الفصل السادس والعشرون

12 0 0
                                    

مساء الخير😎دخول مفاجئ 💃💥💥

فصول الرواية المتبقية هتنزل تباعًا خلال الايام القادمة ان شاء الله

ڤوت..كومنت ..شاركوني رأيكو🤗❤️

الفصل السادس والعشرون
من خلف نافذتها راقبت بسنت حركة شريف أمام منزلها جيئة وذهابًا بهوادة وكأنه متفرغ تمامًا لها..
ما تعرفه أن المتحرش يجد فريسته أينما ذهب فلم يتشبث هذا المنحرف بها؟! وكأن لا أنثى في المدينة غيرها!!
ولا يبدو أن أي شئ بقادر على إيقاف ملاحقاته..
لذا استدارت عن النافذة وارتدت حقيبة ظهرها متأهبة لإنهاء هذا الفصل القذر من حياتها بإخبار الأستاذ نوران ..فهي الوحيدة من تستطيع إنقاذها..
ودون أن تُظهر لوائل سبب رضاها المفاجئ عن مرافقته اليومية لها إلى المدرسة هاهي تسير جنبًا إلى جنب معه بينما تراقب المتحرش القذر يختبئ فورًا عن أعينهما كحيوان وضيع يخشى القطيع فيجهز على الشاة ما إن تضل عنهم..
"هل وجدتِ ما تكتبينه لمنة؟ أنا لست جيدًا في التأليف أظنني سأكتفي بكتابة(أنا آسف) فقط"
"معك حق"أجابته بسنت بشرود لتعطيه انطباعًا أنها تسمعه بيد أنها تود الطيران حتى غرفة الأستاذة نوران ولا تفكر في أمر آخر!
"إنكِ لا تسمعينني! ولا تبدين طبيعية منذ بدء الإجازة حتى أنك رفضتِ مرافقتنا للساحل"
"الساحل ..المدرسة..أي موقف يجعلني أختلط مع الجنس الآخر أعده تهديدًا إضافيًا يرسم أمامي مستقبلًا مماثلًا لأمي لذا لا أريد وضع نفسي في موقف كهذا بإرادتي..."
"ولكنني سأكون معك"
قاطعها وائل مطمئنًا يرغب في قولها بطريقة أخرى لكنه يخشى الرفض الذي قد يمليه عليها خوفها من حياة والديها لا رفضًا حقيقيًا لشخصه..
"في عمري هذا لا أريد إلا أمي..فقدت الأمل في  أبي وقد نجح بجدارة في سلبي إياها"
صمت وائل فكلمات المواساة تتضاءل أمام فقد هذا ورغم أنه ممزق بين والديه بعد انفصالهما لكن مصيبتها أعظم ولا يستطيع مساعدتها..وحين هداه عقله لإخبارها بمشاعره علها تساعدها لتخطي غربتها بين والديها تراجع عن قراره أمام عدم استعدادها الواضح!
كانا قد أوشكا على بلوغ المدرسة حين خرجت لهما منة من شارع جانبي فأجفلا حين انتشلتهما من زوابع أفكارهما بصرختها الحماسية..
"اليوم سأتلقى رسائلكم..ولدي تدريب في النادي..أنا مبتهجة"
لم تعقب بسنت فمزاج صديقتها مناقض تمامًا لحالتها...لكن وائل اكتفى بقوله:
"كمال يصر أن تكون رسائلنا مفاجأة لك..يمكنك الإطلاع عليها بعد طباعة المجلة"
فعبست ملامحها فورًا إلا أنها قالت أخيرًا:
"أنا واثقة أن فادي سيريني خاصته"

وغمغمت لنفسها:"وللحق أنها تكفيني"
بعد دقائق
دلفت نوران صالة الأنشطة فوجدت أفنان تتوسط الطلبة وتشاركهم بحماس ما يصنعونه فأخذتها المفاجأة قبل أن تتقدم منها تصافحها بود..
فشددت أفنان من احتضانها قائلة:
"أنت من جعلتنا نشتاق إليكِ هذه المرة"
ضحكت نوران وأجابتها:"آسفة ..الأمر خارج إرادتي هذه المرة..أنا أتفاعل بشكل سئ مع الجميع حين ينشغل عقلي بالتفكير وخاصة إن كان الأمر مقلقًا كقضية شقيقك..لقد سلبتني قدرتي على النوم"
"ونحن اتبعنا سياسة التغافل..لم يكن أمامنا خيار بعد أن حيل بيننا وبين مازن فجأة.. لذا تجدينني هنا منشغلة بين الطلبة وأبدو في أفضل حالاتي.. هذا يعطيني طاقة للصبر وانتظار الفرج"
"كلانا يعرف نقاط تميزه إذًا"
عقبت نوران بمرح مدللة أن غيرة أفنان منها غير مبررة ..عمدت لهذا كي تخرج نفسها من بوتقة حزنها لئلا تبكي..
لم تجادلها أفنان كعادتها بل اكتفت بابتسامة متكلفة وصمتت..
ونظراتهما التعيسة تواصل حديثهما الغير منطوق!..فلا شئ وقطعًا لا شئ بوسعه تخفيف مصيبة كهذه!
في الآن ذاته كادت بسنت تترك ما بيدها وتتوجه للأستاذة نوران لتخبرها مشكلتها لكن خروج الأخيرة من الصالة أعاقها عن فعلها ..ولكنها كانت مطمئنة أنها ما إن تنهي النشاط مع زملائها حتى تجد الأستاذة نوران في غرفة المعلمات مستعدة لاستقبال شكواها..
لذا التفتت لفادي الذي عرض أمامهم لوحات مختلفة لمنة قائلًا:
"أنجزتهم مساء الأمس فقد ارتأيت أن أضع مواصفات خاصة للوحة المجلة"
التمعت عينا منة بينما تنتقلان بين لوحاته بمزيج من السعادة والاعتزاز بنفسها خاصة مع تعليقات زملائها التي اختلفت تمامًا..كأن لوحات فادي تنقل لهم صورة مغايرة لها فبعدما كانت شخصية مهمشة معرضة لتنمرهم هاهي محط اهتمامهم وإعجابهم..
وأخيرًا توجه لها فادي بالسؤال:
"الاختيار الأخير لك..هذه أم تلك؟"
اختارت الصورة التي تظهرها كاملة بملابسها التي تعمد لاختيارها واسعة حتى لا تظهر نحافتها المبالغ فيها..نعم تستاء من عدم امتلاكها منحنيات أنثوية لكنها تمتنع عن الطعام خشية زيادة الوزن..أفكارها متناقضة ومزاجها متقلب بسبب فوضى هرموناتها..
لكنها ما إن ترى نفسها بعين فادي فإن شعورًا من حب الذات يكتنفها لذا ستظل دومًا ممتنة له..
تنبهت من أفكارها على تمرير فادي ورقة مطوية لها بينما ينشغل زملائهما في كتابة كلمات الاعتذار لها..
كانت لوحة مماثلة للتي اختارتها وقد كتب على ظهرها:
(تذكر كلّما واجهت ظلمًا أو قُبحًا أن تدافع عن نفسك بأن تخترع جمالاً ما،
فإن كلُّ حُسنٍ مقاومة)
اتسعت عيناها وقد فهمت إشارته ..إنه يتابع ما تنشره على مدونتها!..
ونظرت إليه فهمس:"كنت واثقًا أنك ستختارين هذه اللوحة فكتبت رسالتي عليها..وهي نفسها التي سأكتبها الآن في المجلة"
"شكرًا لك" أجابته منة هامسة بدورها وخبأت لوحته في جيبها بسعادة..
ثم حان الوقت لإنجاز الخدمة الاجتماعية فالتقط فادي فراشته وراح يرسم على الحائط المختار فراقبه زملاؤه قبل أن يشاركوه التلوين طبقًا لإرشاداته ..
وكذلك راقبت أفنان بدهشة معجبة فعندما أبلغتها المديرة أنها ستوكل هذه المهمة للطلبة لم تتوقع أن ترى نتيجة بهذا الإتقان والحرفية!
حتى أنها تركت متابعة أعمالها ووقفت مبهوتة بما اكتشفته حديثًا عن شقيقها..
التفت الأخير فجأة وكأنه تذكر وجودها فارتبك وخفت صوته الذي يلقي التعليمات لرفاقه ..ابتسمت أفنان ولم تستطع أن تمنع نفسها من الاقتراب منه وتقبيل وجنته قائلة:
"أنا فخورة بك يا فادي"
تنحنح فادي ولم يستطع دفعها لئلا يقلل احترامها أمام رفاقه لكنه حذرها بعينيه من التمادي أكثر فتركته ضاحكة وانصرفت لمتابعة أعمالها..
وفي غضون ذلك أخبرت بسنت زميلتيها بملاحقات شريف المستمرة وطلبت أن ترافقاها لغرفة الأستاذة نوران فهي واثقة أنها ستساعدها لكنها خائفة من تعنيفها فقد تسبب تهورها وخروجها الليلي مع زملائها بوقوع هذه الكارثة..
ابتأست ملامحها حين لم تعثرن لها على أثر في غرفتها أو المدرسة كلها..
فاقترحت منة:
"يمكن للأستاذة سميرة مساعدتك...."
قاطعتها نظرات بسنت ودينا المستهجنة لكنها تابعت بثقة:
"صدقاني إنها حريصة علينا كالأستاذة نوران ويمكنها حل المشكلة"
عدلت عن ذكر حنانها ولطفها فهذا سيجعل تصديقهما لشهادتها مستحيلًا..
لكنهما لم تقتنعا رغم ذلك واكتفت بسنت أن قالت ببؤس:
"سنجدها في يوم آخر بلا شك"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
لم يطق عبد الرحيم صبرًا لينتظر خطوة علي القادمة بل خطاها بنفسه قاصدًا البلدة حيث وقف بكل تبجح أمام هاشم وفاروق يخبرهما أنه يملك نصيبًا في تركة سعيد ولابد من فتح الوصية في أقرب فرصة لأن نصيبه يلزمه..
وتلك حقيقة للأسف! لذا لم يستطع كلاهما الاعتراض وتم تحديد الموعد الموافق لهوى عبد الرحيم..
واتخذ هاشم طريقه فورًا لإحضار شقيقه وإبلاغه بالمستجدات..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
"نوران!"
جاء نداؤه متلهفًا مشوبًا بنار التوق لها..وعدل عن رغبته الجارفة باحتضانها بأن أدار عينيه عنها قائلًا:
ظننت خالي من أتى لزيارتي""
لم تجبه نوران سامحة لعينيها أن تمشطا جسده من أعلى رأسه وحتى أخمص قدميه خشية أن يكون قد تعرض له أحدهم بسوء.. ثم تركزتا على وجهه وملامحه التي تحمل بريق مشاعره ..بل حبه!
نعم هكذا أوضح بصراحة توصيف مشاعره المكنونة لها لكنها صمتت .. أخمدت النار المشتعلة في صدرها وصمتت..
تضاربت الانفعالات والمشاعر في أعماقها فوجدت نفسها تنفجر أخيرًا بالبكاء بلا قدرة على المقاومة..أي خسيس هو عرفه ليؤذي مازن بهذه الطريقة؟!!
فلا أحد وقطعًا لا أحد قد يتعرف إلى مازن الإنسان الشهم القائم على شئون غيره قبل شئونه ويضمر له الشر إلا لو كان حاقدًا حاسدًا كعرفه!
"اجلسي اجلسي"
أشار لها مازن وجاورها على الدكة المهترئة التي رمقتها نوران بحسرة مستاءة من تقلب حال مازن ليصير على هذه الشاكلة..وزادت وتيرة بكائها بشكل أوجع مازن الذي لم يدرِ كيف يتصرف!

حتى ضمها إليه لاتزال أمنية يرسمها له خياله بين الحين والآخر!
"وكنت تريد التدخل بعد في توزيع التركة والتأكد من تنفيذ وصية ليلى! انظر لما أصابك وتخيل حالك إن واجهت هذه الذئاب!!"
"إنها المرة الأولى التي يتمكن فيها عرفه من تنفيذ تهديده"
لكزته نوران ساخطة وهتفت به بغضب:"لِم تتحدث عن الأمر وكأنه قصة مضحكة؟! هل تروقك حياة السجناء؟!"
وواصلت بكاءها تخبئ وجهها بين كفيها فابتسم مازن ومرر نظراته الحنون على رأسها المحني قبل أن يقول:
"أتذكرين لقاءنا الأول؟"
هاجت مشاعره وبكاؤها الحار لأجله يكشف له عظيم شعورها الذي تكنه داخل قلبها إلى الآن وتبخل عليه به..
"كنت يائسًا من فادي وأردت التسلي بمحادثة فتاة جميلة فاتبعت إشارتك ووقفت.. لكن ما إن رأيتُكِ ومنذ اللحظة الأولى اتخذت طريقك لقلبي بسلاسة وأنا لم أفكر أبدًا بالمقاومة"
ضحك بخفة وعقب ساخرًا من نفسه:"ومن أنا لأجرؤ على فعلها؟!"
كفكفت نوران دموعها طوعًا ما إن تدفقت مشاعره لسمعها..وضغطت كفيها ببعضهما مرتبكة قبل أن تستدير إليه بأنف أحمر وعينين دامعتين صارخة:
"أنت تراوغ كعادتك..كن جديًا لمرة واحدة"
"سئمت الجدية والمسئولية يا حبيبتي..والشرطة أذهبت فرحتي بالرحلة وشروق الشمس المكلل باعترافي المهيب لكِ لذا قررت أن تتسيد العواطف حواراتنا منذ اليوم"
وقبل أن تجيبه تنبهت للرجل الذي يقترب منهما حتى جاور مازن..دققت النظر لوجهه متجهمة ما إن تبينت هويته..
"انتظرت زيارتك لشقيقك.."
ووجه سؤاله لمازن:"ماذا قررت؟ ألن تبارك زواجي بالآنسة شقيقتك بعد أن صرنا جيرانًا في عنبر واحد؟"
أدارت نوران وجهها فورًا وحاولت التعامل مع ابتسامتها الملحة بينما التبس العبوس وجه مازن وأجابه:
"اسمح لنا يا سيد إنه وقت الزيارات العائلية لا وقت التعارف على زملائك في السجن"

فغادرهما الرجل بتثاقل مبرطمًا بكلمات ساخطة لم يدقق مازن في فحواها حين التفتت له نوران الضاحكة وعقبت ساخرة:
"تفضل!وطد علاقتك بجيرانك ..ها قد وجدت من يعتنق نظرياتك"
أدار مازن رأسه يحدج الرجل الذي وقف يراقبهما من مسافة بنظرات عدوانية حادة  دون أن يشاركها المرح..فأمسكت نوران كم قميصه تشده منبهة حتى يكون بكامل تركيزها معه وهي تنقل إليه هذا الخبر السعيد..
"وصية العم سعيد ستكون طرف الخيط لإثبات براءتك..تمكنت من إقناع خالك وقد بدأ إجراءات فتحها بالفعل وستنعقد الجلسة آخر الأسبوع بحضور أقارب المتوفي"
كان اهتمام مازن الأكبر بكفها المتشبث بقميصه ..نفض شعوره بالاستياء من الرجل المتطفل و براءته المشكوك فيها حتى الآن.. مقررًا استغلال وقته معها قبل أن تنتهي الزيارة..
أمسك بكفها محققًا أمنيته ورفعه لفمه يقبله مغمض العينين قبلة اختزن فيها مشاعره كلها..
وقرت فعلته في قلبها وخلبت لبها حتى أغمضت نوران عينيها كأن العالم لم يعد يحوي غيرهما وكادت تنحني لتقبل كفه بدورها لكن حياءها منعها ..
فوعدت نفسها أن تبادله إياها يومًا..
رفع مازن رأسه ولايزال متشبثًا بكفها.. هامسًا:"كنت أفضل لو أنني أتبعت نظريتي بطلب الزواج فورًا..فلا يمنعني شئ اللحظة عنك وحينها يعلم هذا القذر وغيره أنك تخصينني أنا"
لا صوت ولا نفس! أخيرًا يمكنه مغازلتها بأمان!
فكر مازن حين ظلت نوران على وضعها المستكين لكنها قاومت تأثرها وفتحت عينيها.. ترفع إصبعها في وجهه بتحذير:
"أصغ إلي! لن أسمح لك منذ اليوم بتحمل مسئوليات غيرك وتوريط نفسك في كوارث كهذه حتى رسائل السيدة ليلى يمكن لخالك إيصالها بسلام لصاحبها دون تدخلك"
"بشرط.. أخضع لأوامرك بشرط واحد"
أومأت نوران بتوجس منتظرة شرطه فأردف بهيام ضاغطًا على كفها الذي نسيته بين يديه لحسن الحظ:
"ما إن أحصل على براءتي حتى نعقد قراننا فورًا..أنت تدينين لي بهذا وخاصة بعد تصرفك الجارح  أمام فادي وأفنان..سنعقده وتظهرين ذوبانك في غرامي أمام الجميع.. هل فهمتِ؟"
"سنعقد القران وفقط..هل فهمت؟"
ردت بندية لم تختلف عن نداء السجان القاسي الذي أعلن انتهاء وقت الزيارة..
فأفلت مازن كفها طوعًا وطالعها شزرًا قبل أن يغادرها دون وداع حين عاد خاله لاصطحابها..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
استيقظ خليفة على صاعقة مقال رزان النهائي الذي أشارت فيه بوضوح لتسلسل الخداع من عبد الرحيم إليه سالبين مالكي المصنع الأساسين حقهم بإدارة ملكهم
كما عرفت هويتهما تعريفًا دقيقًا حتى خال أنه سينزل للشارع الآن فيجد الجميع يوجهون له أصابع الاتهام ويناظرونه بازدراء لكن الأمر لم يكن بهذا السوء لحسن الحظ ..
ولأنه أراد ضرب مقالها بتصريحه فينفي التهمة التي ألصقتها به متعمدة أسرع بإعلان الأمر في شركته أمام جميع العاملين أن المصنع صار من أملاكه والمورد الأساسي لفرعها الرئيسي..
وأتبعه بنشر الخبر في جميع الصحف في اليوم التالي مردفًا أنه اشترى المصنع من مالكه السيد عبد الرحيم بعقد رسمي وموثق ولا يمكن لأي كان التشكيك فيه..

وبين تصريحه ومقالها ترددت الأقاويل فربض خليفة حيث هو مكتفيًا بما فعل بانتظار النتيجة.. فإن تأثرت مبيعات شركته قدر أنملة يقسم بأغلظ الأيمان أن تكون روحها هي الثمن!
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
على مائدة الإفطار..
نظر زيد لعمه قائلًا:
"هذا رجل باعك من قبل ويأتي اليوم ليعلنها صريحة..لذا أرى أن نفض هذه الشراكة يا عمي"
حك سالم ذقنه متفكرًا ولم يأتِ برد.. فتابع زيد:"لو أنه يصون العشرة بحق لباعك المصنع بعد أن ظهرت له خديعة عبد الرحيم"
"وما الحلول المتاحة أمامنا؟"
سأل خالد منبهًا زيد أن عملهم لا يتجزأ عن شركة خليفة..فأجابه:
"وضعت مخططًا مختلفًا لعرض أزياء هذا الموسم ولا أرى داعيًا لعرضه تابعًا لاسم هذا الرجل وماركته..لنبدأ من الصفر ونجتذب الزبون بالدعايا ربما يكون الوضع مستحيلًا في البداية لكنني واثق من النتيجة"
تناظر الشقيقان وأدرك زيد أنهما سيناقشان الأمر فيما بعد رغم عدم اقتناعهما برأيه..
فالتفت لشقيقته الجالسة إلى جوار هيثم وابتسامة ثابتة على فمها كأنها تسبح في واد آخر بعيدًا كل البعد عن الأحداث الجارية..
فضرب على المائدة أمامها برفق قائلًا بامتعاض بينما يناظر هيثم بضيق:
"عملنا مهدد بالخطر وشقيقك بمستقبل غير مضمون وأنت تريدين الزواج في هذه الظروف!"
حركت أفنان كتفيها بلا معنى وعانقت نظراتها طبقها بصمت فلو أنها أجابته ربما يقرر معاندتها وعدم حضور عقد القران ! وهي قطعًا لا تريد هذا فيكفيها غياب مازن..
تدخل خالد يجيبه بدلًا عنها:
"لا بأس بعقد قران واحتفال صغير ثم نؤجل الاحتفال الأكبر حين يحصد مازن براءته..لقد أخبرني علي أنه اهتدى لبارقة أمل ويتفاءل أنها تحمل دليلًا قويًا معها"
"ألم يحصل على موعد لزيارته؟ كيف وجده؟"
"بخير..لا يمكن لشئ كسر عنفوان مازن وبأسه"
رددها خالد بفخر قبل أن يخفت صوته قائلًا:
"لكنه للأسف شدد على علي قبل انتقاله للسجن بألا يسمح لأحدنا بزيارته هناك"
دارى زيد حزنه خلف كلماته المتوعدة:"سأعلمه حدوده حين يعود إلينا هذا النذل مخزن الأسرار"
والتفت لفادي قائلًا:"وأنت ايضًا إن ظللت على هذا الحال فسوف أؤدبك على طريقتي"
رمش فادي بلامبالاة مدركًا أسلوب شقيقه العنيف دائمًا فلم يتأثر بتهديده خاصة حين تصدى له والده قائلًا:
"لقد انتهى هذا العصر يا بني..فادي صار رجلًا مسئولًا"
صمت الجميع يراقبون بسعادة التحام الروابط بين الأب وابنه من جديد فقد افتر ثغر فادي عن ابتسامة واسعة ونهض مع والده الذي قال:
"والآن لدينا أمور ننهيها قبل عقد القران"
زغردت علياء في إثرهما فبوغت الجلوس قبل أن تشاركها نوال الزغردة مع انطلاق الضحكات من حولهما..
وإن اعترضوا على سعادتها المبالغ فيها فعقد قران ابنتها حجة مناسبة..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
"إلى أين؟"
استوقف خالد ابنه بعد أن كاد يغادر المرآب عائدًا للمنزل فأجابه الأخير:
"عصام هنا سيقوم بإيصالك..هل تحتاجني في شئ ما؟"
عادا للتواصل لكن فادي أبقى على مسافة أكبر من اللازم وتعامل برسمية شديدة كأنه يتهيأ لتغيره القريب وعودة الحال إلى ما كان عليه.. لكنه لايعرف أن خالد قد تلقى الدرس بأصعب طريقة وأنه منذ اليوم سيولي أبناءه كل الاهتمام..
"نعم أريدك معي..هل أنت متفرغ؟"
كان يعد نفسه للاعتراض المباشر لكن سؤال والده الأخير لم يعطه انطباعًا كونه مجبر على مرافقته لذا قرر الموافقة يحثه فضوله على معرفة ما يسعى إليه والده بالظبط وإلى أي مدى يصل إصراره على إعادة رابطهما القديم؟!!
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
بعد أن أنهى طاهر قراءة الجريدة تركها عامدًا مطوية على الخبر الذي يظهر صورة خليفة ودوره في الاستيلاء على المصنع..متقصدًا أن ترى نفيسة صورته واسمه الحقيقي المماثل لاسم والدها إذ أن حواره مع سالم لم يسفر عن نتيجة واضحة فالأخير تلقى الصدمة بهدوء متحفظًا على المعلومات التي تبدو جلية في عينيه وكأنه يتكتم على الأمر حتى يتحقق منه بطريقته أو ربما يضمر نية أخرى لا يعلمها إلا الله!!
وهاهي الصحيفة الغنية بمعلوماتها وسيلته الذهبية ليعرف حقيقة الأمر من نفيسة ذاتها مؤجلًا إخبار خالد بهذا الأمر الشائك حتى تظهر براءة مازن فيبرأ صديقه من مأساته..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
استرجعت نوران إجابتها مرة بعد أخرى فأيقنت أنها كانت فظة لدرجة الوقاحة..
كان عليها أن تتغاضى وإن لمرة واحدة فتجيبه ببعض اللطف مهونة عليه قساوة السجن...
تأففت تحاول إيقاف تفكيرها الغير مجدي صارخة:"أكرهك..من أين خرجت لي؟ كنت إنسانة مستقلة..مستقرة وسوية فجئت لتزعزع عالمي وتعيد تشكيل خارطته!"

قاطع رنين الهاتف صراخها الحانق ولم يزدها إلا حنقًا خاصة أن شقيقته هي المتصلة..
"أنتَ وإخوتك اقتحمتم حياتي وجعلتموني إنسانة أخرى لا أعرفها"
ثم أجابت الاتصال بسخط:"نعم ماذا تريدين؟"
أجفلت أفنان وتضاعف إحراجها فتراجعت عما أرادت قوله وبدلًا من بدء الحوار أنهته قائلة:
"آسفة على إزعاجك..اتصلت عن طريق الخطأ"
تنهدت نوران وأغمضت عينيها بنفاذ صبر قبل أن تقول بلهجة لينة بعض الشئ:
"أخبريني بما تريدين..مزاجي متعكر هذه الأيام وليس اتصالك ما أزعجني"
"حسنًا.. إنه... اليوم عقد قراني وأريدك أن تحضري العشاء الاحتفالي مساءً"
ألقتها أفنان دفعة واحدة ثم أبعدت الهاتف عن أذنها متخيلة ان تصرخ بها نوران أنها عديمة المسئولية وبلا شعور..
وعادت تضعه على أذنها مستغربة الصمت التام الذي وصلها من الطرف الآخر فنادت:"نوران! ألازلتِ هنا؟"
"مبارك لكِ يا أفنان..أتمنى لكِ السعادة من كل قلبي ولكنني لن أستطيع الحضور"
"أرجوكِ..أعرف أن الوقت غير مناسب أبدًا ولكنني أهتمُ لوجودكِ حقًا..يمكننا تناول العشاء والبكاء حتى الصباح إن أردتِ"
وصلتها ضحكة نوران المريرة ثم قولها:"أعدك سأحاول..إن وجدت طاقة للحضور فسوف آتي"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
ترجل فادي بناءً على إشارة والده ووقفا معًا أمام النادي الصغير الذي كان بداية تعرفه إلى لعبة كرة السلة وشغفه بها..
"أتعرف انها كانت رياضتي المفضلة؟"
سأل خالد والحنين يقطر من صوته.. كانت تلك طريقته لإظهار حبه لفادي..علمه كل شئ أحبه وشاركه كل اهتماماته..فماذا كان الجزاء؟
حافظ على ابتسامته بأعجوبة بعد أن دار بخلده هذا السؤال المقيت.. ثم التفت لابنه سائلًا:
"لم توقفت عن ممارستها؟"

تهرب فادي بعينيه لكنه نطق أخيرًا:"توقفت لكنني لازلت أحبها وأتذكر كل ما تعلمته عنها"
استدار للسيارة كي يتحجج بوجود عصام فيحث والده على قطع هذا الحوار المريب الغير مجدي لئلا يطيلا انتظاره...لكن عصام لم يكن موجودًا بالسيارة..
التفت لوالده متسائلًا فأجابه:"أنت من سيقود بنا في طريق العودة..عصام لديه عمل"
حينها تبخر هدوء فادي وتقبله لوالده وتكتف قائلًا بعداونية:
"لا أعرف القيادة وهذا ما ساقني لقسم الشرطة حتى أتلقى صفعتك"
صدره يرتفع وينخفض متوجسًا من صمت والده ورغم توقعه أن يكون رده صفعة ثانية يستحقها لأنه قلل من تهذيبه معه لكنه وقف حيث هو ينتظرها مقسمًا أن تكون النهاية الحقيقية لعلاقتهما التي لا يمكن أن تكون أبدًا علاقة أب بابنه!
"أعترف انني أسأت التصرف وقتها ولكن هل يمكنني أن أخبرك بشعوري وقتها؟"
تراجعت عدوانية فادي فورًا وترك ذراعيه يستقران على جانبيه ذاهلًا مما يسمع..
"تعال لنجلس في كافتيريا النادي ثم نتابع حديثنا"
لم يتردد خالد فبعدما جلسا بادر ابنه فورًا:
"كنت قد سألت مازن عن معدلك هذا العام متخوفًا من رسوبك بعد أن تدهور حالك كثيرًا ولازمك الاستهتار..
مستاءً من القطيعة بيننا وبتردي مستواك الدراسي عامًا بعد آخر..أخرجت ضيقي وإحباطي بهذه الصفعة فتوسعت الهوة بيننا حتى ظننتها لن تُردم أبدًا وفقدت الأمل رغم أن والدتك لم تفقده يومًا"
لايزال فادي عصيًا رغم تأثره بهذا الاعتراف المفعم بالمشاعر المؤذية التي انتابته وقتها أيضًا..
عقب قائلًا:
"ومتى صرت رجلًا تفتخر به على حد قولك؟ أم أنها مجرد كلمة تقولها لاستمالتي وإنجاز مهمتك بسرعة"
"لا يملك الأب تجاه أبنائه إلا الحب والفخر فهم عزوته وعتاده أمام الدنيا كلها.. شعوري نحوك لم يتغير أبدًا يا فادي لكن خيبة الأمل طغت عليه..أنا مستاء بشدة كوننا فقدنا رابط التفاهم طوال هذه الفترة لذا لا أطمح إلا لإعادته ولن أتراجع قبل تحقيق هذا..تلك مهمتي كما تسميها وبتحققها لن أحتاج لتصنع تصرفات معينة أو التبرير لك"

نزلت كلماته بردًا وسلامًا على قلبه وأشاعت بعض السكينة في نفسه..ورغم هذا قرر الإبقاء على بعض الرسمية بينهما لكنه شاركه اعترافًا مماثلًا عله يزيل خيبة الأمل التي جرحته بالمقابل كما جرحت والده وجعلته عنيفًا معه بهذه الطريقة..
"لم يتدهور معدلي بل إنني أعتز به فقد حصدته بمجهودي الشخصي بعد نجاحي العام الماضي بفضل الغش"
"أحييك على شجاعة الاعتراف بخطئك وتصحيحه..وأقر أنك سبقتني بهذه الخطوة فأنا أدركت خطأي متأخرًا..."
ارتسمة ابتسامة عريضة على شفتي فادي وشعر أن كبرياءه قد برأ تمامًا من أثر الصفعة بهذه المصارحة فانمحت تمامًا مستعيدًا فرحته المميزة باجتيازه الامتحانات..بل كأن هواء ذلك المساء يلفح وجهه وهو يقود السيارة بأقصى سرعة ممكنة..
فاغتاظ خالد من تأثير هذه الجملة بالذات على ابنه وصاح به:
"لا تغتر كثيرًا ها أنا أخطو لإصلاحه وسوف أتفوق عليك مرة أخرى"
رفع فادي رأسه بمالغة وانتفخ صدره بغرور قائلًا:
"فلتحاول..قاموسي لا يحوي كلمة الهزيمة"
قهقه خالد براحة بال ثم قال:"إذًا هيا بنا يا مظفر لنعد للبيت بسرعة قبل أن تتصل والدتك وتعاقبنا على تركها لوحدها في يوم كهذا"
"اتصل بعصام ليعود إلينا"
ناظره خالد باستهجان وقال:"لكنك هنا..لا داعٍ لتعطيل عصام عن عمله"
"لا لن أقود مرة أخرى"
قالها فادي وأدار رأسه كزوجة غضوب لم ترضها مصالحة زوجها! رغم تحرقه للقيادة وإدراكه أنه قرار متهور لن يجرؤ على التقيد به..
"وأنا لا أحب القيادة..فما العمل؟"
"وإن صادفتنا دوريات الشرطة هل ستسلمني لهم؟"
"لا بل سأتعلل بكبر سني الذي جعلني أتسند على ولدي الشبل"
" موافق ..سأقود بك هذه المرة" قالها فادي أخيرًا بينما يمشط شعره بأصابعه مغترًا بنفسه..
فلكزه خالد قائلًا:"تحرك أمامي قبل أن أحلق لك شعرك هذا بنفسي"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
تم عقد القران في جامعٍ قريب ثم عاد العروسان للمنزل وأقيم العشاء في شقة خالد هذه المرة..فبعد أن توسل فادي أفنان أن تتنازل عن إقامته في شرفة العم سالم وهو سيكشف لها السر قريبًا رضت الأخيرة ورفعت المقابل كذلك بأنه سيتولى مهمة تصويرها كلما أتيحت له الفرصة بوضعيات مختلفة حتى تحفظ ذكرى هذا اليوم في قائمة ذكرياتها..
وعلى مائدة العشاء المقتصر على عائلة طاهر وعائلة العروسين فقط..
بادرت أفنان والدها بصوت يقطر غيرة:
"كنت أحمل علبتين صغيرتين يوم زيارتنا لبيت العم طاهر أتذكرهما يا أبي؟"
إذ لم تتح لها فرصة شراء شبكتها بعد لذا رأت عقد قرانها بلا دبلة تزين بنصرها أمرًا غاية في الإجحاف..
بينما ضرب هيثم جبهته بيأس فلا شك أن هذا الحوار سينقلب لموجة نكد جارفة تقتلع مخططات القبلة الأولى التي يتخيلها منذ الصباح..
قهقه خالد حتى أرجع رأسه للخلف وقال:"بالطبع أذكرهما ولم أنس نصيبك يومها"
كادت تنهض إليه بعد كلماته التي أشاعت سعادة خاصة في قلبها لكنه استبقاها وذهب إليها بنفسه فمال مقبلًا رأسها وقال:
"مبارك يا حبيبتي..أعدك أن نقيم احتفالًا ما إن يعود إلينا مازن"
تمتم علي بصوت غير مسموع:"سيكون في أقرب وقت إن صح ظن نوران"
فقد حضر رغم توتره من تبعات فتح وصية الحاج سعيد مساء الغد.. حاول إهمال مشاعره السلبية بينما يراقب خالد وهو يلبس ابنته الوحيدة دبلة زواجها ..صفق مع الجلوس الذين تضاحكوا فقد طغت زغاريد علياء ونوال على تصفيقهم الحار
بينما صرخ هيثم بعمه معترضًا بحنق:
"ألبستها الدبلة بنفسك ..على الأقل ضعها في مكانها الصحيح"
أعاقت أفنان محاولة والدها لتغيير مكان الدبلة من يدها اليمنى إلى اليسرى..
وأخرجت طرف لسانها لابن عمها مغيظة قائلة:"لم نتزوج بعد"
أردفت بينما تتناول دبلته من العلبة:"هاك خاصتك.. ألبسها لنفسك"
نهض هيثم وأمسك يدها قبل أن تسحبها قائلًا:
"تالله لن أتنازل عن أن تلبسيني إياها بنفسك..أنتِ تنازلتِ بإرادتك أما أنا فلا"
ألبسته إياها عابسة فهي لم تتعمد أن تفعل بل لم يكن جائزًا أن ترد يد والدها وقد نهض بنفسه لإلباسها هديته.. ثم التفتت لوالدها فارتمت بأحضانه قائلة:
"أبي غيرت رأي لا أريد الزواج بهذا الرجل..إنه يصرخ بي منذ اليوم الأول"

ربت خالد على ظهرها ضاحكًا بينما عاد هيثم للجلوس بصمت يطالعها بلامبالاة ثم أغرق في الضحك مع تعليق والدها:
"الزوجة تحتوي زوجها بكل تقلباته كما يتحمل هو تقلباتها العاصفة"
نهضت علياء تأخذ ابنتها لحضنها هاتفة باعتراض:
"ماذا تعلم ابنتي؟ لا تقبلي أبدًا يا فنه خاصة إن صرخ بكِ أمام أحد.. كل ما بينكما لا يعرفه غيركما وما إن يهتك الستر فهو زوج لا يؤتمن"
ضرب هيثم على جبهته مرة أخرى ومال على والدته هامسًا:
"أمي أنقذيني أرجوك"
ضحكت نوال ساحبة علياء لتجاورها مرة أخرى وأجبرتها على مشاركتها الزغردة منهية وصلة النصائح الزوجية قبل أن تبدأ..
ولم يستطع زيد منع تعليقه المغتاظ:"أبي ولم تمننت على هذا النذل واشتريت دبلته الفضية؟ حتى أنك لم تفعلها معنا نحن أبناؤك!!"
ضحك خالد قائلًا:"سأحرص على تعويضكم"
وتابع الجميع تناول عشاءهم لكن علياء فقط من استقرأت الحزن المتواري في لهجته الضاحكة..وكأن مزاحًا بسيطًا كهذا صار يذكره بتقصيره تجاه أبنائه..
لهج لسانها بالحمد فقد اطمئن قلبها بتغيراته المستجدة..
أخيرًا انتهى العشاء فجلست النساء في جهة وكذلك اجتمع الرجال في حديث مغاير..
في هذه الأثناء بينما تغسل الشقيقتان أيديهما بعد العشاء.. قالت نوران:
"هالة أريد نصحيتك...."
التفتت إليها هالة وطالعت هيئتها المتوترة باستغراب قائلة بعد أن استدارت لتجفف يدها:
"وكأنك على وشك ارتكاب ما يخالف الآداب العامة..أخبريني.. أخبريني.. شاركيني جرائمك"
لمحت نوران فادي يمر قريبًا منها فحمدت الله أنها لم تفش سرها لشقيقتها وأسرعت تلحق به قائلة:"سأخبرك فيما بعد"
لحقتها هالة بدورها وسمعت قولها:"فادي أحتاج مساعدتك"
فبُهتت غير قادرة على توقع ما قد يدفع شقيقتها لطلب المساعدة.. ومن فادي خصيصًا بدلًا عنها...

أومأ فادي منتظرًا أن تلقي طلبها لكنها تراجعت مع وجود هالة فالتفت إليها بدوره وعاد إليه شعوره المتحرج منها..
تجرأ هذه المرة على تثبيت عينيه في عينيها وقال:
"أنت جميلة جدًا"
حضر زيد في هذه اللحظة تحديدًا فأداره يمنعه من النظر لخطيبته قائلًا:
"هيا اذهب مع معلمتك وإياك ان تكرر ما قلته"
والتفت لهالة قائلًا بانفعال لايزال يخط ملامحه من أثر نارغيرته الموقدة:
"سمح لي والدك باصطحابك لحديقة منزلنا..فهل تسمحين؟"
أومأت هالة موافقة ورافقته رغم فضولها الذي لم تشبعه بعد..لكنها لم تستطع رفض طلبه خاصة وهو تراه غيورًا بهذا الشكل فيسلبها عقلها مرة بعد أخرى بمشاعره اللذيذة..
انتظرت نوران نزولهما ثم سحبت فادي معها ينزلان الدرج حتى توقفا أمام شقة سالم..
"فادي هل تملك مفتاح شقة عمك؟"
سألته نوران بتوتر بين الإحجام لشعورها أنها ترتكب خطأً فادحًا باقتحام المنزل دون إذن أصحابه والإقدام لأنها يجب ان تمنع اتصال مازن بعرفه بأي طريقة..
أومأ فادي وأدار المفتاح ثم أفسح لها لتدخل..فوقفت نوران مترددة لثوان ثم قالت:
"اسمع ساخبرك كل شئ وأنت ستساعدني"
رفع فادي حاجبيه متضجرًا فكما جرت العادة هاهو يتم استغلاله لإتمام المهام السرية.. فسألها بسخافة:
"إن كنت تخططين لسرقة شقة عمي..فقطعًا لن أساعدك"
لكزته نوران موبخة:"كن جديًا حتى ننجز المهمة بسرعة..أرشدني لغرفة المخزن"
تسمر فادي دون أن يأت برد فعل فتأففت نوران أخيرًا وشرحت له موضحة:
"مازن يحتفظ بأوراق مهمة هناك وأنا أريد استعادتها"
"وبعد أن يعرف أصحاب الورق أنه فقده سيقدمون بلاغًا ضد شقيقي المسكين فيُحكم عليه بالمؤبد.. لا ..لا يمكنني الإضرار بأخي"
استعادت نوران جديتها نافضة توترها بعد ان أكدت لنفسها أنها تفعل الصواب باستعادة الرسائل لإعطائها للسيد علي وبذلك تكون وصية العجوز قد تحققت دون ان يلتقي مازن بعرفه...
لذا دون ان تعبأ بمزاحه قالت لفادي آمرة:"امش أمامي وأرشدني دون تباطؤ"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
أجال هيثم ناظريه بين الرجال الأربعة يومئ برأسه دون مشاركة فعلية في الحديث فلا شئ يشغله في هذه اللحظة إلا القبلة الأولى..كانوا يناقشون مصير الشركة ووضعها القانوني مع علي وبرغم أنها مسجلة باسمه إلا أن الحديث لم يُثر اهتمامه المنجذب للصوت الأنثوي الذي يصر على طرق مسامعه يحثه على الالتفات إليه وتنفيذ مخططه..
لذا نهض مستئذنًا:"اسمحوا لي لدقائق"
قالها بسرعة متحرجًا من موقفه لكن صبره نفذ بالفعل..تنحنح بينما يمر بمجتمع النساء الجالسات فالتمعت عينا أفنان التي حصرتها والدتها وزوجة عمها بينهما يزودانها بعصارة خبرتهما عن الحياة الزوجية..
ثم تصاعد الحوار إلى حرب كلمات متفجرة ومناوشات بين السيدتين..
"أنا كوالدتك تمامًا ولن أضايقك بحركات الحماوات الغيورات لكن إن جعلت ابني في أي لحظة يقرر السفر مرة أخرى وأيًا كان السبب سترين مني وجهًا آخر لا تعرفينه ويستحسن ألا تتعرفي إليه أبدًا"
زمجرت علياء مديرة رأس ابنتها إليها وقالت:"لا تخشي أحدًا أبدًا طالما أنا موجودة يا فنه..ولا تطأطأي رأسك أبدًا لأي أحد"
فأدارت نوال رأس أفنان إليها قائلة:"إنه زوجك أرخِ الحبل متى لزم الأمر وكوني طيعة"
جابهت علياء قول نوال:"إن عاملك بما يرضي الله فافعلي"
واكتفت نعمة بالضحك على مناكفتهما الممتعة أما أفنان فقد نهضت من بينهما بعد أن طفح كيلها وصاحت بهما :
"ماذا يجري؟إنه زواج أقيم لربط العائلتين ببعضهما اكثر لا لإعلان الحرب بينهما.. سأريحكما تمامًا..انا ذاهبة وأنتما انسيا الأمر كأن لم يكن واختارا مادة أخرى للحوار"
وأسرعت للحاق بهيثم ضاحكة فمؤكد شعور الذنب سيجعل السيدتين تتركاها على راحتها دون أن تتفقدا مكان وجودها لفترة كافية...
فعقبت نعمة ضاحكة:"معها حق"
شاركتها السيدتان الضحك مؤكدتين أنهما أحبتا اللعبة ليس إلا ومضى بهما الحوار إلى مكان آخر..
أما على سطح المنزل..
نهض هيثم كأسد رابض لاحت أمامه فريسة شهية فاستعد لاستقبالها كما يليق بها تسمرت أفنان في مكانها بينما ترى نظراته المشتعلة ..شعره المبعثر..قميصه الذي فتحه إلى منتصف معدته..
عرفت هيثم المجتهد لامع الذكاء الذي يتفوق عليها في الدراسة..
هيثم القاسي الغليظ الذي هجرها لخمس سنوات كاملة..
هيثم المنكب على عمله الذي لم يجد متسعًا من الوقت للخروج معها..
والآن هاهي تتعرف إلى هيثم المستهتر بنكهة الخطر والذي لم ينتظر أكثر قبل أن يندفع إليها بخطوات سريعة وهي تسمرت مغمضة العينين وانتظرت الشعور بدفئه بشغف وترقب مختلف عن أي لحظة شوق أخرى بينهما..
فقد صارا زوجين وتفتحت أمامهما الأبواب المغلقة فلم يعد للحواجز وجود بينهما..
ولم يتأخر هيثم بتحقيق أمنيتها فطوق خصرها ومال يقبلها بخفة كأنه يحثها على التفاعل معه ثم تشاركا قبلة أخرى بطعم الجنون الخالص..
جعلت أفنان تفتح عينيها اللامعتين محدقة به كأنها تسأله إن كان ما تشعر به حقيقي..هل أحس بهذه المتعة مثلها؟!
ارتفعت على أطراف أصابعها لتهمس في أذنه بخفر كم أحبت قبلته!
وكأنها أطلقت صافرة البداية فتسابق هيثم لطبع قبلاته أينما شاء مدللًا تقاسيم وجهها الفاتن قبل أن يرفعها عن الأرض فجأة ويتحرك بها نازلًا الدرج إلى شقته في الطابق الثالث الغير مجهز بعد..
" نحتاج مكان أكثر خصوصية يجعلك تعبرين عن شعورك بصخب أكثر"
دفنت أفنان رأسها في صدره ضاحكة وقد سلمت أمرها بالكامل له وما إن أنزلها على الأرض مرة أخرى حتى تراجعت بجسدها بعيدًا عنه قائلة بصوت ضاحك:
"انتظر يا هيثم هناك سبب جوهري لإصراري على تعجيل عقد القران"
عاد هيثم يقبلها وأجابها:
"حقًا! ظننت أننا فعلناها لأجل هذا"
ضحكت أفنان واضعة كفها على فمه فأغرقه تقبيلًا كأنها صارت وظيفة فمه الوحيدة..
"أرجوك هذا لا يجوز وقد يقودنا لمناطق خطرة كما أنني حزينة لأجل أخي وكان على هذا أن يؤجل إلى يوم الاحتفال الأكبر"
"وأنا حزين جدًا..لكن هذا لا يمكن أن ينتظر بل كان عليه أن يقدم ساخنًا أكثر ما إن وقعنا العقد في الجامع"

مد يده يحرر شعرها من حجاب رأسها ثم عقدته فأسدله طويلًا  ودس أنفه بين طياته كما تمنى دائمًا..
"أنت جننت..قطعًا جننت"
لم يبذل جهدًا لنفي ما قالته بل ضمها إليه قائلًا بلهجة مشتعلة:
"انتقمي مني بقدر خمس سنوات لكل يوم منها قبلة ودعيني أنتقم بالمقابل للأشهر التي تركتني أتحرق فيها شوقًا إليك رافضة زواجنا بحجج واهية"
أبعدها قليلًا يقرص جانب فخذها بعبث قائلًا بينما يمرر يده على قماش فستانها :
"حتى يحين وقت الانتقام الأكبر بعد أن تُزال كل الحواجز"
اتسعت عينا أفنان من جرأته واصطنعت الصرامة لتمنعه التمادي قائلة بينما تدفع يده:
"هذا يكفي! سنعود للسطح حتى أخبرك بالسبب الحقيقي لإصراري على عقد القران دون تأخير وأنت ستكون مهذبًا خشية أن ترصد العيون أفعالك الفاضحة المتواقحة"
لفت حجابها كما اتفق وصعدت أمامه تسبقه فدقق هيثم النظر لقوامها مزكيًا نار شوقه المحتدم لوصالها..قائلًا بخبث:
"اعترفي أن أفعالي المتواقحة راقتك يا فراشتي"
تحكمت أفنان في ابتسامتها الملحة الموافقة متحفظة على الجواب حتى لا تقع تحت سطوته مرة أخرى وحينها لا تضمن قدر مقاومتها!
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
مرت ثوان من الصمت البهيج فوجودهما إلى جوار بعضهما كان كافيًا لإشاعة السرور في نفسيهما..حتى  سأل زيد أخيرًا منهيًا هذا الصمت باغيًا الوصول لمرسى آمن معها..
"ألن تخبريني ما يؤرقك؟"
استطرد في محاولة لإقناعها:
"افترضي أنني من يعاني مشكلةً ما ولا أجد منها فكاكًا حتى أنها لا تدع لي مجالًا للتفكير في غيرها...هل كنتِ لتتخلي عني حتى أنتهي منها فيعود لي مزاجي الرائق الذي اعتدته؟"
"لا قدر الله.. انتبه لما تقول فربما تكون من أصحاب التوقعات الصائبة مثلي وأنا لا أريد ان أراك بهذه الحالة"
أجابته هالة بسرعة فقد لمس قوله شيئًا داخلها يخبرها أنها ستراه في هذا الموقف.. واستغفرت الله مبعدة أفكارها السلبية ثم قالت:
"أنت تعرف أنني لا أحمل لك غير المشاعر الطيبة..."
قاطعها زيد قائلًا بحسم:"تقصدين غير الحب..نعم تابعي"
فضحكت دون أن تعقب بالرفض أو الإيجاب مستطردة:"لكنني لن أستطيع الزواج الآن..وربما نحظى بفترة خطوبة طويلة حتى أنتهي من رحلة كفاحي مع نفسي"
"وما هدف رحلة الكفاح هذه؟ ما الذي يدفعك لخوضها وأنتِ إنسانة ناجحة في عملك وحياتك"
راوغت هالة فهي لا تنوي إظهار نفسها مثيرة للشفقة أمامه وسألته:
"ألم يسبق لك اتخاذ قرار مماثل؟"
"لا أفهم أبدًا ما الذي يجعلك تحتاجين لاتخاذ هذا القرار لكن بالنسبة إلي أسميها تهذيب النفس..حين أحتاج شيئًا بشدة أتصبر وأبذل جهدي حتى يحين الوقت المناسب لحصاده..مررت بهذا في كل شئون حياتي..
فكرة إنشاء المطعم كانت مجرد حلم يراودني وأنا أعمل نادلًا في أماكن مختلفة ثم استلمت وظيفة داخل المطبخ وتعلمت فنون صناعة الحلوى..جميعها خطوات قربتني من حلمي وجعلته في النهاية حقيقة ملموسة..
عملي في الشركة كان أسوأ شئ فُرض علي في حياتي فقللت وقت عملي في المطعم تدريجيًا وأجبرت نفسي على تقبله لكنني كنت أعرف أنه إجبار لوقت محدود فإن عافته نفسي سأتركه فورًا لكنه تطابق بشدة مع شغف إدارة الأعمال المدفون داخلي"
ناظرها مبتسمًا إذ تذكر ما أخبرته به سابقًا كون ريادة الأعمال تليق بشخصيته..
وتابع:"وأخيرًا هالة حبيبتي"
أدرات هالة رأسها متحرجة من توصيفه الصريح لمكانتها في حياته..
لكنها أرهفت السمع لكلماته التي تربت بحنان على شغاف قلبها قبل أن تستقر داخله..
"في كل لقاء جمعنا كنت أتأكد انها أنتِ صاحبة المواصفات التي ظننتها مستحيلة وتحققت على أرض الواقع كأفضل ما يكون.. أولًا رجال عائلتنا يقدرون القوام الممتلئ لأنه يشعرهم...."
جحظت عينا هالة فهذه المرة الأولى التي يخبرها فيها أن قوامها الذي تراه معيبًا هو أحد مواصفات فتاة أحلامه..
واضطرت لمقاطعته فهو يختبر قدرة تحملها باعترافاته الجريئة:"لننتقل إلى ثانيًا أرجوك"
ضحك زيد وقال:"كما تشائين..لكننا سنعود لأولًا كثيرا فيما بعد..
ثانيًا نكهة المرح المحببة والطفولة اللذيذة التي تجعلك كقطة ناعمة تتدلل على صاحبها..شعرت بهذا حين  رأيتك تتعاملين مع والدك فتخيلت نفسي مكانه أحظى بهذا الدلال وصاحبته لي وحدي..."
"لحظة..لنؤجل ثالثًا وما يليه لما بعد كذلك.. "
ارتسم الحنق على ملامح زيد لأنها قاطعت متعته بالتغزل فيها..وعقب:
"لك هذا ولكن تكدس هذه الاعترافات داخلي ستجعلني أنفجر في وقت ما وأجبرك على سماعها دفعة واحدة"
"وأين تهذيب النفس؟"
سألته هالة ضاحكة فأجابها:
"إنه ما أفعله إلى الآن حتى أنك سمحت لوالدي بالتغزل فيك وترفضينني انا"
"انتظر..متى...؟"
قطعت سؤالها حين تذكرت ما يقصده وتعاقبت تدرجات الأحمر على وجهها مع حوارهما التالي..
"أتذكرين كيف ألجمت نفسي عن التعليق وقتها؟لكنني رددت لك التشييز كيك في الإفطار الخاص"
"لا أذكر أنها كانت ضمن الأصناف التي قُدمت لي يومها.."
"نعم لأنه كان يوم الحلوى الشامية لذا قدمت لك حلوى الجبن البيضاء اللذيذة المشبعة بالقطر أيتها الحلوى البيضاء القشدية"
أخفت هالة وجهها بين يديها ولم تستطع إجابته أو إيجاد بديهتها المرحة التي تنقذها من هذه المواقف المحرجة..
فتابع زيد يسألها بسخط وقد استعاد غيرته من غزل والده لها أمامه:
"ألا ترينه أدق وصف لحلاوتك؟فأنت لست شوكولا بيضاء خالصة ولا قطعة من التشييز كيك المزينة بل حلوى طرية محشوة بالقشدة ومغرقة بالقطر حلو المذاق"
ودون أن تجيبه استدارت تأخذ طريقها للمنزل مرة أخرى فلحقها زيد ضاحكًا وقال:"انتظري سأتكلم بجدية.. أفنان تزوجت وأنا كرجل يجد المتعة في إغداق اهتمامه على الجنس الناعم أحتاج بديلًا لذا علينا أن نتزوج بسرعة"
تألق الخطر في عيني هالة ونست تمامًا خجلها لتصيح به:
"وأنا لست بديلًا ولا أقبل المشاركة"
"إذًا لنتزوج قبل ان تسرقني أخرى"
"ومن تجرؤ على فعلها وهذه الدبلة تسكن بنصرك؟!!"
راقت زيد لهجتها التملكية فأجابها بإغواء:
"تعرفين أنني رجل متميز وفارس أحلام لا يقاوم"
ضحكت هالة وقد فهمت إشارته قائلة:"لن أقطع تواصلنا مرة أخرى أعدك لكن دع لي بضعة أسرار طالما لازلنا في مرحلة الخطبة وبعدها يمكنني إطلاعك عليها"
"وكأنك تقصدين تهذيب طباعي الغيورة التملكية"
"ليس لديك خيار إلا التحمل حتى تتمكن من تذوق الحلوى"
قالتها هالة بجرأة لذيذة وأسرعت تسبقه بالعودة قبل أن ترى رد فعله..أما زيد فقد انتشى بقولها مترنحًا قبل أن يلجم نفسه فتهذيبها هذه المرة حتى تحين لحظة الوصال ستكون أصعب مهمة يقوم بها في حياته..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
خرجت نفيسة من عزلتها الكئيبة في غرفة هالة وجلست في الصالة متحسرة على حالها فهذه هي الفسحة التي تستطيع من خلالها تنفس بعض الهواء النقي بعد أن كرهت حياتها وما صارت عليه مؤخرًا..فاعتزلت البشر جميعًا إلا هالة..
فمهما أظهرت أسرتها التقبل والترحيب بها لن تستطيع أبدًا تقبل حياتها معهم إذ تواكلها هذا لا يشبه نفيسة المعتزة بنفسها التي لا تنحني للظروف في شئ!
وبينما تطالع بعينيها المبتئستين الوسط حولها التقطت نظراتها الجريدة المطوية وتمكنت من قراءة اسم خليفة المطبوع بخط عريض في صدر الخبر..
فالتقطتها ومررت نظراتها بسرعة على المقال ففهمت محتواه وعادت تقرأه حرفًا حرفًا وقد ارتسمت تقطيبة عميقة على جبينها ..
ماذا؟ ذُكر هنا أن اسمه الحقيقي هو....
مصطفى السُكري!!
هل تلك مصادفة عبثية؟! هذا مجرد تشابه أسماء فقط...رددتها لنفسها محاولة طمأنتها بعد أن تسارعت وتيرة تنفسها وصار صدرها يرتفع وينخفض بجنون..
لقد تحققت أمنيتها واتضح أنه يملك ذات اسم والدها..لكنه شارك في هذا السطو القانوني والذي تتفهم أسبابه جيدًا..
إذ سرعان ما وثق بها السيد طاهر وتركها تقيم مع ابنته في غرفتها دون رقابة أو مضايقة وهاهم يذهبون لعشائهم مطمئنين تمامًا لوجودها وحيدة في منزلهم..
فلو أنها سارقة أو محتالة لأتمت مهمتها ببساطة في غيابهم!
أفلتت الجريدة من بين يديها وقد فقدت شغفها بها..إن كان هذا الرجل هو والدها كما تمنت فكيف ستثق به وتسلمه مقاليد حياتها؟!
لا تستبعد أن يتبرأ منها ما إن يعرف بوجودها خاصة انه يملك طباع المحتالين هذه!
لقد حظيت بأسوأ أبوين ولا تملك حق الاعتراض فلتنعِ حظها بصمت فلا مفر من قدرها!
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
جلسا متجاورين على الأرجوحة وتمسكت أفنان بكفه قائلة:
"أريد أن نتجاوز معًا هذه الأزمة يا هيثم ..قد نبدو بأفضل حال أمام الجميع لكننا أنا وأنت فقط ندرك حجم ضعفنا الداخلي"

"نعم لدي عقدة كهذه تجعلني هشًا في استقبال المصائب لكن ماذا بشأنك؟ أنت أقوى امرأة عرفتها في حياتي"
"أخبرتك عن مشكلتي أنا دائمًا أعقد المقارنات وأرجح كافة غيري فأراهم يفضلونني مهما تفوقت عليهم في جوانب أخرى..لذا رأيت أن مشكلتينا تندرجان تحت بند عدم الرضا بالقضاء والقدر وهذا لاشك مرده إلى ضعف الإيمان"
أقر هيثم مهمومًا:"معك حق علينا أن نرضى بقدرنا ونتوكل على الله"
فتمسكت أفنان بكتفه قائلة:"لا تقلق أنا معك..لهذا طلبت من أبي ألا نؤجل عقد القران لأن خلوتنا خطأ كبير لن أقع فيه مرة أخرى"
واسترجعا معًا ليلة القبض على مازن حين تجاوز هيثم حدوده..
"أخبريني ماذا سنفعل تحديدًا؟ ولابد أن تضيفي فقرة ترفيهية لأنني لأن أمسك نفسي عنك بعد أن صرت  زوجتي"
أضاف هيثم جملته الأخيرة مازحًا فمطت أفنان شفتيها قائلة:
"دعني أشرح لك الأهم قبلًا..فكرت أن تدراس حديث شريف أو آية قرآنية عن الإيمان بالقضاء والقدر يوميًا سيكون سلاحًا فعالًا يقوم اعوجاج نفوسنا..لتكن جرعة إيمانية نشحن بها أنفسنا ونتقرب بها إلى الله فنفكر فيه أولًا قبل أن نتخذ موقف السخط فورًا عند أقل مشكلة"
التفتت إلى هيثم الصامت ما إن أتمت عرضت فكرتها فالتقت بعينيه المعجبتين قبل أن يضمها إليه قائلًا:
"كنت أعرف أنني أحسنت اختيار شريكة حياتي التي تجيد ترميم ضعفي..أحبك جدًا  وممتن لوجودك في حياتي"
"وأنا مغرمة بك ولا أجد للحياة  معنى إلا في وجودك"
بدأت يدا هيثم تتحولان من التربيت على ظهرها إلى الحركة بخبث وتحسس مفاتنها فضربته أفنان على ظهره دون ان تستطيع تحرير نفسها من أحضانه..
"سنبدأ الدرس الأول اتركني"
لكنه لم يعر اعتراضها اهتمامًا وقال:"بل اليوم سنتفرغ للاحتفال فقط "
"زيد لن يتأخرفي إيجادنا"تمتمت أفنان بضعف تفرضه عليها مشاعرها التائقة إليه
"إذًا دعيني أستمتع بوقتي قبل أن يأتي.. مع أنني لا أرتكب خطأً لأخشاه هذا العدواني"
أجابها هيثم بينما يعود لتقبيلها بحرارة كأنه نسى مذاق قبلتها فيريد استعادة الإحساس بها..
استسلمت أفنان لدقائق مستمتعة بقربه لكنها غافلته فيما بعد حين اطمئن لاستسلامها وسبقته عائدة لشقة والدها..
فصاح هيثم في إثرها متوعدًا:"سأقبلك أمام إخوتك من اليوم فقد صار هذا حقًا مشروعًا لي"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
بعد عودتهم انفرد طاهر بابنتيه فضمهما تحت ذراعيه كأنه طائر يزود بجناحيه عن صغاره فالتفت لهالة أولًا يسألها:
"هل الأمور على ما يرام؟متى تاتين لحضور المناقشة المؤجلة؟"
ضحكت مجيبة:"ليس بعد..أمهلني أكثر"
"ماذا عنك يا نوران؟هل هناك ما تودين مشاركته معي؟مؤخرًا صرتِ تتصرفين بسرية ولا تأخذين مشورتي"
جذبته نوران نحوها لتهمس في اذنه:"ألست تخفي عني نظيرها؟"
ارتفع حاجباه فلم يكن يعرف أن أمره مكشوفٌ أمامها إلا أنه أجابها بمكر:
"تعترفين فأعترف ونصير متعادلين"
أبعدت نوران عيناها فورًا بارتباك فتأكد طاهر أنها لا تريد مشاركته أسرارها..
والتفت لهالة التي صاحت به بحنق:
"هل تهامسها في وجودي يا أبي؟ أنت تدللها أكثر مني..هذا غير عادل أبدًا"
وتكتفت بغضب طفولي فضحك طاهر وقبلها ثم قبل نوران قائلًا:
"كيف وقد سألتك اولًا..لدينا عشاء مؤجل..ومناقشة منتظرة...انتظري لأهمس في اذنك بسؤالي حتى تتعادلا"
ضحك بصوت أعلى فشاركته نوران الضحك بينما تقول هالة:
"أنت انشغلت عني مؤخرًا وتركتني وحيدة كثيرًا"
قوس طاهر شفتيه مصطنعًا الحزن بالمقابل قائلًا:
"أنت أيضًا صارت غرفتك كمعمل تجارب لا تخرجين منه وترفضين النقاش معي كانني سأفرض عليك رأي"
ضم كل منهما شفتيه بغضب طفولي وتناظرا كالأطفال مما جعل نوران تغرق في الضحك تتابع حوارها الشيق بتسلية.. وحضرت والدتهما كذلك تراقب الموقف ضاحكة..
"حسنًا أنا أخطأت من البداية بتأجيل المناقشة لكننا نستطيع الحديث في مواضيع أخرى..لا تنشغل عني مجددًا"
"حاضر..أعتذر منكِ لن يتكرر الأمر"
قبلته هالة واندست اكثر في احضانه بينما عاد يسألهما:
"كيف تجري أموركما مع أولاد السفيري؟إن أسآ إليكما في أي لحظة فلا تتسترا عليهما وأخبراني فورًا"
أجابته نعمة دون أن تدع لابنتيها فرصة الإجابة:
"طاهر! أنت تعرف خالد ومتأكد من تربية أولاده فكف عن تصرفاتك الغيورة"
"بناتي وأريد لهما الأفضل..ما أدراني أن اولاد خالد...."
قاطعته نعمة ضاحكة:"بل لا تريد تزويجهما بتاتًا"
نقل طاهر نظراته بين ثلاثتهن قبل أن ينفجر ضاحكًا وقال:
"والدتكما كشفتني..لا اعرف حقًا كيف قبلت تزويجكما هكذا دفعة واحدة..من العسير علي تقبل رحيلكما عني فجأة..سأراكما في زيارات صغيرة ولن أشبع منكما"
حتى نعمة بنفسها كادت تبكي بعد حديثه المستدر للعواطف لذا لم تستغرب قول ابنتيه أنهما لن تتزوجا ومستعدتان لفسخ الخطبة إن شاء..
لكن ما إن رأى الثلاثة نظرات نعمة الصاعقة حتى اعتدلوا في جلستهم ليقول طاهر بزهد مصطنعًا القناعة والرضا بحاله:
"سأزوركما بين الحين والآخر"
فعادوا للضحك براحة بال وكأن الدنيا فرغت من همومها على النقيض من نفيسة التي كانت على وشك الخروج لاستعمال الحمام فتابعت جزءًا من الحوار الدافئ وتأكدت من صواب قرارها..فلا طاقة لها للبقاء على هامش أسرة متحابة كهذه وتعذيب نفسها بالتطفل على ما تفتقده..
بينما تذكر طاهر فجأة أمر نفيسة التي ترفض التعاطي معهم فاستاء أنهم انغمسوا في الضحك وربما جرحوا شعور الفتاة الوحيدة.. لذا أشار لهالة ان تذهب لتطمئن على صديقتها وأنهى الجلسة العائلية رغم ان جلسات كهذه كانت تستمر للفجر في أحيان كثيرة...
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
اجتمع أقارب سعيد في بيته الذي صار منسوبًا إلى عبد الرحيم الآن..وهو الامر الذي أثار استغراب فاروق وهاشم وضيق عرفه الذي أتى مجبرًا تحت إلحاح من شقيقه فلم يكن يرغب بلقاء هذا المتبجح عبد الرحيم خاصة بعد أن استولى على شئ يخص ليلى..
اضطر علي للتظاهر بالهدوء وسط هذه الأجواء المضطربة وشرع في قراءة الوصية..
(أوصي أنا سعيد القتيل بشقتي الواقعة في العقار... بشارع....لعرفه صبري أبو زهره وقد اتخذت هذه القرار مع زوجتي العزيزة ليلى..
وكل ما تشاركت ملكيته مع مازن السفيري فهو له خالصًا بكامل أرباحه..)
ابتدأ وصيته بأكثر أمرين مثيرين للجدل ثم أوصى بشئ مميز من أملاكه لهاشم وفاروق وترك باقي تركته تقسم حسب الشرع مؤكدًا أن أملاكه التي خصها لشخص بعينه لابد أن تصله..
انتفض عرفه وعبد الرحيم في آن واحد فبينما نظرات الأول تطالبه بالاعتراف بالاستيلاء على أملاكه كانت نظرات عبد الرحيم وقحة لم تتأثر وأشهر عقد البيع الذي يُظهر أنه صاحب الحق قائلًا:
"وهذا عقد موقع من ليلى شخصيًا..وقد اتخذت قرارها بكامل إرادتها قبل الإطلاع على وصية المرحوم كما أظنه ابتدع أمر اتفاقهما على القرار ليجبرها على تنفيذه لو كانت حية"
رفع علي حاجبيه بذهول أمام تبجح عبد الرحيم وحكمه على الرجل المتوفي بهذه الدناءة..
بينما اتفق الثلاثة هاشم..عرفه..وفاروق أن ليلى لا يمكنها أن تترك الشقة لعبد الرحيم..
"من تخدع؟نحن أكثر من يعرفها"جابهه عرفه بقوة..
ليجيبه عبد الرحيم بندية:"أمامك الجيران اسألهم واحدًا واحدًا من اهتم بأمرها هي وزوجها واعتنى بهما وقت مرضهما وأراهن أنهم سيسألونك أولًا من أنت لتسأل عنهما!!!
أقارب يظهرون وقت الإطلاع على الوصية فقط أمام عقد موقع منها شخصيًا وموثق منذ زمن هل يستويان مثلًا؟"
بعدها تحولت الجلسة إلى ساحة حرب بين عرفه المصر على استعادة حقه في الشقة وعبد الرحيم الذي لن يتوانى عن فعل أي شئ لدحر من يهدد استقرار حياته
تشابكا بالأيدي حتى اضطر علي أن يامر أقارب سعيد جميعهم بالرحيل وتم إخراج عرفه بالقوة لكنه ندد قبل رحيله أنه سيقدم بلاغًا ولن يهدأ له بال حتى ينفذ الجزء الخاص به من الوصية..
خرجت وجدان بعد أن انطوت الضجة تسأل زوجها عما حدث فوجدته يشع بطاقته الشياطينة التي تظهر حين يحاول أحدهم إثبات احتياله..
ورغم تأكده انه محتال بالفعل لكنه يهدد صاحب الحق كما الآن وهاهو يشركها كالعادة في أخطائه..
إذ تقدم منها وأصدر أمره الحاسم بما لايدع لها فرصة للاعتراض:
"أحدهم يشكك في ملكيتي لهذه الشقة ومؤكد ستطلبك المحكمة للشهادة وأنتِ ستشهدين أن ليلى وقعت بكامل إرادتها وتقسمين على ذلك أيضًا"
شهادة زور ويمين غموس!!
هل ستفعلين وتلقين بنفسك في النار؟!!
تساءلت بهلع ..عيناها وروحها المؤمنة تصرخان بالاعتراض بينما يلح عليها جسدها أن توافقه خشية عقابه المعتاد..فلمن تكون الغلبة؟!

💥💥💥
ياترى الأحداث رايحة بينا ع فين.. مستنية رأيكو😉😘

ڤوت..كومنت واستنو الفصل الجاي بكره ان شاء الله 🥰

جيران المدينةWhere stories live. Discover now