وصف لمشهد

12 5 0
                                    

وصف لمشهد دمويّ مستوحىٰ من التفجير الأخير في بغداد:

مرَّ أسبوعٌ كامل.. كان صعبًا؛ حملتُ الطابوق لمرّاتٍ تتجاوز قدرتي علىٰ العدّ، لكنّي حصلتُ علىٰ قليل من الدنانير، كنتُ أظنّ هذا حتّىٰ لمحتُ دمعة والدتي الفخورة، غدًا هو اليوم الموعود، يوم الذهاب إلىٰ السوق، "قطعتين فقط يا أمان، ستشتري قطعتين تكفيك لسنة"، السنة كنتُ مجتهدًا؛ وعدتني أمّي بثلاث قطع!

وبعد السير لساعات ممسكًا عباءة والدتي التي حفظتُ ثقوبها عن ظهر قلب.. وصلنا، ومثل كلّ سنة ذُهلتُ بالأشياء الملوّنة، والملابس الجديدة، كان هذا أجمل مكان رأيته في حياتي!

بائع الشاي يحملُ شايًا برائحة حبّه لعائلته و"الهيل"، شدّني قميصٌ أحمر سحرني برسمة خارطة العراق علىٰ ظهره، والدتي قد سحرها أيضًا مع قميص آخر ذي لون أزرق فاتح يشبه الحرّية!

قبل وصولنا إلىٰ البائع العجوز، سمعنا أحدهم يتألّم، هرعتْ والدتي، هرعتُ معها لأساعده؛ هو ليس أثقل من الطابوق، قلبي في القميصين، وإنسانيّتي تركض للمتألّم، وفي لحظةٍ ما قبل أن أمسك به، تطاير كلّ شيء مع الطيور.. القميص الأحمر كبر للحدّ الذي غطّىٰ الأرض كاملة، حتّىٰ بائع الشاي والعجوز والألعاب الملوّنة والإنسانيّة!

الثقوب في عباءة أمّي ازدادت بشكلٍ مرعب، مع فارق أنّها لم تكن فقط في العباءة هذه المرّة، يدي اليمنىٰ وقدمي اليسرىٰ ما عادتا موجودتين؛ يا الله كيف أحمل الطوب الآن؟!

وبعد دقائق، بعد أن فعلت الإنسانيّة فعلتها مرّة أخرىٰ، كان دور القميص الآخر، بلونه السماويّ اكتست جنّة الأطفال، كان هناك من يعطي الهدايا عند البوّابة سمّوه "المُحسن"، وآخر يستقبل الأطفال اسمه "عبد الله"، وأمّي بعباءة بيضاء بلا ثقوب، أهدتها إيّاها امرأة اسمها "الزهراء".

وهكذا لم يجتمع "أمان" مع قمصانه العراقيّة.

تـوعـيـةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن