بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وال محمد الأطهار
اللهم عجل الفرج لسيدنا و مولانا المهدي المنتظر"الانحراف" كما تعلمون أسوأ كثيراً من "الخطأ" وأشد خطرا منه. وقد لا يكون مصداق الانحراف بأن يتكلم شخص بكلام باطل، بل يكون بالتأكيد على كلام صحيح تأكيداً في غير محله، وفي الوقت الذي لا ينبغي التأكيد عليه. هذا هو دأب إبليس أصلاً ولا سيما في آخر الزمان!
إن كان حديثنا في المحاضرة السابقة يدور حول "أي موضوع يحظى بالأسبقية والأولوية اليوم؟" فذلك لأن الاهتمام بأولويات اليوم أمر في غاية الأهمية والحساسية. فهل يُعد آخر استعداد للظهور هو حقّاً هذا الموضوع الذي نعالجه، أي إصلاح وضع إدارة المجتمع أو لا؟ بإمكانكم دراسة هذا الأمر.
أين تكمن معضلة مجتمعنا اليوم في مجال الاستعداد للظهور؟ لقد تطرقنا في المحاضرة السابقة إلى موضوعين كنقصين نعاني منهما في هذا المجال. الموضوع الأول هو أننا نعاني من ضعف في قضية الإدارة واختيار المسؤولين وتمييز الصالح منهم وكذلك التوصّل إلى تعريف صحيح للإدارة في المجتمع الإسلامي والإنساني.
نحن لم نكتسب بعدُ هذا الاستعداد، ولهذا ما زال أمثال الأشعث وأبي موسى الأشعري قادرين على خداع الناس. ونحن ما زلنا متورّطين بالمشكلة نفسها التي كانت في زمن أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ فما زالت التيارات الخوارجيّة النهج قادرة على النيل من الإدارة العلوية الخالصة.
اليوم نحن لا نعاني من بعض المشاكل التي كانت في زمن الإمام علي(عليه السلام)، أما البعض الآخر فما زال موجوداً. بالطبع بعض هذه المشاكل ليس على قدر عال من الأهمية، لكنّ طائفة منها لها أهمية بالغة.
أن يقوم شخص بتضخيم أمر غير مهم وتهميش أمر مهم فهذا هو الانحراف في الحقيقة، ولا يمكن أن نسميه "خطأ"، وعلينا أن ننتبه كي لا نتورط بمثل هذه الانحرافات. في مرحلة ما قبل الثورة أو بدايات انتصارها كان الانحراف عادةً في أن يصبح الشخص شيوعياً ويتخلّى عن بعض العقائد الدينية، لكن كلما تقدّم بنا الزمن بات الانحراف يتجلى في تغيير الأولويات.
حين تقوى الروحانية ويغدو الحق أكثر وضوحاً لا يعود باستطاعة أحد تبنّي الباطل بسهولة، وإنّ الانحراف، من الآن فصاعداً وكلما تقدم بنا الزمان أكثر، إنما يأخذ بالتجلي في تغيير الأولويات المتعلقة بالحق. وحتى بعد ظهور صاحب العصر(عج) فإن التغيير في الأولويات المرتبطة بالحق وحقائق العالم هو الذي سيؤدي إلى أن تقف فئة في مواجهة صاحب الزمان(عج) وأن تدمي قلبه الشريف، وباستخدام القرآن بالذات! «إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ اسْتَقْبَلَ مِنْ جَهْلِ النَّاسِ أَشَدَّ مِمَّا اسْتَقْبَلَهُ رَسُولُ اللهِ(ص واله) مِنْ جُهَّالِ الْجَاهِلِیَّةِ... أَتَى النَّاسَ وَکُلُّهُمْ یَتَأَوَّلُ عَلَیْهِ کِتَابَ اللهِ یَحْتَجُّ عَلَیْهِ بِهِ» (الغیبة للنعماني/ ص٢٩٧)
إن تحديد الأولويات يُعد من المواضيع التي ينبغي طرحها في المجالس الدينية، فمن غير المُجدي أن نكتفي في هذه المجالس بتقديم قائمة للفضائل والرذائل والتأكيد عليها من دون أن نتطرق إلى موضوع الأولويات.
تمّ التعبير عن موضوع الأولويات وتحديدها في القرآن الكريم باستخدام مفردات متعددة سنذكر ثلاثاً منها: الأولى هي "الحكمة" وهو قوله تعالى: «وَیُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَالْحِکْمَةَ» (الجمعة/٢)؛ أي إن النبي(صص واله) يعلّم الناس الكتاب والحكمة. والحكمة هي التي تدُلّ المرء على أنه: "أي جزء من كتاب الله ينبغي أن أنفّذه الآن؟ وبأي جزء منه يجب أن أعمل اليوم؟ وأي موضوع يحظى بأهمية أكبر نظراً للظرف الذي أنا فيه؟"
من المفاهيم الأخرى المذكورة في القرآن الكريم والتي وصف بها القرآن نفسه أيضاً هي "البصائر": «هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ» (الجاثیة/٢٠). والبصيرة ليست إلا موهبة تحديد الأولويات.
والمفهوم الآخر المذكور في القرآن الكريم والذي يشير إلى موضوع "تحديد الأولويات" هو "الفرقان". قال تعالى: «إِنْ تَتَّقُوا اللهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقاناً» (الأنفال/٢٩). فالتزموا بالتقوى بناء على معرفتكم الدينية وسيهبكم الله فرقاناً.
الفرقان يعني "تمييز الحَسَن من القبيح". ألا وقد ورد التمييز بين الحسَن والقبيح في القرآن الكريم أيضاً، لكن المقصود من الفرقان هو أن تكون قادراً على التمييز عبر تحديد المصاديق على أرض الواقع وأن تدرك أيّاً من الأعمال يحظى بالأولوية والأسبقية، اجتماعياً أو فردياً.
▪️ والحمدُ لله رب العالمين ▪️
دمتم في رعاية الله تعالى و حفظه
نسألكم خالص الدعاء بالموفقيه
المشروع المهدوي الإصلاحي
أنت تقرأ
المشروع المهدوي الاصلاحي
Historical Fictionإبدأ مِنَ اليوم ومِنَ الآن... افعل أي شيء قَادر أن يوصلك لأحْلامك... أي شيء يجعلك تشعر أنك مبدع... لا تَـيأس أنت بإمكانك أن تفعل ماتُريد إذا أردت... المشروع المهدوي الإصلاحي نسألكم الدعاء صاحب الزمان ينتظر منا عملاً