١٨) آباء.

1.7K 172 134
                                    

...
..

أبعدتُ الخصل التي تمردت على وجهه،  تقطب حاجبَاه حين أحس ببرودة الكمادة وهي تُلامس جبينه، ينشد جفناه تارةً ويرتخيان تارةً أخرى.

"تعافَ بسرعة،  لن أسمح لك بالبقاء هكذا فترةً أطول..  عليكَ أن تتعافى .. ".

قلتُ هامسًا،  والحسرة تلون صوتي وكلماتي.

دوى هزيم الرعد فارتعدت النوافذ،  قمتُ بتثاقلٍ وأزحتُ ستائر النافذة، تأملتُ الغيوم التي لبّدت السماء، وانهمر منها الودق هُوينًا هُوينًا.
أضاء البرق سماء الليل الحالكة،  واشتد انهمار المطر مُعلنًا ابتداء موسمٍ مغمورٍ بالمياه.

نظرت إليه،  نائمًا على سريره،  غير واعٍ لما حوله،  لم يوقظه لغط المطر،  ولا برودة الكمادات، ولا حديثي معه.

مر على انتكاسته الأخيرة ثلاثة أشهر،  والآن عاودته مثل لعنةٍ تأبى الانجلاء،  رفض الذهاب للمشفى،  وأصر بأنها ستزول في أيام،  انخفضت قليلًا لكنها لم تزُل بعد،  آلمني قلبي حين تذكرتُ محادثتنا الليلة الماضية، أسندتُ جبيني على النافذة، فتسربت برودتها إلى جسدي، شعرتُ أنني أندمج مع المطر الذي يسيل على زجاجها مثل شلالات،  أغلقتُ عينيّ مُستحضرًا ذكريات البارحة،  وصوت المطر بدا بعيدًا مثل حلم.

...

أحدث رافع حالة استنفارٍ في المحل بعد أن أخبره المالك أنه سيأتي في غضون أيام.

"ذلك الرجل لا يعرف كيف يكون واضحًا،  ماذا يضره لو قال أي يومٍ سيُداهمنا فيه! ".

قال متذمرًا وهو يحتسي الشاي في كوبٍ ورقي،  حك رأسه بضجرٍ وزفر موجهًا الحديث إلى نفسه كما هي عادته:

"لكن ليس من عادته أن يقول بأنه قادم،  إنه يُداهم المحل عادةً بلا إخطار.. ".

كان لدي فضولٌ لرؤية المالك الذي ما يفتأ رافع يتذمر بشأنه،  أردتُ رؤية التغير الذي سيطرأ عليه حين يراه،  ورجوتُ ألا أغرق في نوبة ضحك وأنا أرى رافع خاضعًا ولا يجرؤ على تكرار هذا الكلام أمامه..

رفعتُ نظري للسماء وأنا أسير عائدًا،  كانت ملبدةً بالغيم،  يتسلل ضوء الشمس من ثناياها بإصرار،  مرت أيام لم يُفارق فيها الغيم السماء،  لكن لم تنزل قطرةٌ واحدةٌ من الماء.

"أتريد توصيلة..؟ "

التفت لذلك الصوت المألوف فرأيتُ فراس على دراجته النارية،  أشار بإبهامه للمقعد الخلفي وهو يستعد للانطلاق ثانيةً.

أشِقّاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن