صقيعك دافيء

29 2 0
                                    

هل حقاً يأتي الشتاء بأحزانه أم أن البشر خلقوا هذا الرابط العجيب بلا مبرر والشتاء بريء من هذا الاتهام براءة الذئب من دم ابن يعقوب؟ الليل والنسمات الأولى من البرد تلك اللسعة التي تشعرك بالدفء كأن العالم يحتضنك ويواسيك على سوئه وسوء البشر تتسلل النسمات داخل كمك، بين أنفاسك، بينك وبين جلدك ذاته وتتأسف، تعانقك كما لم يعانقك بشري من قبل فتتذكر كل المآسي كل الحزن الماضي، ويزداد خوفك من كل ما هو مجهول ومبهم، هنا تنبت بذور الوحدة في صدرك يرويها مطر عينك، ويندس الصقيع في خلاياك ساكناً جوفك بشكل غريب وغير متوقع، لم تعد فارغاً بعد اليوم يملؤك تراب المطر المبتل وحنين لزمن لن يعود، الشتاء هو أكثر الفصول دفئاً وتوقاً وأماناً هو بداية لكل شيء بطريقه لا يعلمها إلا الخالق، هذا الصقيع الأزرق يبعث الحياة في أشياء لا يفترض بها أن تحيا كالذكريات.. تلك الأصفاد التي لن تفارقك ما حييت لكنها تزداد بشكل ثقيل مرهق ولايمكنك منعه، المؤلم أكثر من الخذلان هو لحظة استيعاب الخذلان اللحظة التي يدرك فيها عقلك كبر الجزء الذي خسرته منك هذه المرة الجزء الذي أعطيته بكل تساهل وحب وتضحية ووداد لشخص ما فرحل كباقي عابري السبيل.. تركك جزءاً من شيء نسيت كيف كان في البداية كفرع شجرة سقط منها سهواً فلم تلتفت له ولم تلتقطه بل تركته في الطرقات يدوسه من يشاء حتى حين التقطه أحدهم رماه بعد فتره قصيرة وسقط مجدداً، فرع تلهو به الحياة وتلعب، تأخذه الرياح من مكان لآخر، من يقنع الفرع بأن الرياح ندمت واعتذرت؟ وهل يعيد الإعتذار و الأسف البتلات الشهيدة التي كان يفترض ان تنمو على هدا الغصن البائس؟ أيؤلم الندم أكثر من الوحدة؟...
لذا أيها الشتاء، أيتها الرياح، أيها النسيم ويا أوراق الأشجار الساقطة أرضاً، والغيوم المكفهرة أنا الفراغ فاسكبي شتاءك في عروقي، أرى أن الشتاء هو ذاك الغموض المحبب، الفصل الذي تنظر فيه لقطرات المطر المتساقطة ولا تدري أيكما أكثر شتاتاً هي تطرق النوافذ بلا مجيب وأنت الذي طرقك العالم أجمع وعندما فتحت شباكك وجدت الهواء ينتظرك فاستقبلته بترحاب وتلهف كان يفترض ان يتلقاهم شخص آخر.. قطرة المطر التي تهبط على نافذة منزل كالمتشرد الذي يقف خارج الزجاج يراقب ما يحدث داخل المنزل، أمٌ تحتضن أطفالها، شخص يمسك قلماً وكوباً تتصاعد الأبخرة منه يدون شيئاً ما في صفحاته أو ربما شخص يبكي وحيداً تتساءل القطرة إن كانت هي الأخرى دمعة السماء وتكمل هبوطها غاسلة الزجاج من غبار تكوم عليه كل العام لكنك لا ترى هذا كله بسبب كثرة القطرات وكثرة القصص والتفاصيل لكن شكراً للمطر لغسل الدنس في ذيول أثوابنا و تطهيرنا من غبار تراكم على أرواحنا لأعوام.
كل الماضي يستيقظ في الشتاء، الجميل منه والحزين ربما هذا ما يجعل الشتاء فصلاً حزيناً للبعض، سبع سماوات وأرض لا تدري من منكم فوق الآخر حيث دفء الأرض لا يسع برودة يديك لكنه ينير قلبك لا أظن أنه خطأ الشتاء بل البرودة والخواء يأتيان من داخلك ،تشع أملاً كأنوار النيون و الأمل لا نهائي لكن يجب ألّا نعيش في وهم الأمل بأن السفينة ستشق طريقها إلى حيث مقدر لها أن تكون، لكن يجب أن نتعلم كيف تقاد السفن و نوجهها إلى مرفأها .

حُـطَـامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن