...
..
ألقيتُ نظرةً على النافذة قبيل خروجي للعمل، ورأيتُ الغيوم تتراكم وتحجب زُرقة السماء شيئًا فشيئًا، بدا أنها لن تتبدد قبل أن تضرب المدينة بوابلٍ من المطر، لم تُمطر سماء المدينة منذ اليوم الذي قابلنا فيه جمانة أولَ مرة.رن الهاتف قاطعًا أفكاري، أجبتُ المتصل باقتضاب وفوجئتُ حين وصلني صوت مدير مدرسة أمجد، طلب مني الحضور على جناح السرعة، وتخلل صوته الذي اعتاد الهدوء شيءٌ لم أفهمه، لم أدخر وقتًا للانطلاق فور إغلاقي للخط..
وللمرة الثانية، نسيتُ أمرَ عملي...
وصلتُ خلال ربع ساعة وتوجهتُ نحو غرفة المدير، ولم أتوقع رؤية الذين رأيتهم حين دخلت.
كان المدرس فؤاد يجلس على كرسي أمام مكتب المدير ويقف على يساره كل من ماهر واثنين اعتقدتُ أنهما صاحِبَيه، وأمامهما كان أمجد يقف."ها قد وصلَ أخيرًا".
قال المدرس ونبرته تشي بالغضب، نظرتُ لأمجد الذي لم يكن ينظر إلي، كان مطأطئًا، عيناه لا تفارقا الأرض، باردتان، هامدتان، مثل من حُكِم عليه بالإعدام.
تكلم المدير أخيرًا ليفسر لي ما يحصل وينتشلني من أغوار الحيرة:"ثمة أقوال جديدة، فهذا الصبي-وأشار لماهر- قال بأن أخوك مَن اعتدى عليه البارحة".
ثم حول نظراته لأمجد وقال ما لم أتوقعه أبدًا:
"وأخوك أقر بذلك".
"أريده أن يعتذر لابني".
قاطع المدرس كلام المدير وهو يرمق أمجد بحنق، ثم استأنف كلامه وهو يحول أنظاره باتجاهي:
"في الغد، وأمام كل التلاميذ، سيعتذر ويرد اعتبار ابني الذي أُهين كبرياؤه"..
"مـ مستحيل".
"مَن لم يحظَ بالتربية نحن سَنُربيه".
قال وهو يحدجنا باحتقار.
"نحن لم ننهِ الموضوع بعدُ يا فؤاد".
تدخل المدير بهدوءه المُعتاد، فدخلا في جدالٍ طويل لم أسمع منه شيء، كانت كلمات المدرس تهيم في عقلي وتخنقني، يُلَمح إلى أننا لم نعش في كنف أبوَينا، سأكذب إن قلتُ أن كلماته لم تنَل من كياني.
اقتربتُ من أمجد الذي ما زال خافضًا رأسه دون أن تبدر منه أي حركة، مثل جثةٍ واقفة، وضعتُ يديّ على كتفيه وهمستُ بصوت لا يسمعه غيرنا:
"أعلم أنهم افتروا عليك.. قل لي الحقيقة وسأصدقك أيًا كان ما تقول".
أنت تقرأ
أشِقّاء
Romantikفي حُجرةٍ ضيقة... إضاءتها خافِتة... فتحَت الكتاب وبدأت بقراءة القصة لطفلها... كانت تقرؤها له دومًا... فتعلق بها وأحبها... فسمّى شقيقه على اسم بطلها... الذي عاش وحيدًا... ماتت أمه... فأضحى شقيقه يعني له كل شيء... كل شيء... كما قال يومًا... "ل...