فـــراق

17 1 0
                                    

يوم تقليدي آخر أجلس على المكتب ألفظ أفكاري للورق وأظن لو كان بقدوره المغادرة لغادرني كما غادر من يمكنه الحراك أستفرغ الأفكار كمن أكل كثيرًا وعليه التخلص من الزوائد كي لا يمرض هكذا أنا لكن أظن أنني مرضت بالفعل لكنها تأبى الرحمة تأبى مفارقتي و تأبى عتق روحي و جسدي العليلان، هذه النسمات تعيقني أجهل مصدرها تداعب أصابعي و ظهري و مفاصلي تدخل وتخرج من صدري بكل يسر وسهولة، أأنا شفاف أم أنه شبح؟ سأختار الخيار الثاني، أحب الأوراق وهي تتطاير على مكتبي المزدحم بالكثير منها وعلبة الحبر والريشة التي أكتب بها لا أعلم مصدرها لكني أود شكره وكان هناك غرابًا يقف على شرفتي كل يوم كان رفيقا وكنت أحدثه والقمر يوميًا أرفض أن الغراب هجرني أريد الإيمان أن هذه الريشه السوداء هي ريشة الغراب صديقي ولقد اهداني جزءًا منه و سيعود لأنه يفتقدني كما يفتترض به أن يفعل أشعر بروحه من هذه الريشة الجميلة يبدي ردات فعل على ترهاتي المكتوبة هذه وهذا المصباح على الحائط وضوئه المصفر المتذبذب من قال أني لا أملك الأصدقاء ومن قال أن تذبذب الضوء عشوائي لدي ثلاثة أصدقاء أوفياء لن يرحلوا الغراب والعنكبوت في زواية الحائط أعلى رأسي و الشبح المجهول الذي يسكن هذا المكتب النسمات العشوائية وتذبذب الضوء والأوراق المتطايرة ماهي إلا طريقته لقول :لاحظني أنا هنا، أو لعله يرديني أن أهابه أو أنه رأى أن حياتي بها من الممل ما يكفي شعوبًا و يفيض فقرر إضافة بعض الحركة والإثارة لكن أيها الشبح أنا رجل في منتصف الثلاثينات هزيل البنية شعري يتخلله الرمادي قليلًا ولازلت وحيدً، لازلت أجلس هنا كل ليلة أسرد للأوراق و القمر ألامي ومخاوفي السرمدية أنا رجل ترهبه الوحدة لكنها كل ما يحدث له لذا فأنت لست هنا لتقتلني هذا ما أريده ولم يحصل ما أريده قط عشت لأرى جميع ما حاربت لأجله يؤخذ مني ببطء مفاجئ و صادم وأنت صديقي الثالث وسأشاركك، أرفض فكرة الوحدة وأرفض العالم لأنه يرفضني وكأن رفضي له أهمية كأنه سيرد لي كرامتي المنسحقة تحت أقدام العالم وسكانه كأن العالم يراني أو يكترث لما أرى قل لي أيها الشبح أتراني أم سكنت هنا لأنك حسبت المكان فارغًا؟، غرابي الجميل اسمح لي أن أحدثك قليلًا أشتقت عيناك ومنقارك الأسود و جناحاك كنتُ كقميصي هذا أبيض ناصع أبيض من سحابة صيفية ومن بلاط القصر الملكي كنتُ أنقى من خوف أم على وليدها الوحيد أنقى من حب جندي يرى وجه حبيبته في وجوه الأعداء فيغمض عينيه ويبكي و يقبل بالخسارة كنت أنظف وأنقى من كل هذا واليوم أنا مثقل بالخيبات كالجندي عندما عاد ووجد أن لحبيبته طفلا ليس أباه كالسحابة في الشتاء تمطر لأيام وأيام ولا يوقفها أي توسلات أو دعاء كالأم عندما تكتشف أن وليدها لم يولد قط وأنه سكنها هي لا المنزل هزل جسدي كثيرًا مع ذلك زاد وزني ليتني كتلك السحاببة أسطيع أن امطر حتى الدموع هجرتني ، أحدث ما أملك منك أيها الغراب والنجوم وشبحي أحدق في البيانو في الجهة الأخرى من الغرفة لساعات يعلم الإله كم من الوقت مر و أنا منتظر حرارة عيناه المتوجهة نحوي متسائلة عما افعل هي ما دفعني للإنتظار أعزف لي أيها الشبح فالتعزف خيبتي و حزنك لن أطردك فأنت الوحيد من قبل بي رفيقًا أخبرني ما اسمك و قصتك و كيف انتهت أن أنها لم تنتهِ بعد ؟ ما أعلمه أن قصتي أنتهت تعلم أن القصة مستمرة عندما يكون هناك أحداثًا وأنا كما ترى خال من الأحداث حتى السيئة منها أنا لم أعد هنا مثلك تمامًا ربما وجودك طاغ على وجودي أنا لكن تستطيع رؤية ماضيي بين طيات جلدي أليس كذلك ؟جميع ذكرياتي وتفاصيل حياتي طبعوا على وجهي وجسدي بطريقة برايل، تحسسني فالتقرأني لا أعدك بأنك ستجد شيئًا مفيدًا لكنك ستجد شيئا ما حتما فقد كنت يومًا نغمًا في وتر.. وهل لي جناحان كلي أمل أن يكون لي جناحان لكنه أمل الأطفال أن سانتا حقيقَا أعتذر لسؤالي العبثي لكن لطالما أمنت أن لي جناحان ورفضت الإنكار لكن مؤخرًا فقدت الإيمان بكل ما تمسكت به حتى الموت أعتقد أني أتخلى عن الأشياء قبل أن تتخلى عني كوسيلة دفاع رائعة ألا تظن هذا ، قل لي هل لئالئ المطر تطرق نافذتي مستنجدة بي من برد الشتاء وتخاف السقوط يروعها الإرتطام بالأرض القاسية أم أنني عاطفي بائس يجمل الأشياء لكي لا تبدو مشوهة في عقله أو ربما كرهت السماء وجودي كسائر المخلوقات فرمتني بشيء رقيق كالماء بقوة جعلت حتى أرق الأشياء أقسى من الصخر حتى نافذتي ترتعد تكاد تتحطم المسكينة فما بالك بقلبي لكن لا يمكنني رفض صراخ الأستنجاد لوقت طويل لهذا الماء يغرق الأرضية أغلق النافذة فقط حين أكتب لا أريد للورق هجري والتحليق بعيدا ،فلتعزف يا رفيقي الوحيد أعزف لي النار في صدري والخواء في رأسك أكاد أسمع صوت البيانو لن أنظر لكي لا تستحِ و تتوقف لكنك هنا الشيء الوحيد الذي صدقته كان حقيقة أعزف يا رفيقي لا تتوقف خفتت نيران المصباح قليلًا الظلال تتمايل على زهرة الصبار خاصتي وزميلاتها الزهور ،نعتني أحدهم يومًا بالصبارة التي لن يحتضنها أحد و لن يسقيها أحد لذا أتيت بصبارة وجعلت لها أصدقاء وأحتضنها كل يوم و أزيل شوكها بعيدا عنها لكي لا اجرحها وأسقيها يوميا ،إنه لمن المروع أن يقاسي مخلوق ما أقاسيه، تهب النسمات على كتفي أتواسيني أيها الشبح هذه ليست دموع لست أبكي أعدك ..ألهذا الحد أنا مثير للشفقة أم أن الصوت والضوء من نسج عقلي المريض وأنت جالس في الزاوية تراقب بحزن حالي لا يهم إن كنت أنا الفاعل والمفعول به المهم أني أشعر بشيء، أخبرني أيها الشبح كيف تبدو الألوان لم أغادر منزلي منذ مدة كل ما أراه من الألوان هو لون الشتاء والخشب في منزلي ومكتبي وأوراقي المصفرة وحبري الأسود ونار التدفئة التي لاتدفئ إلا خشبها المحترق لا أتذكر كيف كانت الألوان الأخرى لا أذكر لها مذاقا بدأت ألاحظ أن هذا الشتاء طويل جدا سبعة أشهر وتسع ليال و ثلاثة ساعات من الجليد والصخور المتساقطة على نافذتي بمنجنيق السماء أعلم أنهم سبعة أشهر لأن حبيبتي هجرتني في أول يوم شتاء تبع الجليد رحيلها لعل الشتاء داخلي وعيناي مشوهتان لعل طقسي يرفض الربيع وسمائي ترفض سماء العالم كما رفضتني فالتعزف أيها الشبح و لأحترق أنا بهدوء ، كنت أود و بشدة صياغة شعوري على مفاتيح البيانو كما تفعل الأن قل لي أيها الشبح كيف أعزف البهتان و الخذلان و الوحدة وتسول الأمل لأنه مل من إصراري وطردني أجلس على بابه يوميا عله يفتح ويرق قلبه لكنه لا يفعل أبدأ كيف أعزف الفراغ الثقيل في صدري كيف لي وصف الحزن الذي يسكن نصف روحي و يلتهمني يومًا تلو الأخر هل أستطيع عزف الزحام القابع في عقلي وأفكاري المتلاطمة في مد وجزر لا قمر لهما وهل يمكن لمفاتيح رقيقة عذبة كمفاتيح البيانو تحمل هذا وتحويله لشيء جميل كعزفك هذا ؟ ، أتمنى لو كنت تبغًا رخيصا حتى أو مغشوشًا يشعلني صاحبي بكبرياء وقلب حزين و ينفخ غضبه وحزنه وبعض ذكرياته وجزء مني وقد أصبح كل هذا وأنا دخان اشتعل لغضبه لا لشيء أخر وانتهي في دقايق معدودة بأحزانه و أحزاني و يدهنسني ليطفئ ما أشعله فيي لكنني هنا مع شبح يجلس في الجانب الخر من الغرفه يعزف لي شيئا عذبا جميلا يجعل عقلي يبتسم لكن الحزن يغطيني من رأسي حتى أخمص قدمي والوحدة تقف بسكين على رقبتي ستسحبه في أي وقت انتظر موتي دائما سيكون مع سبق الاصرار والترصد ولن أقاوم يبدو أنني سأموت بعد دقائق شكرا للغراب الذي منحني شيء منه ولو كان منح شفقة بعد هروبه من ثرثرتي الثقيلة كل الشكر والامتنان للشبح الذي اتضح أنه ملك الموت قرر اخيرا تخليصي من سجني ومني وتخليص العالم مني فالتفرحوا يا سكان العالم سينتهي الشتاء بعد دقائق أنا مصدر الجليد و الصقيع والعواصف أعتذر بشدة ، كان العزف رائعا لطالما كنت أهاب اللحظة التي سأسعد فيها ظننت أني سأموت فور دخول هذا المخدر جسدي وقد كان ظني صحيحا للمرة الثانية العزف وشعور الانس حتى صبارتي كانت ترقص رأيتها تتمايل، شعوري أن أحدأ بجانبي أروع من أن يصدقه عقلي وها أنا أموت في أول لحظة شعرت فيها بالأمان والسعادة في حياتي، فتح الأمل بابه لي مبتسما لكنني لن أدخل ليس اليوم قبلت بي متأخرا جدا أيها لأمل لكن في النهاية لن أموت وحيدا كما ظننت نهايتي ستكون شكرا أنك تركتني أنهي وداعي للعالم واوراق الاشجار والرياح وحبات الرمال والشواطئ والاشجار وجميع الطيور والقمر والنجوم والشلالات والانهار والاسماك أودع جميع المخلوقات إلا البشر قم بعملك أنا جاهز وقد كان العالم جاهزا لوداعي منذ زمن بعيد كانت كراهية متبادلة أيها العالم القبيح

حُـطَـامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن