صله الأرحام

147 36 31
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وال محمد الأطهار
تقبل الله صالح أعمالكم بحسن القبول إخواني وأخواتي الكرام

قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه كتابه العزيز: 
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَٰئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ ١.
وقال أيضاً جل وعلا: 
﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴾ ٢.

ان (صلة الرحم) من المفاهيم الإسلامية الأصلية و الّتي ركّز الإسلام على ضرورة إيلائها المقام اللائق بها والإهتمام العملي اللازم بشأنها، حتّى ورد في تفسير الآيتين المذكورتين أن المسلمين قبل نزول هاتين الآيتين كانوا يتوارثون بسبب قرابة الدين و الاسلام، حتّى نزلت هاتان الآيتان فصار المسلمون يتوارثون بقرابة النسب من الأب أو الأم أو من كلا الطرفين، و هذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على مدى أهمية أن يصل الإنسان رحمه الشامل لكلّ من يمتّ إلى الإنسان بصلة قرابة النسب الذي سنوضحه في طيّات هذا البحث. وان الرحم في اللغة تعني (أسباب القرابة) وأصلها مأخوذة من (الرَّحيم) التي هي منبت الولد، و في تفسير لغوي آخر أن ذوي الرحم هم الأقارب، ويقع على كلّ من يجمع بينك وبينه نسب، و هذا يشمل القرابة من جهة الأب والقرابة من جهة الأم على حدٍّ سواء.

ولهذا نجد أنّ الله سبحانه و تعالى عندما أرسل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوّة الخاتمة أمره بقوله تعالى: ( وَأَنْـذِرْ عَـشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) ٣. و التي تعني الأرحام كالأعمام وأبناء الأعمام كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) امتثالاً لأمر ربّه عزّ وجلّ.
وقد ورد في تعظيم شأن صــلــة الــرحــم العديد من الأحــاديــث الشريفة الــدالّة على ضرورة التواصل مع صــلــة الــرحــم بشكلٍ دائم ومستمر كــالــحــديــث التالي: (ايها الناس: إنه لا يستغنى الرجل وإن كان ذا مال عن عترته ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم، وهم أعظم حيطة من ورائه وألمَّهم لشعثه، وأعطفهم عليه عند نازلة إن نزلت به ولسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس خير من المال يرثه غيره. ألا لا يعدلنَّ أحدكم عن القرابة يرى بها الخصاصة أن يسدّها بالذي لا يزيده إن أمسكه، ولا ينقصه إن أهلكه، ومن يقبض يده عن عشيرته، فإنّما تقبض منه عنهم يد واحدة، وتقبض منهم عنه أيدٍ كثيرة، ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة) ٤. والحد الأدنى من الــرحــم الــواجــب صــلتــه هو ما ورد من مراتب الإرث المحدّدة في الفقه بــمــراتــبٍ ثــلاث:
الأولــى: الآبــاء بما يشمل الأمــهــات، والأبــنــاء بما يشمل الــبــنــات.
الثانية: الأخــوة بما يشمل الأخــوات، والأجــداد بما يشمل الجــدّات.
الثالثة: الأعــمــام بما يشمل الــعــمّــات، والأخــوال بما يشمل الــخــالات.
وهذه المراتب تشمل أيضاً ما يتفرّع عنها من أبــنــاء وبــنــات الأعــمــام، وأبــنــاء وبــنــات الأخــوال، وأبــنــاء الأخــوات.
لكن المسألة من جهةٍ أخرى تتبع العرف أيضاً والعادات والتقاليد، وهنا نرى أنّ (الــرحــم) هو أوسع دائرة نوعاً ما من التحديد الشرعي لمراتب الإرث، لأنّ العرف يتسامح في مسألة (الــرحــم) فيوسِّع من دائرتها إلى كلّ من يتقرّب بالإنسان من جهة الأب أو الأم إلى مستوى جيلين أو ثلاثة وحتى أكثر في بعض الأحيان.

المشروع المهدوي الاصلاحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن