خُـطـبة زيـن الـعـباد (ع)

19 5 0
                                    

‏وتحضر الحاجة إلىٰ تعريف الآخر بأنفسنا، وتزداد إلحاحًا كلّما تصاعدت نسبة التحريف والحجب والتعتيم الإعلاميّ، هذا التعتيم ليس وليد اليوم، فبعد معركة كربلاء روّجت السياسة الأمويّة أنّ الأسرىٰ هم من الخوارج، لقد وقف حينها الإمام السجّاد (عليه السّلام) وخطب يعرّف بنفسه:

"أيًّها الناس، أنا ابنُ مكّةَ ومِنىٰ، أنا ابنُ زمزمَ والصَّفا، أنا ابنُ مَن حَملَ الركن بأطراف الرِّدا، أنا ابن خير مَن ائتزر وارتدىٰ، أنا ابن خير مَن انتعل واحتفىٰ، أنا ابن خيرِ مَن طاف وسعىٰ، أنا ابنُ خير مَن حجّ ولبّىٰ، أنا ابنُ مَن حُمِل علىٰ البُراق في الهواء، أنا ابن مَن أُسرِيَ به من المسجد الحرام إلىٰ المسجد الأقصىٰ، أنا ابنُ مَن بلَغَ به جبرئيلُ إلىٰ سِدرة المنتهىٰ، أنا ابنُ مَن دَنا فتدلّىٰ، فكان قابَ قوسَينِ أو أدنىٰ، أنا ابنُ مَن صلّىٰ بملائكة السماء، أنا ابن مَن أوحىٰ إليه الجليلُ ما أوحىٰ، أنا ابن محمّدٍ المصطفىٰ، أنا ابنُ عليٍّ المرتضىٰ، أنا ابن مَن ضرَبَ خَراطيمَ الخَلْق حتّىٰ قالوا: لا إله إلاّ الله، أنا ابن مَن ضرب بين يدَي رسول اللهِ بسيفَين، وطعن برمحَين، وهاجَرَ الهجرتين، وبايع البيعتين، وقاتَلَ ببدرٍ وحُنَين، ولم يكفر بالله طَرْفةَ عين، أنا ابنُ صالحِ المؤمنين، ووارثِ النبيّين، وقامعِ الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزينِ العابدين، وتاجِ البكّائين، وأصبرِ الصابرين، وأفضل القائمين مِن آل ياسينَ رسول ربِّ العالمين، أنا ابن المؤيَّد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، وقاتلِ المارقين والناكثين والقاسطين، والمجاهدِ أعداءه الناصبين، وأفخرِ مَن مشىٰ مِن قريشٍ أجمعين، وأوّلِ مَن أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين، وأوّلِ السابقين، وقاصمِ المعتدين، ومُبيدِ المشركين، وسهمٍ مِن مَرامي الله علىٰ المنافقين، ولسانِ حكمةِ العابدين، وناصرِ دِين الله، ووليِّ أمر الله، وبستانِ حكمة الله، وعيبة علمه، سَمحٌ سخيٌّ بهيّ، بُهلولٌ زكيّ أبطحيّ، رضيٌّ مِقدامٌ همام، صابرٌ صوّام، مهذَّبٌ قَوّام، قاطعُ الأصلاب، ومُفرِّق الأحزاب، أربطُهم عِنانًا، وأثبتُهم جَنانًا، وأمضاهم عزيمة، وأشدّهم شكيمة، أسدٌ باسل، يَطحنُهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنّة، وقَرُبت الأعنّة، طَحنَ الرَّحىٰ، ويذروهم فيها ذَرْوَ الريح الهشيم، ليثُ الحجاز، مكّيّ مدنيّ، خَيفيٌّ عَقَبيّ، بَدريٌّ أُحُديّ، شَجَريٌّ مُهاجريّ، مِن العرب سيّدُها، ومِن الوغىٰ ليثُها، وارثُ المشعرَين، وأبو السبطَين، الحسن والحسين، ذاك جَدّي عليُّ بن أبي طالب، ثمّ قال: أنا ابن فاطمةَ الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء".. فلم يزل يقول: أنا أنا، حتّىٰ ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشِيَ يزيدُ أن ينقلب الأمر عليه، فأمر المؤذّنَ فقطع عليه الكلام. فلمّا قال المؤذّن: اللهُ أكبر، الله أكبر.. قال عليّ: لا شيءَ أكبر من الله. فلمّا قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله.. قال عليّ بن الحسين: شَهِد بها شَعري وبَشَري، ولحمي ودمي. فلمّا قال المؤذّن: أشهد أنّ محمّدًا رسول الله.. التفتَ مِن فوق المنبر إلىٰ يزيد فقال: محمّدٌ هذا جَدّي أم جَدُّك يا يزيد؟! فإن زعمتَ أنّه جَدُّك فقد كذبتَ وكفرت، وإن زعمتَ أنّه جَدّي فلِمَ قتلتَ عترته؟!

• ‏لقد أدّىٰ كلام الإمام (عليه السّلام) إلىٰ أن تتبخّر كلّ الدعايات المضلّلة التي روّجتها السياسة الأمويّة، والتي تركّزت علىٰ أنّ الأسرىٰ هم من الخوارج، فبدّل نشوة الانتصار المزعوم، إلىٰ حشرجة الموتىٰ في حلوق المحتفلين.

تـوعـيـةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن