأ العمل يا سيدي".
ضحك ضحكةً قصيرةً وقال:
"ليس بهذه السرعة أيها الفتى علي إخبار المالك أولاً وأخذ الموافقة منه".
"أولستَ أنتَ المالك!".
"لا أيها الصغير، ما أنا إلا بائع، يلزمك تعلم الكثير بشأن التجارة".
لم أعلق رغم رغبتي بقول الكثير، رجلٌ مثله بدا لي في الخمسين يملك حذقاً ونظرةً ثاقبةً لا تخفى على أحد، أنى له أن يكتفي بوظيفةٍ بهذه البساطة لا تليق بمستواه!
أخبرته باسمي وأعطيته أوراقي الثبوتية ليفحصها، أبدى استغرابه حين علِم بعمري وازداد استغرابه أو لنقل دهشته كَوني لم أدخل المدرسة من قبل ولم أتلق تعليماً، لكنه بيَّن لي أن ذلك لن يؤثر على توظيفي.
أنت تقرأ
أشِقّاء
Lãng mạnفي حُجرةٍ ضيقة... إضاءتها خافِتة... فتحَت الكتاب وبدأت بقراءة القصة لطفلها... كانت تقرؤها له دومًا... فتعلق بها وأحبها... فسمّى شقيقه على اسم بطلها... الذي عاش وحيدًا... ماتت أمه... فأضحى شقيقه يعني له كل شيء... كل شيء... كما قال يومًا... "ل...