مقام الأمام المهدي عج

86 24 20
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال اخواني واخواتي الكرام

ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الفكرة والعقيدة المهدوية عند الشيعة قضيّة خارجية، وليست فرضية فلسفية عقلية ولا توهمات نفسية، فالإمــــام وجود إنساني بالفعل مرتبط بالسماء على نحو ارتباط سائر الأولياء المنصوبين، وهو حاملٌ لمواصفات أوسع من الأوصاف الجسدية و الجسمانية و المادية، فله سمات معنوية وروحانية وهو امتداد لشجرة مباركة
قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) (الملك: ٣٠)

فربَّما يظهر ولو بمعونة الأخبار ، أنَّ المراد من الماء في الآية الكريمة ليس الماءُ بالمعنى الحقيقي فحسب، بل المراد معنى معهود ، وهذه الأوصاف هي التي ترسم لنا شخصية الإمــــام، و تتأكَّد فكرة معرفة الإمــــام المهدي (عليه السلام) بخصوصه عن طريق ملاحقة أوصافه وصفاته حسب ما ورد في الروايات، لا عن طريق الاستناد التاريخي الذي هو رجوع إلى النهج البشري المتقوّم بالمحسوس والحاضر والمشاهد، فلأنَّ الإمــــام (عليه السلام) في غيابٍ واستتارٍ وعدم ظهورٍ إلاَّ في ظرف زماني ومكاني ضيّق جدّاً، فلا معنى للرجوع إلى أصحاب السير ليحدّثونا عن سماته ومناقبه، وهذا بخلافه في النهج الروائي، فإنَّه لا يتوقَّف ولا يعتمد على خصوص الحاضر المحسوس، بل يكشف عن المغيَّب، وهذا معناه أنَّ المنهج التاريخي بل المناهج الوصفية في مثل هذه الأمور ضيق، بل قد يكون مخلاً من جهة،

وهذا بخلاف المنهج الروائي إذ انعكاسه عن الواقع يكون واسعاً دقيقاً، ثمّ إنَّه بالطريقة الروائية تنتظم عندنا رابطة التعرّف به وكيفية الارتباط وحاجتنا إليه، وآفاق التعامل والمسؤوليات و انكشاف بعض الفوائد من وجوده في عصر الغيبة، والتعرّف على المشروع العالمي الناهض بالاصلاح والعدل، والمحيي لقيم السماء والوصول إلى الفصل الأخير لكتاب الكون الإلهي. وعلى وفق هذه الدراسة قد نتحفَّظ على بعض الروايات ونهذّب الآثار عن المدسوس والموضوع.
___________________________________

فــــالــــشــــيــــعــــة الإمــــامــــيــــة الإثنا عشرية تعتقد أنَّ الخليفة في الأرض لا بَّد أن لا يكون فيه نقص من كلّ كمال ممكن له، وأن لا تكون فيه جوانب عدمية، وأن لا تكون فيه جهة شرّ وحيثيات فقيرة، بل كلّه الخير والجمال الوجودي، فهو الجود والنور في قوله وفعله و أخلاقه ومعارفه، فتهفو وتنجذب النفوس الطيبة إليه.

فانتخاب الأولياء ليس عشوائياً، فإنَّهم الأنوار الإلهية قبل خلق الكون، وهم خلق الله الكامل الذي تتجلَّى به صفات الخالق، وهذا لا يعني عينية الصفات، إذ الذات المقدَّسة لا متناهية بذاتها فضلاً عن صفاتها وكمالاتها، فحيث إنَّ بين اللامتناهي والمتناهي بون شاسع فكون الأئمّة (عليهم السلام) أسماء الله لا يستدعي أنَّهم عين الذات المقدَّسة، لذا ورد في التوقيع الشريف:

(بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم، اُدع في كلّ يوم من أيّام رجب: اللَّهُمَّ إِنّي أسْألُكَ بِمَعَانِي جَمِيع مَا يَدْعُوكَ بِهِ وُلاةُ أمْركَ الْمَأمُونُونَ عَلَى سِرَكَ الْمُسْتَبْشِرُونَ بِأمْركَ الْوَاصِفُونَ لِقُدْرَتِكَ الْمُعْلِنُونَ لِعَظَمَتِكَ أسْألُكَ بِمَا نَطَقَ فِيهِمْ مِنْ مَشِيَّتِكَ فَجَعَلْتَهُمْ مَعَادِنَ لِكَلِمَاتِكَ وَأرْكَاناً لِتَوْحِيدِكَ وَآيَاتِكَ وَمَقَامَاتِكَ الَّتِي لا تَعْطِيلَ لَهَا فِي كُلّ مَكَانٍ يَعْرفُكَ بِهَا مَنْ عَرَفَكَ، لا فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا إِلاَّ أنَّهُمْ عِبَادُكَ وَخَلْقُكَ، فَتْقُهَا وَرَتْقُهَا بِيَدِكَ، بَدْؤُهَا مِنْكَ وَعَوْدُهَا إِلَيْكَ، أعْضَادٌ وَأشْهَادٌ وَمُنَاةٌ وَأذْوَادٌ وَحَفَظَةٌ وَرُوَّادٌ، فَبِهِمْ مَلأتَ سَمَاءَكَ وَأرْضَكَ حَتَّى ظَهَرَ أنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أنْتَ فَبِذَلِكَ أسْألُكَ وَبمَوَاقِع الْعِزّ مِنْ رَحْمَتِكَ وَبمَقَامَاتِكَ وَعَلامَاتِكَ أنْ تُصَلّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأنْ تَزيدَنِي إِيمَاناً وَتَثْبِيتاً يَا بَاطِناً فِي ظُهُورِهِ وَظَاهِراً فِي بُطُونهِ وَمَكْنُونهِ، يَا مُفَرَقاً بَيْنَ النُّورِ وَالدَّيْجُورِ يَا مَوْصُوفاً بِغَيْر كُنْهٍ وَمَعْرُوفاً بِغَيْر شِبْهٍ، حَادَّ كُلّ مَحْدُودٍ وَشَاهِدَ كُلّ مَشْهُودٍ وَمُوجِدَ كُلّ مَوْجُودٍ وَمُحْصِيَ كُلّ مَعْدُودٍ وَفَاقِدَ كُلّ مَفْقُودٍ، لَيْسَ دُونَكَ مِنْ مَعْبُودٍ أهْلَ الْكِبْريَاءِ وَالْجُودِ يَا مَنْ لا يُكَيَّفُ بِكَيْفٍ وَلا يُؤَيَّنُ بِأيْنٍ، يَا مُحْتَجِباً عَنْ كُلِّ عَيْنٍ يَا دَيْمُومُ يَا قَيُّومُ وَعَالِمَ كُلّ مَعْلُوم...)  .

بل لنا أن نقول: لا تصحّ المقايسة بين اللامتناهي والمتناهي، فمن باب التجوّز والتسامح و التقريب يمكن القول: هم نقطة في أبحر الفضل الإلهي،
قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) (الكهف: ١٠٩)، فالظاهر أنَّ المقصود من (كَلِماتُ رَبِّي) هي مخلوقات الله، إذ من الواضح أنَّ الله لا يتكلَّم بشقّ الفمّ وإنَّما قوله فعله وما يفيضه من وجود. فالآية أوّلاً تتحدَّث عن أنَّ عالم الوجود ليس محدوداً بما يشاهد منه أو يعلم، بل هو على قدر من السعة والعظمة بحيث لو صار البحر حبراً وكتبت صفاته تعالى فإنَّ البحر سيجف قبل أن تحصى موجودات عالم الوجود. فهي تشير إلى عظمة صفات الخالق وأنَّه لا تسعه الكلمات ولو كان البحر مداداً وجاءنا بأبحر مثله،

▪️ والحمدُ لله رب العالمين ▪️
دمتم في رعاية الله تعالى و حفظه
نسألكم خالص الدعاء بالموفقيه
المشروع المهدوي الإصلاحي

المشروع المهدوي الاصلاحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن