الفصل السابع والعشرون

9 0 0
                                    

الفصل السابع والعشرون
رفض عرفه العودة مع شقيقه إلى البلدة حتى يستعيد نصيبه من التركة ولم يكن هاشم ليتركه هذه المرة بعد أن قرر ألا يدعه يخسر دنياه وآخرته..سأله أخيرًا بعد أن تعب من محاولة إقناعه بمرافقته:
"ما تلك الأوراق التي أعطاها لك المحامي؟"
"إنها رسائل من ليلى"
لا يريده أن يعود من جديد لاجترار الماضي لكن ربما أرضته رسائل ليلى بشكل ما إن قرأها لذا عدل هاشم عن إصراره قائلًا:
"سأعود إليك بعد يومين فقط..لن أتركك تتيه لوقتٍ أطول"
مضى عنه ثم توقف ليلتفت إليه مرة اخرى ويضيف:
"وحينها إن اضطر الأمر سأجبرك على مرافقتي يا عرفه"
أومأ عرفه بلا اكتراث..غير واثق من قدرة شقيقه على إجباره وانتظر حتى وصل غرفته ففض المغلف بسرعة ليجد نفسه أمام رسالتين تشممهما بحنين مستعيدًا ذكرى أفضل أيام حياته..ثم قلبَهما بين يديه يتفحصهما ليقرأ على واحدة منهما "الأولى" والأخرى كُتب عليها "اقرأها إن نفذت طلبي في الرسالة الأولى"..
توقف للحظة متساءلًا هل يستحق الأمر؟! وكاد يمزقهما قبل القراءة لكن فضوله وذكرى وفاتها قبل أن يحظى بفرصته لتوديعها جعلته يستعيد شيئًا من هدوئه و دفعه ليفتح الأولى فقرأ فيها:
(أكتب إليك بصفتي ليلى الشابة التي وقعت صريعة هواك ،لا ليلى التي ناهزت السبعين من عمرها...
لمَ الدهشة يا عرفه؟ نعم أحببتك،
لا تمزق رسالتي الآن ،وأتم قراءتها رجاءً
لقد نشأنا في البلدة حيث أطعمتنا القوة مع مزروعاتها ،وحين تضعنا الحياة في موضع الاختبار، فإن علينا أن نتسلح بهذه القوة ؛فنصل للقرار الصائب
لم يتوانِ أبي عن تلقيني إياها كل يوم،حتى وقعت في مأزق حبك،وتدرك تمامًا لمَ رأيته مأزقًا!
نما الخبر إلى مسامع أبي فاستدعاني وأجلسني أمامه،
لا ،لا تفكر بهذه الطريقة، ليس الحاج عثمان أبو زهره من يضرب ابنته،
عرض علي أن يزوجني بسعيد طالبًا مني أن أتخلى عن أحلامي المؤذية ،وأكسب طلبه نثرات من الحزم حتى عددته أمرًا واجب النفاذ!
لا أخفيك سرًا ،بكيتُ ونغزني شيطاني أن أعلن التمرد،فاعتزلت أبي  لأيام حتى هدأت ،حينها عرضت أمرك وأمر أبي على "قلبي"
لا تُسفه من حديثي ،لم يكن الأمر سهلًا أقسم لك!
وحين تخاذل قلبي عن إجابتي ،كان عقلي اليقظ الذي أعادني من سبات ضعفي وأمرني أن أكون قوية في أشد لحظات ضعفي!
فأخذت القرار الأصعب ،القرار القاتل لأحلامي!
وتزوجت بسعيد..
لأصدقك القول فلم أندم،تذبذبت بين قلبي الذبيح وعقلي لفترة ،لكنني أخلصت لزوجي الذي عرفت معه كيف يمكن للحياة أن تغدو جنة رغم كدرها!
أعرف أنك تمنيت لي التعاسة بقدر حبك ،وإن كانت معرفتك بهذا ستريحك وتذهب عنك أسى السنين ،فها أنا أقر أنني نلت حظًا وافرًا من الشقاء يا عرفه.
لست أعترض، إنها الحياة وقد ارتضيت كل ما قسمه الله لي.
أكتب إليك بعد أن وافت زوجي المنية ،وإلا لما فعلتها أبدًا! فليست ليلى ابنة الحاج عثمان بخائنة،
وما كتبت إليك إلا لغرضٍ واحد:أردت دفن حبنا بما يليق به.
ها أنا اعترفت لك بكل ما اختزنه قلبي كأسرار سرت مني مسرى الدم في العروق حتى كدت أفيض بها لمن حولي إلا أني قبضت عليها ؛لأنك وحدك صاحب الحق بمعرفتها.
لذا إن أردت نصحي، ادفن هذا الحب وذره بريئًا طاهرًا يا عرفه،بع شقتي هذه التي أهديها لك مع خالص شكري،نعم أشكرك ؛لأنك شاركتني حلمًا ورديًا ذات يوم حتى لو دنسته عن غير قصد،فأنا أسامحك.
انظر حولك وأبصر ما حظيت به من مزايا يا عرفه، فاقض حياتك فيما يسعدك ويزيل عنك مرارة الأحلام المغتالة، ولا تنس أن الماضي صنيعة يديك!)
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
احتكمت التعاسة قلب سميرة فعندما قررت العمل بمؤهلها ونسيان تجربتها المؤلمة تخيلت عالمًا مليئًا بالطلاب الذين ستوجههم وتهديهم كل وقتها فتحصد في المقابل محبتهم...
لكنها لم تحصد غير التشبيهات الساخرة التي يتهامسون بها سرًا ظانين أن صوتهم يخفى عنها..كما قد رفضوا التصويت لها مرارًا لتكون المشرفة الأساسية على رحلات المدرسة و لا يمكنها أيضًا ان تنخرط بينهم في النشاط المدرسي وإلا اعتزلوه جميعًا..
قد تكون طباعها منفرة وملاحظاتها جافة لكنها صارت تفتقد الدفء بشكل مؤلم تريد أن تشعر بالحب حولها وأن يبادلها من حولها مشاعرًا صادقة تملأ عليها حياتها المهجورة الخربة..
كفكفت دموعها بينما تتلقى اتصال منة التي سألتها:
"أين أنتظرك؟ أبي سيتأخر لدقائق عنا ولا أريد أن أجلس وحيدة في صالة الانتظار"
كانت قد نست تمامًا موعدها مع منة في خضم نوبة كآبتها وحتمًا ستعجز في حالتها هذه عن إهداء مراهقة متأملة في الحياة رفقةً مجدية لذا اعتذرت منها قائلة:
"اعذريني يا صغيرتي لن أستطيع الحضور اليوم..أنت فتاة مسئولة وشجاعة يمكنك القيام بهذا لا تقلقي"
عبست منة فهي لم تكن بحاجة للتشجيع بل للرفقة واستقرأت سميرة الإحباط في صوتها لكن طاقتها النافذة جعلتها تمرر الأمر دون تعليق وتكتفي بوداع مقتضب..
وصلت منة العيادة متجهمة وتفاجئت بمجموعة أولاد ممن يكبرونها في المدرسة يعترضون طريقها..بدا واضحًا من مشيتهم المستهترة أنهم يريدونها مادة لتسلية حياتهم الفارغة..
فالتفوا حولها بينما يبادرها أحدهم:
"إلى أين أيتها المسكونة؟هل تظنين أن الجني سيترككِ تذهبين حيث تريدين؟!"
ورفع الآخر ناظريه يتطلع في لافتات المحلات القريبة محاولًا تخمين بغيتها فلكزه زميله قائلًا:
"هناك..انظر عيادة طبيب نفسي..لاشك أنها ذاهبة إليه"

انكمشت منة لوهلة بينما تسمع رابعهم يضيف:
"لا..لاتزال طفلة لتزور عيادة طبيب نفسي بمفردها"
فاستفاقت من حالتها المستكينة لتدفع أحدهم بمرفقها بقسوة جعلته يتأوه من المفاجأة وصاحت بهم:
"لدي عملٌ هام لن أؤخره لأجل حفنة من الأطفال"
وانسلت من بينهم متابعة طريقها ثم التفتت تتوعدهم:
"بالمناسبة..لاتزال ملفاتكم في المدرسة ويمكنني إخبار المديرة أنكم أسأتم إلي وتعرفون جيدًا أنه سيكون كافيًا لئلا تقبلكم المدرسة الثانوية.."
حكت جبهتها وسألتهم كأنها تطمئن على سير حياتهم وفي واقع الأمر جاءت لهجتها ساخرة نقلت لهم فكرتها الحقيقية عنهم:"هل ستلتحقون بالثانوية؟"
بُهت الأربعة بينما تابعت منة طريقها مبتسمة ودخلت العقار الذي يضم عيادة الطبيب أمام أعينهم غير عابئة بتأويلاتهم لحالتها..لكنها عادت للخروج منه بعد دقائق وقد ترك الموقف أثره السئ عليها خاصة مع إحباطها الشديد من تأخر والدها وغياب الأستاذة سميرة..
اتخذت طريق العودة بلا تفكير فهي ترى حياتها جيدة ولا تستدعي استشارة طبيب بشأنها خاصة أنه لم يخبرها بعد بعلتها التي ستتلقى العلاج لأجلها!!
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
كعادتهما جلسا على الأرجوحة متجاورين حيث الهدوء التام على سطح المنزل مما يمكنهما من مناقشة سُبل تطوير حياتهما كما يحلو لهما وقد بسط الوقت ساحته أمامهما فلا خلوة يخشيانها ولا أحدًا يمكنه الاعتراض على جلوسهما معًا..
تحرك هيثم في جلسته حتى صار لصيقًا لأفنان بالضبط وقال بسعادة خلقها إحساسه أنه سيتخلص من خوفه المرضي إن رافقها في هذه الرحلة الإيمانية:
"سنبدأ إرساء قواعد جديدة لحياتنا"
أومأت أفنان وفتحت ملفًا على حاسبها المحمول الذي تضعه على فخذيها قائلة:
"جمعت بعض الأحاديث وما إن ننهي تدراسها حتى يمكننا البحث عن غيرها أو قراءة آيات من القرآن والنظر في تفسيرها"
تسللت يد هيثم بخبث أسفل حاسبها بينما يقول مصطنعًا القلق:
"يا إلهي! الجهاز سيشع حرارة بعد دقائق وقد تؤذيكِ"
صرت أفنان على أسنانها ودون أن تبعد يديها عما تفعله قالت:
"سأعد حتى خمسة إن لم تسحب يدك سألغي الفكرة تمامًا"

أطاع هيثم الأمر حانقًا بينما تابعت أفنان:"هيا كن جديًا واقرأ لنا هذا الحديث"
"سأنال منك بعد انتهاء الدرس" توعدها بهمس قبل أن يشرع بالقراءة:
[عن أبي هريرة قال..قال رسول الله ﷺ:"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان" رواه مسلم]
"أريد أن أصل لهذه المرحلة من التسليم بقضاء الله"
ربتت أفنان على كتفه قائلة:"ستصل.. بإذن الله ستفعل يا هيثم..دعنا أولًا نقرأ أكثر عن شرح الحديث ونتدارسه..أم تريدنا أن نبحث عن مقطع صوتي نسمعه؟"
"أفضل المقطع الصوتي"
أومأت أفنان وبحثت عن تفسيره في محرك البحث حتى عثرا على مقطع فيديو للشيخ الشعراوي يشرح الحديث فأنصتا إليه شاخصين بأبصارهما ثابتين كأن على رؤوسهما الطير..ومكانة الشيخ تجعلهما خارج الدنيا تمامًا وقد نسيا أي شئ عدا الحديث الذي يبسطه شرحه ويغرسه في الأذهان..
فبدأ بمعنى القوة وشرح أنها الطاقة اللازمة لفعل أي شئ والمقصود هنا قوة الإيمان ..وعلى المرء أن يرجوالله قائلًا:
اللهم اجعل قوتي فيما أحببت واجعل ضعفي فيما كرهت..
ثم انتقل إلى معنى احرص على ما ينفعك فذكر أن الله خلق الجوارح منفعلة  لمراد الإنسان سواء كان خيرًا أو شرًا..فمراد الخير يكلفه منهج الله ويعطيه لذة آجلة
أما اللذة العاجلة التي يهديها له مراد الشر فمهما بلغ فيها سينغصه شيئين :أنها لن تدوم كما أنه فانٍ سيؤخذ منها بالموت..
لذا عليه العمل لخير من ذلك فيحرص على ما ينفعه في أمور الآخرة التي ستدوم معه ويدوم وجوده معها إذ لا موت حينها..
أما عن الرضا بقضاء الله فقد دمعت عيناهما حين استحضرا المعنى الذي جسدته كلمات الشيخ البسيطة القليلة عظيمة المعنى والأثر..
فقد قال أن الإنسان حين يحاسب نفسه لا يفزعه الحدث حتى يعرف من أوقعه به ..فماذا لو كان الله من قضاه..إذًا ما قدره هو الصحيح..

وأخيرًا دعا قائلًا:اللهم إني أسألك ألا تجعل المصائب إلا عونًا لنا على اليقين بحركتنا واليقين بحكمة خالقها..

"أفنان! شكرًا لأنك موجودة في حياتي"
قالها هيثم معانقًا إياها ثم نهض قائلًا أنه سينفرد بنفسه لبعض الوقت وسيقوم الليل داعيًا بدعاء الشيخ..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
شهقت نيروز ما إن فتحت الباب ليطالعها وجه ابنتها وحاولت إغلاقه من جديد لكن نفيسة حالت دون ذلك وحملت نظراتها القوة الكافية لإجبار والدتها على الاستماع لها..
"بسرعة ودون ان ترفعي صوتك أخبريني ماذا تريدين قبل أن يشعر خالك بوجودك"
وهي من تأملت أنها كانت لحظة عابرة حين رفضتها والدتها وما إن تعود إليها حتى تلقاها بالأحضان!
لذا نحت أي شعور آخر قد يضعفها ووجهت سؤالها مباشرة بعد أن قالت باشمئزاز:
"لا تنسبيه إلي..إنه شقيقك وفقط ولن يستطيع زحزحتي من هنا قبل ان أحصل على جواب سؤالي"
أومأت نيروز تحثها على الإسراع بينما تتلفت حولها خشية أن يخرج شقيقها فينكل بابنتها..
"هاك..رأيت خبرًا عن هذا المصنع سابقًا فسارعتِ لسحب الجريدة من يدي يومها والآن اكتشفت أن شخصًا يحمل اسم والدي استولى على المصنع.. تابعتِ هذه الضجة لأجله أليس كذلك؟ إنه هو من هربتِ منه..أليس كذلك؟"
قالتها نفيسة بينما تشهر صورة المقال الذي التقطته بعدسة هاتفها لتواجه به والدتها..
"ششش..لا ترفعي صوتك..أرجوك ارحلي وتأكدي أن راحتك فيما تعرفينه فقط فلا تبحثي أكثر وتتساءلي..."
طالعتها نفيسة بنظرة جامدة لا تحمل أي عاطفة كأنها تسأل شخصًا غريبًا أن يصف لها عنوان مكان تجد نفسها مضطرة لزيارته..
فلاهي متحمسة لإجابته ولا لإتمام مشوارها لكنها مصرة على تلقي الإجابة..
"أجيبي سؤالي"

أغمضت نيروز عينيها حين تقدم شقيقها من خلفها متجشئًا بعد أن ملأ معدته فحان وقت تعذيب من حوله ببلادته وتصرفاته الفظة..
"من يصرخ في منزلي؟"
وما إن رأى نفيسة حتى بصق جهتها قائلًا:
"ماذا تفعلين في بيتي أيتها الدميمة؟هيا عودي للشارع حيث ألقتك والدتك"
تقدم منها فلم تُظهر نفيسة أي نية للهرب أو إنقاذ نفسها من مخالبه فقد رأته دائمًا غرابًا ناعقًا منذرًا بالخراب...بل نظرت لوالدتها تتأكد من رد فعلها!
بشعور طفلة حُرمت بغتة من الحنان المغدق الذي أشبعتها به والدتها فتفتش عن لفتة عابرة تطمئن قلبها المطعون..فكيف لأم أن تفقد نزعتها الأمومية الفطرية فجأة فتذر ابنتها وحيدة بلا خريطة تهتدي بها؟!!
رأتها تقطب جبينها وقد تكاثفت سحب القلق في عينيها فحركت يدها كأنها تبتغي منع الأذى عنها وما لبثت أن أعادت ضمها إليها تضعها على فمها بارتباك جاهلةً بكيفية التصرف في موقف كهذا!
غلت دماء نفيسة في عروقها حتى أنها لم تشعر بارتفاعها عن الأرض بفعل يد خالها الغاشمة بل تخيلت نفسها في ذات موقف والدتها..لابد أن تنتفض وإن قدمت روحها فلتكن فداءً ولا تُمس ابنتها بسوء...
إلا أن والدتها تقهقرت بانهزام فثبتت نفيسة عينيها في لقاء طويل مع عيني الأم المتخاذلة..رافضة تحريرها قبل أن تنطق بالجواب:
"إنه هو أليس كذلك؟"
تابعت بلهفة تحثها على إجابتها:"أجيبيني..افعلي هذا وسأنسى خذلانك ولن أذكرك إلا بالخير"
وكان قولها بمثابة العلاج الذي انتظرته نيروز لتتحرر من عذاب ضميرها فأومأت قائلة:"نعم إنه هو"
ألقاها خالها من يده في ذات اللحظة بعد أن سئم من حوارهما المشفر فسقطت على مؤخرتها متأوهة بينما تسمع صرخة والدتها من خلف الباب المصفوع في وجهها ألا تذهب إليه..
ثم الصمت التام..
طالعت الباب لدقائق ثم انصرفت..
تمنت أن تخرج والدتها وتؤكد لها وصيتها بألا تذهب..وقتها كانت ستنفذها راضية
لكنه قدرها وما أعدتها له..عليها بالبحث والتقصي حتى تتأكد أن والدها لن يلفظها ما إن يعرف بوجودها قبل أن تلقي بنفسها في احضانه مطمئنة..
تتخيل دفء أحضانه فتغريها الفكرة أن تقصد شركته فورًا لكن أفعاله الجائرة تدفعها للتفكير ألف مرة قبل الغرق في أحلام واهية..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
"الدليل مؤكد وحتمًا سيحصد مازن براءته في جلسة الأسبوع القادم.."
"الحمدلله..لا أحب الظلم أبدًا"
لم يكن زيد ينتظر هذه الإجابة منها فقد نقل الخبر إليها لتشاركه حماسة تجهيزات حفل خطبتهما والاحتفال بعودة مازن..لكنها كانت في وادٍ آخر منشغلة بمصير نفيسة التي غادرت بلا نية في العودة ولا تعرف أين ستبيت ليلتها..
"زيد.."
انتفض قلبه ملبيًا نداءها المستغيث وإن طلبت الكون كله فهو مستعد لوضعه تحت قدميها الآن..
هل تكون مبالغة لو سجل تاريخ اليوم ليحتفل به فيما بعد كذكرى طلبها الأول؟!!
تكاثفت مشاعره واكتنفته فغرق في بحور السعادة لينسى إجابتها..
مما جعلها تتراجع عن طلبها لتسأله أولًا:"هل أنت متفرغ؟"
"وإن لم أكن تؤجل جميع الأعمال حتى ألبي جميع طلباتك..أخبريني أيتها الحلوى القشدية ما الذي يسلبك راحة بالك ويجعلك غير حاضرة معي بكل حواسك؟"
"أحتاج مشورتك..لي صديقة...."
تضاءلت ابتسامة زيد وقد ظنها ستطلب لقاءه فاستوقفها قائلًا بمكر متسلٍ وكأنه يرسم المشهد في مخيلته فيستمتع بمجرد التخيل:
"للمشورة قواعد..يجب أن أراكِ.. تلتقي العينان.. تصغي الآذان ..تحكي الشفاه.. فأعطيك رأي على بينة"
"لنُرجِئ هذه المشورة أظنها من نوع مختلف عن الذي أطلبه"
عقبت هالة ضاحكة رغمًا عنها فلم تستطع مقاومة الضحك مع جملته العابثة ثم استطردت بجدية:
"صديقتي ترفض مساعدتي وأنا قلقة عليها..ماذا بوسعي أن أفعل؟"
"أظنك تستطيعين التكهن إن كانت قادرة على مواجهة مشاكلها وحدها أم لا.. هناك فئة لا تعرف مشاركة مشكلاتها واقتسام همومها مع من حولها لكنهم يبرعون بتجاوزها حتى إن كلفتهم الكثير"
تذكرت هالة نقاشًا كهذا أدارته مع شقيقتها فكانت من أنصار هذه الفئة لكنها الآن وهي ترى نفيسة تنأى عنها فتتركها حائرة أين ستبيت وكأنها هي من فقدت بيتها..فهمت تمامًا ما عنته نوران بقولها أن الإنسان لو أدرك قيمة من حوله وكم هو بحاجة لوجودهم في أوقات ضعفه لما كتم مشكلاته..
وبقى فقط تساؤل وحيد هل ستبرع نفيسة في تجاوز مشكلتها بمفردها؟!!
تنحنحت حين طال الصمت فوصلتها ضحكات زيد الخافتة على الجانب الآخر قائلًا:
"أعرف كم تهمك نفسك فتسعين لمناقشتها قبل متابعة الحوار مع غيرها"
شاركته هالة الضحك ثم سألت:"والآن أخبرني بصراحة ما مصير الشركة هذا الموسم؟ اعذرني فيما أقول لكنك انحرفت عن المسار الطبيعي للعمل ولا أرى هذه السياسة مبشرة بالخير!"
"هذه إحدى الأساليب التي تعلمتها في حياتي أيضًا.. لا تقاومي التيار واسمحي له بدفعك للبحر طالما تجيدين السباحة"
قطبت هالة وأدارت عينيها محاولة تحليل جملته ثم قالت:
"سأنتظر..ما إن تحقق هدفك بطريقتك التي لا أفهم تقنيتها يمكنك شرحها لي بتوسع أكثر أليس كذلك؟"
ضحك زيد قائلًا:"بالضبط..وهكذا تقل غيرتي بعد أن تعادلنا وصار لكلٍ منا أسراره"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
بعد أن حظى سالم وزيد بنقاش طويل وأدركا أن كلاهما فكر في استخدام ذات الطريقة لاستعادة حقهم المهدور وإن اختلفا في تصورهما لمستقبل الشركة فقد اتخذا قررًا مشتركًا بتعجيل مواجهة خليفة..
وهاهو سالم يدلف مكتب خليفة وفكرة واحدة تحتكم رأسه (لقد حانت ساعة المواجهة وسوف تتم بالطريقة التي سُلب بها المصنع وتداول بين مدعي ملكيته)
مرت نظرة ارتباك سريعة في عيني خليفة فسارع لإبعادهما مشتتًا نظراته في المحيط حوله ثم ناظر شريكه مرة أخرى وقد عادت له نظرته الواثقة قائلًا:
"خيرًا؟"
التوت شفتا سالم بابتسامة ساخرة واتخذ مقعده أمام سالم ثم قال:
"لو أخبرتك أن ابنتك على قيد الحياة..هل تتنازل عن المصنع لـــــ...."
انتفض خليفة فورًا وقاطعه صائحًا:"هل أنت مدرك أنك تستغل سري الآن بأبشع الطرق؟"
جابهه سالم بهدوء:"إنها الحقيقة لقد سألت عنها وعن والدتها قبلًا.. طليقتك تعيش في منطقة....أليس كذلك؟"

جمد خليفة للحظة فحديث سالم صائب تمامًا..وعاد لنبرته الهجومية سائلًا:
وما الذي جعلك تتقصى عنهما الآن تحديدًا؟تعارفنا منذ الحادثة وتشاركنا العمل فلم تبحث خلفي الآن تحديدًا؟"
"لم أكن أنتظر من شريكي وضع خطة للتوسع في العمل دون أن يطلعني عليها وللصدفة السعيدة فهذا التوسع تابع لأملاك شقيقي"
لم يكن خليفة متقصدًا إيذاء سالم أو شقيقه حين عمد لخداع عبد الرحيم واستولى على المصنع لكنه في هذه اللحظة وقد وُجهت إليه أصابع الاتهام فلن يبرر خطأه أو يظهر حسن نيته بل عليه الهجوم بقوة حتى يضعف شكيمة الطرف الآخر..
"حديثك عن ابنتي تخريف غير قابل للنقاش وكذا أملاكي..أما شراكتنا فقد انتهت"
نهض سالم محاولًا تحجيم غضبه الساحق في هذه اللحظة متبعًا خطة زيد التي لم يفهم مغزاها لكنه رآها الأفضل الآن لمواجهة غرور شريكه..
فقال ببساطة:"كما تشاء..وأظنك مدرك لعواقب مكابرتك فلا تصطنع الندم حين تفلس الشركة "
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
وقع عرفه عقد البيع بعنف ومرر القلم لعبد الرحيم يحدجه بنظرات صاعقة كبرق يخطف الأنظار فيكاد يعميها..
كان قد عدل عن قراره بالبيع تحت وطأة رسالة ليلى التي لم تدع له راحة بال حتى حقق مرادها وقد ذكرته بماضيه الأسود بجملة واحدة (الماضي صنيعة يديك)
وافق على الترضية وكأنه يبيع الشقة حديثًا لعبد الرحيم الذي كان عرضه بمثابة اعتراف متوارٍ لما فعله واستيلائه على مِلك ليلى والأدهى أن الحادثة وقعت بينما هو على قيد الحياة!
كما صفعه هاشم بها سابقًا.. أفعاله الحاقده وانصرافه عن شئون ليلى حتى بعد معرفته بوفاة زوجها ينفي وجود مشاعر حب حقيقية لها داخله...
وما إن تراءت أمامه زوجة عبد الرحيم تقدم لهم أكواب الشاي حتى اختمرت الفكرة في رأسه.. وسدد قوسه سهم انتقامه القادم بنجاح فانغمس في هدفه.. وجدان!
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
لم يكن وحيد مدركًا تمامًا أبعاد مرض منة لذا حين اخبرته أنها لن تتابع جلسات الطبيب النفسي لم يظهر أي بادرة للاعتراض متقبلًا قرارها فقد وافق اقتناعه الداخلي أن ما قاله الطبيب محض تهويل وخلق مشكلة من العدم..

انصرف لأعماله سارحًا في ملكوته الذي لا يشمل غيره فطالما وفر لابنته المأكل والمشرب واستوفى احتياجاتها الأساسية إذًا لا داعٍ لوجوده حولها..
ذلك المساء حين عاد لمنزله وقد اشترى بعض الحلوى دون مناسبة..فقط أراد أن يحظى بجلسة دافئة مع ابنته فربما كان الطبيب محقًا رغم كل شئ..
لم يكن يعرف أي نوع تفضله وإن كانت ستقبل مشاركته تناولها أم لا لكنها كانت محاولة لإعادة نزعته الأبوية إلى سباتها مرة أخرى بعد أن أيقظها الطبيب بتحذيراته المهولة..
"منة..هل أنتِ مستيقظة؟"
طرق بابها متسائلًا وما لبث أن فتحه ليستطلع ما تفعله فوجدها على فراشها تحاول مغادرته بصعوبة..وتهيأ له أنها فقدت بعضًا من وزنها..
لكنه لم يعقب بل اكتفى بعرض فكرته بمرح -قدر ما استطاع-:
"ما رأيك بباقة سعرات حرارية متأخرة؟ انظري! شكلها مغرٍ فما بالك بمذاقها الشهي!"
خالفت منة توقعه ووافقت مباشرة كما أظهرت شهية غريبة في تذوق الحلوى حتى أنهما أنهيا الكمية كلها.. لا يستطيع الجزم أن تصرفاتها هي الغريبة فربما فترات انقطاعه عنها جعلتها تبدو له كشخص غريب يتعرف إليه وإلى عاداته للمرة الأولى...
أفاق من شروده مع قولها:"سأعود لغرفتي..شكرًا يا أبي على الحلوى"
أومأ مبتسمًا دون حديث وراقب انصرافها الهادئ باستغراب..في السابق كانت منة تستغل لحظات كهذه لتخبره عن نفسها وما تفعله ورغم عدم إنصاته التام لها لكنها كانت تكرر الأمر مرة بعد أخرى دون كلل..
أما منة فقد طالعت صورتها في المرآة وتهيأت ان بطنها قد برزت فجأة...
كانت قد أجبرت نفسها على تناول قدر يسير من الطعام وفي بعض الأيام منعته تمامًا لكنها اليوم خصيصًا شعرت بشهية تحثها على التهام كل وجبات الأيام السالفة المخزنة في الثلاجة ..لذا تناولت بعضهم إلا أنها لم تشعر بالرضا التام إلا بعد تناول الحلوى بهذا الانفتاح مع والدها...
نظرت للمرآة مرة أخرى ثم أسرعت لحمام غرفتها تجبر نفسها على التقيؤ واستفراغ كل ما تناولته..
طرق وحيد بابها بعد أن أثارت الأصوات الغريبة الصادرة من غرفتها قلقه.. وللمرة الأولى وقف يشاهد ابنته بهذه الحالة المفزعة!

فاستحضر كلمات الطبيب التي استهجنها ما إن سمعها وإذ بها تطابق الواقع الذي يراه أمامه...
(قد تمر بنوبات شره تنتهي باستفراغ مؤلم لكن الالتزام بالدواء سيقلل النوبات ويباعد فترات حدوثها حتى تنقطع تمامًا)
وكالعادة وجد نفسه يتراجع غير قادر على تقبل الموقف أمامه وسارع للاتصال بسميرة طالبًا النجدة..
لم تتأخر الأخيرة خاصة أن ضميرها يؤنبها مذ رفضت مرافقة منة لعيادة الطبيب.. فعدت نفسها سببًا رئيسيًا في انقطاع الصغيرة عن الجلسات وتردي حالتها بهذه الطريقة...
وصلت خلال دقائق..وساعدت منة في الاستلقاء على فراشها حيث استقر رأسها على حجرها حريصة على تقديم الدعم الذي بخلت به المرة السابقة..
راقب وحيد انخراط ابنته في البكاء بينما تصرح بيأس فطر قلبه:
"أكره نفسي..أكره كل ما يتعلق بالطعام والجهاز الهضمي! أريد أن أموت!"
ضمت سميرة رأسها بحنو وأغدقتها بكلمات التحبب اللطيفة المهونة حتى غرقت في النوم وآثار الدموع لاتزال على خديها فمسحتها برقة وقبلتها ثم أسندت رأسها للفراش ونهضت...
خرجت لتجد وحيد واقفًا امام الباب غير محكم الغلق..فأثارت سلبيته غضبها لتصيح به:
"ماذا حدث؟ ما الذي أوصلها لهذه الحالة؟ إن تخلفت يومًا عن حضور الجلسة معها ألا تجيد أنت احتواء ابنتك؟!! كيف توافقها على قرارها الطائش بقطع الجلسات؟!!"
لم يجب وحيد أيٍ من تساؤلاتها بل باغتها قائلًا:
"ما رأيك أن نتزوج؟ أنا لا أعرف كيف أهتم بمنة وأخشى فقدانها كما فقدت والدتها"
أدركت سميرة أنهما يقفان على قمة جبل اليأس تعلوهما سماء ملبدة بالغيوم ولا يستطيعان التكهن بنتاج محاولة النزول أو ما قد يلقاهما عند السفح..
لذا لم تجد ما يمنع موافقتها فلتجرب النزول معه..على الأقل وجود منة سيكون حافزها للمتابعة لكنها لم تغفل وضع شرطها الذي يضمن لها ألا تتكرر مأساة الماضي مرة أخرى فأجابته:
"موافقة بشرط ألا تلومني على أي تصرف أفعله ولا تبادر لاتهامي قبل أن تتحقق أنني من يقع عليها الخطأ"

لم يدرك وحيد السبب الكامن خلف شروطها لكنه أجابها:
"لأي شئ قد ألومك؟ أنا أريدك أن تهتمي بمنة وفقط...."
قاطعته سميرة قبل أن يتابع جملته المغيظة:"بل ستكون مهمتي أن أعلمك الاهتمام بها..هل تظن ابنتك ستستعيض عن وجودك بأي شخص آخر أيًا كانت هويته؟!!
"حسنًا..سنرى أمر منة بعد الزواج.."
فتح فمه وأغلقه وكرر المحاولة دون أن يجد طريقة مناسبة ليطرح سؤاله فساعدته سميرة مجيبة على تساؤله الغير مطروح:
"عمتي تسكن قريبًا يمكن لزوجها أن يكون ولي"
هز وحيد رأسه بلا معنى ..وشعر بالرهبة بعد أن حكم على نفسه بالسجن في قفص المسئولية مرة أخرى..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
تقدمت نفيسة بروية بعد أن أرشدها أحدهم لمكتب رزان متلفتة حولها تستكشف العالم الجديد الذي وجدت نفسها داخله فجأة..
هؤلاء هم ناشرو الفضائح إذًا..مدعو الفضيلة والرغبة في إصلاح المجتمع!
بدت غريبة عنهم بهيئتها المصنفة خارج نطاق الأناقة تمامًا لذا استوقفها أكثر من شخص يسألها إن كانت تحتاج المساعدة فأخبرتهم جميعًا أنها على موعد مع الصحفية رزان..فبعد أن استخدمت بعض مدخراتها في أحد مقاهي الإنترنت  تمكنت من التواصل مع الأخيرة التي سمحت لها بزيارتها في مقر عملها مرحبة بمساعدتها أيًا كانت مشكلتها..
تجاوزت جميع العقبات لتصل لمكتبها أخيرًا وجلست أمامها قائلة:
"إنه بشأن إحدى مقالاتك"
أهملت رزان الورقة التي جهزتها لتسجل مشكلة نفيسة وتنبهت إليها فاستطردت الأخيرة:
"أُدعى نفيسة مصطفى السُكري..عرفت حديثًا أنني ابنة السيد مصطفى السكري المشهور باسم خليفة والذي ذكرت في مقالك أنه...."
قاطعتها رزان سائلة بقلق:
"كيف عرفت حديثًا؟من والدتك؟ أين هي؟"
"هكذا كبرت ظانة انني يتيمة الأب ثم اكتشفت أن أبي لايزال على قيد الحياة"
وتابعت ملتمسة برجاء:
"أرجوك اصدقيني القول..هل استولى أبي على هذا المصنع حقًا؟ لن أذهب إليه قبل أن أتيقن من براءته"
"انظري أنا أكيدة أن ملكية المصنع نُسبت إلى السيد عبد الرحيم عن طريق الخداع إلا أنني لم أعرف بعد كيف آلت إلى والدك فجأة..ولا أظن الأمور جرت بطريقة سليمة خاصة أن السيد عبد الرحيم متمسك جدًا بملكه وإلا لما خدع صديقيه منذ البداية! ألا تظنين؟"
نكست نفيسة رأسها ببؤس.. لقد تأملت رغم حذرها..كانت تتمنى أن ينتهي اليوم بتذكرة إقامة أبدية في بيت والدها لكن هيهات لن تعرف أبدًا الحقيقة خلف تهمة استيلائه على المصنع وقطعًا لن تغامر بزيارته فتتعرض لخيبة أمل جديدة..
فرغم تخليها عنها.. لم يسبق أن خدعتها والدتها لذا لا تستبعد أن تكون محقة فيما قالته بحق والداها..
"أخبريني أكثر عنك وعن والدتك!"
وهكذا انخرطت نفيسة في السرد فقد وجدت منفذًا مؤقتًا للتهرب من التفكير بشأن مستقبل معيشتها المشردة...
"اكتبي اسم والدتك كاملًا إذا سمحت.."
حثتها رزان بلهفة ثم التقطت الورقة ما إن فرغت نفيسة من الكتابة ودققت في الاسم مرة بعد أخرى ثم سألتها:
"بيت عائلتها في منطقة...أليس كذلك؟"
أومأت نفيسة دون أن تفهم السبب وراء هذا الاستجواب ..ثم تلقت صدمة حياتها حين مدت رزان يدها للمصافحة قائلة:
"والآن لنتعارف من جديد رزان البلكي ابنة خالتك"
"لم أفهم!"
"عشنا ذات التفاصيل لكن الفارق بيننا أن والدي توفي ونحن في الغربة وفضلت أمي البقاء معي على العودة لعائلتها التي نبذتها منذ البداية فعشنا معًا حتى وفاتها وها أنا ذا أقيم وحدي في شقة والدي..الشئ الوحيد الذي ظفرت به من تركته"
عقبت نفيسة ولا يزال الاستغراب يلون ملامحها:
"لم أكن أعرف أن أمي تملك شقيقة! في الحقيقة هي لم تخبرني أي شئ عن الماضي..بالكاد أخبرتني أن السيد خليفة هو أبي حين واجهتها بصورته في مقالك"
تطلعتا لبعضهما لبرهة وكأن كل منهما  تدرس ملامح الأخرى ..من المفترض أن تتبادلا الأحضان الآن أو تتشاركا شيئًا من الألفة لكن الأمر بمجمله غريب!
"يمكنك الإقامة معي..على الأقل تُتاح لنا فرصة للتعارف حتى نرى أمر والدك"

أومأت نفيسة بتردد وازدردت لعابها راجية فقط ألا تخونها قوتها بينما تتوالى عليها الصدمات تباعًا..
ولم تعرف كلاهما أن حديثهما رصدته الأسماع وبقدر الوحدة التي خلفتها عائلتيهما في حياتهما سيكون الخطر!
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
عاد عرفه للبلدة وقصد شقيقه مباشرة حيث يعمل في أرض ابن عمهما..
فترك هاشم ما بيده ما إن أبصره مستبشرًا من قدومه طوعًا دون أن يكرر محاولاته لتغيير قراره..وتقدم منه حتى عانقه متشبثًا به غير مكترث بيده المتسخة من أثر العمل والتي طبعت أثرها على ملابس شقيقه..
ضحك الأخير مبادلًا هاشم العناق قائلًا:
"ما كان علي أن آتي بالملابس التي اشتريتها من المدينة.."
"ها أنت عدت لبلدتك وأهلك فانزع هذا اللباس أيضًا"
أجابه هاشم بجدية دون أن يتفاعل مع مزاحه..إذ يكتنفه الخوف أن يغير شقيقه قراره في أي لحظة فيعود للحياة بعيدًا عنه..وكل خططه في هذه اللحظة تدور عن كيفية ربطه بالبلدة فلا يغادرها مرة أخرى ولا يعود لذات صراعاته الغير مجدية..
"حاضر سأنزعه..ولكن ما رأيك بسهرة من أيام جدك في بيت العائلة؟ أشعر بحنين جارف لهذه الأيام وأريد استحضار روح جميع من رحلوا..ألا تظن أننا إن رتبنا الجلسة كما كان يفعل جدي سنتخيل وجودهم حولنا؟"
أومأ هاشم قائلًا:"بلى..."
استغرب عرفه فتوره وما لبث ان استقرأ ما يستصعب شقيقه نقله إليه..فأمره:
"أخبرني بكل شئ ..."
"كان قرارًا مشتركًا اتخذته مع فاروق وتم بيع بيت العائلة...."
قاطعه عرفه كأنه لم يسمع شيئًا:"دون مراوغة يا هاشم صارحني من قرر البيع؟ ولصالح من تم ؟!!"
وللأسف لم يجد هاشم بدًا من إخباره بالقصة الحقيقية مدركًا أنه لو تركه على جهله فسيدور في شوراع البلدة كلها حتى يعرفها ولا يضمن إلى أي حد قد يتهور في انتقامه! لكنه هنا الآن بين يديه سيخبره الحقيقة ثم يمتص نقمته فلا يتركه إلا وقد عدل عن قراره بالانتقام..

ما إن أنهى قصته حتى صرخ به عرفه:
"وما شأنه؟ ما شأن عبد الرحيم هذا ليجعل فاروق يبيع أملاكه ويتعامل معنا بهذه الصورة المشينة! وأنت لازلت تعمل لدى فاروق رغم أنه صار قادرًا على العمل"
حاوط هاشم وجه شقيقه بكفيه ناظرًا لعينيه بينما يقول:
"عرفه أطعني ولو لمرة واحدة!غبت عن عملك لمدة طويلة حتى فقدته.. درت حول مازن وكشفت جميع أسراره للعلن فخرجت الخاسر الوحيد..وحين التفت للوصية لتبحث عن حقك الشرعي وجدته سُلب منك حين كنت في دوامتك.. هلا جربت الالتفات لحياتك وترك الماضي؟!! انظر لما فقدته في سبيل انتقام أعمى مهما أحطته بالنور فلن يبصر الرضا!"
أبعد عرفه يديه قائلًا بثورة ستجر وراءها الخراب وقد أعرض عنه عازمًا على العودة للمدينة وأخذ ثأره في التو واللحظة:
"نسيت أنني فقدت حقي في بيت العائلة أيضًا..وعبد الرحيم هذا بعد أن سُلب منه المصنع جاء ليسلبني كل حقوقي!
لكن لا وربي ستطوله النار الموقدة في صدري وإن كان آخر عمل لي في حياتي..هو من جنى على نفسه و دخل بين العصا ولحائها!"
"لا فائدة ترجى منك!"
هتف هاشم لظهره الذي يهم بالابتعاد وقد ضاق ذرعًا بأفكار شقيقه الانتقامية ثم ألان لهجته قائلًا باستعطاف:
"وإن كان تركه لحال سبيله أمنية رجل يحتضر ألا تحققها؟"
استدار عرفه ببطئ مكذبًا حدسه.. ثم تقدم من شقيقه بأفكار متصارعة حول هوية من يحتضر! نعم ربما هو فا....لا ! لن يتمنى لابن عمه الشر مرة أخرى..
أي شخص!  يمكن لأي شخص أن يموت إلا هاشم!
لكن نظرات الرضا المشوبة بالقلق في عيني شقيقه أكدت له النبأ الأليم قبل أن ينطق به هاشم:
"ورم في الدماغ..ورثته عن أمي يا عرفه"
تمسك عرفه بعضديه لئلا يقع من هول الصدمة..إنها إحدى لحظات حياته الفارقة التي أضفت إلى سوادها عتمة كالحة!
"كنت دائمًا أحزن حين أتذكر أننا وُلدنا لأمين مختلفتين لكنني الآن فقط سعيد لهذه الحقيقة وأعدها إحدى نعم ربي التي سأشكره عليها حتى مماتي"
"وأنا أعدها نقمة جديدة تضاف إلى شقائي الأبدي"

صرخ عرفه بعذاب قبل أن يفلت شقيقه ويخر جاثيًا تحت قدميه..
"لو أنني أنا المهدد بالموت لمتُ مطمئنًا يا هاشم..نفسك السوية الراضية بقدرها ستتقبل المصيبة وتسلوها..لكنني أنا عرفه المحكوم بأمر نفسه الآمارة بالسوء الساخط على حياته..كيف سأعيش من بعدك؟!"
انحنى هاشم حتى قرفص أمامه وأجابه مبتسمًا:
"لذا أريدك أن تنسى الانتقام وتتفرغ للدعاء لي منذ هذه اللحظة..ادعُ ألا نفترق أبدًا يا عرفه وأن يديم الله علي نعمة الصحة والعافية والرضا"
"لا بل سأدعو أن أموت قبلك..الحياة التي لا تشملك معي موت بالنسبة إلي"
قالها عرفه وانخرط في البكاء فجره هاشم إليه من مؤخرة عنقه يضمه بخشونة دون أن ينطق بكلمة وقد عدمت الحروف قيمتها أمام موقف كهذا..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
كان يومًا استثنائيًا بشتى تفاصيله فبعد أن منع مازن حضور أي من أفراد أسرته جلسة إعلان براءته ..قصد بيت خاله قبل منزل والده حيث استحم ..شذب ذقنه..ورتب هندامه منتظرًا عودة خاله..
إذ طلب منه أن يحضر له سيارته من مرآب بيت العائلة...
ونفذ الأخير مهمته وهو حانق أشد الحنق بينما يصرخ في خالد المنتظر عودة ابنه
"أولادك سبب معاناتي..بل أنت! ألم تكن أنت من ربيتهم وحرصت على أن يكون كل منهم سيد نفسه المستقل بحياته"
"كنت تمتدح تربيتهم سابقًا"عقب خالد ضاحكًا..
فصاح علي بينما يدير السيارة:"تنحْ عن طريقي يا خالد قبل أن أدهسك"
أغرق خالد في الضحك ورفع صوته قائلًا:
"لا تتأخر الوليمة بانتظارك..ولن يدفع أحد موكليك أتعابًا أكثر لذة من هذا"
على الطرف الآخر..
قرأت نوران رسالته المقتضبة: (جهزي أوراقك الثبوتية بأسرع ما تستطيعين)
فتدفق الشوق ساخنًا حارًا بأوردتها ولم تستطع أن تلزم مكانها فمضت تقطع الغرفة جيئةً وذهابًا حتى ومض هاتفها باتصاله...
لم يتحدث أحدهما في البداية وتسارع الأنفاس يكشف حرارة ما يريدان قوله
قبل أن تقول نوران:"حمدًا لله عــلـ...."
يا إلهي! هذه ليست الجملة المناسبة الآن! قطعت جملتها ولم تجد بديلًا يلائم الموقف فصمتت لتصلها ضحكات مازن على الطرف الآخر مع قوله:
"انزلي إلي..أنا أنتظرك"

أزاحت الستار عن نافذتها فأبصرت سيارته مستقرة أسفل العقار ولم تفهم متى وكيف أحضرها؟
تعثرت الأسئلة على لسانها فخرجت من الغرفة ولايزال الهاتف على أذنها لتجد والدها يشير إليها أن تذهب قائلًا:
"نحن سنلحق بك"
كل شئ حولها مبهم لكنها لم تعطِ نفسها فرصة للاستفسار أكثر بل أسرعت بنزول الدرج ترسم لعينيها هيئته حتى تطابقت مع الواقع..
إذ ترجل مازن من سيارته وتقدم منها بهدوء يمنع نفسه بأعجوبة من ضمها لصدره وفي المقابل سحب يدها واشتدت قبضته حولها قبل أن يرفعها لفمه مقبلًا..
كرر ذات الحركة التي راقتها من المرة الأولى فهو لا يلتقط يدها بلطف فيقبل أطرافها بروية بل يحتوي كفها كله ثم يديره إلى فمه فيقبله بقوة اشتياقه وكأنه يتوق لالتهامه..
ولم تستطع منع نفسها من تخيل جسديهما متعانقين كما الكفين..
تصاعدت الحرارة لوجهها وكادت الكلمة تخرج من فمها بعد أن ذابت بفعل لمسته وقبلته لكنه سبقها لقولها..
"اشتقتُ إليكِ بجنون"
رطبت نوران شفتيها بطرف لسانها وكادت تجيبه إلا أنها أبصرت خاله يخرج من السيارة متضجرا فأزاحت مشاعرها جانبًا في الحال واستحالت ملامحها اللينة إلى أخرى جامدة.. خاصة مع تعقيب علي:
"يمكنكما الجلوس معًا قدر ما تشاءان في بيت خالد"
سحبت يدها بحدة وكادت تعود لمنزلها لكن مازن قادها بنفسه للسيارة وأركبها في المقعد الخلفي..وشغل مقعد القائد يدير السيارة من جديد بينما يتطلع لملامحها في المرآة الأمامية مستغربًا تحولها الجذري..
وأخيرًا قرر أنه لابأس فهو لن يعطيها فرصة للتهرب من عقد القران بعدها يمكنه تنفيذ كل ما يجول في مخيلته لإجبارها على مبادلته الاعتراف بحقيقة شعورها نحوه وسبب تقلباتها..
عوجَ علي شفتيه ما إن أبصر زيد وخالد يقفان أمام بوابة المنزل قائلًا:
"ينتظرونك"

فابتسم مازن وترجل من السيارة مشيرًا لنوران أن تنتظر داخلها لبعض الوقت..
اندفع يعانق زيد بينما ينهال الأخير على ظهره باللكمات قائلًا:
"سأنال منك أيها الوغد! كيف تخفي عني كل هذا وتقرر أن تمنعنا عن زيارتك أيضًا؟"
"آسف..سامحني هذه المرة"
اعتذر مازن ضاحكًا ثم وجده نفسه مسحوبًا إلى أحضان والده الذي ضرب براحة كفه على ظهره قائلًا:
"سأترك لزيد حرية تأديبك هذه المرة بعدها سأعود لإحكام سيطرتي عليكما من جديد"
ضحك مازن متاوهًا باعتراض:
" ركزتما ضرباتكما على ظهري وهو أكثر ما يؤلمني! على الأقل دعاني أحظى بحضن ناعم من أفنان كفاصل بينكما"
وانسل من أحضان والده متجهًا لأفنان لكنه تسمر لثوان وتجمدت ضحكته حين رأى هيثم يطوق كتفيها براحة بال بينما يناظره بتبجح..قطب بحيرة ونقل نظراته بين أربعتهم ليقول هيثم بإغاظة:
"عقدنا القران في غيابك"
لكزته أفنان عاتبة وأبعدته عنها مندفعة لأحضان مازن باكية تكرر اعتذارها:
"آسفة..أرجوك لا تأخذ على خاطرك..لازلنا ننتظرك لنقيم الاحتفال"
ربت مازن على رأسها قائلًا:"لا بأس..لا تقلقي يا فنه لم أغضب منك"
واستغل حالتها التي ستجعلها تنفذ له طلبه أيًا كان فتابع هامسًا :
"نوران تنتظر في السيارة هيا رافقيها للأعلى واستعدي لعقد قراننا القريب.. ساترك لك مهمة إقناعها إن حاولت الاعتراض على الموعد"
أومأت أفنان وأجابته:"لا تقلق..سيكون في الموعد الذي تقرره"
وانصرفت لاستقبال نوران بينما تنهد مازن براحة إذ نجا من حرب الاختيار التي كانت لتضعه فيها غيرة أفنان..
وصعد للقاء الأهم..لقاء والدته...
بعد دقائق..
على مائدة الغداء حيث أصر خالد على صديقه أن يتناوله معه حتى يتيح لمازن فرصة الجلوس مع خطيبته.. وربما يحددان موعد الزواج..
وحين اعترض طاهر أن هذا الاتفاق لابد أن يتم في بيت العروس استخدم خالد موهبته في إيجاد الحجج المقنعة فأخبره أنهم قد أعدوا وليمة بالفعل للاحتفال ببراءة مازن ولا توجد بين عائلتيهما هذه الرسميات الخانقة..

ضحك خالد بخبث ما إن التقت عيناه بعيني طاهر الذي يهز رأسه بنفاذ صبر فقد اقتنع بوجهة نظره فأحضر أسرته بناءً على دعوته لكن خالد لم يقتنع أبدًا برأي طاهر أن تطول الخطبة أكثر وأصر أن يعرض الأمر أمام الجميع ويأخذ رأي نوران وهالة بنفسه..
"ثلاثة أيام ستكون أكثر من كافية أليس كذلك يا أم مازن؟"
"أنا ابنكما البكر يا أبي" اعترض زيد على اللقب بطفولية..
بينما صاح طاهر باستنكار:"كافية لأي شئ؟!!!"
"سنعقد القران بعد ثلاثة أيام لذا أسأل زوجتي إن كانت المدة كافية لتجهيزات الحفل"
شرح خالد بهدوء دون أن يعبأ باعتراضاتهم..
ضحكت علياء ولم تجب ..حتى إن لم تكفِ المدة فقد أصدر خالد قراره ولا يمكن لأحد تغييره..
انفرجت أسارير زيد بابتسامة واسعة فحتمًا سيشمله هذا الحفل وتنحنح مازن قائلًا ما جعل ابتسامة شقيقه تتلاشى تمامًا:
"حفل عقد قراننا أنا ونوران سيكون منفردًا..لن يشاركنا به أحد"
"دعنا نأخذ رأي العروس ربما لا يناسبها الموعد"
عقب خالد بعد أن حدجه طاهر بنظراته الزاجرة..
ارتبكت نوران من الصمت التام حولها والعيون المتطلعة إليها منتظرة قرارها بينما
ولم تجد بدًا من الموافقة لأسباب كثيرة يتذيلها اتفاقها مع مازن..فأعلنتها بمواربة:
"لا بأس..ليكن..سأشفق عليه خاصة أنها أمنيته الأولى بعد إعلان براءته"
التمعت عينا مازن ولم يعقب أو يكترث بالتعليقات الساخرة والقهقهات التي ارتفعت من حولهما ..سينتظر اللحظة المناسبة ليباغتها برده الذي لن يراود مخيلتها بتاتًا!
وقطع زيد الصخب باعتراضه:" لن أسمح أن يعقد قرانه قبلي..هالة!"
حركت هالة كتفيها قائلة:"ماذا؟! من الواضح أنهما اتفقا على هذه الترضية قبلًا لكنني لم أفعل ما يغضبك لأسترضيك!"
جز زيد على أسنانه بحنق وتوجه لوالده طالبًا الإغاثة:"أبي!"
فضحك خالد قائلًا:"ما شأني؟ إنه قرار العروس"

بينما مال هيثم في هذه اللحظة تحديدًا مقبلا وجنة أفنان ليغيظ زيد أنه كان الأول..كتمت أفنان ضحكتها بكفها  بينما قال زيد:
"شركتك التي أديرها توشك على الإفلاس وبعد حركتك هذه لن أقاوم بل سأقودها إليه بيدي"
قطب مازن بحيرة متسائلًا:" ماذا حدث في غيابي؟"
شرح سالم:"صحفية كشفت قصة المصنع بالكامل فتعرضت مبيعات السُكري لخسائر فادحة ولا أستبعد أن يعلن الفرع الرئيسي إفلاسه خلال أيام..وقطعًا لن  نعقد الآمال على فرعنا الصغير!"
شدد على جملته الأخيرة ناظرًا لزيد.. الذي خاطبه هيثم باستغراب:
"أنت لا تبدو مستاءً"
"لدي خطة"قالها بينما ينظر لعمه فعقب الأخير باستنكار:
"والخطة تقتضي ألا تعرض منتجات الشركة هذا الموسم بالكامل..إنك توشك أن توقف العمل تمامًا"
لم يبذل زيد أي مجهود ليشرح خطته بل أجاب عمه ببساطة:"سيحدث.. خلال أيام سأوقف نشاطها بشكل كامل..تلك خطوتي الأولى"
"لقد ناقشنا خطة أخرى!"
اعترض سالم مستنكرًا هدوء زيد فناظره الأخير بمعنى أنه يعرف لم تغيرت الخطة..
وهتف بهما خالد:"ليس مرة أخرى..ستخبرانني كل شئ قبل التنفيذ"
لا أحد يعتنق ذات مبدأه أو يعرف تفاصيل خطته..لكنه لم يكترث بنظراتهم المتساءلة حريصًا على سرية خطواته وقال:
"لا تقلقوا..أنا من يدير الشركة وسأتحمل النتائج وحدي أيًا كانت"
تناظر الشقيقان بقلة حيلة فحتى خالد لا يستطيع الاعتراض وكما أخبره علي فطريقة تربيته هي  من جعلت أبناءه يتصرفون على هذه الوتيرة..
أسرت هالة اعتراضها حتى تنفرد به فحدسها يخبرها أن كارثة على وشك الحدوث بسبب تصرفاته بينما عقب علي متضجرًا:
"وإن قادتك النتائج لقسم الشرطة فابحث عن محامٍ آخر غيري"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
بعد ثلاثة أيام..
صف عصام السيارة أمام بيت سالم فالتفتت إليه علياء شاكرة ثم أوشكت أن تترجل لكنها التفتت إليه مرة أخرى قائلة:
"لم تخبرني ما آخر أخبار حضرة المحامي؟ صار يذهب لمكتبه بانتظام أليس كذلك؟"
إذ أهمل علي عمله لفترة بعد شجارهما الأخير ومعرفتها بأمر زواجه.. حتى ظنت أنه لن يتخلص من هذه الحالة أبدًا فكادت تذهب لرزان وتكسر كلمتها لتترجاها أن تعود لشقيقها..
لكن قضية مازن أنقذتها من تهورها وأنقذت علي الذي استفاق لها يحضه خوفه على ابنها أن يتابع العمل دون التفكير بأي شئ آخر..
"نعم..لكن أمرًا عجيبًا استجد هذه الفترة فحين يكون السيد علي في مكتبه أرى امرأة جميلة تحوم حول العقار..لقد ظننتها شبحًا يذكرني بالمهمة التي أوكلتِها إلي"
انخرط في الضحك فمخيلته صورت له الأمر مجرد صدفة مضحكة لكن علياء وجمت ودون أن يفهم عصام سبب تغيرها ترجلت من السيارة وصفعت بابها فدماؤها التي تغلي الآن تجعلها لا تكاد تبصر أمامها..وقد ظنت أن علي غافلها مرة أخرى وعاد للقاء تلك المتبرجة وربما تزوجها أيضًا فلن تكون المرة الأولى!
دلفت شقتها وتسمرت عند بابها حين حثها شيطانها أن تذهب إليه الآن وربما تهدده انه لو عاد إليها فلن يكون شقيقها وستقطع علاقتها به.. لكنها أغمضت عينيها مستغفرة وعادت لمتابعة أعمالها فاليوم عقد قران مازن ولن تدع شيئًا يفسده...
بعد ساعات..
اضطرت علياء للابتعاد عن الضجة حتى تجيب اتصالات عصام اللحوحة...
"إنها تلك المرأة! لا أعرف ما الذي أتى بها ليلًا والسيد علي معكم في الحفل! لقد اختطفوها..اجتمعوا حولها وبلمح البصر أودعوها داخل سيارتهم بالإجبار.."
بُهتت علياء وقد وقعت بين المطرقة والسندان فإما أن تطيع غضبها وتتكتم على الأمر أو تخبر علي ليبدأ البحث!

ولسه ياما هنشوف🙆تتوقعوا مين خطف رزان وايه اللى هيحصلها

#ڤوت
#كومنت

جيران المدينةWhere stories live. Discover now