الفصل الثاني والعشرون
بعد أن عرفت أفنان ملخص ما حدث من هيثم لزمت غرفتها مستاءة وألقت أكياس مشترياتها بلامبالاة في أحد أركان الغرفة ثم قررت أن تجالس شقيقيها اللذين اجتمعا في الصالة بعد أن قصت عليهما علياء ما حدث..ثم طلبت منهما تركها تنفرد بنفسها لتصلي وتنام..
"تعرف أنني لا أجيد إلا العنف وأظنه لن يكون مناسبًا الآن مع شقيقك لذا سأترك لك التصرف ككل مرة .."
فعلقت أفنان:"قد أستطيع التصرف"
لكنهما لم يلتفتا إليها بينما تابع زيد بنبرة لائمة:"رغم أنني عاتب عليك تعليمه قيادة السيارة ليكون أول ما يفعله إحداث كارثة كهذه"
"أنا لا أعرف التفاصيل..أخبراني ماذا حدث؟"
وأيضًا لم يلتفتا إليها فبدت تعليقاتها كموسيقى تصويرية على خلفية حوارهما..
إذ أجابه مازن:"كانت وسيلتي للتقريب بيننا..واليوم خطر لي أن أترك له المفتاح كأمانة لأظهر له كم أحترمه.."
"ماذا كنت لتفعل لو أنني لم أحذرك قبلها بدقائق؟!!"
ومط شفتيه متحسرًا كالعجائز:"المال السائب!"
اندست أفنان بينهما تصيح بغيظ:"وتضحكان أيضًا؟!! هل أنا شفافة؟ هل أحدثكم من عالم آخر؟!!"
فاحتضن زيد خدها براحة كفه قائلًا:"الرجل منا يحتاج أن يكون رائقًا ليشبعك دلالًا كما تستحقين لذا لا أظنني أستطيع التعاطي معك الآن"
تورد خداها بتلقائية مع كلماته الرقيقة وأومأت بسعادة قبل أن تعود لغرفتها..
فناظر مازن شقيقه بخبث قائلًا:"إقناع سريع ودون خسائر..أرفع لك القبعة"
وكزه زيد مجيبًا:"دع عنك الهذر وفكر فيما ستفعله مع شقيقك"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
استفرغت منة كل ما تناولته مع فادي ثم توكأت على ذراع سميرة حتى استلقت على فراشها باكية..
فبادرتها الأخيرة بعد أن دثرتها:"ماذا تناولت لتلفظه معدتك بهذه الطريقة؟"
وما لبثت أن جاورتها ورفعتها لتستقر في أحضانها قائلة بينما تربت على رأسها بلطف:"أخبريني كل شئ..هيا أفضي إلي أيتها الصغيرة"
أنهت منة حكايتها خلال دقائق تلازمها شهقات بكائها الذي عجزت عن إيقافه..
"هل تظنين أن أبي سيعاقبني لو عرف؟"
"إذًا فأنت مدركة أنك أخطأت..أجيبيني أولًا قبل أن أجيب سؤالك.. هل ترين أنك أخطأت حين خرجت معه؟ أم أخطأت لأنك شاركته تهوره ولم تمنعيه من قيادة السيارة بتهور؟"
"كان علي أن أستأذن أبي قبل الخروج"
"بالظبط..الخطأ الثاني ترتب على الخطأ الأول..كان عليك استئذان والدك والخروج مع رفاقك فلا يجوز أن ترافقيه وحده يا صغيرتي.. أعرف أن تعاملك مع زملائك الذكور في المدرسة يخلق جوًا من الألفة بينكم إلا أن عليك تقييد هذه الألفة بالحدود التي تحفظ لك وقارك وأخلاقك"
ذرفت منة دمعة وحيدة بعد أن هدأ نشيجها وأومأت متقبلة نصح سميرة فاستطردت الأخيرة:"والآن طمئنيني عنك.. هل استفرغت بسبب توترك من رد فعل والدك أم أنه عرض دائم معك"
"يحدث غالبًا عندما أثقل في تناول الطعام فأستاء بشدة وأجبر نفسي على استفراغه"
طبعت سميرة قبلة قلقة على رأس الصغيرة تشدد من ضمها إليها وقد أدركت أنها ولا شك تعاني من مشكلة ما ويجب عرضها على الطبيب في أسرع وقت..
وهذا ما تنوي مناقشته مع وحيد الآن ليجدا معًا الطريقة المثلى لإقناع منة بزيارة الطبيب..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
تخلى هيثم عن غلاظته بشكل استثنائي الليلة فلم يطرد ابن عمه من غرفته ويجبره على شغل غرفة أخرى أو يضايقه بأي شكل... واكتفى بالمراقبة فبعد أن شبع فادي بكاءً جال الغرفة جيئة وذهابًا بملامح معقدة تارة حازمة صلبة كأنه اتخذ قراره بالهجر ..ألا يعرف والده إليه طريقًا..
وأخرى يكاد يعود لبكائه من جديد وكأنه يستغيث بأحدهم..
وما إن أبصره وأيقن أنه شهد تقلباته الغريبة جميعها حتى اسودت ملامحه وأطفأ الضوء بصفاقة أعرض هيثم عنها كذلك..
ومرت الليلة بهدوء بعد أن قرر هيثم أن ليلة واحدة كافية لإظهار تعاطفه وما إن يستيقظ حتى يعود هيثم الغليظ من جديد..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
قصد سالم شقة علي حيث يتناول فطوره قبل العمل وكذلك يرغب بحديث طويل مع شقيقه الذي جانبه الصواب هذه المرة فيريد قتل ابنه عوضًا عن تقويمه وإرشاده
وحذت نوال حذوه فصعدت لعلياء تواسيها وتجبرها على تناول الفطور حتى تصل لقرار سليم بشأن ابنها..
بينما استيقظ فادي على طرق باب الشقة فأجال عينيه فيما حوله ممتعضًا ولم يكلف نفسه عناء النهوض حتى استيقظ هيثم مع تتابع الطرقات فباغت ابن عمه بلكمة في معدته قبل أن ينهض ليفتح الباب..
"صباح الخير"
ألقت أفنان تحيتها المبتهجة وأخذت طريقها للمطبخ فورًا ..فضرب كتفها صدره بقوة اندفاعها ولم تعبأ بتأوهه كأنها تنتقم لفعلته بشقيقها..
تراجع للخلف مفسحًا لمازن و زيد ثم أغلق الباب خلفهما معقبًا:"أهو الاحتلال؟"
فأجابه زيد بهدوء بعد أن تربع على مقعده المفضل في الشرفة:"إن سمعت أي اعتراض سأحرمك تناول الفطور الذي تعده أفنان"
"فطور من يدي أفنان! سأغير منامتي وآتي لمجالستكم بصمت تام"
ضحك مازن وربت على كتفه قائلًا:"شرط آخر لنقبل بوجودك.. بدل ملابسك في غرفة أخرى لأنني أحتاج فادي على انفراد الآن"
فجمع هيثم ملابسه بعصبية قائلًا:
"عرض علي أبي أن نُتم بناء طابق ثالث حتى أقيم به بعد الزواج وكنت محتارًا بهذا الشأن لكن انتهى الأمر.. سأحرص أن يكون محل إقامتي أبعد ما يكون عنكم أيها الأوغاد"
وأطرب أسماعهم بسيل من السُباب قبل أن يصفق باب إحدى الغرف عامدًا..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
"أريد لقاء السيد مصطفى السُكري"
"لا أظنه متفرغًا...."
قطع موظف الاستقبال جملته ورفع رأسه إليها يدقق في ملامحها بدهشة أعجزته عن النطق لثوان...
فبادرته رزان بعد أن نزعت نظارتها الشمسية:"ومعرفتي بهوية سيدك يعطيني أولوية الدخول أليس كذلك؟"
"تفضلي ..المصعد من هذا الاتجاه "
تقدمت رزان بثقة وتركت خلفها الموظف المرتبك يُعلم السكرتيرة بشأنها..
بعد دقائق...
كانت تقف وجهًا لوجه أمام الأسطورة خليفة .. صانع أرقى ماركات المنسوجات والملابس المعروفة دوليًا...
ابتسمت قائلة:
"كنت أتطلع للقائك دائمًا حين أقمت في إحدى الدول العربية التي تمتلك فرعًا ضخمًا لشركتك..."
قاطعها خليفة بصرامة:"لا أظنه لقاءً وديًا لنتبادل حديثًا كهذا!"
"عجبًا..فأنا آراه كذلك.."أجابته ببساطة
وأخرجت سيجارة تدخنها بينما تقول:"لا أستغني عن التدخين صباحًا"
"لم أفهم بعد الغرض من زيارتك.. وسؤالك عن اسمي بهذه الطريقة وكأنك توصلت لأحد أسرار الدولة فتبتزين به القاصي والداني"
وضعت ساقًا فوق أخرى وأجابته:"كنت أعرف أنك ستبحث عني بعد مقالي الأخير لتطمئن ألا عوائق تزعزع استقرار إمبراطوريتك..لذا أحببت أن يكون تعارفًا لائقًا لكلينا.. وأما عن هويتك فقد بدا لي استخدامها دافعًا قويًا ليجعلك تهتم للقائي قبل أن تعرف من أكون"
مشطها خليفة بنظرة مستخفة وقال:"شهرتي باسم خليفة لا تعني أن هويتي الحقيقية سر أخشى انكشافه..بل الأجدر بك أنت أن تخافي..أتقصدينني في عقر داري ثم تقولين لنتعارف؟!!!"
"أردتك أن تعرف مدى شجاعتي ..وأن كون مقالاتي لصالح أصحاب الحق لا يعني إعلان العداء بيننا.. يمكنك قصدي في أي خدمة تريدها وأنا سأكون مسرورة بتقديم يد العون"
لم تتأثر ملامح خليفة مثقال ذرة واكتفى بقوله المقتضب:"انتهى اللقاء"
فنهضت رزان تخرج من المكتب بخطى واثقة لم تهتز بطرده أو يخالطها شئ من الخوف..إذ عدت زيارتها انتصارًا جديدًا تحققه..
فقد أظهرت له غايتها الحقيقية وأنها لا تهتم بما يضمره لها كما تقدمت عليه بخطوة فلم تنتظر وصوله إليها بل زارته بنفسها لتخبره أنها تضاهيه ذكاءً وتستطيع أن تقف له ندًا بند مهما فعل..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
"خلت أنك ستحفظ الأمانة"
التفت فادي لشقيقه وجابهه بعدائية:"لكنني لم أخطئ.."
"وأنا لم آتي لأناقش شجارك مع أبي وأسبابه..إنما أعتب عليك ما فعلته.. لقد تركت لديك المفتاح أمانة لتحفظها لا لتستغل السيارة في غيابي"
حينها تراجعت عدائية فادي وأخفض دفاعاته قليلًا مجيبًا بتلعثم:"أنا..لقد..منة.."
"لا ضير أن تخرج مع رفاقك ويمكنك أن تسابقهم..تلهو معهم..احتفل بنجاحك كما يحلو لك ..لكن بعد أن تطلب الإذن مني"
وتقدم منه متابعًا بينما يشد على كتفه:"كنت سأعطيك السيارة وأرشدك إلى مكان يناسب القيادة السريعة إن أحببت سباقهم.. وقطعًا كنت سأنبهك أنه لا يجوز الخروج مع زميلتك بمفردكما..أتعرف عواقب دخولكما قسم الشرطة؟ هل تريد أن تُسجل أسماؤكما مع الخارجين عن القانون؟!!"
واستطرد يُجمل له ما قال ببساطة:"فقط يلزمك حس المسئولية يا فادي..أن تقدر العواقب قبل الإقدام على تصرف متهور يضر من حولك بالأكثر قبل أن يضرك"
هكذا ببساطة؟ كم هي الحياة سهلة في عيني شقيقه؟
إذ يلازمه شعور دائم أن زيد ومازن بعدما نال حريتهما من والدهم وعوائق الدراسة صارا يملكان مفاتيح الدنيا..
فيطمح أن يكون مثلهما..
لكن هيهات!!
لقد وأد والده فرحته بإنجازه الصغير في مهدها..
فبعد أن صنف يومه كأفضل يوم مر بحياته..أمسى الأسوأ على يدي والده وقيود الشرطة..
واكتفى بأن أعرض عنه صامتًا يستعد لجولة بكاء جديدة...
فأنهضه مازن رغمًا عنه وضمه بخشونة مربتًا على مؤخرة عنقه قائلًا:
"هل تظنه الأسوأ؟ ستمر بالكثير بعد يا فادي..لازلت تقف على أعتاب الحياة وعليك اتخاذ القرار الأصعب إما أن تلقي بنفسك في أحضانها وتقاوم ما يلقاك من عثرات.. أو تعرض عنها فتبقى كما أنت تسعى للحرية بينما خطواتك مقيدة بأفكارك المضطربة"
وتابع قبل أن ينطق فادي باعتراضه:"سنناقش هذا الأمر فيما بعد.. أما الآن فعليك مشاركتنا الإفطار ثم نرى كيف ستقضي إجازتك"
انبلجت شفتا فادي عن ابتسامة صغيرة حين تذكر حوارًا مشابهًا مع نوران فأسرَه في نفسه ورافق شقيقه للإفطار حتى يتخلص من إلحاحه مقررًا أن يعود لعزلته بعدها..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
بعد أسبوع
أقيم الحفل الختامي المعتاد كل عام لتوديع طلاب الصف الثالث الإعدادي الذين أنهوا امتحاناتهم وينتظرون تقرير مصيرهم ..ولأنه يحق لجميع الطلاب الحضور فقد قررت المجموعة أن يكون الحفل انطلاقة التجهيز للمجلة فحضر جميعهم لالتقاط الصور وجمع الأفكار المبتكرة إلا فادي ومنة اللذين تغيبا لظروف عائلية كما أسمياها..
"الحمقى! لابد أن يفسدوا اليوم...ألم نفترق لفترة كافية حتى يحل كل منا مشاكله العائلية .. ما الذي أعاقهم عن الحضور؟!!"
تذمر كمال وهو يضرب على آلة التصوير خاصته بغضب..
فدفع وائل يده قائلًا:"هل تخطط لإتلافها؟!!"
والتقطها متابعًا:" الكاميرا حاضرة وفريقنا الإبداعي كذلك فلا بأس بتغيب فادي ومنة..يمكنهما مساعدتنا في خطوات أخرى..لا تنس أننا لن نعد المجلة بين ليلة وضحاها ومؤكد لن يبخلا علينا بجهودهما ما إن يتفرغا"
أبقى كمال على تعابيره الحانقة بينما يوزع وائل الأدوار على المجموعة ثم تفرق جمعهم ليؤدي كل منهم دوره.. أما هو فقد لزم أحد المقاعد التي يكون عددها أقل من الحضور كالعادة وكأنهم يتقصدون إشاعة الحسرة في نفوس الواقفين!!
شيعه عمرو بنظرة مستغربة بينما يخطو بعيدًا عنه ثم ما لبث أن عاد إليه ليسأله: "ألن تشاركنا العمل؟"
"لا..لقد انطفأت حماستي"
ورغم استنكاره لم يعلق عمرو وتركه يتصرف كما يحلو له..
بعد دقائق..
توالت الكلمة الافتتاحية لمديرة المدرسة ثم نخبة المعلمين والمعلمات حتى تحرك كمال في مقعده بانتظار ملول..
إذ بدأت الأستاذة نوران التقديم فظن أنها ستلقي إحدى خطاباتها الحماسية لكنها التزمت بدورها في التعريف بكل أستاذ قبل أن يلقي كلمته وما زاد الطين بلة أن المديرة عرضت على أولياء الأمور الحاضرين الراغبين بتوجيه رسالة أو شكر للمدرسة أن يتفضلوا..
فكاد كمال يسب نفسه على جريرتها فبعد أن ازدحمت صفوف الجلوس صار من المستحيل أن يتمكن من مغادرة مقعده وخاصة مع الرجل الذي يستند على ظهر مقعده أو بالأحرى ظهره وكأنه حارسه الشخصي..
ولا يدري لم خالجه شعور أنه يختبئ بين صفوفهم لغرض ما؟! فلا يبدو فخورًا كأب أو خال أتى للاحتفال!!
فتمتم ساخرًا:"الحمد لله أن الأستاذ ماجد متغيب وإلا لصدع رؤوسنا بخطاباته المملة!"
تشقق يأسه شيئًا فشيئًا حين ظهر السيد مازن مالك المدرسة كما يعرفه الجميع واقترب من الأستاذة نوران فغادره الملل تمامًا وحلت الحماسة إذ لم يبارح مجموعتهم تخيل أن الأستاذة نوران ستحظى بعلاقة غرامية مع السيد مازن قريبًا خاصة بعد ما قصته دينا عنهما..
استدار مازن يجيب نداء السيدة جنات حين تحركت نوران بظهرها دون أن تستبصر ما خلفها لتسمح للأستاذة سميرة بإلقاء كلمتها..
فوجدت نفسها تصطدم بشخص ما.. ليست إحدى زميلاتها بالطبع!
شخص يفوقها طولًا وظهره صلب كالحائط!!
التفتت لتقع عيناها فورًا أسيرتي عيني مازن الذي ابتسم بخفة قبل أن يفسح لها الطريق ويعود لحديثه مع السيدة جنات..
بينما هلل كمال وامتدح نفسه على إنجازه العظيم المتمثل بصورة نوران ومازن
"الكتف يلاصق الكتف والعيون تتحدث! لابد أن نطبع هذه الصورة على غلاف المجلة"
وأردف بحسرة:"لو أن وائل ترك لي الكاميرا لخرجت الصورة بجودة أفضل"
وحينها تفاجأ بوقوف الرجل الذي يتخذ من ظهره مسندًا منذ بدأت الحفلة وإمساكه ذراعه قائلًا:"هل يمكنني إجراء مكالمة من هاتفك؟"
طلب كأن حياته تعتمد على هذه المكالمة فأثار الريبة لدى كمال الذي هم بالرفض حين تابع الرجل:"حضرت في وقت متأخر كما ترى فلم أعثر على ابني بين الجموع"
فناوله كمال الهاتف بتردد قائلًأ:"لا بأس تفضل"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
تأفف فادي حين توالى رنين هاتفه دون انقطاع ... لقد ظن أنه وجد الحجة المناسبة للتخلص من إلحاح رفاقه..لذا أمسك الهاتف عازمًا على قطع هذه الصداقة المجهدة إلا أنه فوجئ بأن نوران من تتصل به..
تلكأ في الضغط على زر الإجابة يفكر فيما قد تريد؟!
صحيح أنه اجتاز العام الدراسي بنجاح بفضلها لكن قد لا يروقها معدله؟ ربما تريد إخباره عن موعد الخدمة الاجتماعية حتى يستعد..
كاد يترك الهاتف جانبًا بإحباط حين انقطع الرنين لكنها أعادت الاتصال فأجأبها مضطرًا فلايزال مدينًا لها بنجاحه..
"هل خفت أن أطالبك بالحلوان فتخلفت عن الحضور؟"
ضحك فادي رغم مزاجه الكئيب وأجابها:"لا ليس لهذا السبب.. ظننت أننا لن نتواصل مرة أخرى فقد مرت الامتحانات ويحق لك أن ترتاحي من إزعاجي.. كما أن معدلي ليس بال.."
قاطعته نوران بغضب:"ولم لا نتواصل؟ أريد ثمن الدروس المكثفة التي أعطيتك إياها أيها المزعج.."
ابتسم فادي موقنًا أنها تعاتبه بطريقتها ..
في حين أردفت نوران:"سأراك اليوم ولن أقبل أية أعذار"
ثم أنهت الاتصال.. فتطلع فادي لشاشة هاتفه بصدمة سرعان ما استحالت قهقهة مستمتعة..
"تعلمنا ألا نقاطع المتحدث ولا ننهي الاتصال .. بهذه الطريقة"
عدل عن كتابة الوصف المناسب لطريقتها في إنهاء المكالمة وضغط زر الإرسال ضاحكًا منها ومن نفسه التي صارت تتحرى سبل المجاملة إذ كتب رسالته المقتضبة حريصًا ألا تحوي كلمة قد تجرح معلمته أو تسئ إليها..
بينما قرأت نوران رسالته بهدوء تنظر لشقيقه الذي يقف على مقربة منها وحمدت الله أن موقفها المحرج معه قبل دقائق مر بسلام دون ملاحظة أحد..
الآن تحس بذات شعور هالة المعتادة على المواقف المحرجة حين أخبرتها أنه يشابه التعرض لبخار ملهب للبشرة فإما أن تتجاوز الصدمة وتتعامل معها أو يلحقه لسعة باردة لن تنجو منها إذ تجعلها مطرقة رأسها بانتظار التفات الجميع إليها وإدراكهم لما يحدث معها..
"الحمد لله اكتفيت بتلقي البخار يا هالة"
تمتمت بسخرية قبل أن تعود بانتباهها لمن حولها مبتسمة مع الغناء المتصاعد من المذياع كختام للحفل.. وانخرطت في أحاديث متتابعة مع بعض أولياء الأمور ثم تقدمت مع زميلاتها لغرفتهن حيث تجمع أغراضها لتغادر..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
"أفسح لي الطريق"
"أنا من أتيت قبلك"
تدافع الشقيقان أمام غرفة أفنان التي فتحت الباب تستطلع مصدر الضجة..
كانت قد أسدلت شعرها أمام وجهها وشرعت في تمشيطه فتركته على حاله بينما تناظر الواقفين أمامها من خلف ستار شعرها..
علق مازن بمرح:"يبدو أننا جئنا في وقت غير مناسب"
وتوقعا أن تصرخ بهما ألا يفسدا راحتها كالعادة لكنها خلافًا لتوقعهما سحبتهما إلى داخل الغرفة قائلة:
"بل جئتما في الوقت المناسب تمامًا..أحتاج مساعدة عاجلة"
جلست على فراشها وشغلت مقطع فيديو على هاتفها النقال قائلة:"منذ ساعة أحاول تمشيط شعري بهذه الطريقة إلا أنني أفشل كل مرة"
فرقت شعرها من مفرقه لتكشف عن وجهها وصاحت بهما بدهشة كأن عليهما إدراك ما تريده دون أن تطلب:
"هيا جاوراني وقدما يد العون"
"وكأننا نعمل في أحد مراكز التجميل ونمشط يوميًا شعور النساء!!"
"لا تعترض..أخمن أنكما قصدتماني في خدمة مكلفة ولذا عليكما الدفع مقدمًا وتعويضي عن مجهودي الذي سأبذله مستقبلًا يا سيد مازن"
بينما استسلم زيد بسرعة معقبًا :"تبدو سهلة وسريعة..اجلس ودعنا ننجز الأمر يا مازن"
أرجعت أفنان شعرها للخلف ليضرب وجهيهما -عن غير قصد- قائلة:"ابذلا قصارى جهدكما"
ضحك زيد في حين كظم مازن غيظه بصعوبة وشرعا يحاولان تقليد خطوات السيدة في الفيديو مع تذمر مازن بين حين وآخر..
والذي هتف بها أخيرًا حين تكررت محاولاتهما الفاشلة:"هذا نوع من الضفائر أليس كذلك؟ الضفائر تفسد استرسال الشعر وتجعله مموجًا كما تقول أمي.. إنها سيئة يا أفنان"
فأجابته أفنان ببراءة:"إذًا اخرج ودع زيد يساعدني وحده وأنا سأرد له الجميل.. لكن لا خدمات لك عندي"
انصاع مرغمًا وراح يكرر المحاولة مع زيد حتى أعلن زيد استسلامه أخيرًا وترك شعر شقيقته .. فضرب مازن مؤخرة عنقها وشد شعرها بغيظ قائلًا:"ساعدي نفسك"
لتميل أفنان على زيد تشكوه بحزن مصطنع:"أترى كيف يعاملني؟"
وكان رد زيد صادمًا هذه المرة إذ أجابها بسخط:"إن أصررت أكثر يا أفنان سأقص شعرك بنفسي..لا نملك صبر أيوب حتى نكرر محاولاتنا إلى ما لانهاية"
ضربت أفنان على الفراش بغضب قبل أن تنهض تواجههما متخصرة وسألت:"ماذا تريدان؟ ما الخدمة التي تجعلكما متعجلين بهذه الطريقة؟"
" تهور زيد وأعلم أبي أننا سنتقدم لخطبة نوران وهالة قريبًا.. ولابد أن نلتقيهما بشكل عاجل لنعرف رأيهما النهائي"
فبرر زيد بمنطقية:"اخترت التوقيت المناسب...ألم ترى أن بيتنا كان يلزمه الفرح؟"
فعقبت أفنان بغرور:"حفل خطبتي المرتقب كان كفيلًا بإدخال الفرح للبيت"
"أفنان!"
لم تعبأ بتحذير زيد وجلست على ركبتيها بينهما قائلة:"وهل تجرؤ على الصراخ بي بعد فعلتك؟! كنتما تحثانني على إقامة صداقة وطيدة معهما لهذا الغرض أليس كذلك؟"
"وليتك فلحت!"
لم تتأثر بمشاكسة مازن وظلت مطرقة الرأس بتعبير طفولي حزين ليس اصطناعًا بل حزنًا حقيقيًا لأنها أرادت مشاركتهما خبرًا كهذا وإقامة الاحتفالات ربما لمئة ليلة إن أمكن!
فطوق زيد كتفيها بذراعه وقال مسترضيًا:"أقسم لك أن الموضوع كله قائم على الاستنتاج..مازن يقيم علاقة حب مع نوران في مخيلته رغم أنه لم يفاتحها بشأن الخطبة من الأصل.. وأنا أنتظر ردًا من هالة ولا أعلم لم تأخرت في التصريح به! أي أننا لم نقصد أبدًا إخفاء الأمر بل أردنا إعلانه على بينة"
"سامحتك ولكنني غير موافقة على نوران! كيف تكون زوجة أخي وأنا أغار منها لهذا الحد؟! سأنفجر من الغيرة هكذا"
فتدخل مازن مهادنًا:"ولكنها لطيفة ستحبينها مع الوقت أعدك"
"المأساة أنني بدأت أحبها.."
"هذا ما أخبرتك عنه..إنها تدخل القلب بلا استئذان"
لكزه زيد موبخًا:"هل يجوز أن تتحدث هكذا أمام شقيقتك؟"
"وكأنني قبلتها أمامها!! ماذا فعلت؟"
فلكمه بقوة أشد طرحته على السرير وهتف به:"ألن ترتدع أبدًا عن وقاحتك؟!!"
ولم يعبأ بتمتمة مازن أنه لم يفعل شيئًا فالتفت لأفنان يدير رأسها إليه قائلًا:"ماذا قررت؟ هل لديك فكرة لمساعدتنا؟"
أجالت أفنان عينيها بينهما لثوان قبل أن ينفرج عبوس وجهها وتغمزهما قائلة:"بالطبع لدي فكرة"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
راقب فادي لحظات الغروب بتعاسة .. كان ينتظر اتصالًا آخر من نوران لتخبره متى يلتقيان فيخرج من عزلته أخيرًا ويجد ما يشغل عقله.. لكنها لم تكرر الاتصال كما لم يحاول والده الاعتذار منه أو إصلاح خطأه.. ألا يكفي أنه لن يستطيع النظر في وجه منة مجددًا بعدما شهدته؟!!
"كيف حالك؟"
هتفت بها أفنان وهي تعتلي ظهره كالقرود فتأفف فادي وأجابها:"ذريني لحالي يا أفنان أرجوك"
لم تعبأ باعتراضه وتابعت مغيظة:"هل تعني أن ذهابك للصالة الرياضية مع مازن طوال الأسبوع المنصرم لم يبن عضلاتك بعد فتتمكن من حملي؟!!"
طوقها بذراعيه ورفعها على ظهره بعد أن استفزته بقولها..
ثم أفلتها قائلًا:"هل رضيت الآن؟ هيا اذهبي لحبيبك..ستجدينه في غرفته"
إلا أنها أردفت بينما تعبث بقميصه:"لكني أتيت لأجلك أنت"
"أووف..أفنان يبدو أنك أخطأت الشخص! أنا لست زيد مُدللك الوفي"
حينها طار هدوءها ومزاجها الرائق لتصيح به:"اقترحت على إخوتك أن نقيم حفلة في مطعم زيد للاحتفال بك..هل هذه مكافأتي على التفكير بك؟!"
ضيق فادي عينيه لتدرك أفنان أنه كشف زيف اهتمامها وتقدم منها بينما تراجعت بقلق حتى اصطدمت بالطاولة خلفها..
"ما الغرض الحقيقي من هذا الاحتفال؟"
ألقى سؤاله مشرفًا عليها بتعبير مخيف فكادت أفنان تصارحه بالحقيقة..إلا أنها تمالكت نفسها لتقلب الطاولة عليه:"بل ما غرضك الحقيقي من اعتزالنا بهذا الشكل وتظاهرك بالغضب؟! ألا يكفي أن أبي صار كالضيف لا يبيت في منزله؟"
كانا قد تبادلا الأماكن بعدما دارت أفنان حوله كمحقق ماكر فهمد فادي و زوت شعلة حماسه الوليدة مستندًا على الطاولة كعجوز مبتئس..
تعلقت أفنان بكتفيه موبخة:"أريد استعادة فادي شقيقي المرح! لقد ظننت أن الدراسة هي ما تجعلك بهذا المزاج الكئيب لكنها انقضت يا فادي..أمامنا إجازة طويلة وعلينا استغلالها لا هدرها بتأملات غير مجدية!!"
وأسندت ثقلها عليه فجأة فتعثر ومال بثقله على الطاولة ..ولم يلبث أن دفعها بغيظ قائلًا:"سيذهب دمي هدرًا لا الإجازة..ابتعدي عني"
وما إن استقاما حتى انقلبت الطاولة حرفيًا فسقط اللوح الزجاجي الذي يعلوها متناثرًا إلى شظايا حولهما..
حضر هيثم مهرولًا على صوت التكسير وسأل:"ماذا حدث؟"
وناظر وقفتهما المشدوهة بين الشظايا قائلًا:"كيف كسرتما الزجاج؟ هل تتصارعان كشقيقيكما؟!!"
وكانت أفنان أول من خرجت عن صمتها فأجابته ممتعضة:"تسأل عن الزجاج قبل السؤال عن حالي أيها الغليظ؟"
والتفتت لشقيقها قائلة:"إن أظهرت اعتراضًا بشأن الحفل سأخبر أبي أنك من كسرت الزجاج..وانظر كيف سيكون رد فعله بعد مغامرتك الأخيرة التي لم يتعاف البيت من أثرها بعد"
"هذا الابتزاز ليس لطيفًا أبدًا"
"أعرف وتقصدت هذا..أنت مجبر على الحضور والسماح لنا بالاحتفال بك"
"يا إلهي! .. هل انعدمت الحيل وأصبحت مادة للاستغلال بينكم؟"
"مساء الخير"
ألقى زيد التحية بمزاج رائق بينما يستند على كتف شقيقه..
فالتفت هيثم يناظرهما بارتياب قائلًا:"أووه ..الاحتفال بنجاح فادي! هل تخرج منكما أفكار رقيقة كهذه؟"
"حتى التفكير بشأنها عيب..بالنسبة إلي وددت لو أهلكته بالتدريبات كل يوم لكنه يتثاقل عن مرافقتي وحين يذهب يجلس بمفرده أغلب الوقت!"
وأردف زيد:"وأنا فكرت أن أجعله عاملًا لدي بأجرة يومية لكن أفنان أعطت القرار الأخير هذه المرة"
"ومحور الاستغلال ألا يحق له تقرير مصيره؟"
ناظرته افنان بامتعاض قائلة:"لا ! ..هيا ابدأ تنظيف الشرفة واجمع الزجاج"
"نسينا أن نسأل! من تسبب بتكسير الزجاج؟ أين سأتناول عشائي؟"
"أهذا ما يهمك؟"تساءل هيثم بينما يحدجه باستنكار ..
فعقب زيد:"أتدركون ما المشكلة؟ عمي نفض يده عن أي تلفيات تحدث في غيابه.. خاصة أنه يعرف أننا نكاد نقيم في هذه الشرفة!"
"أنا لن أدفع فلسًا واحدًا!"
بادر مازن بالتهرب من تحمل المسئولية فناظره زيد شزرًا وقال:"اعتبرها زكاة مالك لهذا الشهر! هل تعايرنا لأنك أكثرنا غنى؟"
"لا أدري من أين تأتيك هذه الأوهام؟ أنا فقير مثلكم وعديم الحيلة"
رمقه زيد بنظرة محذرة وكأنه يخبره أن الله سيعاقبه على كذبه..
بينما انتبه الجميع والتفتوا لفادي الذي صرح فجأة بعينين لامعتين كشظايا الزجاج:"أنا من سيتولى الأمر"
ولم يعلق أحد رغم استغرابهم واستبعادهم أن يملك فادي مالًا كافيًا لاستبدال اللوح الزجاجي..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
"أقترح أن نقيم معًا في الطابق العلوي وتنزل علياء لتقيم مع نوال في شقتك"
قالها خالد بينما يناقش شقيقه أمر عودته للبيت..
وقبل أن يجيبه سالم صاحت علياء من مكانها حيث تقف على الدرج المؤدي لشقتهما:"خالد! أريدك الآن"
كتم سالم ضحكاته بالكاد وتظاهر أنه لم يسمع ما قيل مُتيحًا لشقيقه الفرصة ليلحق بزوجته .. لكن خالد بقى متسمرًا حيث هو بملامح ساخطة..
فقال سالم:"لأصدقك القول في هذه المواقف عليك بتقديم فروض الولاء والطاعة"
لكزه خالد بغيظ قبل أن يستسلم لأمر علياء ويلحق بها صاعدًا الدرج.. فخرجت نوال من خلف الباب قائلة:"هل تظنه سيبيت الليلة عند علي؟"
"قطعًا لا..أنا على يقين أنه سيبيت في أحضان زوجته"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
كانت الشقة خالية إلا منهما أي أن الفرصة سانحة ليفضا كل مشكلاتهما بهدوء أو صخب لن يشكل الأمر فرقًا..
لكنهما جلسا متقابلين يتناظران بصمت حتى قالت علياء:"حين تركتني لتقيم عند علي وأسرفت في البعاد شعرت أننا متزوجان حديثًا يواجهان مشكلتهما الأولى!
تخيل! .. عقود من الزمان جمعتنا ورغم هذا لا نستطيع إيصال صغيرنا لبر الأمان بل لا نجد بيننا مساحة من الصبر والتفهم للتناقش حول مشكلاته"
وتابعت متساءلة بأسى:"هل فكرت ابدًا أن تمرر أخطاءه بسلاسة؟ رفع صوته؟.. عاقبه ليوم أو يومين،ثم انتزع اعتذاره بنفسك أو ناقشه بعقلك؛ لتوضح له خطأه.. تهور وقاد سيارة شقيقه، فألقي القبض عليه..عاقبه بفرض غرامة مالية كأنك لم تنقذه من الحبس؛ ليتحمل عواقب تصرفاته..هل تدرك ما أقصده يا خالد؟ أم أن أبوتك ضمرت بانصرافك عن شئون أبنائك؟!"
طأطأ خالد رأسه واصفًا بألم حقيقة شعوره:"لقد خاب أملي! فادي منذ صغره وهو الأقرب إلي بين إخوته الذكور..كنت حريصًا على تلقينه كل شئ تعلمته في حياتي.. لكن فجأة انفرط العقد الذي يربطنا وصرت لا أفهمه ولا أعي دوافع تصرفاته المستهجنة"
"لا فائدة..طالما لم تعترف بأخطائك ستظل تتصرف بنفس النمط الذي أدرك كلانا فشله مع فادي"
أجابها وصوته يعلو رغمًا عنه:"ابنك نجح بالكاد هذا العام..تردى مستواه عن العام الماضي ويبدو أنه لا يزداد مع السنوات إلا طيشًا..ورغم هذا صمت وكظمت خيبتي فيه وعندما فاض بي رحت أفضي لشقيقك؛علني أهدأ..لأجده يتصل بعلي من قسم الشرطة..
لم أستطع!
هذا كان فوق طاقة احتمالي وصبري.. ولولا وجود زميلته معنا لكنت أبرحته ضربًا لكن علي تعلل بها ليفصل بيننا ويوصلها لمنزلها قبل عودتنا"
وأكمل يقص عليها بالتفصيل سبب دخول صغيرهما قسم الشرطة..
فنهضت من مقعدها لتجلس مجاورة له وقالت:"وما العمل يا خالد؟ هذا نصيبنا شئنا أم أبينا.. أنت لا تحب الاعتراف بأخطائك وتعرفني أكابر لئلا أعترف أيضًا وفادي هو نسختنا الأسوأ في هذا الأمر.. ربما يدرك خطأه لكنه لن يعترف أبدًا فما بالك إن رأى الخطأ صوابًا ولامك داخله على غضبك..
أخبرني بما سيفيد غضبك حينها! أرجوك تمالك نفسك ودعنا نجد حلًا "
"ألم تكوني مقربة منه في الآونة الأخيرة؟ لم لم تنزلي إليه لتعرفي...؟"
بتر سؤاله حين أسندت علياء رأسها إلى كتفه بتعب قائلة:"وهل خاب املك وحدك؟"
حينها أدرك خالد أي جحيم تركها فيه وحدها..إذ قضى أغلب أوقاته مع علي الذي حاول مساعدته قدر استطاعته لتخطي خيبته واعتزلها كأنها دفعت فادي دفعًا ليتهور بهذا الشكل..
وجملته التالية سقت بذرة إحباطها لتصبح شجرة باسقة في التو واللحظة إذ اندفع قائلًا:"وبعد.. حتى إن اعترفت بخطأ طريقتي في تربية أبنائي وأدركت اختلاف فادي عن شقيقيه وإعراضه عن الدراسة.. وبعد؟
لاتزال المعضلة قائمة إنه لا يقبل مني نصحًا وللحق أنني إن خاطبته فلن أجد في نفسي صبرًا لاسترضائه بعد أفعاله الشائنة"
فنهضت تصرخ به بغضب:"إذًا اعتبر نفسك والدًا لثلاثة أبناء فقط وأكمل مسيرتك المهنية وعش حياتك كما راق لك.. لكل إنسان طاقته! هل سأجهد لاسترضائك حتى تتعطف بإلقاء نظرة شفقة لابنك المضطرب ثم أجهد لاسترضائه ليفضي إلي بأسراره وخبيئة نفسه؟!! لا ..لقد طفح الكيل"
حذا حذوها فوقفا متقابلين كلاهما يشع غضبًا وإرهاقًا..
سفينتهما لم تجد بعد مرفأ أمان تسكنه والدفة ثقيلة على واحد منهما بمفرده..إلا أنهما يرفضان التعاون يراقبان انحراف السفينة عن مرساها رويدًا رويدًا.. بقلق..بغضب..بهلع..
فيفرغان أحاسيسهما المتلاطمة في الشجار عوضًا عن القبض على الدفة وإجبارها على التحرك للوجهة الصائبة..
وأخيرًا قطع خالد شجرة إحباطها بفأس الأمل قائلًا:"ما رأيك أن ننسى المشكلة؟ لنعد علياء وخالد فقط دون هموم نتصافى ونتصالح ليتعافى كلانا من مشقة منتصف الطريق ثم نعود لبحث الحلول"
لايزال فأسًا ضعيفًا لم يتمكن من اجتثاث الشجرة من جذورها بعد إلا أنها قبلت بادرته بسرور وتشبثت باقتراحه كما تشبثت بكفيه قائلة:"لنفعل يا خالد..أرجوك لنمحو هذه المسافة التي تجعلنا نتنافر من مجرد نقاش بسيط"
ضمها خالد أقرب ما تكون إليه مقبلًا رأسها وقال:"لكنني أفضل أن نقضيها عند شقيقك..تغيير الأجواء أيضًا سيساعدنا"
"قل أنك تريد ألا تقع عيناك على ابنك"
أجابته علياء بحدة بعد أن دفعته عنها فجذبها خالد معه ليسترخي على الأريكة قائلًا:"ظننت أننا اتفقنا للتو..سأنهي هذا الشقاق ما إن تمر فترة نقاهة كافية"
ناظرته علياء بطرف عينها بصمت فأردف ضاحكًا:"سأحرص أن تكون قصيرة أعدك"
ثم التفتا لباب الشقة الذي انفتح فجأة وظهرت من خلفه أفنان التي اتسعت أحداقها ما إن أبصرت والدها يجلس بكل أريحية يحادث والدتها بهدوء كأنهما على وفاق..
"أبي! هل يسمح لي بإلقاء التحية أخيرًا أم انك ستقاطعنا إلى الأبد؟"
ابتسم خالد وفتح ذراعيه لاستقبالها..لتتقدم جهته بهدوء إذ يعوقها خجلها دائمًا عن تحقيق أمنيتها والقفز في خطوة واحدة لأحضانه ..
شدد خالد من ضمها وقبل رأسها تاركًا لها الفرصة لتتمالك نفسها إذ خبأت رأسها في صدره بخجل ثم عادت لشقاوتها فرفعت رأسها وأجالت ناظريها بينهما قبل أن تقول:"هل قاطعت حوارًا مهمًا؟"
فتضاحك الوالدان والتفت خالد لزوجته قائلًا:"أعدي لنا حقيبة صغيرة ريثما أرى ما تحتاجه هذه الشقية"
"هل ستغادر البيت مجددًا يا أبي؟"تساءلت أفنان عاتبة..
ليجيبها:"قلت لنا..ساقيم أنا ووالدتك في شقة خالك ليومين أو ثلاثة ثم نعود"
فقوست شفتيها بحزن واعترضت قائلة:"ومتى سنذهب للعم طاهر إذًا؟لقد ظننت أن الخبر سيسعدك ويزيح هذه الغمامة الكئيبة عن منزلنا"
"هل أخبرك هذا الشقيان؟! على كل حال لا تقلقي خلال أيام سيتحقق مرادك ونقيم حفلة ثلاثية..أم أنك غيرت رأيك ورفضت العريس الذي ينتظر رضاك منذ سنوات؟"
ابتسمت أفنان بخفر ثم قالت بمراوغة:"جئت أقصدك في خدمة صغيرة"
أرجع خالد رأسه للخلف ضاحكًا وأجابها:"أفصحي يا فراشة أنا في شوق لمعرفة ما تريدين"
"في الحقيقة لا أبتغي مصالح شخصية.. إننا نقيم حفلًا للاحتفال بنجاح فادي في مطعم زيد لذا اقترحت أن ندعو هالة ونوران.."
ارتفع حاجبا خالد رويدًا رويدًا وأفنان تتابع:"وكما تعرف العم طاهر متحفظ قد لا يوافق بسهولة لذا أردتك أن تطلب منه السماح لهما بالحضور"
"إذًا أرسلك زيد ومازن بطلب وقح كهذا ويريدان أن أشاركهما خداع صديقي"
"الأمر ليس بهذا السوء يا أبي"
بررت أفنان بارتباك مع تعبير والدها الغاضب بشكل أخافها من رد فعله..
لكنه سرعان ما أغرق في الضحك قائلًا:"سأتصل به وسيقتنع وإن بالإكراه إنه مستقبل عائلة السفيري"
فاسترخت أفنان وشاركته الضحك ثم قبلته ضاحكة وهمت بالانصراف..
ليستوقفها قائلًا:"ماذا بشأن العريس؟ هل أرفضه؟"
"ما اعرفه يا أبي أنه لم يكرر طلبه.."
اتسعت عينا خالد بصدمة قبل أن يعود لضحكه قائلًا بخبث:"معك حق..أي أن الطريق مفتوح لأي شاب آخر يبتغي القرب؟"
عبست أفنان فورًا وأجابته بحنق:"السابق كان صخرة يا أبي سدت الطريق تمامًا لذا اسمح لي أن أبعدها عن الطريق أولًا"
"بالطبع خذا وقتيكما..بعد سنة أو اثنتين على مهلكما فقرار كهذا يحتاج لتفكير عميق بلا شك"
تقبلت أفنان سخريته بصمت وفي داخلها توعدت هيثم بأشنع العقوبات..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
صباح اليوم التالي
تفاجأت أفنان بمن يسحب السكين من جانبها بينما تنهمك بتحضير الفطور فالتفتت لتجده هيثم والذي قال بنية سليمة لا تكدرها توعدات أو نوايا خفية كحال أفنان:
"صباح الخير يا فراشتي.. لا تدركين كم يفيدني الإفطار الذي تعدينه لتحمل يوم عمل شاق! أشكرك من أعماق قلبي المتيم"
لم تبادله أفنان الابتسام أو السلام بل أشارت له بإصبعها أن يبتعد ثم واجهته بغضب حار هيثم في تحديد سببه:"هل يرضيك وضعي؟ اشتريت فستان الخطبة قبل أن تطلبني من أبي..هل أنت أحمق؟"
"لقد ظننتها مزحة! أي طلب يا أفنان؟ فقط سأخبر أبي أن غدًا حفل خطبتنا فتزغرد أمي ونجتمع للاحتفال.."
قاطعته أفنان بعينين تقدحان شررًا بعد أن استعادت السكين الذي أبعده ملوحة به:
"وما رأيك أن نجعلها اليوم..نحتفل بنجاح فادي ثم بخطبتنا المزعومة دون أن تشرفنا بشراء خاتم من الفضة حتى!"
"اليوم سأجتمع مع أصدقائي بعد العمل..كما أخبرتك سأشاركهم مشروعهم بعد ساعات العمل .. لا لن أكون متفرغًا"
صرخت به بعد جملته المستفزة:"هل تخطط لقتلي؟"
فنظر هيثم للسكين في يدها قائلًا:"بل أظنها خطتك أنت..كما ترين أنا مسالم ولا أحمل أسلحة"
"هيثم!"
"أقسم أنني تحدثت معه بالأمس..فطالبني بالتأجيل إلى أن تعود الأمور لنصابها في البيت"
خمد غضبها فورًا واحمرت وجنتاها فطأطأت رأسها بخجل..
"ارفعي رأسك وانظري لعيني المتعطشتين إليك..إن كان شوقك لاجتماعنا يوازي شوقي فهو أمر لا يغضبني بتاتًا يا فراشتي"
حركت رأسها نافية وبررت بتلعثم:"أنت لا تفهم..إنه أبي..أبي من.."
ولم تستطع تكوين جملة مفيدة مما أضحك هيثم الذي غادر المطبخ قائلًا:"لا تتأخري بالإفطار يا حبيبتي"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
"ألا تملكين خطة للتهرب من الذهاب؟"
سألت هالة شقيقتها تحدجها بنظرات ماكرة فرفعت نوران ناظريها عن الهاتف قائلة بجدية كأنها لم تفطن لمقصد شقيقتها:
"سنحتفل بنجاح فادي"
وتابعت مراسلة فادي تؤكد له أنها قادمة ثم تطلعت لشقيقتها باستغراب والتي شردت عنها تقضم أظافرها بتوتر..
"أشعر أنك من تسعين للتهرب"
"لا..يجب علي الذهاب"
قالتها هالة بحسم غريب كأنها على وشك تحديد مصيرها...
بعد ساعات..
"هالة انتظري"
استدارت مع صياح شقيقتها لتجدها تقف حائرة تناظر النعل المفصول عن حذائها ورفعت أنظارها تطالع المطعم بشحوب إذ خذلها حذاؤها أمامه بالضبط..
وقطعًا لم يكن الموقف ليمر دون شهود فقد خرج مازن مبتسمًا من المطعم في هذه اللحظة تحديدًا واتسعت ابتسامته الترحيبية حتى انتبه للحاصل فأخفى ابتسامته رغم يقين نوران أنه يكاد ينفجر بالضحك..
"تفضلا..لندخل بسرعة قبل أن ينتبه أحدهم لتغيبي فيلحق بي"
وانحنى يمسك النعل بنفسه قائلًا:"سأوافيكما خلال ثوان"
أسندت نوران رأسها إلى كتف شقيقتها قائلة:"هذه المرة وصلني شعور اللسعة الباردة تمامًا يا هالة..لن يتأخر انتشار الخبر بين جميع الحضور وأظننا سنعود للمنزل دون انتظار مزيد من الكوارث"
انفجرت هالة ضاحكة بعد أن كانت تجاهد عبثًا لكظم رغبتها بالضحك وأجابتها:"لم
تري وجهك حين ظهر مازن من العدم! لكن لا بأس لا تقلقي الحب يمتص هذه المواقف المخجلة فلا يُبقي لها أثرًا..وربما تستعيدان الموقف فيما بعد فتتضاحكان سويًا"
فرفعت نوران رأسها صارخة بها:"هالة من سمح لك بتأليف قصة على حسابي؟ اصمتي تمامًا! إنها عدوى نجحت في نقلها إلي"
"شششششش.أخفضي صوتك وإلا انتبه أحدهم وجاء للشماتة في برستيجك المبعثر"
عاد مازن قائلًا:"بسرعة بسرعة.."
وأمسك قدمها دون استئذان يمرر أنبوب له رائحة كالغراء حتى ألصق النعل بالحذاء وضغط قدمها بالأرض منبهًا:"اضغطي بقوة لدقائق"
لكن نوران رفعت قدمها بوجه غدا أحمرًا كالجدار خلفها وغمغمت بتلعثم : "أرجو..ك"
فأشار مازن لشقيقتها أن تحل محله وغادرهما بينما صورت عينا هالة نظرته الحنونة لنوران وتأثرت بها بشدة حتى كادت عزيمتها تفتر وتنسى مهمتها المحددة التي أتت لأجلها..
لكنها قاومت ضعفها مذكرة نفسها أنه من الغباء التسليم لأجل نظرة..نظرة مذيبة كشعلة مركزة على قطعة ثلج! عودي إلى رشدك يا هالة!
ومازحت شقيقتها حتى تزيح هذه الأفكار الرومانسية عن عقلها:"انظري إلى مازن
يدرك واجباته الزوجية منذ الآن!"
ضربت نوران الأرض بقدمها بقوة فأجفلت هالة لتبعد يدها بسرعة معقبة باستفزاز: "قال مازن أن تتخذي وضعًا ثابتًا..ألا تصدقين على أقواله دائمًا؟"
فهتفت بها نوران من بين أسنانها بوعيد:"هالة! لن أرحمك إن وقعت في ورطة مماثلة.. أبدًا"
أخيرًا التحقت الشقيقتان بالمجموعة بعد أن تمالكتا نفسيهما..فتظاهر مازن بالدهشة وعاد للترحيب بهما بينما صافحتهما أفنان تبادلهما الأحضان ..
تأوهت هالة ضاحكة ولم تفهم نوران السبب إلا حين احتضنتها أفنان وقرصت ظهرها بغيظ ...فعقبت نوران هامسة:"صرت تعامليننا بمساواة.. خيرًا؟"
"ستعرفين السبب قريبًا وحينها ستتعرفين على أفنان أخرى لا تتسامح بسهولة"
قاطع زيد السلام الأنثوي الذي استمر أكثر من اللازم قائلًا:"هيا تفضلوا إلى المائدة سنبدأ الحفل بالعشاء حتى نجد متسعًا لقالب الحلوى في النهاية"
فتحركت نوران واتخذت مقعدها إلى جوار فادي بينما التفتت هالة للصيحة المبحوحة التي صدرت من عجوز دلف للتو للمطعم..
"حمدون..اشتقت إليك"
بادرته هالة بمرح جرئ فقهقه العجوز بينما يلاحظ نظرات زيد المحدقة بهما بغيرة مشتعلة..
"هالة القمر كيف حالك؟ تعالي أسنديني للمائدة"
تمسكت هالة بذراعه وأجلسته ثم جاورته بأريحية تسأله:"أنا بأفضل حال..و ما أحوال صحتك؟"
ولم يستطع زيد متابعة الحوار حين جره مازن رغمًا عنه إلى المطبخ لتجهيز أطباق العشاء..
"كيف تجرؤ على انتقاد تصرفاتي أيها السيد؟"
رمش فادي بعينيه مستغربًا نبرتها الحادة وبرر بارتباك:"أليس علينا أن نواجه المخطئ بخطئه ونقومه؟"
أومأت نوران باستحسان ضاحكة فتنهد فادي براحة لنجاحه في الاختبار المفاجئ..
قبل أن تردف نوران:"والآن لنتحدث بجدية..ما بك لم تبدو مكتئبًا؟ لا أستشعر فيك فرحة النجاح التي انتظرناها سويًا"
"وهل ترين أن هذا يعد نجاحًا؟"
اتسعت عيناها مبهوتة من سؤال كهذا!
لقد عرفت فادي جيدًا خلال فترة استذكارهما وأدركت أي ثقة واعتزاز بالنفس يملك لذا لم تنتظر منه أبدًا سؤال كهذا يظهر كم ينتقص من مجهوده ويحقره!
"هل تمازحني؟ لقد حققت المعجزة..بجلسات مذاكرة مكثفة حفظت مناهج تتعرف إليها للمرة الأولى وأديت الامتحان بشجاعة.. إن سألتني فأنا آراه نجاحًا منقطع النظير بالنسبة لمجهودك المبذول"
وأدركت أنه مر بما ثبطه وأذهب فرحة نجاحه.. لكنها لم تعبأ بشأنه بل تابعت مشجعة:"لقد جربت لأول مرة النجاح بمجهودك الشخصي..صحيح أنك لم تحقق أعلى النتائج كبعض زملائك لأنك قصرت في الدراسة لكن تداركك خطأك وقدرتك على تجاوز الامتحانات بهذا المعدل نقطة تُحسب لصالحك"
ناظرها فادي بامتنان عاجزًا عن النطق به لكن دموع الفرحة التي تكاد تنبثق من عينيه تشي بما يريد قوله..
فأردفت:"لاحظت أنك تفضل المواد العلمية..ماذا عنك؟"
"إنها أول مرة تراودني هذه المتعة في الامتحانات..حين وجدت أغلب الأسئلة مفهومة بالنسبة إلي وليست مجرد طلاسم مشفرة كالألغاز..لولا.....فرحتُ بنجاحي لكنني.."
"لا بأس يا فادي يمكنك الإبقاء على الأمر سرًا إن لم تجد رغبة في مشاركتي إياه.. لكنني أنتظر منك مزيدًا من الجهد لتنمية موهبتك يا فنان خاصة أننا سنحتاجك عن قريب في المدرسة"
تألقت السعادة في عيني فادي وأومأ بحماس قبل أن يقول:"سأنفذ مشروع تطوير.. لا دعيني لا أخبرك الآن..سأراسلك حينها بالصور"
شاركته نوران حماسته..دون تكلف أو اصطناع بل إن سعادتها بنجاحه تكاد تضاهي سعادته وهذا ما يضفي القوة لعلاقتهما...
"وأنا سأنتظرها بفارغ الصبر يا فادي"
أتم مازن وزيد تجهيز المائدة فترأسها العم حامد بابتسامة واسعة وعقب بينما يجيل أنظاره في الأصناف أمامه:"أخيرًا تخليت عن داء البخل يا زيدون"
وغمزه بعبث متابعًا:"أم أن أحدهم نجح في تقويم اعوجاجك أخيرًا"
"أتعرفه؟"
طرحت نوران سؤالها الهامس على فادي والذي كان مسموعًا لمازن فمال عليها يجيبها:"إنه العم حامد يدير البقالة المجاورة للمطعم..وكما تعرفين فإن الجيران لا يستخدمون الألقاب ولا تتدخل الرسمية في حواراتهم"
جحظت عيناها ولم تعقب متظاهرة أنها لم تسمع شيئًا وانكبت على الطعام بمبالغة حتى كادت تدخل رأسها في طبقها..
أما فادي فقد همس لشقيقته بغيظ:"هل قررت اعتزال مهنة التدريس الشريفة الوقورة وأداء دور الخاطبة؟!!"
غصت أفنان بطعامها والتفتت إليه تسأله بصدمة:"هل وصل إداركك لهذه الأمور؟!"
فحدجها فادي بنظراته الغاضبة قبل أن يعلق بسخط:"جميعكم لا تفهمون بعد أنني صرت رجلًا!!"
"كيف تصرخ على مائدة أترأسها يا ولد؟"
ولأن زيد يدرك أن شقيقه لن يتفهم مزاح العم حامد أو أسلوبه وقد يجيبه بقلة لباقة وينفض الاحتفال بسببه.. تدخل مجيبًا:
"إنه فادي..أصغر رجال أسرتنا"
"تشرفنا"عقب العجوز مبتسمًا ثم التفت لهالة يتابع حواره الشيق معها..
"ذكرني بسبب هذا العشاء!"دمدم زيد بحنق..
ليجيبه مازن بحنق أشد:"نحن وحدنا من نعرف سببه الحقيقي ..إنه يبدو كاحتفال بنجاح فادي حقًا! ألا ترى كيف تنهمك نوران في الحديث معه؟! هناك هالة من الألفة تحوطهما!"
"كيف لا وهالة الألفة حاضرة بنفسها؟ انظر إلى شغف حمدون بحديثها!"
لم يحتمل مازن هذا العشاء الصامت أكثر فنهض يعلن بحماس:"ولأننا شبعنا وأنهينا العشاء فقد حان دور الفقرة التالية"
مط شفتيه وحار ما هي الفقرة التي تجعله يجلس على انفراد مع نوران!
ونظرات الجميع المتعلقة به بترقب تزيد تشتته..
فالتقطت هالة منه طرف الخيط مقترحة:"إن أردت رأي فهذه الأجواء تشعرني أنه حان الوقت لينفرد كل ثنائي ببعضهما على أنغام.."
بترت جملتها عندما حدجتها نوران بنظرة قاتلة نبهتها لانجرافها في عالم رومانسيتها الحالمة..بينما صدق حامد على اقتراحها فنهض واضعًا يده على عينيه يتظاهر أنه سيختار الثنائيات بعشوائية..
فأجلس مازن وزيد على طاولتين متباعدتين ثم أشار لهالة بمرح فاتخذت المقعد المقابل لزيد بسرور..والتفت الجميع لنوران فتحركت بخطوات غاضبة تكاد تشق الأرض تحتها ووقفت أمام مازن والذي حك جانب وجهه بتسل محاولًا مداراته خلف جديته المصطنعة فأشار لها أن تتقدمه إلى طاولة أبعد..
جارته نوران حتى لا تثير فضيحة أمام الجمع المنتبه لكل شاردة وواردة..
ثم صرخت به كما توقع:"ماذا تريد مني؟ كسرت الحدود وجعلتني أتخلى عن تحفظي ووقاري فأطلب لقاءك بنفسي ..ضحكات سخيفة ونظرات لا أفهم مغزاها!
ألا تملك القوة لتواجهني كرجل؟"
لم يكن مازن ليجد فرصة أفضل من هذه ليصرح بمشاعره ورغبته الصادقة في الاقتران بها إلا أنه ما إن فتح فمه حتى قال:"العم سعيد.."
قطبت نوران وناظرته باستفهام ليستطرد:"لم أخبرك ما حدث حين زرته"
"ألم تقل أن علينا ألا نقصر حياتنا على التفكير في استعادة حق والدينا طالما أنهما لم يسعيا لذلك؟"
أومأ يوافقها قبل أن يبرر:"لأنني وجدتك ترزحين تحت ثقل هذه المسئولية الشاقة.. لكنني لم أكن صادقًا تمامًا في قولي فأنا أيضًا أشعر أنه واجبي"
سحبت نوران مقعدًا وجلست قائلة:"تريد إخباري لكنك تنتظر سؤالي أولًا..لا بأس هيا اجلس وأخبرني عن لقائك بالعم سعيد..وبعدها أخبرني بالغاية الأساسية التي تسعى إليها بمراوغتك"
قطعت أفنان حديثهما في هذه اللحظة واضعة كوبي عصير أمامهما ببعض الحدة أراق القليل من المشروب البارد فراقبها الاثنان ضاحكين وهي تفعل المثل مع زيد وهالة قبل أن يلتفتا لبعضهما..
ويبتدأ مازن قصته بجدية قائلًا:
"لم يتم اللقاء"
وتوقع أن تنفجر نوران صارخة في وجهه كعادتها إلا أنها انتظرت التتمة بصمت إذ أدركت أنه لا يقصد الاستخفاف بها ويستحيل أن يمازحها بهذا الوجه البائس..
"مات العم سعيد ثم لحقته زوجته ورغم أنني لا أقربهما إلا أنني ورثت مسئولية تحقيق مرادهما "
ترحمت نوران عليه ثم سألت:"ومن التقيت حينها إذًا؟!!"
"التقيت السيدة ليلى قبل وفاتها وأوكلت إلي الإشراف على تنفيذ وصية زوجها"
صمتت نوران لوهلة بانتظار التتمة لكنه أبقى على صمته فطرحت سؤالها الأهم بقلق:"لا يبدو لي أن الأمر اقتصر على الوصية أليس كذلك؟"
"بلى أنت محقة..أخبرتني أيضًا أنها كتبت رسالتين لشخص يهمها وسردت علي بالتفصيل فحوى رسائلها..أتعرفين من هذا الشخص؟"
هزت نوران رأسها بالنفي رغم توقعها..ليستطرد مازن:"إنه عرفه..أكثر شخص يمقتني ويتمنى لو يسلبني كل ما أملك.."
"وكيف ستوصل إليه رسائلها؟"
"حين يجتمع أقاربها لفتح الوصية "
"لا أظنك مهمومًا لأجل مسئولية بسيطة كهذه كلفتك بها تلك السيدة..أخبرني بصراحة عما يزعجك؟"
وحينها فجر مازن قنبلته التي أخفاها داخله إلى الآن حتى كاد يختنق بدخانها السام:
"خالي وثق الشقة باسم عبد الرحيم بُناء على عقد بيع موقع من السيدة ليلى رغم أن هذا يناقض رسالتها وحين أخبرته رفض التعاطي مع الأمر وأخبرني أنه لن يسعى في أمر الوصية ولن يدخل في صراعات مع عبد الرحيم دون دليل مادي يملكه"
"يا إلهي!"
قالتها نوران شاهقة بذهول ولكن قلقها على مصيره طغى على أي شعور آخر لتسأله:
"أين وضعت الرسائل؟ قد يتهمك أحد بتزويرها كما تسعى الآن لإثبات تزوير توقيع السيدة ليلى على عقد البيع؟"
"الرسائل وضعتها في إحدى الغرف الغير المستعملة في شقة عمي..اخترت الغرفة التي يعدها الجميع مخزنًا لأغراضهم التالفة التي ينوون التخلص منها.."
قرأ على ملامحها المستنكرة ما تريد قوله فتابع:"هناك خزنة يعتز بها عمي ويحتفظ بها بذكريات عائلتنا فلا أظنه يفرط فيها أبدًا..كما أنني توقعت أن ينتهي الأمر بسرعة لذا بحثت عن مخبأ مؤقت..لكن خالي يرفض التعاطي معي بتاتًا وكأنه يخشى عبد الرحيم.. لم أر موقفه إلا جبنًا وتخاذلًا في حق العم سعيد"
رشفت نوران من عصيرها بهدوء متفكر قبل أن تجيبه:"لكنني واثقة أن خالك محام نزيه ..مؤكد يستند إلى حجة قوية ويثق أن حق العجوزين لن يضيع أبدًا"
"بل أكثرالحجج غرابة! لقد أخبرني بالحرف أن العجوزين ماكران رغم الانطباع المستضعف الذي يتركانه في النفس..ولا شك أنهما اتخذا احتياطاتهما لئلا تحرف الوصية أو تصل إليها يد عابثة"
"أتعرف أنني أثق برأيه.."
تفاجئ مازن بتأييدها موقف خاله كان يظن ان حميتها ستشتعل وتسعى معه لإيجاد طريقة لإقناع خاله...
كما استطردت بهدوء:"أظن أن دورك صار مقصورًا على إيصال الرسالة إلى صاحبها وقت فتح الوصية وعندها على صاحب الحق أن يطالب به..نحن لا نملك تغيير النفوس وإصلاحها يا مازن!"
لكن مازن حك جبهته واعتصر جلدها كما تعتصر الاحتمالات رأسه سائلًا:"وكيف ستوصيني ليلى أن عرفه هو صاحب الشقة من بعدها وفي الآن ذاته توقع على عقد بيع لآخر؟ هذا أكثر ما يثير حيرتي ويقلقني!"
"مجرد رسالة أمام عقد البيع؟ هل يستويان مثلًا؟!! ها أنا أعيد لك نصيحتك يا مازن..أطع خالك ودع النزاع لأصحابه هم أولى بالبحث عن حقوقهم ولا أظن الصحة تنقص أحدهم لفعلها.."
أنهت قولها بضيق شديد مشيرة لعرفه الذي لا يتوانى عن تهديد مازن وعبد الرحيم الذي لا يكل المطالبة بما لا يحق له!
راقبها مازن وهي ترشف من عصيرها بملامح مستاءة وسأل نفسه بغيظ عما يفعله! هل أتعب نفسه وخطط مع زيد لينتهي الاحتفال بالحديث عن الوصية وأطماع عبد الرحيم وغيره!!
وتمتم موبخًا نفسه:"لا تتظاهر بالنزاهة إلى هذا الحد!!"
"هل قلت شيئًا؟"
"نعم..أردت أن أسألك عن السبب الحقيقي لشعلة الغضب التي ترمقينني بها"
"أنت أكثر شخص مراوغ قابلته في حياتي.. فادي أخبرني أنك وجدت عروسك وربما تقدمت لخطبتها بالفعل..إذًا ما الذي يبقيك هنا أمامي تشاركني مشكلاتك؟"
"دعيني أخبرك أولًا هوية عروسي"
"هل تذهبين للرحلة المدرسية؟"
احتلت أفنان المقعد بينهما ملقية سؤالها الذي لم تستوعبه نوران بينما كل انتباهها مع التبرير الذي ستخرج به مخيلته الواسعة أما مازن فقد رأى تصرفها غاية السماجة والتطفل...فحدجها بنظراته المحذرة لكنها لم تكترث واستطردت قائلة:
"أخبريني عن الحفل الختامي الذي تكاسلت عن حضوره"
والتفتت لشقيقها قائلة:"حان وقتك لمجالسة العم حامد..هيا غادرنا"
وناظرته باستفزاز قرأ رسالته المبتزة فإن تجرأ واعترض ستصرح بالسبب الحقيقي للحفل وحينها لن ترضيه ردة فعل نوران أو والدها بتاتًا..
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
وعلى طاولة أخرى حيث جلس زيد مقابلًا لهالة يتطلع في وجهها المشرق مبتسمًا إذ ينوي استخراج موافقتها الآن قسرًا حتى يتقدم لخطبتها رسميًا في أقرب وقت..
ارتشف من كأس العصير أمامه مستلذًا بحلاوته التي يثق أنها لن تكون شيئًا أمام حلاوة اعترافها لو بادلته حبه..
واستشعرت هالة ما يوشك على قوله فبادرته مدمرة أحلامه نافثة أمر اعتراف قد يسمعه :"أنا لا أحبــــــــــــك"
كاد يبصق العصير الذي شربه إذ استحالت حلاوته مرارًا مع اعترافها الجارح في صراحته..
واستطردت مبررة:"أنا كهالة أصدق دائمًا حدسي وشعوري تجاه الناس.. فبوصلة قلبي لا تخونها الاتجاهات مهما حدث لذا ما إن رأيتك حتى أعلنتها صريحة لشقيقتي وربما استشعرتها أنت أيضًا..أنا رأيت فيك فارس أحلامي وحلمت بزواجنا حتى رأيته بعين خيالي واقعًا..
لكنني مؤخرًا صرت أرى الأمور بنظرة أخرى..إذ لم يعد يروقني حديث المرح والأحلام..أريد بناء هالة"
استوقفته بإشارة من يدها لتسرد أكثر شارحة كل أسبابها ودوافعها تخبره بصراحة من هي هالة..وقد أتاح لها الفرصة فما ستلقيه على مسامعه سيتشربه ويعيه ليستبق عمرًا كان يحتاجه ليتعرف عليها فأهدته هي له بجلسة واحدة..
"إن شعورك المتلهف نحوي إنما هو لهفة البدايات..حماسة مؤقتة سرعان ما تزول..أنا مدركة لتأثيري.."
ضحكت بخفر قبل أن تصحح:"أعرف أن شخصيتي المرحة تجتذب الأنظار و تجعلني محببة مقربة للنفس..لكنني لا أريد بناء علاقة كالزواج على شئ كهذا .. شئ أسعى لتغييره..."
مع كل كلمة تلقيها كانت ملامح زيد تنشرح أكثر فأكثر حتى ابتسم أخيرًا وأجابها: "والآن من حقي عليك أن تنصتي إلي كما فعلت"
بادلته هالة الابتسام وأومأت موافقة.. فشاركها مقولة جلال الدين الرومي التي أحسها تصف حالته الآن..
"أنا لم آت لأعطيك شيئًا جديدًا بل لأخرج جمالًا لم تكن تعرف أنه موجود فيك"
وأردف:"إنني أدينك بشدة على وصف جمال هالة بهذا الاقتصار..لكل منا جاذبية وجوهر لشخصيته.. وأثق أنك تملكين ما لايحصى من مواطن الجمال لذا اسمحي لي أن أكون شريكًا لك في رحلتك ولنكتشفها معًا"
دمعت عينا هالة وكتمت شهقة تأثرها بكفها واستقرأ زيد ما تقوله عيناها..لقد أخبرته أنه يقدم لها دليلًا جديدًا كونه فارس أحلامها المرتقب والمنشود..
وكعادتها خرجت من بوتقة مشاعرها بتعليقها المرح:"لازلت ضعيفة وأتأثر بسهولة"
فغمزها قائلًا:"هذا لحسن حظي بالتأكيد"
وأضاف باعتزاز:"أما عني فأنت تعرفينني جيدًا..لا أملك عيوبًا غير..لا ..دعينا لا نعده عيبًا ولكنني سأخبرك به على سبيل المعرفة.. أنا غيور جدًا وخانق في اهتمامي وحين يشتد غضبي لا أبصر ما حولي"
عوجت هالة شفتيها كأنها تتحسر على حالها وجابهت زيد الضاحك باستنكار:
"ولا تعده عيبًا! أنا منبهرة بغرورك..وعلى كل حال دع لي تلك المهمة أنا سأجيد قراءة المواقف والتعرف إلى مميزاتك وعيوبك بهوادة"
"بكل سرور..وأنا أخذت موافقتك الرسمية التي ستكون عتادي أمام والدك"
"انتباه لقد وصل قالب الحلوى"
أعلن فادي فنهض هالة وزيد ينضمان إليه بابتسامة واسعة بينما زفر مازن بيأس فقد ظن أن ساعة نجاته من مكر العم حامد لن تحل أبدًا..
وتعلقت نظراته بنوران التي تناظره بامتعاض ثم تعود لحديثها مع أفنان..فتمتم بضيق:
"كنا نطلب قوات الأمن سابقًا للتفريق بينهما والآن صارتا أعز صديقتين!"
وتوجه بنظراته الحانقة لشقيقه الذي يطلق ضحكاته دون سبب وبمبالغة فعرف أنه نال مراده خاصة وهالة إلى جواره تشع ابتهاجًا وتلقي تعليقاتها المرحة في كل مكان حتى أنها خصت فادي بالحديث ربما للمرة الأولى..
"مبارك نجاحك يا فادي..استمر على هذا المنوال وثابر لتحقيق أحلامك"
تهرب فادي بعينيه وأجابها متلعثمًا:"بالطبع..أشكرك"
فالتفتت هالة لزيد تسأله باستغراب:"هل ضايقته بحديثي؟ أم أن مباركتي المتأخرة أزعجته؟"
"لا..لا تهتمي"
أجابها زيد ببوادر غضب تشع من صوته فقد أدرك أن نظرات فادي لهالة إعجاب مراهق بفتاة جميلة لذا يخجل من مواجهتها في حديث طويل..
وتنحنح حامد قائلًا:"لن أستطيع متابعة السهرة معكم للأسف..لا تنس يا زيدون إرسال نصيبي من قالب الحلوى غدًا..وأنت يا هالة القمر مري علي في البقالة بين الحين والآخر ولا تغريك الحلوى في مطعم هذا الغر..بقالتي أفضل من مطعمه"
ضحكت هالة تعده بزيارة قريبة.. ورافقه كل من زيد ومازن لباب المطعم..
فاستغلت أفنان هذه الفرصة لتهتف بالفتاتين مجفلة إياهما:"احذراني منذ اليوم"
وفي حين تلقت نوران قولها مستغربة ابتسمت هالة فاهمة تمامًا مقصدها وفاجأت نوران بأغرب تصرف لم يمر بتوقعاتها أبدًا إذ قالت:"اشكري شقيقيك على الدعوة بالنيابة عنا.. وأخبريهما أننا سنتناول قالب الحلوى في مناسبة أخرى"
"ألن تنتظري عودتهما؟ ربما يغضبان.."
"لم يعد يليق جلوسنا أكثر يا أفنان"
أصرت هالة قبل أن تغادر مع شقيقتها المبهوتة من تصرفها حتى صارتا بمفردهما في سيارة الأخيرة التي بادرتها:"لم أعرفك حقًا"
"طالما عرفنا الغرض من الدعوى كان لزامًا علينا المغادرة"
قرأت نوران في نبرتها الأمومية أن زيدًا كرر طلبه لها فتظن أن شقيقه فعل المثل معها لذا قالت بحسم:
"الرجل يا هالة لا يعرف إخفاء مشاعره..بل كلما زادت قوتها كان إفصاحه عنها مدويًا أكثر وفي أقرب فرصة ممكنة..لذا أنصحك بقصر تخيلاتك على علاقتك بزيد"
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
بعد أيام من خيبته الثقيلة كما صنفها مازن ..طالع صور الحفل بابتسامة واسعة واحتفظ بالصور التي جمعته بنوران إلا أنهما لم يقفا متجاورين في أيها إذ يفصل بينهما دائمًا إحدى المعلمات أو السيدة جنات..
قاطعته رسالة السيدة جنات التي قرأها متخيلًا التسلية في عينيها..
(لم أخفيتما الخبر السعيد يا سيد مازن؟! كان علينا أن نقيم احتفالًا مزدوجًا وأعلنها بنفسي للجميع..لكن لا بأس فالأستاذ ماجد قام باللازم)
ثم وصلته إشارتها في منشور نشرته في التو والحظة ..اشارت لنوران كذلك وللأستاذ ماجد تشكره على إيصال الصورة بأمانة منقطعة النظير إذ كتبت:
(شكرًا لأنك لم توافق صاحبي الشأن في قرارهما ونشرت البهجة بيننا بهذا الخبر السعيد)
مع صورة له مع نوران متجاورين كما تمنى بينما يقفان ظهرهما لبعضهما وقد تماس كتفيهما بحميمية تؤكدها نظراته المفتونة فلم يتمالك نفسه حينها وكاد قلبه يلفظ مشاعره الجارفة نحوها..بينما ظهرت الصدمة في عيني نوران..
"لقد أفسدتم الأمر..نشرتم البهجة بينكم وأتعستموني!!"
صرخ مازن بارتياع زادت وتيرته حين استحضر رد فعل العم طاهر على خبر كهذا!
وضرب جبهته بيأس قبل أن يقطب متسائلًا بحيرة:"ألم يتغيب الأستاذ ماجد عن الحفل؟"
وتأكد له ظنه مع تعليق الأستاذ ماجد الذي يقطر حيرة واستغرابًا: (مبارك الخطبة
ولكنني لم أنل شرف معرفة الخبر إلا الآن ولا علاقة لي بهذه الصورة!)قراءة ممتعة😉❤️❤️
#فوت
#كومنت
متنسوش تكتبوا رأيكوا ف تصرفات ابطالنا🤗❤️
YOU ARE READING
جيران المدينة
Romanceرواية اجتماعي..رومانسي..كوميدي.. تناقش عدة قضايا اجتماعية في إطار عائلي درامي انتظروا فصل جديد يوميًا بإذن الله ❤️