الشطر الثانِي و العشرون : زاويَة .

1.2K 128 18
                                    

" أخبرنِي عنك سونغ كَانغ "
لفظتُ جاذبًا إنتباهُ الفتى المليح الذِي إستقرَ بجانبِي أمام غرفةِ جونغ كوك في المشفَى ، حولَ حدقتيهِ إليّ 
بإستغَراب ثم إبتسَم .

" سونغ كَانغ ، إثنان و عشرُون عامًا ، أحِبُ الموسيقَى "
قال كلماتهُ بإختصار ثم مد يدهُ لقارورةِ الماء الذي كان بجانبه ثمَ إرتشفَ منهُ .

" ما الآلة التي تعزفُ عليها سونغ كانغ؟ "
سألتُ بشغف ، كان عليّ أن أحَلِلَ ما يجيبُ بهِ ، فلقد كان حديثي معهُ سابقًا مجردُ تمهيدٍ للسؤال .

" أنت فضوليٌّ جدًا ، حسن أنا أعزِفُ الغيتار فَقط "

إبتسمتُ حينمَا نِلتُ مقصدي و طبطبتُ على ظهرهِ
" أتمنى لك التوفيق من كُل قلبي كَانغ "

أفحجتْ عيناهُ حينما ناديتهُ بإسمهِ الأخير و ذلك أعطانِي شعور الغَرابة ، لم يتسنَى لي التفكيرُ لأن
هاتفِي رنَ عاليًا .

إسمٌ لا أرغبُ برؤيتهِ تعالَى على سطحِ الهاتِف ، فجعدتُ ملامحِي إنزعاجًا ، و لملمتُ ما لِي جاهزًا للرحيِل
" اعذرني كَانغ ، لدَيّ ما يشغلني الآن "

قلتهَا لهُ مشيتُ برأسٍ مثقَل إلى خارج المستشفَى ،
إستأجرتُ سيارةٌ لتوصلنِي حيثُ ما أريد .

نزلتُ من السيارةِ على مضضٍ و دفعتُ أجرةِ السيارة ، و شقيتُ طريقِي إلى داخل المقهَى ، ذاتَ اللون الأخضرِ يسودُ المكَان ، الأشجارُ في كل مكَان ، المكانُ لا يعجبنِي البتةُ منذ أول زيارةٍ له .

تقدمتُ من تلكَ الطاولة التي تطِلُ على الخارج ، نفس الفتى جالسٌ عليهِ ، التكرارُ صار كابوسِي و كان جُو ناتسويَا مُحبٌ للتكرار .

حالما رآنِي وقفَ من محلهِ مستقبلاً إيايّ فوضعتُ بسمةٌ غير حقيقيّة على شفتّي ، و جلستُ أمامهُ بصمت .

ثوانٍ و كانت النادلةُ تقفُ أمامِي ، و ناتسويَا طلب ذات الطلب الذي طلبهُ آخر مرة ، أما أنا فغيّرت .

الجُو كان ثقيلاً جدًا ، شعرتُ أن الهواءَ غازٌ ثقيل ملونٌ بالأصفَر ، البردُ كان يحتلُ المكان ، و لكن الجَو كان خانقًا .

" تاي هيونغ ، سعيدٌ لأنكَ أتيت "
نبسَ بكلماتٍ غير مرغوبةٍ فأومئتُ برأسي مبتسمًا .

" سأقولُ و أنا كذلك " نبستُ بكلماتٍ صادقة فإبتسَم .

" ما الذي يجعلُكَ غير مُرتاحًا هكذا ؟ " نبسَ ناتسويَا بعدمَا وضعت النادلةُ ما طلبناهُ مسبقًا ، مددتُ يدي إلى مشروبِي وإرتشفتُ منها قدرًا و فكرتُ في سؤال ناتسويَا ، ما الذي يجعلني غيرُ مرتاحٌ هكذا ، كان الجواب و بِكُل بساطة كل شئ ، كل شئٍ كان يثيرُ حنقِي ، و يورثنِي الضيق لكنني فكرتُ بجوابٍ آخر ، يليقُ بالموقف أكثر .

" سمِعتُ أنكَ لا تطيقُ الأجانِب ، لربما هذا الشئ الذي يجعلنِي غير مرتاح " بكلماتٌ كاذبة نبست ، و أشغلتُ نفسي بالعبثِ بماصةِ المشروب .

" لربما كنتُ كذلك في فترةٍ من حياتِي ، لكن ليس
الآن " ردَ ثم إرتشفَ من مشروبهِ و أخذ يلوحُ ببصرهِ بعيدًا ، كان واضحًا أنهُ يحاربُ مع ذكرياتٍ غير محبوبةٍ داهمتهُ .

" هَل تُحِب أن تتحدَث ؟ " سألتُ مرمقًا من أمامِي .

" لا ، لكننِي سأتحدَث لأجلك "
كان عليّ أن أشعر بالإطراءِ لحديثهِ لكنني لم أفعل ، إن كان لا يودُ الحديثُ فما عليهِ أن يفعَل ، لا داعِ بأن يُغير رأيهُ لأجلِي ، بما أننِي لم أكُن فضوليًا بل سألتُ لأن ذلك كان نوعٌ من اللباقَة .

إبتسمتُ لهُ فردهُ لِي ثم تنهدَ و سالَ عليّ بكلماتٍ ممله .
" كنتُ في علاقةٍ مع شخصٍ ما ، لم يكٌن يابانيًا لذا لم أعد أكرهُ الأجانبَ " .

هززتُ رأسي متفهمًا ، ثم أدخلتُ الماصة بفمِي و شربتُ مشروبي على مَضض ، لم أكن لأصدِقَ كلام ناتسويَا ، و لربما أصدِقُ بعضًا منهُ ، كان يودُ إيضاح فكرة أنهّ كان بعلاقة مع الكثير ، و بشكلٍ ما لم أعرف لما يودُ أن يوصل تلك الفكرة لِي ، و أيضًا لم تعجبني شخصية ناتسويا مُطلقًا ، فمَن يغيرُ خططهُ لأجل شخص يحبهُ إنه مجنونٌ بالإتفَاق .

أثناءَ حومِ رائحةِ الصمتِ حولنَا رنَ هاتفُ ناتسويَا ، نظرتُ إلى هاتفهِ كردةِ فعلٍ طبيعيه يفعلهَا أي شخص ، و لعلِي لمحتُ بعضًا من الإسم الطويل الموجود على الهاتف لكن ما أثار دهشتي هو ناتسويَا ، حينما حمل الهاتفَ بعيدًا عن نظري ، و حدقَ بالهاتف بملامحٍ غير مفهومة ، ثم إعتذر منِي و ركبَ دراجتهُ النارية التِي اوقفها خارجًا و إنطلقَ بعيدًا .

نظرتُ إلى مشروب ناتسويَا الدافئ الذي تطايرتْ منها الدخان ، و فكرتُ فيما جعلهُ يركضُ بعيدًا من موعدٍ دبرهُ هو ، لكنني أدركتُ فيما بعدٍ أن ليس للأمر دخلٌ بي .

وضبتُ حقيبتي و جرعتُ أخر جرعاتِ المشروب البارد الذي طلبتهُ ثم ذهبتُ لدفع المال لكِنَ ناتسويا كان قد دفعها مُسبقًا ، ثم توجهتُ إلى المنزِل .

المللُ كان يتواجدُ في زاويةٌ من حياتِي على الرغمِ من كل تلك النشاطات التي كانت بهَا .




...

ما ظنكُم بِسونغ كَانغ ؟       

هارُوكَا | تايكوك .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن