علّمتنا أمّي منذ الصغر أن نحترم خصوصيّات المنازل التي نزورها وحُرُمات أهلها.. فلا نُحرّك قطعة أثاث، ولا ننتقد أماكن اللّوحات، ولا ندخل غرف النوم، ولا نفتّش في الأدراج عن أسرار صغيرة مُخبّأة، لا نسأل لِمَ الأدوية علىٰ المنضدة الصغيرة بقرب السرير، أو أسباب الشجارات التي تسابقت صرخاتها لأطراف الحيّ، لا نشمئزُّ من أكلةٍ يقدّمونها، أو نشتكي قلّةَ الملح أو كثرة السكّر في الحلوىٰ!
أمّي التي كانت تقرصُ آذاننا إن ضحكنا علىٰ البنطال القصير جدًّا الذي كان يرتديه جارنا غريب الأطوار مرفوع الرأس حتّىٰ السماء أثناء ريّ حديقته، التي كانت تردّد دائمًا إنّ للغير دائرة تحيطه هي مساحته من الحريّة لا يجب أن يشاركها غيره أو يطأ عليها إلّا بإذنه، ولا يحقّ لنا السخرية منها.
كبرتُ وأدركت أنّ قواعد أمّي لا تصمد في هذا العالم، وأنّه ليست كلّ الأمّهات لها هٰذه الصرامة في فرض الآداب، وأنّ أمّي لم يكن لديها الوقت الكافي لتُعلّم باقي أفراد الحيّ الذي علّمتنا أيّاه؛ فأنا مثلًا في مزاجٍ معيّن سأقرأ ما يرضي الحالة التي أمرّ بها، أسمع الموسيقىٰ المناسبة، أو أشاهد فيلمًا له نفس الأجواء، لا أتذمّر من فيلم دراميّ حزين لأنّ مزاجي جيّد ويشتهي الضحك، بدلًا عن ذلك أشاهد فيلمًا كوميديًّا!
هٰذه هي: بساطة الاختيار فقط!
وحين أقرأ لكاتبٍ سياسيّ، لا أتضجّر قلّة كتاباته العاطفيّة، ولا أفرض عليه التنويع فيما يكتب، بالمقابل سأقرأ لكاتبِ آخر نصوصًا عاطفيّة.. لذا نحن حين نُقدِم علىٰ الدخول لمدوّنة شخص ما، علينا حقًّا احترام التوجّه الذي يختاره لكتاباته، أنت كضيف لك حقّ المتابعة من عدمها، الإعجاب من عدمه، وأكرّر عليك الذي علّمتني إيّاه أمّي: "من غير اللّائق أن أدخل بيتك لأقترح عليك تغيير غرفة الجلوس مثلًا؛ لأنّي لا أحبّ اللّون الأصفر".