الإستعداد للضهور

43 16 11
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وال محمد الأطهار
اللهم اللهم عجل الفرج لسيدنا و مولانا المهدي المنتظر

لماذا يحتاج الإنسان إلى الإدارة؟ ما الداعي لطرح منصب أو مهنة أو نشاط باسم "الإدارة" في الحياة البشرية؟ حين تكون لكم أهداف متعددة ومنوّعة، وحين تكون لكم احتياجات مختلفة، وحين تكون في حوزتكم أنواع الإمكانيات والأدوات، وحين تكونون مجموعة من الأشخاص لكل منكم ملاحظاته الخاصة، فستضطرون آنذاك إلى المنهجة، وتنفيذ الإجراءات خطوة خطوة وبتدبّر، وتوزيع الأدوار على الأشخاص. وسيضطر كل شخص إلى أن يحدّد صِلَته بالآخرين. وبالنتيجة سنحتاج إلى حقيقة تُدعى "الإدارة"!

تشتمل الإدارة على معرفة البيئة (المتميزة بتنوع الاحتياجات والإمكانيات والمقتضيات والملاحظات)، وتوظيف مختلف الإمكانيات والأدوات وتنظيم الأشخاص لتحقيق أهداف هي الأخرى مُحدَّدة مسبقاً. والحق أنّ تحديد الأهداف هذا يعني "الإدارة".

لا بد من الاهتمام بـ "التعدد والتنوع" والتأمل فیهما کثیراً باعتبارهما الجوهر الرئیس في موضوع الإدارة. لأننا لسنا مخلوقات بسیطة کالبهائم لیس لها إلا هدف واحد في الحياة، فلا تعني الإدارة شيئا لها. طبعا هناك مستويات من الإدارة بين الحيوانات وهي غريزية، لكن بشكل عام لا تُعد الإدارة من شؤون الحيوانات. انظروا، على سبيل المثال، إلى النحل، فالنحلات لها هدف واحد. وعلى الرغم من وجود ملكة للنحل في الخلية إلا أنها ليست مديرة، بل هي أداة للتوالد والتكاثر فحسب.

الإدارة قضية خاصة بالإنسان، لأنه أَمامَ تنوّعٍ من الاحتياجات والرغبات والإمكانيات والأدوات. على سبيل المثال أنتم مضطرون إلى الإدارة في موضوع تناول الطعام؛ فلأنه لا یوجد لون واحد من الطعام، ولأن حاجتکم إلى الطعام لیست من نوع واحد، فإن احتیاجاتکم للطعام منوّعة. فالإدارة هي أن تُحدِّد أيّ الاحتياجات له الأولوية في الاهتمام والتلبية.

الإدارة هي عملية يضطر إليها الإنسان نظراً للتنوع الذي يواجهه في داخله أو خارجه. فإن لم يمارس أحد الإدارة فستكون حركته في الحياة أشبه بانزلاق حصاة في نهر، إذ ستتدحرج، كيفما اتفق، من أعالي النهر إلى أسفله وتكتسب شكلاً معيّناً نتيجة اصطدامها العشوائي بالأجسام المختلفة؛ فإما أن تتفتّت، أو تنكسر، أو تتخذ شكلاً مناسباً بالصدفة.

الإدارة تنظّم حياة الإنسان وفقاً لمنهج معيّن، وقد خلقَنا الله سبحانه وتعالى نحن البشر بحيث لا نستطيع أن نعيش من دون إدارة، بينما الحيوانات قادرة على ذلك! فيُقال مثلاً إن الهرّ حين يمرض يشتهي طعاماً يكون فيه دواؤه. لكن هذه القاعدة ليست صادقة بالنسبة للإنسان، فما أكثر ما يميل الإنسان إلى طعام يُلحق به الضرر.

الحيوان يعيش كالحصاة التي تتدحرج في مجرى النهر ماضية إلى الأمام، لكن الإنسان ليس كذلك، فهو مُجبَر على إدارة نفسه. فما إن يشتهي شيئاً فإنّ عليه أن يقول لنفسه: "تريّث! كم شيئاً أنا أحب؟ أنا لا أرغب في هذا الشيء فقط!" وما إن يحتاج إلى شيء، فلا بد أن يقول لنفسه: "تريّث! فلدي احتياجات أخرى أيضاً!" وهذه هي بداية الإدارة، وبداية الإنسانية، وبداية التدين. فإنما يبدأ التديّن من هذه العبارة بالذات: "تريّث!"

المشروع المهدوي الاصلاحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن