الفصل السابع عشر
"ابن خالك سيبقى معك الليلة ..استمتعا بوقتكما"
أومأ كمال بابتسامة مصطنعة بينما يراقب انصراف والدته إلى أحد سهراتها التي تشعرها بمتعة الحياة كما تقول..
وناظر قريبه المستلقي على الأريكة بضيق قبل أن يقول:
"لدي موعد مع أصدقائي لذا...."
"معك حق لن ترضينا جلسة المنزل الخانقة..لنخرج"
"ولكني لم أدعوك...."
قاطعه شريف ساخرًا:"وكأننا سنسهر في أحد أملاكك..ما بك تبدو متحفزًا هكذا؟"
"سهرتنا ليست بالمعنى..."
ومجددًا قاطعه قريبه وهو يدفعه للسيارة عند باب الفيلا:"هيا..لا تضيع الوقت واتركني أستمتع بسيجارتي ريثما نصل..هل تريد تجربتها؟"
تصاعد دخان السيجارة الذي يشي بمحتواها المريب فتأكد لكمال أنها ستفقده وعيه إن جربها ..
ربما يخاطر فيما بعد أما اليوم وسيارته معه وكذلك حاسبه ولا يريد أن يفقد أحدهما بما يحويه في نوبة هذيان فلا سبيل للتجربة..
"سنشاهد فيلمًا في مكان لقائي المعتاد برفاقي..هل أنت متأكد أن هذه السهرة تلائمك؟"
تساءل كمال وهو يعرف تمامًا ميول ابن خاله الذي التحق بالجامعة حديثًا ومؤكد سهرتهم بأفلامها الفاضحة ونزواتها الصغيرة كتجربة السجائر العادية تعد بريئة مقارنة بسهرات الأخير...
وقد بدا أن السيجارة أتت بمفعولها المتوقع إذ التفت إليه شريف غير واع تمامًا لفحوى سؤاله وقال:"قدنا للجحيم يا ابن عمتي"
وانفجر في نوبة ضحك هستيرية جعلت كمال يمط شفتيه بامتعاض ويترجل من السيارة حيث رفاقه ينتظرونه وسحب قريبه مرغمًا ليشاركهم الجلسة..
"أعرفكم بابن خالي.."
ياله من تعريف غاية في الرقي والاحترام مقارنة بمظهر شريف..
"حسنًا..كما ترون إنه في عالم آخر ولن يضرنا ببقائه بيننا "
هكذا توقع كمال لكن الآن وهو يرى ابن خاله ينهال على بسنت تقبيلًا ويتحرش بجسدها أيقن أنه وقع في مصيبة كبيرة مع صراخ الأخيرة الذي شق سكون الليل..
وللأسف لم يرافقه اليوم من الأولاد غير عمرو أي أنهما ليسا ندًا أبدًا لشريف..
"كمال..افعل شيئًا..أنت طويل مثله وتستطيع ضربه على رأسه وربما إفقاده الوعي..اضربه بين فخذيه..أعده لوعيه"
تكررت أوامر عمرو إلا أنه كان أضعف من التنفيذ وبينما يحاولان الفصل بينهما وصلت نوران التي دفعت الولدين بسرعة وجذبت الفتى بقوة بعيدًا عن بسنت وطبعت صفعتين على وجهه بكل قوتها...
"ماذا تفعل؟ ماذا تفعل؟!!! وأنتم ؟!! تبًا تبًا"
إلا أن شريف لم يقف عاجزًا أمامها فقد رفع قبضته جهتها وهوى بها على وجهها يعاقبها على قطع متعته..
شهقت دينا واضعة يدها على فمها بذهول..وتراجع كمال وعمرو كأنهما يتبرآن من أفعال شريف..
بينما تجمدت نوران للوهلة الأولى إذ باغتها بتصرفه..
غلى الدم في عروقها وصرخت به منفعلة ناسية تمامًا بشأن الأولاد أو صورتها أمامهم...
"كيف تجرؤ؟"
وصارت كل أفكارها الآن دموية فلا شئ سيهدئ غضبها إلا الفتك به..إذ تجرأ رغم أنه يصغرها فضربها بل إنها المرة الأولى التي يمس فيها أحدهم وجهها بإهانة كهذه!
"أنا من سيتصرف في هذه اللحظة"
قالها مازن بينما يسحب شريف من مؤخرة عنقه مبتعدًا عنهم..
وفي غمرة ذهولها من وجوده في هذا المكان والآن تحديدًا لم تنطق نوران بينما تتابع غيابه عن مرمى بصرها مع شريف ثم سرعان ما وجهت اهتمامها لبسنت المنهارة بين أحضان صديقتها..
ربتت على رأسها رغم رغبتها الحارقة في صفعها ...ثم تجمدت يدها وثبتتها على رأس الفتاة مبهوتة بما يعرض أمامها على شاشة الحاسوب الملقى أرضًا..
وسارع كمال مرتبكًا يغلق جهازه بينما طأطأ عمرو رأسه دون أن ينبس بكلمة وبالغت دينا في ضم صديقتها كأن انشغالها مع الأخيرة قد يصرف نوران عن توبيخها مع البقية..
"أرى أنكم مدركون خطأ تصرفكم.."
وتابعت توجه حديثها للفتاتين:أتفهم نزوات كهذه يلجأ إليها مراهقون في عمركم ولكن ماذا عنكما؟ دينا..بسنت..انظرا إلى نتيجة جلسة كهذه!"
تنهدت بألم متخيلة وقع تحرش شنيع كهذا على فتاة مراهقة تتعرف ببطئ على معالم أنوثتها الجديدة...
"أنا مستاءة وبشدة... ماذا أقول؟"
فركت جبهتها بتعب وقد عجزت حقًا عن إيجاد حكم يليق بخطئهم إذ أنها لا تملك سلطة عليهم خارج المدرسة..ووجودهم في هذا المكان وسهرة كهذه لا يشي إلا بغفلة أولياء أمورهم أو تساهلهم الذي أدى لإهمال كهذا..
ضغطت على شفتيها بسخط قائلة:"عودا للمنزل أنا سأهتم بالفتاتين..وقد نجد الوقت فيما بعد لحديث متزن وهادئ "
تقدم الولدان أمامها إلى الشارع الرئيسي حيث بان مازن مع شريف على ضوء أحد عواميد الإنارة والأخير يجلس أرضًا قميصه مبتل بالكامل كأن السماء أمطرت عليه وحده..
وما إن اقتربت نوران منهما حتى وقف شريف قائلًا:"آسف جدًا لما بدر مني.. لم أكن في وعي.."
ومد بصره إلى بسنت المنكمشة في أحضان صديقتها مضيفًا بصوت منخفض: "آسف بشأنك أيضًا"
وصوته المنخفض يكذب أسفه..
"لو أن هذا الموقف حدث أمامي في ظروف أخرى لكنت الآن في قسم الشرطة حيث نحرر محضرًا ضدك وتسجل لديهم كأحد أصحاب السوابق لا واقفًا على قدميك تتبجح بكلمة آسف.. هيا اغرب مع رفاقك واحرص على ألا يجمعك طريق بالفتاتين وإلا فإن تهديدي لا يزال مستمرًا"
تراجع شريف دون رد حيث ركب سيارة كمال وانطلق الأخير بها يرافقهما عمرو كذلك..
وأنبت نوران الفتاتين بغضب:"أليس السجن أفضل مكان لأشخاص كهؤلاء؟!! لكن أنتما منعتماني من اتخاذ التصرف الصحيح بوجودكما هنا..هل تريدان فضيحة كهذه؟"
لم تجبها أي منهما إذ لاتزال بسنت على حالها من الوجوم بينما سارعت دينا تركب سيارتها هي الأخرى قائلة:"سأوصل بسنت في طريقي"
"انتظري..أنا من..."
قاطعتها دينا ملقية بتحية عابرة وأضافت:"نتحدث في وقت آخر"
"لا أصدق جرأتها !! لقد انعدم أملي في إصلاح هؤلاء الأولاد..."
تنهدت بيأس قبل أن تلتفت لمازن قائلة:"كنت أخطط للدخول في جولة مصارعة مع شريف هذا لولا قدومك...الحمد لله أنقذتني من تهور كهذا كنت سأندم عليه فيما بعد...أشكرك على تصرفك المتحضر"
كتم مازن ضحكة مجلجلة كادت تصدر منه ردًا على حسن ظنها به.. إذ أشبع الفتى ضربًا بعد أن أغرقه بالماء البارد حتى يكون واعيًا لما يلقاه منه وعمد ألا يظهر أي أثر لفعلته على وجه الأخير ثم أجبره على الاعتذار منهما وهو شخصيًا يظنها مرته الأولى في الاعتذار ممن أخطأ إليهم..
لكن لا بأس لتظل على ظنها الذي يفيده في مسعاه فأجابها:"لا شكر على واجب.. نتعلم منك يا أستاذة نوران"
تحركت نوران تستند بتعب على سيارتها قائلة بمرارة:"ابحث عن أستاذ غيري فأنا فشلت في التعليم كما رأيت...كان علي ألا أسمح لأحدهم بالذهاب..إبلاغ قسم الشرطة وفضح تصرفاتهم أمام آبائهم كان الحل الأمثل ..."
لم تلتقط أذنا مازن أي من حديثها إذ صارت ملامحها أكثر وضوحًا بعد أن غيرت مكانها فتبين الكدمة الزرقاء في جانب وجهها واهتاج بشدة نادمًا على سماحه للفتى بالذهاب على قدميه..كان عليه أن يكون أقسى في عقابه معه....
وتنبهت نوران لصمته المريب و مظهره الغاضب فتساءلت:"ما بك؟ نعم أسأت التصرف ولكن..."
صرخ بها مازن غاضبًا :"اصمتي تمامًا..كل ما تفعلينه يندرج تحت سوء التصرف..انظري إلى حال وجهك"
وغضبه الأكبر كان على نفسه إذ تأخر في اللحاق بها فتمكن مختل كهذا من إيذائها..
تحسست نوران وجهها الذي نست أمره تمامًا وتأوهت مع ملامستها لموضع قبضة شريف ..
بينما ناولها مازن زجاجة الماء البارد الخاصة به من سيارته..فرفضتها قائلة:"أنا ذاهبة..لا يجوز.."
ليستوقفها بصيحته الصارمة:"ستضعينها طوعًا أم قسرًا؟"
ناظرته نوران بدهشة فهي المرة الأولى التي يحدثها بهذه الطريقة وسرعان ما كسرت لقاء الأعين والتقطت الزجاجة المثلجة تضعها على خدها المكدوم...
فأخرج مازن مرهمًا للكدمات قائلًا:"هذا نسته أفنان في سيارتي.."
وأكمل بلؤم معاتبًا:"انظري كيف تتصرف الفتيات..تخشى على بشرتها الحساسة فتأخذ احتياطات كهذه.."
تغافلت نوران عن قوله الذي أغاظها وسألته:"الآن دوري لأسألك.. لم لحقت بي من الأصل؟"
تنحنح مازن قائلًا :"الصيغة لم ترق لي!.."
وناظرته باتهام فتابع مبررًا..
"حسنًا مررت عامدًا بالقرب من منزلكم وكنت أخطط لزيارة العم طاهر وبالتالي رؤيتك...أو أن أطلب لقاءك.."
لم تعلق نوران وإنما أنزلت الزجاجة عن وجهها والتقطت المرهم تمرر بعضًا منه برفق على كدمتها فابتسم مازن متخيلًا لو أنه من يتولى هذا الأمر...
وكالعادة قطعت نوران مسار تخيلاته قائلة:"أنا راحلة!"
"انتظري..لم أخبرك بعد بما جئت لأجله"
"ستخبرني عن تنازل عبد الرحيم...أعرف"
"لا ليس هذا..سألتني عن عمي سالم..."
"رجاء يا مازن أخبرني فيما بعد..تأخر الوقت وعلي الذهاب"
يا إلهي! إنها لا تساعده إطلاقًا..كان عليه ألا يسخر من شقيقه فهاهو يقف عاجزًا عن الاعتراف لها بإعجابه...عن رغبته في طلب ودها والزواج...
"كنت سأقول!...حسنًا اذهبي الآن رافقتك السلامة"
وراح يضرب رأسه بيأس في عمود الإنارة ...
بينما حركت نوران سيارتها للخلف كي تلتف بها وتأخذ الطريق المعاكس وحين صارت بمحاذاته راقبت ما يفعله بدهشة..
وتنحنحت قائلة:"نسيت هذا معي..."
رافعة مرهم الكدمات أمامه ...
فحك مازن وجهه بسخط قبل أن يسحب منها المرهم ببعض القوة..
"لم تبدو على وشك قتلي؟..."
سألته باستنكار وأمام صمته وملامحه الغريبة المتشنجة اعتذرت نوران وسارعت بالمغادرة متساءلة:
(هل كان على وشك الاعتراف لها بحبه أم ماذا؟ لقد سبق ورأت ملامح الممثلين حين تنتابهم أزمات كهذه في المسلسلات...)
وسرعان ما نهرت نفسها بغيظ:"صرت تفكرين كهالة بالضبط؟ التفتي للمراهقين الذين تعلمينهم ودعك من هذا السخف"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
استيقظت وجدان بأمل متجدد رغم اليأس الذي اكتنفها ليلة الأمس..لكنها الآن وقد حددت لنفسها الطريق الأخير الذي ستسيره مع عبد الرحيم ينتابها الهدوء والراحة..
رأت زوجها يقف كالعادة في شرفة الغرفة فالتحقت به..
"أريد الحديث معك"
ناظرها عبد الرحيم بهدوء وقد بدا أنه مستعد ليلعب دور الزوج الصبور الآن ثم أشار لها بالدخول ففعلت ووقفا متقابلين في الغرفة.. لتقول وجدان:"مؤخرًا شغلك الكثير عني ...لذا أريد أن أطلب منك شيئًا.."
"ما الأمر؟ أخبريني فورًا ما تريدينه وسيكون حاضرًاعندك"
أمسكت بكفه تربت عليه بلطف قائلة:"ليس شيئًا ماديًا يا رحيم..أريدك ان تجالسني يوميًا لنصف ساعة فقط .. أنصت إلي فيها دون مقاطعة حتى إن قلت ما لم يرق لك تقبله مني وضعه في عقلك..أرجوك لا تردني في هذا"
شدها عبد الرحيم إليه ممسكًا بعضديها وسألها بقلق:"هل أنت بخير؟ لم تقولينها كأنها استعداد للوداع؟ أنا أجالسك بالفعل كل يوم ..ربما فوتنا بعض الأيام في الأسبوع الماضي..سأفعل أي شئ لأجلك ...ولكن إن كنت مريضة وتخفين عني فأخبريني أرجوك"
مدت كفيها تحيط بهما وجهه برفق وأجابته مطمئنة:"لا تقلق..لا أخفي شيئًا عنك.. هذا طلبي الصريح دون أي أغراض أخرى.. ليس جلوسنا المعتاد يا رحيم أريدك أن تكظم غيظك لنصف ساعة فقط في اليوم ..عدني أيضًا أنك ستفكر فيما أقوله.."
لم يفهم عبد الرحيم وجه الاختلاف الذي تقصده لكنه أومأ موافقًا:"لك كل وقتي يا حبيبتي.. وهل أرفض رؤية هذا الوجه المشرق الصبوح؟!"
رغمًا عنها بكت وجدان إذ استرجعت صفعاته لهذا الوجه الذي يتغزل به..وأسندت رأسها إلى صدره بأسى تحاول إخفاء أدمعها...
فشدد عبد الرحيم من ضمها مدركًا سبب بكائها أسبغ في اعتذاراته التي لطالما كررها على مسامعها:
"أنا آسف..أقسم لك لا أستطيع السيطرة على نفسي وقتها.. أنا أخضع لشيطاني دائمًا وأكثر ما يحزنني أنني أقسو عليك غالب الأحيان لكنني عاجز عن التغيير..لا أستغني عنك..أرجوك تحمليني"
رفعت إليه وجهها بعينيها الدامعتين قائلة:"كنت مستقرًا يا رحيم..حين عملت مع رفاقك أتذكر؟"
فرك عبد الرحيم أنفه بأنفها مداعبًا وعقله يعيد له ذكريات الطفولة التي قضاها بأسرها في بلدتهم مع وجدان حبيبة عمره حتى أصدر والده أمره بترك البلدة فعاش أسوأ أيام حياته هناك حيث ماتت طفولته ومراهقته وغُرست فيه القسوة على يد أفضل معلم ..
وها قد نبتت الشجرة الخبيثة وطرحت العلقم الذي أذاقه لجميع من عرفه ولوجدان بالأكثر..
"لم أعد أبدًا للاستقرار وسكينة النفس إلا حين وافقت على طلبي للزواج واسترجعتك...بالنسبة إلي أنت الحياة...إن أمات أبي مشاعري وقلبي فأنت وجداني.."
وقرب رأسها مرة أخرى يعيد دسه في أحضانه قائلًا:"كنت قد أقسمت أن أقتل نفسي إن طاوعت والدك ورفضت طلبي...ربما ترين الآن أنه كان محقًا لكن هذا أنا بتكويني ومعتقداتي..أدرك ألا صحيح فيها إلا حبك لذا أرجوك استمري بتقبلي ولا تحرميني حبك"
نشجت وجدان تقر بأسى أنها عاجزة عن مقاومة حبه أيضًا ولهذا لاتزال باقية حتى هذا الحين رغم كل ما تلقاه..
"إذًا نصف ساعة يوميًا كما اتفقنا..هذه المرة الأولى التي أقولها يا رحيم ولكن إن حدث وقاطعت جلستنا أو أسأت إلي لأن حديثي لا يروقك فهي النهاية بيننا..إن كان فراقك عذابًا لي فما أحياه الآن يصنف ضمن أقسى ضروب العذاب أيضًا"
جحظت عينا عبد الرحيم مستوعبًا خطورة تهديد كهذا قبل أن يجيبها متوجسًا: "سيكون لك ما تريدين"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
"بسنت!"
أجفلت بسنت قبل أن تلتفت بهدوء يناقض طبيعتها الصاخبة ..
فاستاء وائل بشدة وأدرك أن سهرة الأمس لم تكن بالجيدة ..إذ رآها تتسند على صديقتها بالأمس ودخلت معها الأخيرة كذلك شقتها رافضة أن تخبره عما حدث معهما..
"ماذا حدث؟ هل أصابك مكروه بالأمس؟ أجيبيني!"
"الصداع في رأسي لا يرحمني..أرجوك لا ترفع صوتك..رافقني للمدرسة سأخبرك ما حدث"
سارا بروية ..وائل يطالع جانب وجهها بتدقيق كأنه يبحث عن موطن الاختلاف فيها بينما بسنت تثبت أنظارها على الطريق أمامها رغم شعورها بنظراته..
"كنت تستطيعين الراحة اليوم"
أجابته بسخرية:"حقًا! الراحة! أبي دعا أصدقاءه اليوم ..سيختار كل رجل من زوجات رفاقه من تروقه فترافقه اليوم بأكمله..هل هذا ما تريدني أن أبقى لأجله؟!"
وسرعان ما أضافت بانفعال:"تحرش بي قريب كمال بالأمس! جربت ما تتوق والدتي إليه ويساعدها أبي على نيله من رفاقه.. النشوة المحرمة لها مذاق مثير"
وتمسكت بصدر قميصه المدرسي قائلة بلهجة شجن مغرية:"جرب أنت أيضًا.. لاشك أن مصيري إلى رجل كأبي..وأنا موافقة أن تكون أنت الأول"
ثم أطلقت ضحكة ساخرة:"أقصد الثاني! هل يغضبك هذا؟!"
نفض وائل يديها عن قميصه قائلًا:"عودي إلى وعيك..هل ستفقدك صدمة الأمس رشدك؟!"
"أي رشد؟! أنا فتاة طائشة..مجنونة..انظر!"
وأخرجت هاتفها تريه مقطعًا مصورًا لاعتداء شريف عليها:"أترى؟ أحدهم أجاد اختيار اللحظة وتوثيقها.. وأنا سأعمل في هذا المجال..أنشر صوري للجميع ويفوز بي من يدفع أكثر"
صرخ بها وائل بغضب لا نظير له:"اخرسي تمامًا..أعطني هذا..هكذا نحظره وسيفعل كل رفاقنا في المدرسة المثل..سنغلق هذه الصفحة نهائيًا ونفضح صاحبها.. هذا لا يمسك شخصيًا بل إنها فرصة التقطها أحد محبي الشهرة.."
وسارع بإرسال الرابط لمجموعة الواتس التي تضمهما مع زملائهما في الصف..
"أدرك أنك تحت وقع الصدمة..أنت لن تسلكي طريق والديك أبدًا وإن اضطر الأمر ستأتين للعيش مع أمي.. وأنا سأقيم مع والدي في هذه البناية كما أنا..انظري إلي! هل أنت واعية لما أقول!"
حينها انفجرت بسنت باكية وقالت تندب حظها:"أكره والديَ..أكرههما! و سأكرههما ما حييت.."
ربت وائل على رأسها برفق يشجعها:"سيكون كل شئ بخير..هيا لنسرع للمدرسة ونتابع أمر محب الفضيحة هذا..هيا سنجد طريقة لرد الفضيحة إليه"
"لقد انتشر الفيديو وانتهى الأمر!خطوت الخطوة الأولى إلى عالم والدي مكرهة.. أي أنني سأستمر فيه.."
فجرها وائل يتابعان طريقهما إلى المدرسة موبخًا:"كفى هذرًا..سنجد حلًا هيا!"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
تقدم عبد الرحيم من خليفة الذي أشعل سيجاره بهدوء يراقب من حوله بروية فحتى وقت الراحة قد يكون استثمارًا للعمل إن وجد شخصًا يستغله أو يخدم مصالحه..
بادره بسخرية وهو يتخذ المقعد المقابل له:
"تذكر مكان لقاءنا الأول إذًا!"
بانت ابتسامة متكبرة على شفتي الآخر وأجابه:"بل لا أنسى تفصيلة من تعاوننا المشترك على مدار السنوات يا عبد الرحيم..أُتراك أنت من نسيت؟"
"إنها تلفيات بسيطة مقابل خدعتك الوقحة وأعدك أنها البداية فقط..لأنك ستلقى مني الكثير حتى أستعيد مصنعي"
وهذه المرة ضحك خليفة بقوة حتى سعل مختنقًا من دخان سجائره ليقول بسخرية:
"آه منك يا رجل! هل تظنني أتيت ألومك على ما فعلتك بفرع الشركة الجديد؟ لقد تنازلت عنها..صارت ملكًا لسالم الآن وهو من سيتكفل بإصلاح ما أفسده الآخرون.. أرادها تعويضًا عن لعبتنا في الماضي..وأنت أيضًا لئيم..جعلت ابنه يعمل لصالحك .."
وقطع حديثه كأنه لا داعي للتكملة فقد حصد مراده إذ اشتعل الغيظ في عيني عبد الرحيم الذي ضرب بغضب على المائدة الفاصلة بينهما صارخًا:"متى يبتعد خالد بأسرته عن طريقي؟"
أجابه خليفة معتذرًا باستهانة وكلمات مشبعة بالتحقير والسخرية:"آسف لم أعوض خسارة الفرع الجديد بنفسي..لو أني أعلم أن هذا ما سيرضيك لفعلت!..إرضاء لسالم ولك ..وهل يعنيني في الحياة إلا شركائي الأوفياء؟!"
فعاد عبد الرحيم للصراخ كحيوان مفترس تعوقه قيوده عن الفتك بفريسته الماثلة أمامه:"توقف عن لهجتك تلك..تعلم أنك أوصلتني لأعلى مستويات غضبي الآن! وها أنا أتلوى كطائر ذبيح أمامك..قل ما تريده ولتكن النهاية بيننا فقد صرت ألد أعدائي منذ هذه اللحظة!"
جابهه خليفة بجدية:"اتركني بسلام..كم تريد لقاء الاستغناء عن المصنع نهائيًا؟ حتى لو أردت عملًا أنا...."
قاطعه عبد الرحيم بسخرية:"وإن كنت تخشاني فلم تلتمس غضبي وتثيره يا هذا؟!"
"احفظ مقامك يا عبد الرحيم! لقد انتهى عهد تسيدك.. أنا هنا من أضع الكلمة الأخيرة"
"وأنا لن أتنازل عن المصنع ولو أعطيتني كل نفيس على ظهر هذه البسيطة فإنه لا شئ..."
علق خليفة بسخرية:"وبما أنك تحفظ قدر جهدك إلى هذا الحد..لم سلبت صديقيك فرصة السعادة بجهدهما معك؟!"
"وكأنك من ستردها إليهما!!
أنصت إلي إذًا..
أنا عبد الرحيم القتيل من نال كل ما يبتغيه في الحياة ..لا ألجأ أبدًا للقانون في استعادة ما هو لي..وبيننا طريق طويل سأرسمه بالدم منذ هذه اللحظة..فإن كنت متمسكًا بحياتك أقلع عن نواياك"
نهض خليفة بكبرياء واثقًا من نفسه معلنًا نهاية اللقاء وقال بصرامة:"لك ما تريد..اسلك كل السبل ولن تناله..لقد صار ملكي!"
بينما طحن عبد الرحيم ضروسه بغل لم يذر بياضًا في قلبه وصدق على توعده.. المصنع أو سفك دم خليفة!
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
ما إن اتخذ وحيد مقعده أمام مكتبها حتى بادرته سميرة بجدية:"أردت الحديث معك بشأن ابنتك منة..وحرصًا منا على سلامة كل أبنائنا الطلبة فإنني مهتمة بالدخول في حديث أعمق معك يا سيد وحيد"
أخفضت رأسها تداري تقززها من البقع المنتشرة على قميصه كالمرة السابقة واليوم كانت باللونين الأزرق والوردي..
ثم عادت تتابع :"هلا أخبرتني عن وضع منة في المنزل؟ من يقضي معها أغلب وقتها و يتابع شئونها؟"
"توفيت زوجتي منذ ثلاثة أعوام واستمرعملي على ذات المنوال يأخذ أغلب وقتي.. جارتنا تجالس منة أحيانًا لكنها عادة ما تكون وحيدة للأسف في المنزل..هذا لا يؤثر على مستوى دراستها كما أعرف..."
أكدت سميرة صدق حديثه:"نعم..منة من أشد طالبات مدرستنا تفوقًا.. لكن أنا هنا معنية بنفسيتها يا سيد وحيد..عادة ما نجدها منطوية أو تتعرض للتنمر من زملائها.."
لا يزال وحيد يتطلع إليها مستفهمًا فأضافت:" سيكون لنا وقفة حازمة هنا كإدارة للمدرسة لا تقبل تصرفات كهذه يتبادلها الطلاب بين بعضهم..لكن رجاء أسرع بعرضها على مختص التغذية وأيضًا طبيب نفسي إن شئت..فراحتها النفسية تهمنا أكثر من سلامة جسدها الذي سيلتئم كسره مع الأيام وتغدو طبيعية كأن شيئًا لم يكن"
"لا بأس..سأعمل على إقناعها بعد أن تشفى بإذن الله"
فاستطردت سميرة بعاطفة أم هذه المرة:"رجاء اقض المزيد من الوقت معها يا سيد وحيد وحاول خلق مساحة مشتركة من الاهتمامات بينكما"
أومأ وحيد ونهض مغادرًا لكن قبل أن يتجاوز باب مكتبها التفت مضيفًا:"يليق بك هذا الدور جدًا.."
يذكرها بصراخها المرة السابقة الذي يناقض وقارها الآن ..كادت تصرخ به ليضيع جهدها في الثبات الانفعالي أمامه لكنه كان الأسرع فغادر المكتب مغلقًا الباب بهدوء..
وبررت سميرة لنفسها:"إنها البقع التي تملأ ملابسه لا شك هي سبب اضطرابي"
أما في الصفوف..
اجتمع الأولاد حول وائل الذي شرح بالضبط المكيدة التي تعرضت لها بسنت ..
فابتدئ كمال بالاعتذار:"أنا آسف جدًا .. لم أشأ اصطحابه معي من البداية .. آسف"
أومأت بسنت بتفهم بينما عقب وائل ساخطًا:"كان عليك التصرف يا كمال..لكنك وقفت بسلبية أنت وعمرو حتى التقط أحدهم فيديو كهذا"
حرك كمال رأسه بالنفي وقال مبررًا:"لست سلبيًا...المقطع لم يصور ما حدث بعد ذلك ولكن أنا سأخبرك..الأستاذة نوران لحقت بنا ودفعت شريف بعيدًا عن بسنت فلكمها في وجهها"
"أووووه" ..."يا إلهي!"..."حقًا"..
توالت الصيحات المندهشة بينما شعر وائل ببهجة داخلية أن الأستاذة نوران لم تخيب أمله ولولاها ربما حل ببسنت ما هو أسوأ ...
بينما ألقت دينا بالقنبلة التي أشعلت الأجواء أكثر:"ثم أتى السيد مازن ليقول بثقة أنا من سيتصرف"
وجعلت صوتها غليظًا متقمصة دوره..
فسرت موجة ضحك بين الجميع...قبل أن تشير دينا لفادي سائلة:"أليس كذلك يا فادي؟ ألا يهتم شقيقك للأستاذة نوران؟"
"كيف عرفت؟"
سألها فادي بتوتر مستغربًا معرفتها بصلة القرابة رغم أنه لم يخبر أحدًا حتى أفنان لا تفعل.. ولم ينتبه لما وصلها من سؤاله كتأكيد على رابط ما بين مازن ونوران..
فأجابته بثقة:"أنا أعرف كل شئ"
ووجهت سؤالها للجميع:"ألا يليقان ببعضهما؟ أتطلع من الآن لتصميم مجلتنا السنوية هذا الصيف..سأجعلها عنوان رئيسي بالخط العريض وربما أحصل على صورة أيضًا..سيكون هذا رائعًا"
وافقها كمال متحمسًا خاصة أنه من أشد المعجبين بنوران..بينما أدار فادي عينيه بينهما بقلق وتعهد أن يخبر شقيقه بهذه المحادثة الشيقة فيما بعد...
وتدخل لإيقاف هذا الحديث الغير لائق:"لنركز الآن على بسنت ..اسمعوا لدي صديق يتقن هذا الأمر..يستطيع تهكير حساب صائد الفضائح هذا ومسح الفيديو نهائيًا .. يمكنه فعل أي شئ تريدونه"
"رائع لنذهب إليه مساء"
"المساء!"
ردد فادي بارتباك متذكرًا موعده المعتاد مع والدته ثم قال:"لا أظن أنها فكرة جيدة..سامر يسكن خارج المدينة وأنا لست متفرغًا هذا المساء"
وعقب عمرو:"ولم نذهب إليه؟ يمكن لفادي مراسلته وإنهاء الأمر!"
فمط كمال شفتيه موضحًا:"إنها أمور مكلفة!"
ليقترح فادي:"يمكنني طلب مساعدته اليوم ويكون الدفع من خلالي.. سألتقيه في الإجازة حتمًا"
فجابهته دينا حانقة:"ولم لا تساعد زميلتك دون مقابل؟"
استنكر فادي عدائيتها تجاهه رغم أنه أنهى لوحتها قبل أيام وظن أنهما سيكونان على وفاق بعدها..
فناظرها شزرًا قبل أن يوضح:"إنه عمله..وكما قال كمال ينتظر أجرًا على إنجازه"
بينما تجاهل عمرو التوتر الذي احتل الأجواء ليضيف:"أتعرفون أنا متحمس جدًا للإجازة هذا العام تحديدًا..ستكون مثيرة جدًا بتعرفنا على فادي وصديقه الذي سيزيد مجموعتنا خطورة..كما أننا سنعود لتصميم المجلة..حفل تخرج الصف الأكبر منا.. علينا الدراسة بجد لتمر الثلاثة أسابيع القادمة بسرعة "
شاركه رفاقه الحماس بينما سأل فادي باستغراب:"أنا أستغرب التزامكم الشديد بالحضور..إن الاختبارات العملية نهاية الأسبوع...."
أوضح عمرو:"لقد جربنا الهرب من المدرسة بفضلك..لكننا بصدق نحب الحضور فالمدرسة تهتم بنا وبالأنشطة كثيرًا.. حتى أننا استغربنا أمرك في البداية"
وأردفت دينا بسخط:"ولسنا أصحاب المدرسة مثلك"
ليدافع كمال بقوة قائلًا:"إنه يهرب لإنجاز عمله..ورغم أن عليه التوفيق بينهما لكن الهرب في هذه الحالة لا يعد خطأً"
بينما شاكس وائل بسنت:"ألا تريدين إلقاء تعليق عن كون فادي ولد وليس رجل ليتحمل عملًا كهذا؟!"
ضحك الجميع وابتسمت بسنت على استحياء فوعدها وائل بثقة:"سنحظر الصفحة ونهكر جميع حسابات صائد الفضائح فلا تبتأسي"
وبينما تتلقى بسنت نظرة خبيثة من دينا تنبهها لاختلاف تعامل وائل معها.. وجه وائل سؤاله لكمال:"متى نستطيع استعادة حقنا من ابن خالك؟"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
"أوووه..تعملين في مشغل أبي"
قالتها هالة مشدوهة حين وصلت مع رفيقتها لمكان عملها ..وسرعان ما جرتها قائلة:"تعالي لأعرفك بأبي..ستنسين الشقاء من هذه اللحظة"
لكن نفيسة أوقفتها بصرامة قائلة:
"هالة لحظة! لا بأس بالتعرف إلى والدك..ولكنني لا أريد امتيازات هل تفهمين؟"
"حسنًا يا آنسة كفاح ..لن أنطق بكلمة"
دلفتا لمكتب والدها الذي رحب بنفيسة وعرض عليها أن تجالسه مع ابنته لدقائق قبل أن تعود لعملها إلا أن الأخيرة رفضت بشدة..
فعقب طاهر بعد خروجها:"نفيسة تخشى على سمعتها بشدة.. ولا تقبل أي زيادة في راتبها إلا إن كانت مستحقة وبشهادة زميلاتها أيضًا"
التمست هالة شيئًا من الاستغراب في حديث والدها وتأكد لها أن لديه ملحوظات على صديقتها الجديدة إلا أنها كانت لاتزال في بوتقة الإعجاب بها فقالت بمرح قاطعة عليه الطريق لإبداء رأيه الصريح في نفيسة:"عرفتها مؤخرًا فلا تجعل هذا يؤثر على تعاملك معها .. ولا تكن تعسفيًا معها أيضًا"
"طوع أمرك يا هانم ..ماذا أيضًا؟"
ضحكت هالة قبل أن تعتلي المكتب بجوار والدها ومالت عليه تلومه بدلال:"لولو مستاءة منك..لم تفي بوعدك في أمر عشائنا الخاص"
فمد طاهر يده يربت على خدها برفق قائلًا:"إن كنت متفرغة اليوم فلا بأس.. كما أنني أريد الحديث معك مطولًا..لا يروقني..."
تناولت هالة يده تقبلها بحب وشدت عليها فقطع جملته بإرادته متفهمًا إشارتها ..
تبادلا النظرات لثوان قبل أن تمط هالة شفتيها وتقول مديرة رأسها إذ شعرت بعينيه كماسح ضوئي يقرأ الأفكار:"رفضت مساعدة نوران أيضًا.. أوقن بالاختلاف بيننا لكنني مع هذا مصرة بشدة أن أصل للسلام بنفسي..هذه معركتي أنا..وأنا من يخوضها ويضع كلمة النهاية أيضًا"
نهض طاهر فنزلت هالة بدورها ليقفا متقابلين قبل أن يضمها والدها قائلًا:
"أحببت هذا منك وكنت واثقًا أنك لا تقلين قوة عن شقيقتك رغم اختلافكما على حد قولك.. لكنها ليست حربًا يا لولو..نعم يلزمك خوض طريقك وإثبات جدارتك لكن دون أن تنهكي نفسك..لست في سباق..احصدي رضا نفسك فقط ولا تعبأي بكثرة الانتقادات حولك أغلبها حاقدة تسعى لتثبيطك فقط"
لم تعلق هالة..رغم أنها حفظت كل كلمة قالها داخل عقلها وحتمًا ستسجلها ما إن تعود للمنزل في مفكرتها العزيزة..وقبلت وجنتيه بمودة فعاد يسألها:"ماذا بشأن العشاء؟"
كادت هالة تستسلم إذ لم تجد مهربًا لكنها تذكرت للتو اتصال الأمس فتدراكت الأمر معتذرة:"نسيت..لدينا اجتماع في الشركة اليوم..سنعود للعمل خلال أيام كما فهمت"
والتفتت عند باب المكتب لتضيف:"أدرك أنك ستستغل العشاء لتوضيح وجهة نظرك..حتى إن اعتبرت تهربي الآن جبنًا عليك بانتظاري..أريد أن أجابهك بالحجة ونتقارع حتى نتصل لقرار مشترك"
ضحك طاهر رغمًا عنه معترفًا أن مرح هالة وطفولتها أكثر ما يميزها فأومأ موافقًا:"لك ما تريدين..سأنتظرك حتى تصلي لمرادك..لكن تذكري دومًا والدك هنا حاضر لأجلك في أي لحظة..و لسنا في حرب"
"سأذكرها أبدًا يا أبي..أحبك"
مسحت دمعة غافلتها من تعاظم محبتها لوالدها وألقت إليه بقبلة طائرة مودعة..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
"أعرفكم بنفسي..أنا زيد خالد السفيري..سأكون المدير الجديد للفرع هنا وأتمنى أن نحقق تعاونًا مثمرًا معًا إذ أننا نبدأ العمل الرسمي خلال يومين فقد أوشكت الإصلاحات على الانتهاء.."
قاطعه طرق على الباب ثم دخول هالة التي قالت لاهثة:"آسفة بشدة على التأخير.."
وتلكأت حين وجدت زيد يقف أمامها فابتسمت إذ استعادت تنبؤها القريب الذي أفضت به لشقيقتها وأخذت مكانها بين الجلوس بعد أن ألقت تحية سريعة..
بينما وصل مسامع زيد الحديث الدائر بين فتاتين على يمينه إذ قالت إحداهما: "تظن أنه سيمكنها من نيل مرادها فتكون العارضة بدلًا من هايدي"
"انتظري بدء العمل وعودة هايدي لتري حربًا ضروسًا بينهما..سيكون الأمر ممتعًا"
سجل حديثهما كملحوظات هامة سيعود لتحليلها فيما بعد ثم تنحنح قائلًا:"أنتظر أن تعرفوني بأنفسكم بالمقابل"
وبينما تسمع هالة تعريف كل منهم عن نفسه كرئيس قسم..أو مسئول في الشركة تساءلت عن دورها في اجتماع كهذا !
خاصة حين مرت الدقائق دون أن يوجه إليها أي سؤال...
ثم أنهى زيد الاجتماع قائلًا:"أشكركم على سرعة الاستجابة وبإذن الله نعود للعمل بقوة أكبر ونتلافى أي أخطاء سابقة..بإمكانكم الانصراف"
جالت هالة بعينيها بين زيد والجمع المنصرف قبل أن تنهض بدورها وقد بدأ الاستياء يلون ملامحها.. الإدارة السابقة رفضت اعتبارها عارضة الشركة والآن أتى السيد زيد ليهينها..تجاهلت حاستها السادسة وأي إشارات إيجابية ونهضت بغضب جلي تغادر الاجتماع مع غيرها..
"انتظري يا..."
تابعت هالة خطواتها دون توقف فسارع زيد وتقدم منها قائلًا:"هالة! هل أنت بخير؟"
وتابع بعد أن رأى نظراتها الغريبة:"اجلسي رجاء"
"لماذا؟"
"هالة.. طلبت قدومك لأنك ركن مهم في هذه الشركة وكان لابد أن نعد اجتماعًا مصغرًا معًا إن سمحت..أنا أخبرتهم قبل حضورك أن اجتماعنا سيستمر أي أن حكمك خاطئ هذه المرة"
رمشت هالة بعينيها مرتبكة قبل أن تعود للجلوس على طاولة الاجتماع قائلة: "حسنًا..حاستي السادسة دافعت عنك وأنا تجاهلتها..آسفة..
لا أعتذر منك بالمناسبة.. "
قاطعها زيد مشاكسًا:"أعرف تعتذرين لحاستك السادسة.. لا بأس عامليها بصورة أفضل في المرة المقبلة واشكريها نيابة عني"
لاتزال تناظره بامتعاض فأضاف متنحنحًا:"لأخمن..قبل ثوان قلت:انتظري يا.. وصمت..هذا أزعجك أليس كذلك؟"
رفعت هالة حاجبًا متآمرًا كأنها تترفع حتى عن التأكيد فأكمل زيد:"كنت أعد بداية مرحة لحديثنا الطويل..تلتفتين ثم أسألك بلهجة ودية كما الآن:هالة أم الآنسة هالة؟ فقط..دون نوايا أخرى"
لايزال حاجبها على وضعه فنظر زيد للسقف يفكر في تصرف آخر ضايقها إلا أنها انفجرت أخيرًا ضاحكة وأجابته:"أحببت تخيلك..دعنا ننفذه هيا..كرر سؤالك!"
"لا..لم يعد مناسبًا! أحرقت الفكرة"
لكنها ألحت عليه فسايرها قائلًا:"هالة أم الآنسة هالة؟"
لتغمزه مبتسمة:"زيد أم زيدون؟"
فانفجر زيد ضاحكًا ثم أردف:"إذا تقولين لا مجال للألقاب! وهذا أفضل بالنسبة إلي.. زيد أمام الآخرين و زيدون بيننا"
حركت هالة كتفيها بمرح مجيبة:"لا بأس"
تنحنح زيد وسألها بجدية:"والآن هل تسمحين لي بتفحص ما تعرضينه على حسابك على الانستجرام؟"
"هكذا؟..دون مقابل؟"
قطب زيد غير مدرك لمقصدها فاستطردت هالة وهي تضع ساقًا فوق الأخرى: "أقصد لابد أن ترسل إلي طلب للمتابعة فأقبلك ثم تتمكن من متابعة صوري"
وابتسم زيد وكل ما يصله منها يحفزه على إنهاء اجتماع العمل بصورة ودية أكثر..ثم نفذ مطلبها فقبلته هالة مبتسمة:" لا تنزعج من تطلبي..لكن زيادة عدد المتابعين يهمني بشدة"
"لا بأس تسعدني متابعتك"
"لحظة قبل أن نناقش العمل..ماذا بشأن المطعم؟"
أجابها زيد بهدوء صار يستخدمه ستارًا لإخفاء ضيقه بهذا الشأن:"سيسير العمل فيه كما هو..أضفت بعض التعديلات في المطبخ وسير العمل وأنوي تقليل زياراتي حتى أبذل كل جهدي هنا"
"وأنا منذ رأيتك قلت أنك رجل أعمال.."
أغرب زيد في الضحك وسألها:"ولم؟"
"درسنا في الجامعة مادة فرعية بشأن ريادة الأعمال..رائد الأعمال شخص يمكنه تحمل المخاطر وأنا التمست هذا فيك"
"رائع..وماذا أيضًا؟ ألم يناسبني العمل في المطعم برأيك؟"
"هل أخبرك بهذا فيما بعد؟"
ابتسم زيد مع سؤالها المرح ثم وافقها قائلًا:"معك حق..سأستمع بهدوء إلى آرائك عني في وقت لاحق..أعرف الوقت المناسب تمامًا.. "
تظاهرت هالة أنها لم تسمع جملته الأخيرة وسألت:"إذا ماذا بشأن العمل؟"
"حسنًا..أخبرتك أننا بحاجة لاجتماع معًا..جيد..في الحقيقة"
صمت لثوان مترقبًا رد فعلها من خلال ملامحها إلا أنها كانت هادئة تمامًا في انتظار التتمة فأردف:"سأدرس حسابك في وقت آخر..لم أطلب حضورك لأجل العمل بل لأجلي أنا"
"كيف؟"
"هل تقبلين الزواج بي؟"
نهضت هالة مشدوهة وعقلها لا يستوعب ما يطلبه..إلا أن وقوفه أمامها مبتسمًا جعلها توشك على الجنون فسألت :"أنت تطلب الزواج مني؟! أنا!"
"نعم ..هل تمانعين؟"
"أنا..أعني..لم أتوقع أن..حسنًا.."
قاطعها زيد مبتسمًا:"أخبريني بهدوء..كوني صريحة لا مشكلة"
"في الواقع عشت عمري كله أرى وزني عائقًا يمنعني عن الزواج..أقصد.."
"لا عليك..فهمت..أنا أحببت هالة الطفلة..هالة الإنسانة..أريدك في حياتي ملكة مدللة وفقط..في عمري هذا لم أكن لأسعى للزواج لأجل مظهر خارجي يا هالة.."
لم تزل هالة صامتة تتلقى حديثه وفقط كأنها بذرة تتشرب السُقيا بروية فتابع زيد:"أراك جميلة ولا ينقصك شئ..وقد وجدت فيك بغيتي..إنها أمنية حياتي أن أجد فتاة بشخصيتك وروحك وهاهي تتحقق فأتميها بقبول طلبي"
فتحت هالة فمها ثم عادت تغلقه قبل أن تجيب باقتضاب:"لنتابع في وقت لاحق.. إلى...لا داعي للتحية"
ولحقتها ضحكات زيد المتسلية وقوله:"أقول أحبك فتذرينني دون تحية!"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
في غرفته مساء..
عاد فادي يتصفح مدونة منة.. هكذا صار يجد السبيل لمعرفة حالها وما تفكر فيه..
فوجدها كتبت حديثًا :
(هو لم ينتبه أنه شوه جمالها ومعالمها..
لم يشعر أنه بما فعل قد أفقدها قيمتها و رونقها.. كل ما كان في مخيلته حينها فقط متعته في ممارسة هوايته المفضلة "النقر"..
فكر بأنانية غريزة البقاء، لم يأبه ولم يهتم إلا بنفسه فقط..
هكذا أيضًا الكثيرون من البشر، يشوهون ما بداخلنا لمجرد إرضاء رغباتهم الداخليه فقط ....د/أحمد خالد توفيق)
مع صورة لنقار الخشب وجذع شجرة ملئ بالثقوب ..
تنهد بأسى قبل أن يلتفت لوالدته التي طرقت الباب وسارعت بالدخول قائلة: "فادي..كيف حالك؟"
وقبلت وجنتيه كما اعتادت كل ليلة ثم جاورته صامتة ...وشاركها فادي الصمت لثوان قبل أن يقول:"أخبريني!"
إذ استنتج دون حديث أنها ستقول ما يغضبه ...بعد كل شئ لا تستحق منه والدته أن يكن وقحًا معها لذا مهما طلبت هذه المرة فهو سينفذ لها ما تريد..
وأسرعت علياء باغتنام الفرصة:"فادي أعرف أنك لا تفضل الدراسة .. لكن رجاء لا تُضع هذا الفصل ..ادرس ما يكفل لك النجاح على الأقل ..."
أومأ فادي دون اعتراض وقال:"سأحاول أعدك"
فابتسمت علياء مستبشرة بوعده ثم غيرت الموضوع لتمر ساعة كاملة قبل أن تتركه للنوم فبادر يتصل بسامر يتم مهمته الأخيرة لهذا اليوم..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
وفي الآن ذاته صفت دينا سيارتها على مسافة من النادي الليلي الذي أخبرهم كمال أن شريف يقضي به أغلب سهراته واختارت المكان بدقة حتى لا تلفت انتباه أفراد الأمن ..ثم ترجلت قائلة:
"التراسل مع كمال مهمتي أليس كذلك؟"
ترجل عمرو بدوره وأجابها:"نعم..وافيني بآخر التطورات ريثما نجد خطة دخول"
"يا إلهي! هل يمنعون رجالًا مثلكم من الدخول لهذه الأماكن؟"
سألت دينا باستفزاز فجميعهم يعلم أن هذه الأماكن لا تسمح بدخول من هم دون السن القانوني..فقصدت أن تعطيه دليلًا ملموسًا عن كونهم مجرد أولاد في نظر المجتمع..
فأجابها بنبرة ساخرة مدعيًا النصيحة:"تعرفين أننا سنتركك وحدك لذا إن شعرت بأي قلق أظهري لمهاجمك أسنانك الحديدية وسوف يفر هاربًا في التو واللحظة"
مشيرًا لتقويم الأسنان الذي تضعه فكانت دائمًا ما تبادر للتنمر على من يتعامل معها وتسئ إليهم حتى تظهر للجميع قوية الشكيمة لاذعة اللسان فلا يقوى أحدهم على السخرية منها..لكنه سبقها هذه المرة وتمكن من إهانتها..
هتف وائل قاطعًا عليها فرصة رد الإهانة:"نسيت الكاميرا! سيقتلنا كمال إن أفسدنا خطته"
ودخل السيارة مرة أخرى يبحث عنها بين أغراضهم على المقعد الخلفي فالتمعت عينا دينا بمكر واحتلت مقعد السائق وقادت السيارة بهوادة لتصدم عمرو الذي يقف أمامها لاهيًا ...
وانخرطت في الضحك على رد فعله..إذ انتفض صارخًا ما إن أحس بحركة السيارة ثم وقع أرضًا من الخوف..
"آسفة...أنت تعرف أنها سيارة أوتوماتيكية وتتصرف بمفردها أليس كذلك؟"
"وأنت تعرفين أنك حقيرة أليس كذلك؟"
واجهها عمرو بسؤال مماثل وتقدم من مقعدها مضمرًا الشر إلا أن وائل سرعان ما فصل بينهما ضاحكًا..
"اعتبرها مزحة يا عمرو وتجاوز عنها..هيا تقدمني لننجز هذه المهمة بسرعة"
وراقبت دينا انصرافه المضطر مدفوعًا من وائل بتسل وسخرية..ثم أرسلت رسالة لكمال تبلغه بوصولهم..
بعد دقائق..
دلف كل من وائل وعمرو على حدا إذ تظاهرا أنهما مرافقين لأحد رواد النادي وأجادا اختيار الأشخاص الذين يبدون من رواد المكان المتعارف عليهم لئلا يتعرض لهم رجل الأمن..
"ألا يعمل والد دينا تلك في الشرطة؟ لو أخبرته لاعتقل شريف ودون دليل أيضًا"
ابتسم وائل من لهجة صديقه النافرة وأجابه:"بسنت رفضت إدخال الشرطة في الأمر لذا قررنا أن ننتقم بأنفسنا..لكن فادي كان يستطيع مساعدتنا إنه يتقن الشجار عنا ولا أدري لم أصر كمال أن نبقي الأمر سرًا عنه؟!"
فعقب عمرو مُذكرًا:"أنسيت أن الأستاذة نوران عرفت مكان تجمعنا؟ ولحقها السيد مازن شقيق فادي.. وهذا الأخير مع جرأته إلا أنه يلعب دائمًا في الظل فلا يمكن أن يخاطر بالظهور معنا"
أومأ وائل بلااكتراث مصطنع إذ يقشعر بدنه كلما لمح أحدهم لاكتشاف الأستاذة نوران مكان تجمعهم السري فيخشى أن يزل لسانه ويخبرهم أنه كان دليلها للمكان..
بينما على الطرف الآخر..
نهض كمال ما إن لمح صديقيه حتى يعرفا مكان جلوسه مع ابن خاله والذي التفت إليه وغمزه بعبث قائلًا:
"تعتقد أن أماكن كهذه لا تروقك..لكن ما إن يبدأ ظهور الجنس اللطيف وتبدأ المتعة حتى تنسى توترك"
أومأ كمال بابتسامة متكلفة وعكف على مشروبه الذي يتلهى به منذ أتيا..ومن خلف كأسه كانت عيناه تشيران لصديقيه أن يتصرفا بأي شكل ولتنتهي هذه المهمة الخانقة المملة!
"ماذا بوسعنا أن نفعل؟ لا أدري كيف طاوعتكما وجئت لأداء دور لا أعرفه"
"لأننا ارتأينا أن تكون الخطة مرتجلة من وحي الموقف يا عمرو..."
وبتر جملته حين تعكرت الأجواء بظهور رجل يجر خلفه فتاة شابة واتجه مباشرة لشريف فأنهضه بقوة وجرى بينهما حوار حاد اللهجة كما خمن وائل وعمرو من لغة جسديهما العدائية.. فانسل كمال من تحت الطاولة حتى خرج من بوتقة المعركة حيث صديقيه اللذين شغلتهما متابعة الشجار عن رؤيته..
فأجفلا حين ضرب على ذراعيهما قائلًا:"هيا اذهبا أشعلا الأجواء أكثر ريثما أصور فيديو احترافي لبسنت"
"هل تعرف هذا الرجل؟"
"لا إنه صديق شريف من النادي وأنا أشعلت الفتنة بينهما حتى أهيئ المناخ المناسب للصراع الذي سأصوره الآن"
فتجهم وائل قائلًا:"لكنك لم تخبرنا..ثم أنني كنت أريد النيل من شريف هذا بيدي"
"لقد خاطرت بإرسال الرسالة في اللحظة الأخيرة رغم أنني لا أضمن نتائجها"
وأضاف بلهجة ساخرة:"حين يقع شريف أرضًا اسكب بعض العصير عليه فتنال شرف الظهور أمام عدستي"
وهذه المرة كان دور عمرو ليجر وائل الغاضب بعيدًا عن كمال..وعقب ضاحكًا:
"اعتبرها مزحة أو أظهر عضلاتك واسحق شريف مع هذا الضخم..وإن أردت نصيحتي لا تتدخل لأنك ستكون من الفريق المنسحق!"
هدأ وائل إذ أيقن أن صديقيه محقان..ووقف متفرجًا حتى انتهى الشجار بشريف صريعًا فأسرع كمال إليه يسانده وخرجا من المكان بعد أن صارت الكاميرا مع وائل مرة أخرى..
"وائل! انتبه رجل الأمن هذا ينظر إلينا..أخفي الكاميرا بسرعة"
لكن الرجل أيقن بالفعل أنهما صورا الشجار وربما يسيئان للمكان إن نشرا الصور فأشار لزملائه وكادوا يحاصرون الولدين إلا أنهما ركضا للخارج مع صياح وائل:
"لا جدوى من المحاولة..أسرع واتصل بدينا لتنتظرنا قريبًا من المدخل"
ونجحت رحلة الهرب بفضل دينا التي أنهت الليلة بقولها:
"سأشتاق لتهورنا حقًا..لكن لتمر فترة الامتحانات ثم نعود للمغامرات"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
صباح اليوم التالي..
دلف عبد الرحيم شقته ليجد وجدان تقف متخصرة أمامه فابتسم قبل أن يبادر لمصالحتها:
"آسف..لم نستطع الحديث بالأمس..لكن ها أنا ذا بدأت اليوم بالطريقة الصحيحة.. ذهبت لشراء الجرائد والفطور..كنت سأوقظك بعد عودتي وأفاجئك بفطور شهي"
ناظرته وجدان بشك قبل أن تقول:"جيد هيا أتم مهمتك إذًا"
فشدها عبد الرحيم من شعرها بخفة مداعبًا وتابع طريقه للمطبخ قائلًا:"لك هذا..سأعد الفطور كزوج محب يطمع في رضا زوجته"
بينما ربتت وجدان على شعرها وقد صارت تضع يدها على قلبها عند أدنى حركة منه...تخشى عنفه وبشدة!
كررت لنفسها مطمئنة أنها تخوض الطريق الأخير..
ستتحملين للمرة الأخيرة والنهائية بعدها اقتلي نفسك بالهجر قبل أن يقتلك بالعنف..
بعد دقائق ..
استرخى عبد الرحيم على أريكة مريحة وبادرها قائلًا:
"لتبدأ النصف ساعة التي طلبتها..أنا هادئ تمامًا لنصف ساعة"
ابتسمت وجدان وجثت على ركبتيها أمامه ممسكة بكفيه قائلة بلطف:"أغمض عينيك"
طاوعها عبد الرحيم والابتسامة مرتسمة على شفتيه بالمقابل..وكلاهما يعود للحظات بعيدة جاهدت الأيام لطمسها إلا أنها راسخة كما الجبال في ذاكرة كل منهما..
ثم سأل:"وجدان هنا؟"
فأجابته بحب:"كل شئ أخضر.."
ليفتح عبد الرحيم عينيه متنهدًا وينحني إليها يقبلها بعمق حبها المتأصل في قلبه..إذ اعتادا هذه اللعبة في طفولتهما تأخذه وجدان مغمض العينين إلى مكان ما وما إن تخبره أن كل شئ أخضر حتى يفتح عينيه ليرى الخضرة تحوطهما من كل جانب كما أحاطه قلبها الأخضر اليانع طوال حياته..
وجذبها لتجلس في أحضانه يداعبها يتودد إليها هائمًا بها شاكرًا وجودها في حياته إلى الآن..
"كنت تخدعينني في كل مرة بدعوى أنه مكان جديد لكننا كنا نقصد أرض والدك دائمًا"
"أردت دائمًا أن يكون لنا بيت تحفه المزروعات من كل جانب فلا أرى حولي إلا اللون الأخضر والحياة الهانئة بصحبتك"
مرت دقائق من السحر بينهما قبل أن تبتعد وجدان قائلة بجدية:"أفضل أن أقول ما أريده وأنا جوارك"
"لماذا؟ ألا ترضيك...؟"
قاطعته وجدان تضع كفها على فمه بلطف:"في الواقع يا رحيم ستكون في اختبار حقيقي بعد دقائق..ولا أستبعد أن تلقي بي أرضًا حينها من شدة غضبك"
قبل عبد الرحيم كفها بخفة وتركها تنفذ ما تريده بصمت..دون أن يجرؤ على نفي قولها..
فتابعت بهدوء:"أخبرني بالتفصيل عن البيت الذي اشتريته مؤخرًا"
فتح فمه ليجيبها إلا أنها استوقفته قائلة:"دون مراوغة تعرف مقصدي"
فتنحنح قائلًا:"أحد سكان البلدة عرف بشأن أعمالي..وحين لم يجدني في المصنع تواصل معي من خلال عماد.."
"رجاءً لا داعي للإحراج..تابع بسرعة دون إغفال التفاصيل"
"وجدان!"
همس عبد الرحيم بتحذير لكنها ناظرته بصمت فعاد يتابع بهدوء مقيدًا بوعده: "البيت ملك لفاروق مع أبناء عمومته..بعد إغفال من توفى منهم تبقى اثنان فقط.. صدقيني كان حريصًا على إرضائهم ببعض المال ما إن قبض هاشم ثمن البيع مني"
علقت وجدان:"إغفال من توفى منهم! إرضائهم ببعض المال! هل تملك تفسيرًا أوضح لهذه الكلمات؟"
"صدقيني تلك صدفة..ليست صدفة أقصد..فاروق يعرفني من خلال سعيد وليلى "
"أفهم..ليلى رحمها الله أخبرتني عن بيت العائلة بينما تقص علي بعض ذكرياتها.. وأنت رأيت أننا في حاجة ماسة لهذا البيت حتى تشارك في صفقة كهذه.. هل لك أن تخبرني كيف أرضيت أبناء العم الذين حالفهم الحظ فبقوا على قيد الحياة ليشهدوا مسرحية سلب حقوقهم؟!"
زفر بغضب فنهضت وجدان تصرخ به:"لا تزفر..لا تتذمر..أنا نويت الحديث بهدوء لكنك تتورط كل مرة فيما يفوق قدرة استيعابي"
"إنك تعرفين..أنا نشأت على هذا...أسلب حبًا في السلب والاستملاك..أنا.."
"رحيم!! بربك أعطني فرصة لإصلاحك على الأقل.."
تنفست بعمق قبل أن تعود إليه تأخذ وجهه بين كفيها قائلة:"عدني أنها المرة الأخيرة..لن تشارك ولن تسعى لبيع أي ممتلكات بهذه الطريقة مرة أخرى.. أرجوك تعال وحدثني أولًا..أنا كفيلة بهذا سأساعدك ..اسمح لي أن أبدل ما زرعه والدك داخلك"
"ولكنها شجرة باسقة يا وجدان..زرعها والدي داخلي طوال سنوات.."
قاطعته وجدان تؤكد له بحب:"أثق أنه غرسها في أرض طيبة تشربت عادات بلدتنا قبل أن تفسدها ظروف المدينة..دعني أقتلع الشجرة وأعيد تعمير الأرض بما يليق بها..عدني بهذا كبداية لا مزيد من العقود دون معرفتي..عدني"
كررتها تدحض محاولاته للتهرب فطاوعها عبد الرحيم مدركًا أنه لن يستطيع نكث وعده لها تحت أي ظرف:"أعدك..سأخبرك قبلًا"
"جيد..أفضل إنهاء جلستنا اليوم بهذا الوعد.."
أومأ عبد الرحيم بهدوء قبل أن يردف:"لا بأس..نلت مني اليوم يا وجدان وتريدين إخضاعي لهذا كل يوم..سأتنازل عن كل شئ رويدًا رويدًا أليس كذلك؟"
"تقصد ستستغني عن الحرام رويدًا رويدًا "
أدار رأسه بضيق يخفي عنها انزعاجه وأمسك الجريدة يقرأها ملهيًا نفسه بعيدًا عنها قبل أن يجرفه الغضب فينهض للفتك بها...
لكن ما قرأه كان فوق طاقة احتماله فنهض يضرب ذراع الأريكة التي كان يحتلها بغضب حتى انقلبت رأسًا على عقب واندفع يخرج من الشقة صافعًا الباب خلفه.. تاركًا لوجدان الفرصة في جمع أسباب جديدة تقنع بها قلبها بالتخلي عن هذا الحب القاتل...
#ڤوت
#كومنتاكتبولي انطباعاتكوا وتوقعاتكوا للقادم❤️❤️
YOU ARE READING
جيران المدينة
Romanceرواية اجتماعي..رومانسي..كوميدي.. تناقش عدة قضايا اجتماعية في إطار عائلي درامي انتظروا فصل جديد يوميًا بإذن الله ❤️