...
..وضع قلم الرصاص خلف أذنه وهو يهز رجله بتوتر واضعًا سماعة الهاتف عند أذنه الأخرى، حاجباه يُقطبان ويسترخيان كما صوته وهو يتفاوض مع الزبون.
أرحتُ خدي على يدي وأنا أتأمل هندامه الغريب، بنطالٌ أصفر وقميص أزرق طويل الأكمام وحذاءٌ أحمر، خشيتُ أن افقد بصري لو طال أمَدُ عملي عنده.
أغلق السماعة واستراح في جلسته وهو يمد يديه بإرهاق، نظر إلي وابتسم ابتسامةً واسعةً وقال بحماس:
"العمل قادم!.. .".
"ماذا قال لك..؟ ".
"سنذهب غدًا أنا وأنتَ لنُعاين البناء، ما زال في مراحله الأولى، علينا التحقق من أصغر التفاصيل فيه، غدوتَ قادرًا على ذلك صحيح؟".
"أظن هذا.. ".
"أنتَ تتعلم بسرعة، كنتُ واثقًا أن خالي لم يرشحكَ لي عبثًا.. ".
ابتسمتُ بهدوء وأنا أنقل بصري للمخطط المفرود على المكتب أمامي، حصل مؤيد على عرض لتصميم معهد لتعلم اللغات، كانت المرة الأولى التي يحصل فيها على فرصةٍ لتصميم بناءٍ من الصفر، عادةً لا يحصل شخصٌ بسنه وخبرته التي لا تتجاوز الثلاث سنوات على عرضٍ كهذا، ولكن موهبته الفريدة ساهمت في تسارع صعود اسمه كمهندس داخلي، علمتُ منه أنه كان مولعًا بهذا المجال منذ صِغره، لكن الجميع أحبطه بمن فيهم والديه، ولولا تشجيع خاله رافع له واقتراحه بأن يفتح مكتبًا حالما يتخرج لما اختار دراسة هذا المجال وتكريس نفسه وحياته له.
يتضح ولع مؤيد بالألوان والتصميم من الطراز الفريد لمكتبه، الذي لا يمكن أن يخطر على بالك لونٌ إلا وتجده في إحدى تفاصيله، الأرضية الخشبية التي تتدرج ألوانها من الغامق في أطرافها إلى الفاتح في وسطها، الحوائط التي استلهم كل واحد منها من حضارةٍ ما، تتوسط الغرفة طاولةٌ بيضاوية فضية قواعدها بنفسجية كلون مقاعدها الست التي بلا ظهر، كان يعقد عليها الاجتماعات والمفاوضات مع الزبائن ويُعد عليها مخططاته، ولكلٍ منا مكتبه المركون إلى إحدى الحوائط، كنتُ أساعده حين أكون في المكتب -إن لم أكن في جولةٍ استطلاعية- في مراجعة المخططات بعد أن علمني أساسيات التخطيط إلى جانب العديد من الأشياء المتعلقة بمجال التصميم الداخلي، ومن جهتي أعطيته بعض الملاحظات التي تكونت من خبرتي كصانع أثاثٍ بسيط.
كانت صدمتي عارمةً حين قال لي أن مالك محل الأقمشة تنازل عن ملكيته لرافع بعد تركه للمدينة، شكرًا منه على عمله الدؤوب لأكثر من عقد، لم أتوقع أن لسالم جانبٌ كهذا.
أنت تقرأ
أشِقّاء
Romanceفي حُجرةٍ ضيقة... إضاءتها خافِتة... فتحَت الكتاب وبدأت بقراءة القصة لطفلها... كانت تقرؤها له دومًا... فتعلق بها وأحبها... فسمّى شقيقه على اسم بطلها... الذي عاش وحيدًا... ماتت أمه... فأضحى شقيقه يعني له كل شيء... كل شيء... كما قال يومًا... "ل...