..
.."فوجي.. فوجي.. فوجي.. ".
شددتُ إغلاق جفنيّ بانزعاجٍ من صوتها الرنان وتشويهها لاسمي الجميل كيفما يحلو لها، كررت نداءها بنفس الرتم والنبرة مثل مسجل معطل، ففتحتُ عينيّ على اتساعهما ووجهتُ مُقلتيّ للواقفة بيدين معقودتين جانب سريري ولم تتوقف نداءاتها المستفزة حتى بعد فتح عينيّ.
"ماذا.. ماذا.. ماذا!.. ".
هتفتُ بأعلى صوت، أمالت رأسها للجانب فمال معه شعرها الطويل وقالت ساخرة:
"أشفق على يزيد المسكين! سيتعين عليه رؤية هذا الوجه المنتفخ كل صباح".
ألقيتُ أقرب وسادةٍ التقطتها يدي عليها لكنها تفادتها، فرفعتُ أخرى في استعدادٍ لرميها لكنها تحركت للباب هاربةً وأغلقته بسرعةٍ فارتطمت به الوسادة عوضًا عنها.
زفرتُ بانزعاجٍ وأنا أرفع جسدي بإعياءٍ وأجلس على السرير، وضعتُ يدي على جبيني وذكراي تعود بي للحلم الذي رأيتُه، وتلك المشاعر التي أغرقتني، الشوق، الحب، الحنين، لذلك الفتى الذي كبر ليصير أبي.
ابتسمتُ بدفء، وقمتُ من السرير متجهةً للحمام، وقفتُ أمام المرآة، وأعدت ترتيب خصل شعري المبعثرة، رفعتُ خصلةً بسبابتي
وإبهامي لقد طال! تكاد أطرافه تُلامسُ كتفيّ، قد أطلب من الخالة ندى أن تقصه لي ثانيةً.غسلتُ وجهي وجففته وخرجتُ من الحمام، فتحتُ هاتفي لأرى الساعة تشير للواحدة بعد الظهر، وقفزت للشاشة العديد من الرسائل غير المقروءة، مجموعات الدراسة، ونادي الفروسية الذي أتدرب فيه، وعشرات رسائل من صديقاتي، تذكرتُ استياء أبي من وسائل التواصل الحديثة، وكم أن الرسائل الهاتفية قتلت المعاني التي كانت تفيض بها الرسائل الورقية.
أغلقتُ الهاتف وألقيته على السرير وخرجتُ من غرفتي قاصدةً المطبخ حيث اقتادتني معدتي الجائعة.
صرتُ أصحو في ساعةٍ متأخرةٍ من النهار، ولا حاجة لضبط المنبه فأختي تحب أن تدفع عني عناء ضبطه، صارت حياتي مقتصرةً على وجبتين في اليوم، والانزواء أكثر اليوم في غرفتي متذرعةً بالدراسة؛ كوني في عامي الأخير من الجامعة.
رغم أني اعتدتُ ازدحام حياتي بالمهام إلا أنني لا أفعل الكثير مؤخرًا، ففكرةٌ واحدةٌ تُسيطر على عقلي وتحرمني من التركيز في أي شيءٍ آخر، أما أختي التي بلغت مؤخرًا عامها الثامن عشر، رغم أنها صاخبةٌ وثرثارةٌ على نقيضي، إلا أنها تكره الحياة الاجتماعية التي ترى أنني أقحِم نفسي فيها، وتقضي أكثر أوقاتها في الرسم ومشاهدة الرسوم المتحركة وتجد في الخروج من البيت عناءً وعبثية!
أنت تقرأ
أشِقّاء
Romanceفي حُجرةٍ ضيقة... إضاءتها خافِتة... فتحَت الكتاب وبدأت بقراءة القصة لطفلها... كانت تقرؤها له دومًا... فتعلق بها وأحبها... فسمّى شقيقه على اسم بطلها... الذي عاش وحيدًا... ماتت أمه... فأضحى شقيقه يعني له كل شيء... كل شيء... كما قال يومًا... "ل...