الفصل الخامس

58 5 4
                                    

      
الفصل الخامس 
في المدرسة حين قاربت الساعة الحادية عشر صباحًا
ترجل مازن من سيارته واتجه مباشرة لمكتب السيدة جنات دون أن ينتبه للجموع المراقبة التي تسجل خطواته لحظة بلحظة حتى تحظى بفرصة لإيقافه أو افتعال أي شئ يجذب انتباهه..

نهضت جنات فور دخول مازن مكتبها المفتوح ورحبت به بحفاوة قائلة:
" هل أحضر لك كوبًا من الشاي أم كوب عصير بارد أم حلوى أم...."

استشف مازن توترها فقاطعها قائلًا:
"سيدة جنات اجلسي رجاء .. تعلمين أن لدي عملي الخاص الذي أحبه ولن أتدخل في عمل المدرسة أو إدارتها فقط أحببت أن آخذ جولة تفقدية حول المدرسة وأرى أوضاعكم وإن كان ينقصكم شئ ما"

ارتاحت جنات وقد ظنت أنه قد أتى ليسلبها منصبها أو يصدر قرارات مجحفة كما يفعل الملاك عادة فقالت:
"طبعا مرحبًا بك سيد مازن في أي وقت لقد أنار المكان بوجودك"

دخلت نوران في تلك اللحظة دون انتباه للجالس أمام جنات وكانت على وشك الحديث حين استغلت جنات الفرصة و تابعت:
"تستطيع الأستاذة نوران أن تصحبك في جولتك حول المدرسة.. إنها من أشد المعلمات كفاءة .. اهتمي بالسيد مازن رجاء يا نوران"

دارت نوران بعينيها بينهما بصمت ثم تداركت نفسها قائلة :"طبعًا تفضل يا سيد مازن إذا سمحت"

خرج الاثنان من مكتب جنات تحت نظرات المراقبين .. وقال مازن:
"هل كنت ستطلبين شيئًا من السيدة جنات؟"

قالت نوران كأنها تريد إنجاز المهمة بسرعة:"لا تهتم .. هل آخذك أولا للفصول أم غرف المعلمين أم.."

قاطعها مازن قائلًا:"نوران اهدئي .. يبدو واضحًا أنك لا تريدين اصطحابي بل تريدين العودة لمكتب السيدة جنات"

ضحكت نوران بارتباك قائلة:"لا أرجوك لا تظن أنني أريد التخلص من مرافقتك ولكني كنت أفكر في الاستئذان باكرًا اليوم"

أومأ مازن برأسه متفهمًا وقال بمرح:"تم إخلاء سبيلك هيا اذهبي وسأجعل أفنان تجولني "

لكن نوران نظرت حولها وقالت بخوف مصطنع:"لا يمكن .. هل تريد أن تطردني السيدة جنات لأنني قللت من احترامي لمالك المدرسة؟"

ضحك مازن من لهجتها المصطنعة وقال:"ومن سيخبرها؟"

وبعينيها أشارت نوران للجو المحيط بهم قائلة:"لا.. أنت لم تلاحظ مطلقًا؟!! ألم ترى جموع المعلمات اللاتي يراقبنك حتى يحظين بترقية ما إذا ما استطعن إقناعك بكفاءتهن"

همَ مازن بالسير وقال بعد أن عدل  ياقة قميصه بغرور مصطنع وقد رفع صوته ليصل للمراقبات:"لنبدأ الجولة يا أستاذة نوران"

ابتسمت نوران من تصرفه وأشارت له بخفة دون ملاحظة أحد أنه نجح في تمثيل الدور..

بعد فترة وقد تجولا في كل مباني المدرسة ونزلا الفناء ..قالت نوران:"شقيقك الذي رافقنا يوم الحادث.. كم عمره؟"

ضحك مازن وقد تذكر موقفها من فادي سابقًا وأجابها:"إنه في الصف الثاني الإعدادي هنا في المدرسة.. نقلته حديثًا ليصبح تحت ناظري طوال الوقت"

أومأت نوران وقد بدأ الاستياء يلون ملامحها فتابع مازن مبتسمًا:"إنه يظن أن مستوانا المادي يتيح لنا فعل ما نريد..لذا ترينه بهذه الهيئة متكبرًا على من حوله كأنه أفضلهم ..لقد أوضحت له مرارًا أهمية إقامة علاقات ودودة مع الناس وأن الاشخاص لا يقدرون بمالهم بل بأفعالهم..وعلى كل فإنني أكتفي بالإرشاد حتى تمر فترة المراهقة فربما حظى ببعض النضج"

"مرت فترة على انتقاله إذا ..لم لا أراه في صفوف الطلاب؟"

أجابها مازن باعتياد:"لا ..هذا لا يعرف الانتظام ربما سيأتي زيارة كل شهر للمدرسة وأغلب الظن أن السيدة جنات ستبقيه مجاملة لي فقط"

سألت نوران باستنكار:"لهذا الحد؟ هل مستواه في الدراسة سئ؟"

وضح مازن وهو يشير لنفسه:"لا ولكنه لا يجد حافزًا يدفعه لإكمالها.. مثلًا أنا كنت شغوفًا بالرياضة وأحببت دخول كلية التربية الرياضية..لكنه يشبه زيد الذي التحق بكلية إدارة الأعمال حتى يحصل على شهادة جامعية ثم تفرغ للعمل في مطعمه..لذا فهو يرى أنه يستطيع تحقيق المشروع الذي يبتغيه دون إكمال تعليمه مدعومًا بمال عائلته "

ابتسمت نوران وقالت:"لا أستطيع تقديم النصيحة حتى أنا أحب التدريس فقدمت لهنا وقررت أن أكون مدرسة للرياضيات عوضًا عن العمل بالهندسة.. لكن الكبر أسوأ طبع قد يتحلى به الإنسان فيرى من حوله أقل بينما هو الضئيل "

فتنهد مازن قائلا"كل أملنا أن يهديه الله يومًا ..."

ثم انتبه لما قالته فسأل باهتمام:" لكن أنت تعملين بشهادتك .. ألم يكن من متطلبات عملك هنا أن تكوني  متخرجة من كلية الهندسة؟"

"نعم ولكن الجميع رأى تصرفي خطأ تمامًا وأنه كان علي أن أعمل مهندسة"

قالتها نوران بشرود وقد أضناها كثرة المستائين من اختيارها ..لكنها ابتسمت بلطف حين قال مازن بتشجيع:
"دعك من آرائهم إذا .. ألست تحبين التدريس ؟ واخترت العمل هنا برغبتك إذا تابعي دون اهتمام بهم"

انتهى حديثهما حين اقتربت منهما أفنان وقالت:"ماذا تفعلان هنا؟ هل أنهيت عملك يا مازن؟"

وبخ مازن شقيقته برفق قائلًا:
"أي سؤال هذا ؟ أولًا كيف حالك يا شقيقي العزيز ؟ كيف أستضيفك؟ ما تلك التصرفات الغير لائقة؟"

ضحكت أفنان واقتربت من مازن الذي صافحها مقبلًا وجنتيها وقال:
"كيف حالك أنت؟ كيف هو عملك؟"

شعرت أفنان بالإحراج من تصرفه في المدرسة فقالت:
"هذا ليس لطيفًا أبدا !! أنت تتعمد التصرف برقة حين نكون مراقبين.. لاأحد  يعلم صلة قرابتنا.. كيف سأبرر لهم فيما بعد؟"

كان مازن لايزال واضعًا ذراعه على كتفيها مقربًا إياها منه بتعمد فهو يحب مشاكستها وإحراجها وقال:
"أنا لا أهتم بهم إطلاقًا! ما رأيك ان تخبريهم أنني زوجك المستقبلي وتكيدين بهذا هيثم أيضًا"

ولم يكن أمامها إلا الاستسلام ثم قالت حين قرصها بخفة في ذراعها دون أن تلاحظ نوران : "نوران نسيت أن آخذ رقم هاتفك حتى أتصل بك  وأطمئن على وصولك إلى منزلنا.. وهذا العنوان كتبته لك هنا"

أخذت نوران العنوان وشكرتها على اهتمامها الذي استغربته وبعد تبادل الأرقام 
قال مازن:"إن كانت قد انتهت جولتنا .. رافقيني يا فوفو لنلتقي يهيثم وزيد في المطعم ونذهب للمكان الذي اختاره للشركة.. وأنت يا نوران تعالي نوصلك في طريقنا "

رفضت نوران قائلة:"هالة تنتظرني في مطعم قريب..ولا  أظن أنه في طريقكما لذا دعني لا أزعجكما.. سأذهب بمفردي.. كما أنني لا أستطيع ترك سيارتي هنا أمام المدرسة"

فأجابها  بإلحاح:"آه.. نوران ولكنني سآخذ على خاطري بهذه الطريقة؟ ما هذه المعاملة الرسمية جدًا .. لقد أصبحت تسكنين نفس المدينة لذا فقد صرنا جيرانًا الآن"

ردت نوران بابتسامة:
"مبدأ غريب جدًا .. هل تعتبر كل سكان المدينة جيرانًا لك؟"

فأجابها بعد ضحكة قصيرة:"ليس إلى هذا الحد  ولكن قد أعتبرك جارة استثنائية"

بينما أردفت أفنان وهي تشير لشقيقها:"هذا يستطيع إقناعك بأي شئ..."

ولأن مازن كان يتوقع تتمة هذه الجملة كأن توهم نوران أن له نوايا خفية من توصليها انتقامًا منه.. فقد قرصها مرة أخرى في ذراعها فصمتت فجأة عن متابعة جملتها ..بينما استغربت نوران صمتها فهي لم تلحظ ما فعل ونظرت لمازن الذي تابع مقنعًا إياها: " سأجعل السائق يرسل لك سيارتك فيما بعد لا تقلقي"

وبعد إصراره وتمثيل أفنان أنها ترغب في مرافقتهما بإجبار من مازن وافقت نوران وقالت:
"حسنا سأرى العنوان الذي أرسلته هالة وإن كان قريبًا من وجهتكما فسأرافقكما"

وهكذا ودع الثلاثة السيدة جنات وانطلقوا إلى المطعم الذي وصفته هالة..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
اجتمع خليفه بعينه في مصنع عبد الرحيم وسأله:"ماذا يجري هذه الأيام؟"

فأجابه عماد:"لا جديد .. كما أنه لا أحد في المصنع يتحدث عن طلبية قدمت من شركتك لمصنعهم في الآونة الأخيرة.. وأغلب الظن أن السيد عبد الرحيم لم يخبرهم بالأمر..هناك تجديدات في المصنع والعاملون يبذلون جهدهم للتدرب على استخدام الآلات الجديدة وتحديث طريقة عملهم"

"اممم..تجديدات!"

"تذكرت الشاحنة التي احترقت في الحادث كانت تخصني..استعارها السيد عبدالرحيم يومها لقضاء أمر يخصه ونسيت إخباره بوجود عطل فيها.. لذا أرجوك يا سيد خليفة لا تطلع أي أحد على هذا الأمر..أنا سألتزم الصمت حتى لا أورط نفسي فيما يفوق قدرتي"

أومأ خليفة بتفهم وأجابه مطمئنًا:"لا تقلق..سأصرف لك مكافاة مطلع كل شهر حتى تتمكن من شراء أخرى لكن تابع تفقد أحوال المصنع وأخبرني بالجديد دوريًا"

انصرف عماد مبتهجًا وراضيًا..وهذا ما حرص عليه خليفة دومًا فحين تعرف إلى عبدالرحيم وأراد امتلاك المصنع..كان لابد أن يطلب منه توريد بضائع لمصنعه وإشعاره بالأمان قبل هذه الخطوة ولأنه لم يكن يثق به فقد اتخذ لنفسه جاسوسًا من العاملين لديه.. والحق ان اختيار عماد كان موفقًا ..سائق شاحنة يوصل البضائع لن يكون موضع شبهة إن وقع خلاف بينهما..

عادت ذاكرته قبل سنوات للقائه الأول بعبدالرحيم الذي ما إن عرف بهويته حتى تباهى بمصنعه وإنتاجه..وهكذا نشأت صداقة من نوع آخر.. اثنان يقودهما طمعهما ويمثلان الصداقة حين المصلحة.. كان لابد من تعاونهما ولكن بحذر فرفعا شعار(أنت صديقي ولكن أتوقع الغدر منك )..

ولا يزال عبدالرحيم لغزًا كبيرًا أمامه يجعله دائمًا في موقف الدفاع..

فقد أخبره وقتها أن إدارة  المصنع مشتركة مع اثنين من أصدقائه ثم بعدها بأيام قال أنهما تنازلا عن نصيبهما في المصنع ووثقا به لمتابعة العمل وحده..

بحق الله هل تتاح لأحد الفرصة للعمل في مصنع كهذا ويرفضها؟! بل من يثق بعبد الرحيم من الأساس؟!!
والآن يخبره عن عجز عمالة المصنع.. الأمر واضح لقد وقع في فخ عبدالرحيم هذه المرة رغم حذره!!

ولكنه خليفة ! من يطغى على حقه يورده موارد الهلاك ويجعله يفني عمره لتصحيح خطأه.. وهذا قمة العدل في نظره!
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
في سيارة مازن
كانت نوران تحاول وصف الطريق لمازن بناء على الإرشادات المتخبطة التي أعطتها لها هالة

"في هذه المنطقة لا يوجد إلا مطعم أخي.. لكن لنرى اين ستوصلنا الآنسة هالة"

قالها مازن بحنق بعد أن جعلتهم هالة يدورون حول نفس المنطقة لمرتين لأنها لا تفلح في وصف الأماكن

فعلقت نوران باعتذار: "لقد أخبرتك ألا تنشغل بي .. على العموم ها قد اقتربنا تقول هالة أن ننعطف يمينًا"

سكتت نوران ونظر الثلاثة للجدار الذي يحتل الجهة اليمين التي تقصدها هالة
ثم تابعت بحرج:
"هذه الفتاة حتى لا تستطيع التفريق بين اليمين واليسار"

أخيرًا انعطف مازن بسيارته يسارًا حيث مطعم زيد وقال:
"ها هو مطعم شقيقي.. ألم أخبرك أنه المطعم الوحيد في هذه المنطقة؟"

نزل الثلاثة من السيارة .. ودخلت أفنان فورًا المطعم للقاء شقيقها المفضل..
بينما قال مازن لنوران قبل أن يدلفا:
"كما أخبرتك شقيقي يعمل في غير مجال دراسته وقد افتتح هذا المطعم لأنه يحب إعداد الحلوى"

فأجابت نوران بسعادة: "هذا رائع.. إن الحلوى هي عشقي الوحيد في هذه الحياة .. من الرائع أن تملك شقيقًا كهذا يا مازن"

راقب مازن حماستها مبتسمًا ثم قال:"أتعرفين ما الرائع؟"

نظرت له باستفهام ولا تزال البسمة عالقة بشفتيها فتابع:"الرائع أننا صرنا ننادي بعضنا دون ألقاب"

لم  تعرف نوران بم تجيبه ..وكأنها انتبهت لنفسها فأسدلت قناعها المتحفظ وأسرعت تلحق بأفنان والتي أثارت الضجة المعتادة التي تثيرها في أي مكان تتواجد به وبدأت تلحق بزيد يمينًا ويسارًا تسأله عن سبب مشاركته في التقديم هذا اليوم ..هل سيحضر لها هدية لأنها نالت العمل؟.. هل سيأخذها معه أثناء اختيار الهدية؟

اقترب مازن من مكان وقوفهما وربت على كتف شقيقه قائلا بمشاكسة:
"لا تغضب منها يا زيد إنها تريد أن تلتفت انتباهك لترحب بها"

أدرك زيد ما يقصده شقيقه فالتفت لأفنان التي حاولت الابتعاد ولكنه احتضنها مقبلًا وجنتيها وقال:
"كيف حالك يا صغيرتي؟ اشتقت إليك.. صار عملك الجديد  يشغلك عن الجلوس معي ومساعدتي في المطعم"

احمرت أفنان كعادتها في هذه المواقف وقالت لمازن بتوبيخ:
"أخبرتك مرارًا ألا تلفت انتباهه لتلك النقطة .. دائمًا تحرجونني هكذا أمام الجميع"
أجابها الاثنان معًا بغير اكتراث:
"ومن يهتم؟"

حتى أن زيدًا أخذها معه إلى المطبخ ولا يزال يضع ذراعه محاوطًا لكتفيها بدعوى أنه يريدها أن تساعده..

عاد مازن مبتسمًا لنوران التي كانت تتابع الموقف فقالت بعد أن اقترب منها:
"اكتشفت اليوم أن أفنان خجولة جدًا"

وافقها مازن الرأي قائلًا:"ونحن نستغل هذه النقطة تحديدًا لنضايقها "

فتنهدت نوران بيأس وحمدت الله أنها لا تملك أشقاء ذكور قائلة:"الحمد لله الذي عافاني من امتلاك أشقاء مثلكم يجدون التسلية في إزعاج شقيقتهم "

آه.. هاهي هالة تشير إلي" ابتسم مازن ولم يتسنى له إجابتها حين صاحت:"
نهضت هالة بحماس وأمسكت بكف شقيقتها وقالت دون انتباه لوجود مازن:
"حقًا لن تصدقي ما حدث معي يا نور.. صاحب هذا المطعم رجل وسيم ومحترم وعاملني بلطف"

حاولت نوران إيقافها عن المتابعة لوجود مازن ولأنها تعلم أن التالي لا يجب أن يقال على الملأ لكنها لم تنتبه لها وأردفت:
"عندما دخلت المطعم حاولت سيدة ما إهانتي وعلقت على وزني لكنه ردعها وأخبرها ألا تأتي المطعم إلا عندما تستعيد احترامها"

كانت هالة تمثل الموقف بتعابير وجهها وحركات يديها حتى قالت وقد أوشكت القلوب الحمراء أن تتفجر من عينيها:
"لقد أجلسني في هذه الطاولة الرائعة كتعويض وسيدفع المطعم ثمن وجبتي.. لهذا أحضرتك حتى تستفيدي أنت أيضًا من العرض وكذلك لأريك إياه .. سترين كم هو طويل إنه فارس أحلام مثالي يا نور .. حتى أنه سحب لي المقعد .. ما رأيك هل أترك مذكرتي وأكتب رقم هاتفي في الصفحة الأولى وأقول حين يتصل أنها وقعت مني سهوًا؟ها أخبريني ماذا أفعل؟"

استمع مازن لكل حرف قالته هالة وأدرك أن نوران لا تستطيع الالتفات خجلًا مما تقوله شقيقتها لكنه مستمتع كل الاستمتاع ..فكم يروق له أن يرى محاولات الإيقاع بشقيقه الأكبر العازب في فخ الزواج!!

وما لبث أن تنحنح فانتبهت هالة لوجوده وقالت نوران موبخة:
"هل أنت راضية الآن؟"

فضحكت شقيقتها بسخافة وقالت لمازن بمرح:
"أنت لا تفشي الأسرار أليس كذلك؟"

علت قهقهة مازن وأجابها:
"لا تهتمي... من فضلك افعلي ما تريدين طالما ستجعلين زيد يتزوج فأنا سأراقب بصمت"

وبعد جلوس الثلاثة على الطاولة همس مازن لنوران:
"يبدو أنك لا تحبين المرح كشقيقتك.. ما الداعي لكل هذا الغضب ؟"

ناظرته نوران بحنق ولم تجب بينما  اقترب زيد من الطاولة مع أفنان وهما يحملان طلبات هالة .. فظهرت الدهشة على وجه الشقيقين وكانت أفنان أول من علق:
"هل تلك شقيقتك يا نوران؟ لم أكن اعرف أنك ضيفة مطعمنا اليوم يا آنسة .. أهلًا بك"

صافحتها هالة وقال مازن معرفًا:
"لم أخبرك  يا زيد .. هذه نوران أو الأصح الأستاذة نوران تعمل في المدرسة مع أفنان وتلك شقيقتها الكبرى الآنسة هالة"

سأل زيد الذي يعرف نوران حق المعرفة من أحاديث أفنان:"حقا!!هل أنت نوران؟ أفنان هل هذه هي المغرورة التي تحدثت عنها ؟ لا تهتمي بها أرجوك آنسة نوران .. لقد أنرتما المطعم بوجودكما اليوم"

لكزته أفنان بخفة لإفشائه سرها بينما أجابته نوران مبتسمة من ضيق أفنان:
"شكرًا لك سيد زيد .. وشكرًا كذلك لتصرفك منذ قليل حين أنصفت شقيقتي"

"لا داعي للشكر .. ستبلغني أفنان بطلباتكم إذا .. أنا في المطبخ"
انصرف زيد لمتابعة عمله بعد أن وضع طلبات هالة على الطاولة .. وجلست أفنان في المقعد الشاغر المجاور لنوران التي لكزتها قائلة:
"لم يبقى شخص لم تخبريه عن غروري المزعوم سيدة افنان؟!! حتى أنك رحبت بشقيقتي التي لا تعرفينها بينما لا تقبلينني أنا زميلتك في العمل"

تأففت أفنان وهي تدفعها:"أووف منك .. هل ستصبحين كمازن؟ شقيقتك تبدو مألوفة وملامحها مريحة أما أنت..."

رفع مازن حاجبه بتهديد فتابعت أفنان رغمًا عنها:"حسنًا كنت مخطئة ..اصمتي قليلًا ..  أعتذر منك ارتاحي واصمتي فقط .. صدعتي رأسي"

نفضت نوران ملابسها بغرور مصطنع وقالت:
"سأعود الآن لغروري بما أنني قد أقنعتك بتواضعي الوهمي"

صدمت أفنان من الرد لكنها ما لبثت أن أدارت وجهها بسخط حين فهمت مقصدها وضحك الثلاثة الآخرين على رد فعلها الطفولي..

بعد دقائق
كانت الطاولة قد امتلأت بوجبات الطعام والحلوى .. وضع زيد الطبق الأخير وقال بسخط:
"هل أنتما شقيقيَ وتسعيان لمصلحتي أم للإضرار بي ؟.. لقد طلبتما كل القائمة لكن لعلمكما ستدفعان ثمن هذا الطعام.. عرضي كان فقط للآنسة هالة والآنسة نوران"

أجابه مازن بعدم اكتراث وهو يتناول طعامه بتلذذ:
"هل ستبدأ بإلقاء أوامرك لأنك الأكبر بيننا ؟ أنت لست عادلًا مطلقًا يا زيد .. تصدق على إخوتك مرة في العام ماذا سيضرك؟"

"هذا حين يكون أشقائي بؤساء وليسوا من أصحاب الملايين مثلك"

غص مازن باللقمة التي كان يمضغها .. فنهضت أفنان لمساعدته وقالت:
"حقًا من الطمع ما قتل .. ألا يكفيك أنك تستغلني في أغراضك الدنيئة كل يوم؟ إنك حتى لا تستطيع إدارة المطعم دون مساعدتي التي أقدمها بالمجان"

مثلت أفنان أنها مظلومة وتابعت رافعة يديها برجاء:" يا رب أنت ولي المستضعفين"

كانت الطاولة المميزة التي اقترحها زيد لهالة منعزلة عن رواد المطعم وتطل على حديقة قريبة لذا لم يكن أحد يراقب ما يحدث بين الأشقاء..
فتقدم زيد ببطئ من أفنان وقد أفصح تشميره عن ساعديه عما سيفعله بها فابتعدت  سريعًا عن مقعد مازن وحاولت الاقتراب من رواد المطعم حتى لا يتمكن من معاقبتها أمامهم..

راقب الثلاثة ما يحدث وعلق مازن بمرح وهو يعلم أن زيدًا لن يفعل الكثير فقط سيجبرها على العمل معه حتى الإرهاق:
"يا رب أنت تعلم قلة حيلتي فأنقذها من شره.. كدت أموت هنا بسبب هذا الحاسد"

بينما قالت نوران بأسى وهي تراقب ما يحدث: "هذا تمامًا ما يخيفني من الأشقاء الذكور .. أين كان هذا مختبئ لك يا أفنان ؟"

وأردفت هالة بصدمة:
"نوران برأيك هل أبدأ بتدوين عيوب فارس أحلامي؟"

كانت أفنان تركض دون النظر أمامها فقط كل تفكيرها كم تبعد عن زيد حتى لا يتمكن من الإمساك بها حين اصطدمت بأحدهم والتفت بتلقائية قائلة بعفوية ضمن الموقف:
"أنقذني"

فوصلها الصوت المتلهف:"طوع أمرك يا فراشتي"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
تعلل عبدالرحيم لرجال الشرطة بكل الأسباب الممكنة حتى يؤجل الإدلاء بأقواله عن المشتبه به في الحادثة..ليس لأنه لا يعرفه بل إنه يعرفه تمام المعرفة لكن خطته تسير على نحو مختلف فقد أرسل رسالته بأفضل طريقة لطاهر ولاشك أنه الآن يتآكل داخليًا مرعوبًا من مصيره..

أما الآن فليحظى بالهدوء ليشفى بسرعة ويخرج لتحديد مصير عماد الخائن!
يظن نفسه خفيًا عن ناظريه بأفعاله الحمقاء لكنه يدرك تمامًا مع من يتعامل.. وهذا ما اكتسبه من عمله مع خليفة .. التظاهر بأنك ثعلب ضعيف يضع خططًا لا يقوى على تنفيذها بينما أنت في الحقيقة ذئب متوحش يفترس من يريد سلبه أي شئ ..

ومضت به ذاكرته ليوم الحادث.. التخلص من عماد وطاهر بضربة واحدة!!

أولًا استعار سيارة عماد لنقل البنزين في الصباح الباكر.. ثانيًا إضرام النار في مشغل طاهر والسيارة.. وبهذا تختفي السيارة ويتم تسليم عماد المذهول للشرطة بتهمة سرقة البضائع المفترض تسليمها لخليفة قبلها بيوم..
وبعدها إن أصر خليفة على استرجاع ماله فالشرطة موجودة لضبط طاهر وإجباره على دفع دينه.. 
لكن الخطة لم تسر بشكل صحيح لذا فليترك الرفاق يستمتعون بانتصار صغير حتى يفكر في البديل..

#فوت
#كومنت

اكتبولي توقعاتكوا❤️

جيران المدينةWhere stories live. Discover now