الفصل الأول
قبل عشر سنوات
يمسك بيدها بقوة يستشعر ضعفها و قبضتها الواهنة على أنامله يقترب بأذنه من فمها ليستمع لم تهمس به بخفوت و قد أخذ منها المرض مأخذه .. "لقد سألتني كثيراً عن والدك إبراهام "
نظر بوجهها الشاحب بحزن " نعم أمي سألت و لم تجيبي لذا علمت أنك لا تريدين اخباري عنه "
قالت بحزن "أريد أن أخبرك الأن "
" لماذا الآن ماما "
ابتسمت بألم " خشيت أن تذهب للبحث عنه و تتركني "
" لم أكن سأفعل ذلك رغم توقي لمعرفته لكن ليس لأتركك بل لأسأله لماذا فقط "
" لم أكن أريد أن اجازف فليس لي سواك بعد تخلي عائلتي عني "
لمس رأسها بحزن فهو سمع من قبل أن عائلتها تخلت عنها بسبب أنها قررت الاحتفاظ به وهو يعلم أنهم متزمتون بشدة و أعدوا فعلة ابنتهم عار " لم أعد أهتم بذلك الأن صدقيني "
" بل ستفعل و قد آن أوان رحيلي لا أريد تركك وحدك بني " كانوا عامين مؤلمين له و لوالدته فقد علموا أن لديها ذلك المرض الخبيث الذي لم يترك لهم أمل في النجاة منه و قد تدهورت حالتها بسرعة و قد تمكن منها المرض و منذ ذلك الوقت و هو يشعر أنه فقد جزء من روحه و هو يرى والدته تذوي يوم بعد يوم و لا يستطيع أن يفعل شيء لها يشعر بعجز بشع ولا يعرف كيف سيتقبل ذهابها و رحيلها عنه أنه شعور مؤلم و شديد القسوة . خاصة أن لا أمل لديها لتتعافى
" أنا لست صغير ماما أنا في الخامسة و العشرون لست صغير أحتاج لمن يحميني و يعتني بي لا تقلقي علي فقط أرجوكِ كوني بجانبي لا أستطيع فقدانك قاومي من أجلي "
قالت بألم .
" أنها الحياة حبيبي و هذا موعدي فلا تبتئس و لكن ما يؤلمني أنك ستكون وحيد بدوني لا عائلة و أنا لا أريد لك ذلك أعلم ذلك الشعور جيدا بعد تخلي عائلتي عني و لولا وجودك في حياتي مؤكد كنت سأنهار وحدي لقد كنت أستمد قوتي للاستمرار منك "
تنهد أبراهام و رفع راحتها لفمه يقبلها قائلاً
" أنتِ ستكونين بخير ماما و لن أكون وحدي "
كانت تأخذ أنفاسها بصعوبة و هى تشعر بدنو أجلها فلا مهرب من مواجهة الحقيقة. فأرادت أن تريح ضميرها و تجيبه عن هذا السؤال الذي لم يكف عن طلب جواب له منذ كان في العاشرة من عمره ولدها الوحيد إبراهام و الذي لم تنجب غيره أو فكرت بذلك و قد كرست حياتها له رافضة دخول أي أحد لحياتها حتى لا يتأذى لو علم حقيقة مولده و رافضة العودة لمصر و البقاء مع والده فلم تكن تريد أن تكون سبباً في تعاسته هو أيضاً .
" أنصت إلي بني والدك ليس إنجليزي الجنسية كما تظن أنت لذا لم أستطيع أن أخبرك عن هويته كل هذه السنوات. أنه رجل عربي تعرفت عليه عندما ذهبت لزيارة لمصر كنت في الثامنة عشر و كانت رحلة عمل لوالدي و قد ذهبت معه وقتها كان يتركني أتجول وحدي كثيراً لينهي أعماله هناك حتى لا أشعر بالملل وحدي تعرفت عليه و تكررت زيارتي لمصر و لقائه لذا تقاربنا وتحركت مشاعرنا تجاه الأخر كانت مشاعر متبادلة "
كانت صدمته كبيرة بهذه المعلومات لهذا لم تريد اخباره عن هويته فهو ليس من بلادهم و لكن من أخر مكان يمكن أن يتخيله اختارت والدته رجل ليس من بلدها بل من بلد بعيد تماماً و لكنه لم يظهر ذلك لها خاصة و هى على حالتها المتألمة تلك و لم يشأ أن يقول كلمة تحزنها فمن بين كل الرجال في العالم تختار رجل مصري عربي " إبراهام بني هل تنصت إلي "
كان وجهه شاحب متجمد الجسد لتعلم كم هو مصدوم بهذه المعلومات فقال باضطراب " نعم ماما أنا أستمع إليكِ "
" هل تذكر حين كنت أجعلك تدعو جارنا أحمد محفوظ لمنزلنا بعض الأحيان و نذهب نحن إليهم في زيارات ودية خاصة في مناسباتهم "
لم يفهم يوماً لم أمه ليس لها أصدقاء من بلدهم ولم يكن لها أحد إلا بعض الأصدقاء العرب المقيمين هنا للعمل أو للدراسة لم يفهم يوماً لما تذهب إليهم في المناسبات الخاصة بهم رغم أنهم لا يبادلونها ذلك بل كانت علاقتهم طيبة بعيداً عن الحديث في العقيدة الخاصة بهم أو بوالدته و لم يفهم يوماً فضول والدته تجاه حياتهم لم يكن يحب الذهاب معها و لكن لم يشأ أن يغضبها بالرفض الدائم فهي ليس لها غيره كما تقول فكان يذهب أحياناً و يرفض أحياناً أخري .
"نعم أمي أتذكر كل شيء هل هذا له علاقة بوالدي . هل تريدين القول أن السيد أحمد هو والدي "
قالت نافية بحزم " لا. لا إبراهام هو ليس والدك و لكن والدك قريب له "
يا إلهي . ماذا تقول قريبه هل تقول أن والده مصري و.. توقف تفكيره عند هذا الحد ليسألها بصوت مختنق
" أعتقد أمي أنه حان الوقت لتخبريني الحقيقة كاملة عن حقيقة مولدي "
قالت جودي بفتور " سأخبرك بني فهذا أوان المصارحة و لم يتبقى الكثير "
ازدردت غصة كانت تسد حلقها لتكمل بهدوء " في إحدى زياراتي لمصر بعد تعارفنا و تعددت لقاءاتنا تقابلت مع والدك و طلب مني الزواج كنت أعرف أن أبي لن يوافق خاصة أن والدك ليس مثلنا أقصد أنه عربي و والدي رجل كاثوليكي متزمت بشدة لم يكن سيقبل بالطبع أخبرت والدك عن ذلك و لكنه لم يهتم و أخبرني أني فتاة راشدة الأن و يمكننا الزواج دون انتظار موافقته و لكوني كنت أحبه أخبرته أن زيارتي القادمة سأخبره بقراري "
" و عدت بالزيارة القادمة "
أقر واقعها ذلك الحين
" نعم عدت. عدت من أجله "
" هل تزوجتم؟!"
أومأت بصمت شرد بحيرة لماذا لم تظل معه إذن لا يفهم و هذا الرجل كيف تركها دون أن يقنعها بالبقاء إذا كان أحبها قال بهدوء " و بعد أمي أكملي "
قالت جودي بحزن " لقد ذهبنا لمحام صديق لوالدك و طلبنا منه كتابة عقد زواجنا. لم نذهب للسفارة أو المحكمة خشية أن يعلم والدي بذلك "
صمتت قليلاً ثم عادت تكمل " لقد طلب والدك أن ننتظر أن يقبل والدي زواجنا لنتممه و لكني كنت أعلم أنه لن يوافق يوماً ما لذا و قبل نهاية زيارتي طلبت مقابلته "
تنهدت بحرارة و عينها تدمع بشجن " جاء و ظن أني أخبرت أبي و لكني لم أفعل بل كنت أريد أن أودعه فقد علم أبي بعلاقتنا و قال لي أنه لا يفضل أن يكون لي علاقة بأحد الرجال من هذه البلاد خاصة لو كان مسلم "
صعق أبراهام عندما قالت والدته هذا و ردد بصوت مختنق
" مسلم "
أومأت مرة أخرى بصمت و أشارت لكوب الماء فنهض مسرعا يملئه لها و يساعدها على احتساء بعض الماء الذي بللت به شفتيها قبل أن تبعده عن فمها مكتفية بما شربت عادت لتقول بهدوء " كنت أحبه و يائسة و علمت أن أبي لن يسمح لي أبداً بالزواج به لذا عندما ذهب أبي لإحدى زياراته من أجل العمل طلبت منه اللقاء و أن يحضر العقد معه "
" لماذا "
" قد تظنني حمقاء لم فعلته و لكن هذه كانت الطريقة الوحيدة ليرضى والدك بالتقرب مني "
احتقنت وجنتيها الشاحبة فدهش إبراهام لذلك فوالدته رغم كل شيء ما زالت بريئة أراد أن يبكي من أجلها فلم تحصل على حب حياتها ولم تجد من يعوضها عنه في سنواتها الماضية. " وبعد "
لا يحتاج تفاصيل بل فقط ما حدث بعد ذلك "
قالت بحزن " كنا نمضي الأيام القليلة قبل ذهابي معا و في إحدى المرات رانا والدي نتبادل القبلات ف ثار و غضب كان والدك يريد أن يخبره بزواجنا و لكني منعته من ذلك خشية عليه من والدي ربما تسبب في إيذائه . لذا وعدت أبي أني لن أراه مرة أخرى و حين طلبني والدك أن أراه أخبرته أني مزقت عقد زواجنا منذ أول مرة أحضره و أنه لم يعد من المناسب رؤيته لقد غضب والدك لذلك و قال أني قمت بخداعه و الكذب عليه "
" و هل فعلتِ "
" نعم و لا "
بكت بحرقة. " لقد مزقته بالفعل و لكن لم أتخلص منه و لكن والدك ثار و غضب و ظن أني كنت أستغله و أني لم أكن أنوي الزواج به كما أخبرته "
" و والدك "
قالت ببؤس " لم يحضرني معه مجدداً و رفض أن أكون على اتصال به مهددا إياي بقتله أو سجنه "
" و صدقته "
" فعلت فوالدي كان ذا نفوذ وقتها "
" و عدت معه هنا و علمت بوجودي "
ابتسمت بحزن " نعم علمت و كان وقت عصيب حتى حسمت أمرى و تركت العائلة حفاظا عليك "
" لماذا لم تعودي لأبي "
" لم أستطع و لم أكن أريد العودة لمصر مرة أخرى وضعت تهديد أبي أمام عيني فلم أستطع أن أجازف بإيذاء والدك "
ساد الصمت مرة أخرى قبل أن تقطعه قائلة
" و الأن آن لك أن تعلم عن والدك "
أنت تقرأ
سيد مان
Acciónهو الغاضب و الهادئ و اللامبالي هو البريء و المذنب و المقاتل هو الحذر و الشجاع هو المسالم و المشاكس هو الساخر و الجدي هوايته حل المشاكل هو مجرد أحمق بعضلات نافرة دخل لحياتهم عنوة يأبى أنفه أن يبق بعيدا في نظر البعض هو البطل