00

679 38 43
                                    

.

.
.
.

كانت ليلة ليلكية حيث البدر منيرها ، تتراقص الغيوم فيها على نافذة اليوم فتخفي ما تشاء وتظهر ما تهواه ، و يبقى المنظر الجذاب عالقاً في قلب تلك الحسناء التي ينبض فزعاً وخوفاً من المجهول .

وجدت جروح متفرقة على سائر يديها ، خذيها الشاحبتان تكادان تلتصقان ببعضهما البعض من شدة ضعف بنيتها ، و فستانها الذي كان البارحة فقط يلمع تحت أشعة الشمس بلون البحر الأزرق أضحى ملطخا بالأحمر يكسوه التراب و تغطيه الأوساخ .

كانت جميلة صهباء الشعر و زرقاء العينين ، رقيقة الملامح وعذبة الكلام ، لكن كل ذلك اختفى تحت تعابيرها الهالعة و نظراتها التي تشكو سوء حالها للجدران الصامتة من تحت الظلام .

اخفضت بصرها تتسائل عن الذي حدث ، كيف وصل بها الحال وحيدة في زنزانة تحت الأرض بعد أن كانت تتلقى أفضل أنواع المعاملات في قصرها ؟ جل ما تذكره هو دخول الحراس الملكيون غرفتها على حين غرة ، لم يقتلوا أحدا ولم يدافع حراسها عنها ، فقد كانت الأوامر واضحة بالقبض عليها دون أن يعطوها إجابة على اسئلتها الكثيرة .

نزلت دموعها مرة أخرى ، معها ارتفعت شهقاتها رويداً رويداً ، حتى أصبح صدى نحيبها يتردد بين الجدران الأربعة ، أخذت تناجي كل من تعرفه كي يأتي و ينقذها ، أي أحد ليخلصها من هذا العذاب .

" أبي ، ألكسندر .. هيلين ، آيريا "

تجمدت حركتها عند آخر إسم ، لتتسع زرقاوتيها وترفعان للأعلى فجأة ، خصلاتها الحمراء التصقت بجيبها من فرط توترها التي تنتج عرقاً و حرارة لا تخمد بسهولة .

" أين هي ؟ "

تساءلت بخفوت ، بينما ترفع كلتا يديها المرتجفتين بمحاذاة وجهها المرتفع للأعلى ، و طيف إبنة عمها التي تصغرها بسنة يمر في ذاكرتها كشريط ضبابي ، أين تراها تكون ؟ اتعلم عنها شيئاً ؟ اتراها تحاول إخراجها من هنا أم تخلت عنها هي الأخرى ؟

مسكت وجهها و هزت رأسها نفياً ، كأنها بذلك تطرد تلك الفكرة المستحيلة عن تخلي إبنة عمها واقرب صديقاتها لها ، لكن الفكرة بقت تطوف حول رأسها ، تبحث عن ثغرة لترمي نفسها داخل قلبها و تجعلها تصدق الأمر .

" آيريا ! " صاحت باكية ، بينما تستنجد عن طريق ضرب الجدار بيديها العاريتان ، قائلة بصوت أظهر شدة تعبها و يأسها " اخرجوني من هنا ! أنا أحذركم أيها الأوغاد ! أين الحراس ؟! قلت اخرجوني من هنا حالاً ! "

صمتت تأخذ شهقاتها التي سلبها التعب منها ، شعرت بضيق يلفح صدرها من قذارة المكان و سوء البيئة المحيطة بها ، وهي إبنة النبلاء ما رأت حياً فقيراً أو قذارة واحدة طوال حياتها المليئة بالغنى و الدلال ، فكيف انقلب الحال بها هكذا ؟!

Deseiveds Ⅱ المخدوعون حيث تعيش القصص. اكتشف الآن