الفصل السابع

32 4 8
                                    

الفصل السابع
صباح اليوم التالي..
تناسى مازن كل همومه وبدأ  العد بعزم وهو يتدرب مع الرجال في صالته الرياضية..
إذ يتوجب عليه تكثيف جهوده ليحرق السعرات التي اكتسبها بالأمس .. لكنه يعترف أنها كانت جلسة ممتعة زادت فضوله ليتعرف على نوران أكثر .. خاصة أنها تضع الحواجز وترى أسرته غريبة عنها فلم يغفل عن خدعتها بالأمس حين ضبطت منبهًا بساعة محددة لتغادر عندها ولا تسهب في جلوسها معهم ..
"كابتن..سنموت..إنه وقت الراحة"
انتبه مازن للاعتراضات الحانقة من حوله فقد شغله تفكيره في نوران حتى جاوز العدد المطلوب وأجهد الرجال..
فالتفت إليهم قائلا:"كنت أختبر قوة احتمالكم..هيا نتابع بعد عشر دقائق"

وتحرك يجفف عرقه ويتصل بشقيقه :"صباح الخير..هل تناولت فطورك؟"

أجابه زيد بفتور من أثر النوم:"أنت مبكر كثيرًا ..لم يستيقظ أحد بعد في المنزل"

"هيا يا زيد..إن تأخرنا فلن نتمكن من شراء هدية لأفنان"

كان لزيد تلك القدرة فقد تقلب في سريره براحة مستعدًا لمتابعة النوم وفي نفس الوقت حولَ صوته ليظهر قويًا كأنه نهض من فراشه واستفاق تمامًا:"دقائق وأكون عندك"

فأنهى مازن المكالمة مطمئنًا لسير اليوم بشكل منظم كما خطط..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
"صباح الخير"
قالها هيثم وهو يجلس إلى مائدة الإفطار مع العائلة ..
فشهقت أفنان بصوت مسموع وكانت قد قررت أن تظهر له اللامبالاة لكنها لم تستطع مع منظر كدمات وجهه التي أفزعتها...وفكرت إن كان بوسع الماء المتسخ أن يعطي هذا التأثير!
لكنها نفضت عنها الفكرة السخيفة وقالت:"ماذا أصاب وجهك؟..من فعل بك هذا؟"

أجابتها نوال:"فزعت أنا أيضًا حين رأيته منذ دقائق..ستذهب للمشفى بعد الإفطار كما وعدتني أليس كذلك؟"

علق سالم بغير اكتراث:"ما بكما؟ لم القلق بدون داع؟ أحدهم رحب بابننا كما يجب"

وأردف هيثم وهو ينظر في عيني أفنان بالتحديد:"كنت نائمة يا أمي بالأمس ولم تري هيئتي وأنا مبتل بالكامل...أحدهم سكب ماءً متسخًا فوق رأسي"

تهربت أفنان بعينيها ..وقالت علياء:"لم غادرت السيارة قبل الوصول للمنزل يا بني؟..لدينا جيران في هذا الشارع يتصرفون بحمق دون مراعاة لأحد"

"معك حق يا عمتي...إنهم حمقى ولا يراعون أحد"

استشف خالد ما يحدث وفهم ما فعلته أفنان فقال:"ربما يريدون لفت الانتباه"

لم يفهم سالم سبب تعليق شقيقه وقال وهو ينهض :"لقد حولتموها لقضية العصر..الوطن يرحب بك يا بني ..أم أنك نسيت عاداتنا؟ هيا سأذهب للعمل.. لا تتعبا نفسيكما يا نوال واطلبا من زيد إحضار الطعام الناقص من مطعمه عندما يستيقظ..واتصلا بي إن احتجتما شيئًا"

كان فادي متوترًا خشية  أن يكتشف هيثم خيانته وعندما نهض عمه  تنفس الصعداء وقال وهو يلحق به :"وأنا سأرافق عمي حتى لا أتأخر عن المدرسة..وأنت لا تتأخري يا أفنان "

استغربت علياء تحول صغيرها وقالت بعجب:"ما تلك العجلة؟ هل أصبح الفتى مجتهدًا دون أن ندري؟ ..هيا يا أفنان ساعديني في رفع المائدة "

لكنها أمسكت حقيبتها وقالت:"أعتذر يا أمي..سأساعدك حين أعود"

وذهبت مسرعة وكلها قلق من رد فعل هيثم بعد أن علم أنها الفاعلة.. لكن هيثم كان متمهلًا لخشيته أن يؤذيها بالحديث وهو لا يزال غاضبًا من تصرفها لذا ساعد والدته وزوجة عمه في رفع المائدة وصعد لإيقاظ زيد الذي سحب الغطاء على وجهه وقال:

"لقد نمت متأخرًا بالأمس ولن أنهض الآن..كما أظنك تلقيت الترحيب المناسب من أفنان ولا داعي لهذه الوليمة"

لكزه هيثم في خاصرته بقوة وقال:"ابق نائمًا .. وأنا سأسرق المفاتيح"

تأوه زيد ضاحكًا وأجابه:"ستجد المطعم مفتوحًا ..اذهب وساعد مازن وأنا سأساعد أمي حين أنهض "

غادر هيثم غرفته والمنزل كله وقد زاد غضبه من تعليقات زيد .. ولم يتوقع أبدًا المشهد الذي رآه أمامه
فقد كانت أفنان تتحدث مع أحدهم ولم تلبث أن ألقت بنفسها في أحضانه وراحت تقبل وجنتيه بسعادة ...
"لقد حكمتي على نفسك بالموت"
قالهاهيثم بغيظ وهو يتقدم منهما بغية الفتك بهما ..لكن أفنان انتبهت له فقالت: "انظر يا هيثم من الذي أتى للترحيب بك!"

تراجع غضب هيثم عندما اتضحت له هوية الرجل فرحب به قائلا  :"حضرة المحامي..حقًا اشتقت إليك.. تعال لنصعد إلى الأعلى"

بادله علي الترحيب وقال:"لن أتمكن من القدوم مساءً لذا أتيت للترحيب بك كما يجب"

ثم ضحك بخفة وأردف مشيرًا لوجه هيثم المكدوم:"لكن يبدو أن أحدهم سبقني في الترحيب بك ..وبأفضل الطرق كذلك"

"خالي!!" قالتها أفنان باستنكار..

لكن علي لم يهتم برأيها ودفع هيثم بخشونة:"هيا هيا.. سنوات مرت يا فتى منذ رأيتك.. تعال لنحظى بحديث رائع مع كوبي شاي من يدي علياء العزيزة"

وسبقه بالصعود بينما انتبهت أفنان لوجودها وحيدة مع هيثم فطأطأت رأسها وانتظرت أن يلحق بخالها.. لكنه بقى مسمرًا ينتظر تلك اللحظة تمامًا حين رفعت عينيها له ورمشت بهما بكل براءة كأنها تلومه على غضبه وهي المسكينة لم تفعل شيئًا..
فغالب ابتسامة كادت تظهر على شفتيه وقال:"أنت بدأتي الحرب لذا كوني مستعدة لما سيأتيك مني يا حبيبتي"

ومضى تاركًا إياها في حيرة من موقفه..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
في المدرسة..
وصل فادي في اللحظات الأخيرة من الطابور الصباحي فصعد مع زملائه كأنه حضر في الموعد كما فعلوا..
ومرت الدروس المملة دون أن يهتم بما يشرحه المعلمون..حتى صعدت الأخصائية الاجتماعية لتتأكد أنه في فصله..وهل هو طفل ليضل الطريق في هذه المدرسة الصغيرة؟! ثم استنتج أنها تبتغي أن ينقل ما يحدث لشقيقه ..

حدثته بلطف على عكس المتوقع:"سيكون اسمك مدرجًا مع زملائك من الأسبوع القادم..ربما لم تكن تعرف لكن على الطلبة الالتزام بالزي الرسمي للمدرسة كما ترى..وأتوقع أنك ستكون..."

إنه يعرف تلك الابتسامة المصطنعة التي تكشف عن الشر الكامن لصاحبها لذا سارع يجييها مقاطعًا حديثها:"سأعمل على أن أكون طالبًا مثاليًا"

فربتت على رأسه قائلة:"جيد..ولتكون عليك اتباع المبادئ الأساسية كعدم مقاطعة المتحدث تحت أي ظرف"
ثم تحركت لتقف بجوار المعلم وتابعت :"تعرفوا إلى زميلكم الجديد واحظوا بوقت رائع..إلى اللقاء"

تنفس الجميع الصعداء بعد رحيلها حتى المعلم أرخى رابطة عنقه قائلا:"لنتابع من حيث أوقفتنا الأستاذة سميرة"

وأخيرًا حلت ساعة الفرج وانطلق الطلاب من فصولهم ليملأوا فناء المدرسة صخبًا في وقت الراحة..
بينما تثاقل فادي في مغادرة الفصل وأثناء ذلك لاحظ فتاتين قد اجتمعتا على فتاة ما لم تظهر ملامحها له..

"ماذا تعنين؟قلت أنك سترافقيننا اليوم بعد المدرسة"

"لقد عثرنا لك على صديق بصعوبة..لا أحد رغب بوجودك حين رأوا صورتك"

"لا تقلقي ستكون جلسة بريئة ... فقط بعض السجائر والموسيقى.. لا تفوتي هذا اليوم وإلا ستخسرين الكثير"

انتظر فادي أن تدفعهما غاضبة وتهددهما بإخبار المعلمين أو حتى تهددهما بإخبار والدها..لكن لاشئ حدث الفتاة اتخذت موقف الرفض بصمت دون مقاومة..
لوهلة أدار رأسه عنهن وقد قرر ترك الضعاف من أمثالها لمصيرهم.. لكن صوت مازن تردد في أذنيه عن الشهامة وما إلى ذلك حتى ضاق ذرعًا به فنهض قائلا:"يكفي!! من أنتما لتجبراها على مالاتريد؟!"

فأجابت إحداهما بعد أن تبادلتا النظر لبعضهما والضحك بسخافة:"انظري من يتكلم!! القط الذي يخشى سميرة! دعني أداعب خدودك رجاءً ..كنت مثالًا لحيوان أليف يتمسح بقدمي سيده"

حسنًا يعترف أنها محقة فسميرة تلك ذكرته بأفنان حين تغضب عليه وتملأها طاقة الشر فتجبره على فعل ما لايريد.. لكن لا أحد .. ولا أحد يمكنه إهانته لأي سبب؟

لذا أظهر لها وجهه المتكبر المنغلق على أمثالها من العامة كما يسميهم وقال: "امم.. ما رأيك هل نخبر سميرة التي لا تخشينها عن مخططاتكما لبعد المدرسة ؟ وربما تطلب من ولي أمركما الإشراف على موعدكما بنفسه!"

"أحمق.."
هتفتا بها في وقت واحد قبل أن تخرجا بخيبة من الفصل..

فبان له وجه الأخرى التي بدأت تناظره بذهول.. بشرة قمحية بالكاد ظهرت ملامحها وهي تبدو كهيكل عظمي.. وقد برزت عظام وجهها كأحد المدمنين أو المسجونين المضربين عن الطعام.. مع حجاب أبيض غطى رأسها الذي طأطأته الآن قبل أن تقول:"شكرًا لك..إنهما تسيئان إلي دائمًا"

"وستظلان على هذا النحو طالما تتصرفين بهذه الطريقة.. لماذا تطأطأين رأسك الآن؟ أكره الضعف..أكرهه..اسمعي إن ضايقك أحد فأقحمي إصبعيك الوسطى والسبابة في عينيه وسببي له عاهة دائمة"

رفعت منة رأسها ولا يزال الذهول يلون ملامحها ..فأعرض فادي عنها وخرج من الفصل تاركًا إياها تحاول تحليل جملته الأخيرة فرفعت كفها تنظر لإصبعيها وتحركهما كأنها تختبر قدرتها على فعل ما قاله..

في الحصة التالية بدلت منة مقعدها وجلست مجاورة للنافذة المطلة على الشارع فلاح لها طيف فادي يمشي بثقة في الشارع..كتمت شهقة الصدمة بكفها والتفتت لمتابعة الدرس بذهن مشغول بزميلهم الجديد غريب الأطوار..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
"حقًا..وأنا أيضًا اشتقت إليكن...هل نلتقي اليوم؟..حسنًا لا مشكلة "

ضحكت هالة بصخب فقد أمضت شقيقتها نصف ساعة كاملة تتصل بصديقات الجامعة الواحدة تلو الأخرى تطلب منهن الخروج اليوم فلم تجد متفرغة بينهن وحددن موعدًا آخر للقاء..

"ستجدين الأسبوع القادم مكدس بتلك المواعيد التي تعطينها دون دراية .. استسلمي يا نوري سنذهب اليوم لأرى فارس أحلامي"

التفت نوران إليها غاضبة وقالت:"لم نلبي دعوة الغرباء؟..سأنتهي على يديك يومًا يا هالة..ماذا فعلتي بنا؟"

أجابتها هالة بغير اكتراث وهي تخرج ما سترتديه الليلة:"ماذا فعلت أنا؟..كان عليك أن تكتمي أمر الدعوة وحينها لم يكن أبي ليوافق وأنا لم أكن لأصر على الذهاب...اعترفي! أنت أردت الذهاب ... ربما للقاء بطلك"

دفعتها نوران بسخط قائلة:"ابتعدي عني بأفكارك تلك..أي بطل؟"

ثم لفت نظرها الفستان الذي يقبع بين يدي شقيقتها فأردفت:"ما تلك المبالغة؟.. إنها مجرد أمسية عائلية في المنزل..هذا الفستان غير ملائم أبدًا"

استعرضت هالة نفسها أمام المرآة وأجابتها:"لكنني أحبه فهو لا يظهر وزني الزائد ...كما أنه يتناسب مع لون عيني "

وكباحثة عن سبب لعدم الذهاب أصرت نوران :"لا شأن لي..إن قمت بارتدائه الليلة فلن أرافقك "

اتسعت عيني هالة وقالت بتحذير:"نوران! "

فحركت الأخرى كتفيها بلامبالاة قائلة:"سأختار لك ما يظهرك أفضل صدقيني"

ولم تشعر هالة بالرضا إلا بعد أن أضافت:"وأنا سأختار لك .. لترتدي كل منا على ذوق الأخرى..سيكون هذا رائعًا"

فشعرت نوران كمن أودى بنفسه للهاوية وقالت بقلق:"اختاري بعناية أرجوك"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
اجتمع الرجال حول مائدة في الحديقة حوت كل ما لذ وطاب من الطعام والحلوى التي حضرها زيد خصيصًا لتكمل الوليمة التي أعدتها نوال وعلياء..
بينما جلست السيدات حول مائدة مشابهة في شرفة الطابق الأول والتي صممها سالم عن قصد لتكون بهذا الحجم كأنها غرفة وليست مجرد شرفة في صالة المنزل..
وجُدلت الأحاديث اللانهائية بين الحضور حتى سئمت أفنان الضجيج و انسلت  من جمع النساء متجهة لغرفتها في الطابق العلوي ولكن زيد اعترض طريقها قائلا:
"فنه حبيبتي سأذهب مع مازن في مشوار سريع وأترك لك هاتفي حتى تدخلي كود الشحن هذا .. لأن رصيده قد نفذ.. انتبهي لهاتفك ..سأتصل بك بعد قليل لتنزلي الحديقة"

اصطنعت أفنان السأم وقالت:

"أووف.. كنت على وشك النوم والراحة .. ألا يوجد وقت تعتقني فيه من تنفيذ أوامرك"

كان زيد على وشك متابعة نزول الدرج لكن جملة أفنان المغيظة دفعته ليلحق بها صاعدًا الدرج من جديد

فضحكت وهي تركض هاربة وتقول:
"كنت أمزح معك فقط .. لن أكررها ..لن أكررها"

لكن فات الأوان فقد أمسك بها زيد وقيد يديها خلف ظهرها وقال بشر:
"كنت تتحدثين عن سئمك من أوامري أليس كذلك ؟"

واصلت أفنان ضحكها قائلة:
"ألا يهمك أن أنفذ أوامرك؟! سأفعل ما تريد ولكن دعني أعبر عن سئمي يا سيدي"

خفف زيد من قبضته وقال بحنان:
"حسنا عبري كما تشائين .. اليوم سأعفيك من العقاب وأتركك تفعلين ما يحلو لك.. كما أنني علمت أن أحدهم يخطط لاختطافك قريبًا فقررت أن أعاملك بلطف حتى ترفضي الذهاب معه"
احمر وجه أفنان وقالت بارتباك:
"ماذا تقصد؟ هل.."

ابتسم زيد ونزل الدرج ملوحًا لها وقائلا:
"أتركك لتأنيب ضميرك لأنك تركتني أعرف الأمر من الأغراب"

هتفت به أفنان:
"انتظر ليس الأمر كما تظن"

التفت زيد وأشار لها بالصمت مازحًا:
"شششش..ستفضحين نفسك وتسمع السيدات في الأسفل وحينها ستعترفين لي ولهن بما حدث"

وغادر ضاحكًا بينما صعدت أفنان الدرج ساخطة وهي تتمتم لنفسها: ( أي فضحية؟ ! هل ألف هيثم قصة وخدع شقيقي؟! يبدو أنك لم تتعظ..أنا من ستريك مقامك يا سيد مغترب يا مخادع)

دخلت لغرفتها وألقت هاتف شقيقها مع بطاقة الشحن على سريرها ريثما تحضر شيئًا تأكله أثناء جلوسها ودخلت المطبخ ولا تزال تحدث نفسها: (سآكل شيئا حلوًا ينسيني ما يفعله هذا المحتال .. كيف سمحت لنفسي أن أعده مقربًا مني ..أوفف وهؤلاء كدن يصبنني بالصداع ..من الجيد أنني تمكنت من المغادرة وترك تلك الضجة في الأسفل)

غسلت أفنان  ثمرة من التفاح وعادت لغرفتها ..ثم  أمسكت البطاقة التي تحوي كود الشحن دون أن تجفف يدها فابتل جزء من البطاقة لكنها لم تهتم وخدشت الكود بعملة معدنية وكانت الكارثة حين طمست الأرقام في الجزء المبتل..

لوهلة بقت أفنان محدقة بالبطاقة التي أتلفتها بعينين ذاهلتين إنها بقيمة خمسون جنيهًا .. ماذا ستفعل الآن ؟!! لا يظهر سوى عشرة أرقام من جملة خمسة عشر رقمًا..
سيقطع زيد رقبتها إن علم بما فعلت..

(حسنًا .. اهدئي يا افنان .. ستنزلين سريعًا وتشترين بطاقة أخرى بمالك الخاص)

وضعت التفاحة المقضومة على سريرها وغادرته لتنفيذ مخططها لكنها توقفت فجأة وأكملت حديثها لنفسها بأسى :( كيف سأغادر المنزل الآن أمام الجموع المحتدشة في الحديقة؟
لم يعد هناك حل آخر سأبحث عن طريقة لتزوير هذه البطاقات كما يفعلها الجميع)

و كتبت في خانة البحث في محرك البحث جوجل : طريقة استعمال بطاقات الشحن التالفة
وبدأت تقرأ باهتمام نتائج البحث التي خرجت لها محدثة نفسها بوعيد وهي تقضم التفاحة بتوتر:
"قال زيد أنه سيعاملني بلطف.. هيهات!! أحرقت بطاقتك يا أفنان.. لحظة
هذا مقطع فيديو .. سأراه .. التطبيق العملي أكثر إفادة بالطبع"

كان شابًا يشرح شيئًا عن تطبيق غريب يجب أن تحمله على الهاتف وتنتظر حتى يجتمع في نفس اللحظة أشخاص يريدون كودًا للشحن مثلها فيحصلون جميعا على كود مجاني .. لم تفهم أفنان شيئًا مما قال ولم تعجبها هذه الطريقة المستحيلة..

"أنا أريد فقط شخصًا يخبرني عن الأرقام المطموسة ولست أبحث عن طرق غير مشروعة .. يا رب ساعدني..هذا مقطع آخر..سأشاهده"

أمسك صاحبه قداحة وقال سنحرق البطاقة ثم..

شاهدت أفنان بحماس متوقعة أن تجدي حيلته لإظهار الأرقام بعدها لكنه قال بكل سماجة بعد أن وضع البطاقة في كوب ماء:
" ثم تقوم ببل هذه البطاقة التي أتلفتها وتشرب ماءها"

تحجرت المسكينة وكادت تموت بذبحة صدرية مع ضحكات الرجل الشريرة فأغلقت الفيديو بعصبية واحتاجت قوة هائلة لتمنع نفسها من كتابة تعليق في حق هذا المعتوه أو كسر هاتفها الذي لا ذنب له...
"وقع العبء عليك يا أفنان ماذا ستفعلين؟"
غادرت سريرها وراحت تتحرك في الغرفة بعصبية وتحدث نفسها:
"كان الرجل لا يزال يدللني ويناديني فنه ويمازحني .. بعد أن يعرف ما فعلت سيجعلني جارية لديه في مطعمه .. لا أستبعد أن يقتلني..
فكرة.. خدمة العملاءهي الحل.. نعم هي الحل"

(لكن لن أتصل بهم .. سأبحث عن موقع أو حساب لهم على الإنترنت وهاهي صفحة تخصهم)
أرسلت أفنان الرسالة وجلست تقضم التفاحة حينًا و تقضم أظافرها حينًا بتوتر في انتظار الرد.. وقد كُتب على تلك الصفحة أن الرد على الرسائل يكون في خلال ساعات..

لكنها عادت تتذمر والقلق يفتك بها:
"إلى أن يصلني الرد سيكون زيد قد علم بالكارثة.. لا سأبحث من جديد "

ومجددًا كتبت في خانة البحث كيفية شحن البطاقات التالفة
وأخيرًا وجدت ضمن نتائج البحث منشورًا كتبه أحدهم يشرح فيه حل المشكلة.. ترددت أفنان حين وجدت المنشور قد كتب منذ سنوات لكنها قررت أن تجرب الطريقة وهي أن تضع علامة شباك(# )محل كل رقم مطموس.. وكي تنجح الطريقة يشترط ألا يكون عدد الأرقام المطموسة كبيرًا
نفذتها بروية  ثم قرأت بسعادة الرسالة التي تخبرها بنجاح الشحن وارتمت على السرير شاكرة الله على نجاتها..

وماهي إلا ثوان حتى دوى رنين هاتفها فأجابت بسعادة:
"نعم يا قلبي"

كان زيد قد اتصل بها من هاتف مازن فاستغرب ردها بكل هذه العاطفة وقال بغيرة:
"هل صرت تحبين مازن أكثر مني؟ بالطبع كان علي أن أفهم .. ألم تخبريه عن هذا الأمر قبل سنوات ونسيت إخباري به .. حسنًا إلى اللقاء"

"يا إلهي! لحظة واحدة .. زيد.. زيد"

أنزلت الهاتف عن أذنها باستغراب فقد أغلق زيد الهاتف في وجهها في بادرة غير مسبوقة:
"هل جن هذا أخيرًا ؟ هل هذه فكرته عن اللطف أم ماذا ؟!! إن كان الأمر كذلك فتلك مشكلة أخرى"

وسرعان ما كان هاتفها يرن مرة أخرى وكان مازن هذه المرة من حدثها قائلًا:
"انزلي يا صغيرة.. نحتاجك في الحديقة لبعض الوقت"

"أنا .. أنا متعبة قليلًا"

ضحك مازن وقال:
"غادر الضيوف انزلي باطمئنان.. فقط هذا الأحمق هيثم هو الغريب الوحيد بيننا"

فأجابته بعفوية:"لا تقل عنه غريبًا "

ثم عضت على شفتها وصمتت بعدما انتبهت لما تقوله وأكملت في محاولة فاشلة لإصلاح الموقف:"أقصد أنه ابن عمنا وبمثابة الشقيق..لكم"

لم يملك مازن ضحكاته التي صدحت في الهاتف قائلًا:
"ولم استثنيت نفسك ؟ألا يعد بمثابة الشقيق لك أيضًا ؟"

احمر وجه أفنان وقالت : "هيا لا تكن لئيمًا .. سأنزل في الحال .. لكن هل زيد غاضب مني؟"

فأجابها وهو يناظر شقيقه العابس:"لا تهتمي.. إنه يغار فقط"

بعد دقائق ..وصلت أفنان لمكان الاحتفال في الحديقة فصفق الجميع بحماس وتقدم مازن منها قائلا:"هذه هديتنا لك على نجاحك في دخول العمل رسميًا"

أمسكت أفنان الصندوق من يده واحتضنته بسعادة قائلة:"شكرًا لك..لم أتوقع هذه المفاجأة إطلاقًا"

وقبل أن تتحرك لمحت نوران وشقيقتها تقفان خلف مازن مع الجميع فذبلت ابتسامتها لوهلة ..لكنها سرعان ما تركت شقيقها واتجهت لنوران بغية إغاظتها وقالت:"ما رأيك بالحفل؟..انظري هل أُريك الهدية؟"

فهمت نوران ما تحاول أفنان فعله فوضعت ذراعها على كتفها تشدها إليها ورفعت هاتفها قائلة:"هيا لنلتقط صورة تذكرك بهذا اليوم السعيد .."

ولكزتها بخفية قائلة :"أنت طلبت مني القدوم لأبرهن لمازن تحسن علاقتنا لذا يجب أن تسايريني وتمحي هذا العبوس"

أومأت أفنان واغتصبت ابتسامة سخيفة..ثم انتبهت لهالة فقالت:"أووه..كيف لم أنتبه في المرة السابقة؟ ..أنت تعرضين الملابس على الانستجرام أليس كذلك؟.."

والتفتت لوالدها قائلة:"أبي أتذكر حين أخبرتني عن حاجة قسم التصميم في الفرع الجديد لعارضة ..هذه هالة التي أخبرتك عنها..سأريك حسابها"
وبعد دقائق اطلع خلالها خالد على حساب هالة.. كان يقف معها مطولًا  يشرح لها المواصفات التي يحتاجها القسم ..

بينما اقترب مازن من نوران وقال:"ألا زلتي  لا تؤمنين بنظرية جيران المدينة؟ أراهن أن شقيقتك ستنجح في دخول حياة العمل رسميًا وهذا ما يحدث حين تبنين علاقات جديدة مع من حولك"

نظرت له نوران بصمت لثوان ثم علقت :"لا أنكر حاجة الإنسان للعلاقات الاجتماعية مع من حوله ولكن للعلاقات حدود ..خاصة في بداية التعارف"

ضحك مازن وضرب جبهته قائلا:"في الصميم..ضربة ناحجة قصفت بها جبهتي "

ابتسمت نوران لهيئته وهو يتصنع التأثر بحديثها وقالت:"أظن أن علي تقديم البراهين فأنت كشقيقتك لا تقتنع بسهولة"

فجابهها مازن بتسلية:"بل أنا مثلك مستعد لشرح وجهة نظري وجعلك تعتنقينها بطيب خاطر"
وطال بهما الحديث وكل منهما يتحدى الآخر لإثبات صواب رأيه..

وفي الآن ذاته وجد هيثم الفرصة للانفراد بأفنان فزيد يراقب حديث هالة مع والده لسبب ما ..ومازن منشغل بالحديث مع نوران وقد جلست بقية العائلة على مقاعد قريبة يناظرونه مبتسمين كأنهم يشيرون له باتخاذ هذه الخطوة ...

فتنحنح ينبه أفنان لوجوده ثم قال:"مبارك لك نجاحك في العمل..هل تقبلين هذه الهدية البسيطة مني؟"

لم تكن أفنان لترفض هديته بأي حال ولكنها صمتت لوهلة وقد طأطأت رأسها تغالب رغبتها في البكاء ثم التقطتها من يده بخفة هامسة:"شكرًا لك "
وفتحت الصندوق الصغير وكادت تعتذر منه لموقفها السابق وقد أنستها رقة هديته كل تحذيراتها لنفسها بألا تسامحه..

"هل..هل تسمحين لي أن ألبسك إياها؟"
طلب هيثم برجاء فاستدارت أفنان سامحة له بأن يلبسها قلادته الرقيقة التي يتدلى منها فراشة ذهبية مطعمة بفصوص براقة بلونها المفضل..ووصلتها همسته الدافئة قبل أن يبتعد عنها:"أعتذر لسفري المفاجئ في الماضي ..ولن أمل من طلب السماح "

راقب زيد ابتسامة هالة وتوهج ملامحها حين أخبرها والده عن إمكانية قبولها في الشركة وبدت لعينيه كطفلة نالت حلواها المفضلة فراحت تتقافز فرحًا وحماسًا..
وكم راقه هذا المشهد لكنه منع نفسه من الاسترسال في مراقبتها وأدار رأسه يبحث عن أفنان وكأن صاعقة أصابته حين لمح هذا الوغد هيثم يميل هامسًا في أذنها بما جعلها تبتسم ثم ابتعد عنها ..فرفع صوته قائلا:"هيا ألن نقطع قالب الحلوى؟"
أيده الجميع واقتربوا متحلقين حول القالب حيث استغل انشغالهم بالهتاف لأفنان ولكم هيثم في معدته على حين غرة...وهمس له دون أن يلاحظ أحد:"أجل من الأفضل ألا تصرخ .. لأنه سينالك مني الكثير بعد كلما اقتربت من افنان"

اعتدل هيثم راسمًا ابتسامة متألمة على وجهه  دون رد..

بينما كان  خالد هو الوحيد من لاحظ فعلة ابنه فابتسم داعيًا الله أن يُتم ما يتمنى عن قريب وأن يدوم اجتماع عائلته في المسرات..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
"لا أعرف كيف من الممكن أن تقع مصادفة كهذه؟ ولكن قصتك تشابه قصتك صديق لي تعرض للخيانة من اقرب أصدقائه الذين حاولوا الاستيلاء على مصنعه لكنه تمكن من النجاة..حقًا لا أفهم! كيف يغدر  الأصدقاء  ببعضهم ؟ "

هكذا عقب علي بعد أن أخبره طاهر القصة كاملة ثم تابع:"إذا لأتمكن من مساعدتك ..هل لي بعقد ملكيتك لجزء من المصنع ؟"

نظر طاهر لزوجته ثم أجابه:"هذا جوهر  المشكلة..لم أهتم أنا وصديقي الآخر بهذه الشكليات وقد اعتبرنا أننا ثلاثة أشقاء دفعوا جهدهم ومالهم لنجاح هذا المصنع"

صمت علي بصدمة وأعاد سؤاله ليتحقق من هذه الكارثة:"ألا تملك حتى عقد ملكية أرض المصنع؟ أي شئ يثبت أنك ساهمت في هذا المشروع؟"

فحرك طاهر رأسه نافيًا بأسى ثم نظر لزوجته التي شهقت بارتياع إثر جملة علي الآسفة:"أعتذر لأنني لا استطيع مساعدتك ..فالقانون لا يعترف إلا بالأوراق والأدلة الملموسة "

ولم يلبث أن غادر تاركًا الزوجين يعصف بهما القلق ويتربع الخوف في قلبيهما
وقد وصلهما تمامًا مقصده: القانون لا يحمي المغفلين!!

#ڤوت
#كومنت
اكتبولي تعليقاتكوا الحلوة وتوقعاتكوا للقادم😉❤️






جيران المدينةWhere stories live. Discover now