" الفصل الخامس عشر.."
" ابتعدتِ عني ويبدو انكِ نسيتِ قلبي.. فأخذت انظر إليكِ بجانب عيني نظرة طويلة كي تنتبهي لي مثل زمان.. فقد اشتاق القلب.. أليس هناك لقاء قريب؟!.."
"وقف أمام الشاطئ يداعب المياه بقدمه.. كانت وقت الغروب والبحر يحتضن الشمس بشكل رائع.. أخذ يتأمل ذلك بعمق حتى خيل له أنه البحر وهي شمس حياته و يود أن يحتضنها بشدة.. نظر اتجاه اليسار تفاجأ بها تحتضن نفسها بذراعيها وتشعر بالبرد الشديد.. تقدم نحوها وهو يفتح سحابة معطفه الأسود وخلعه و وقف خلفها و وضعه على كتفيها.. التفتت إليه وحركت شفتيها باسمه ويبدو عليها الدهشة.. لقد تقابل معه شمسه وحان وقت العناق فتح ذراعيه واحتضنها بشدة ليشعر بالارتياح الذي لم يشعر به من قبل.. "
استيقظ بلهفة وشعر بحبات العرق الباردة على جبهته وصدره العاري.. نهض عن الفراش ووقف يفكر في ذلك الحلم ثم اتجه نحو خزانة ثيابه ودخل يبحث عن ذلك المعطف إلى دقائق ولم يجده..
تذكر عندما أعطاه إليها في الواقع مثلما شاهد في المنام.. فكر بعمق بها حتى خيل له انها تحتضن معطفه وتستنشق عطره به وتلقائيًا لاحت ابتسامة جانبية على ثغره لكن سرعان ما اختفت عندما تذكر أنه لم يملك شيئاً يخصها كي يحتضنه.. خرج من غرفة الخزانة ووقف أمام المرآة ومسك بالقلادة التي تحمل أسمها..
دخل يوسف بعد أن قرع الباب واضأ مصباح الغرفة الكبير ناظرا إلى الفراش لم يجده ليبحث عنه بمقلتيه حتى وجده وتقدم نحوه قائلاً :
-واقف عريان قدام المراية ليه؟
ترك القلادة والتفت إليه ينظر إلى سرواله القطني قائلاً :
-ما أنا لابس اهو
ابتسم وضربه على صدره بخفه وقال مداعبًا :
-اقصد صدرك يا خفيف
أومأ بخفه ثم تساءل باهتمام :
-وصلتوا امتا؟!
-من ساعة وكنت لسه نايم.. يلا عشان تتغدى معانا.. أقصد تفطر
أومأ بالإيجاب وقال مبتسما :
-حاضر.. هاخد شاور وأحصلك
أومأ برأسه ثم تركه وغادر الغرفة ودلف الأخير إلى المرحاض و وضع جسده أسفل الماء البارد.. وبعد لحظات ليست قليلة خرج و وقف يمشط شعره ويضع من عطره المفضل ثم اتجه نحو الفراش والتقط الهاتف وقام بفتحه ليجد الكثير من المكالمات والرسائل أكثرها من مايا ليعقد بين حاجبيه بسأم :
-عايزه أيه يا مايا؟!
هم بالاتصال عليها لكن صدح صوت الهاتف معلنا عن اتصال من مايا وضع الهاتف أعلى المنضدة المجاورة إلى الفراش وقام بترتيب السرير جيدًا ثم فتح ستائر الشرفة الزجاجية كي تخترق إشاعة الشمس الغرفة ثم جلس على حافة الفراش وانتظر حتى اتصلت عليه من جديد وأجاب عليها..
-أخيراً فتحت تلفونك وعبرتني
قذفت كلماتها في تذمر بالغ ليرد عليها بهدوء :
-كنت نايم وشيء طبيعي بقفل التلفون
تساءلت بنعومة :
-سيفو أنت هتقدم في أنهي جامعة؟
-ورايا حتى في الجامعة مش هخلص منك يعني
زفرت بغضب شديد :
-مش حابب تقول برحتك
ابتسم ونهض عن الفراش قائلًا :
-لسه مش عارف.. هكلمك وقت تاني سلام
أنهى معها المكالمة وترك الهاتف في الغرفة وغادر ومن ثم هبط إلى الطابق السفلي وجلس معهم على مائدة الطعام بعد أن سلم على شقيقة والدته وبناتها
***
كانت تجلس على المكتب تدون بعض الخواطر التي تحوم حول رأسها.. لكن عندما طلبها والدها كي يتحدث معها انتفض قلبها من بين ضلوعها وأخذت دقاته تدق داخل صدرها برهبة شديدة لكونها تعلم جيدًا لِمَا والدها يود أن يتحدث معها..
تركت الغرفة وخرجت ثم جلست على المقعد المجاور إلى الأريكة تطلع إليه بنظرات مكسورة حزينة بينما هو ابتسم وقال بود :
-كبرتي يا ملك وبقيتي عروسة..
أطرقت رأسها بعد أن سقطت كلماته على مسامع أذنيها كالصاعقة وتوهج وجهها خوفًا وسقطت دموع قلبها الذي لم يعد في مكانه حيث تابع :
-العروسة الجميلة يتقدم لها العرسان
ابتلعت لعابها بصوت مسموع وتصنعت انها لم تفهم شيئًا :
-حضرتك تقصد ايه؟!
-أقصد أن اتقدم لك عريس مناسب جدًا.. ها رأيك ايه؟
تنهدت بعمق شديد وردت بهدوء على عكس النيران التي تحرقها من الداخل :
-مش موافقة أنا لسه صغيرة
اندهش من عدم موافقتها وتحدث بهدوء :
-هو انا قولت لك هيجوزك بكره!.. أنا بس بديكي فكرة عشان تفكري برحتك
أومأت بخفيه وقد تلألأت الدموع داخل عيناها في حين خرج مالك ساحبًا حقيبة السفر خلفه ولحقت والدته به ودموعها تهبط على وحنتيها بغزاره.. نهضت ملك عن المقعد وركضت إلى شقيقها كي تختبئ داخل أحضانه وانفجرت بالبكاء لعدة أسباب مؤلمة.. أولها مغادرة شقيقها سندها في الحياة من المنزل.. أطبق ذراعيه على ظهرها الصغير فقد أصبحت نحيفة من كثرة الحزن والتفكير وأخذ يوصيها علي نفسها أولاً ودراستها ثانية.. تحدثت بنبرة يمتلكها البكاء :
-خد بالك انت من نفسك وكلمني كل يوم
-أكيد هكلمك كل يوم
ثم ابتعد عنها ومسح دموعها بأنامله وتبادل الاشتياق الشديد بينهم ثم احتضن والدته أولاً وثانياً والده ثم ابتعد عنه وقال مشدداً على كل حرف ينطق به :
-ملك خد بالك منها يا بابا
-هتوصيني على بنتي؟!
تطلع إليه في توجس ثم نظر إليهم نظرة أخيره وغادر المنزل.. ركضت ملك إلى غرفتها تختبئ داخلها وجلست على الفراش تبكي بشهقات متقاطعة تشق صدرها إلى نصفين.. ثم ضمت الوسادة الصغيرة إليها بقوة علها تخفف عنها لكن بلا جدوى بل ازداد ألمها الضعف وأصبحت الوسادة تبتلع دموعها الدافئة
***
" قصر الراوي.. "
خرج إلى حديقة القصر يتأمل الطبيعة كي يراها في كل شيء جميل.. يتذكرها حينما ينظر إلى النجوم والقمر وإلى الورود والأشجار وداخل مقلتيه الزرقاء عندما ينظر إلى المرآة.. عيناه تشبه البحر في جماله وهي غارقه بهما دون أن تطلب النجاة..
اما في الداخل وصل إياد برفقة أسرته الصغيرة واستقبله الجميع بمرح وسعادة كبيرة.. وبعد لحظات خرج طفلة ماسكًا بالكورة بين راحتي يديه الصغيرتين وبدأ يلعب بها.. ابتسم سيف عندما راه لكن سرعان ما اختفت ابتسامته عندما تذكر نفسه عندما كان يبلغ من العمر سبعة سنوات ومنعه جده رحمه الله من لعب الكورة ومن أشياء كثيرة كان يعشقها وهو صغير..
فاق من أفكاره المؤلمة على ذراع يوسف الذي أحاط به كتفه وتساءل باهتمام :
-ممكن أعرف ايه اللي واخد عقلك؟
رد دون تردد :
-ملك.. البعد أجبرني اعشقها اكتر وافكر فيها اكتر
-بإذن الله تشوفها في الجامعة.. بس نصيحة ماتضيعش الفرصة دي منك..
أومأ بالإيجاب عدة مرات ثم اتجه يوسف إلى الداخل قائلاً :
-هعملك معايا نسكافيه من اللي بتحبه
لاحت ابتسامة جانبيه على ثغره وترك العنان إلى دمعة خائنة هبطت على وجنته بعد أن تأكد من مغادرة شقيقه.. دمعه شقت طريقها داخل قلبه أولًا قبل وجنتيه شعر بالكورة اصطدمت في قدمه لينظر إليها وهو يمسح على في حين تحدث الصغير :
-عمو هات الكوية
ارسل له الكورة بقدمة وابتسم الصغير وأرسل له الكورة ثانيةً.. اتسعت ابتسامته وأرسل له الكورة تعمق باللعب معه وبدأ يركض سيف خلف الكورة بمرح وسعادة مع أبن شقيقه.. استمر اللعب إلى دقائق وأخذ يلهث بصوت مسموع حتى بدأ صدره يعلوا ويهبط وشعر بهبوط ليضع كفه على صدره عاقدا بين حاجبيه بشدة.. أصبح يلتقط أنفاسه بصعوبة شعر وكأن كل شيء يدور من حوله في حين كان يطلب الصغير منه أن يرسل له الكورة لكنه لم يستمع إليه واضطر الصغير أن يطلب الكورة بصوت عالي لإكمال اللعب معه..
وقف حازم أمام باب الحديقة عندما استمع إلى صوت الصغير ليجد شقيقه في هذه الحالة وجحظت عيناه عندما علم أنه لعب بالكورة.. على وجه السرعة ركض إليه في حين فقد الأخير وعيه وسقط على الأرض.. جلس إلى جواره يربت على وجنته بهلع وقد جحظت عيناه بشدة.. بينما خرج يوسف لكن سقطت أكواب المشروب من يده عندما وجد شقيقه في تلك الحالة وركض إليه ثم ساعد حازم على حمله واتجها به نحو الخارج من خلف القصر..
بينما ركض الصغير إلى الداخل وهو يبكي بهلع وتقابل مع والده الذي احتضنه كي يشعره بالأمان وتساءل عن سبب بكاءه :
-ايه يا حبيبي مالك؟!
أجاب بنبرة بكاء :
-عمو سيف وقع
فزع قلب دكتور فاطمة على ابنها كما نهض زوجها عن المقعد وركض إلى الخارج ليجد حازم يضعه على المقعد الخلفي وجلس يوسف إلى جواره.. خرجت فاطمة تصرخ باسم ابنها سيف مسك دكتور أحمد بمرفقها مانعًا إياها من التقرب من السيارة وأخذ يهدئها ثم تركها مع شقيقتها التي تحتضنها وجلس على المقعد الخلفي إلى جوار سيف بينما جلس إياد على المقعد الأمامي وغادر حازم بسرعة فائقة إلى المستشفى..
مسحت ساره على كتفها وقالت بحزن :
-ماتقلقيش يا خلتو هيبقى كويس
تعالت نبرات بكائها وقلبها يشعر بالخوف من فقدان ابنها أخذتها هدى إلى الداخل بينما تساءلت ندى بعدم فهم ونبرة خوف :
-هو سيف حصله ايه؟!.. مش فاهمة حاجة
مسكت ساره بيدها ودلفت إلى الداخل قائلة :
-تعالي وأنا افهمك
***
مضت عقارب الساعة كدهر كامل منتظرين مكالمة تطمئن قلوبهم.. اما عن والدته دموعها مازالت تهبط على وجنتيها بغزارة حتى انتفخت عينيها التي اصطبغت بحمرة الحزن والخوف..
صدح صوت هاتفها باسم زوجها انتفض بدنها ويديها ترتعش خافت من الرد حتى لا تعلم بخبر فقدان ابنها نبض قلبها.. وهذا التفكير من الشيطان لكن ليس بيدها.. أخذت ساره الهاتف واجابت عليه وجدت نفسها تحدق بها بنظرات خوف وهلع وهي تدعي ربها أن تسمع عن ابنها الخير..
أنهت المكالمة بعد لحظات وجلست إلى جوارها تمسح على كتفها قائلة :
-الحمد لله يا خلتو بخير وحالته مستقرة
تمتم الجميع بالحمد لله.. أخذت فاطمة الهاتف وخرجت إلى الحديقة تتحدث مع زوجها كي تطمئن على حالة ابنها أكثر.. بعد انتهاء المكالمة دلفت إلى الداخل متجه نحو الدرج وصعدت إلى غرفتها كي تبدل ثيابها..
بعد نصف ساعة تقريبًا ذهب الجميع إلى المستشفى.. وسمح الطبيب المسؤول عن حالته بدخول دكتور فاطمة إلى العناية لكونها طبيبة.. ارتدت الثياب الخاصة بالعناية ودلفت إلى الداخل ثم وقفت إلى جوار الفراش تتفقد حالته جيدًا حتى رأت وضعه حقَا مستقر.. طبعت قبلة على جبينه ثم جذبت المقعد وجلست عليه ممسكه بيده بين راحتي يديها..
بعد وقت ليس قليل دخل دكتور أحمد ووقف خلف المقعد قبلها على رأسها لتنظر إليه في حزن واضح.. وضع راحته على ظهر يدها الممسكة بيد ابنهما وهمس بهدوء :
-ممكن تروحي البيت عشان ترتاحي
حركت رأسها في كلا الاتجاهين وردت بنبرة بكاء :
-مش هقدر أسيبه.. انا هقعد معا
-خلاص على راحتك.. لو عوزتي حاجة انا بره
انحنى بجذعه وطبع قبلة حانية على ظهر يدها وأخرى على جبين ابنه ثم خرج وطلب من الجميع المغادرة إلى المنزل.. رفض أبنائه بشدة ليشير إلى ريم التي تحتل أحد المقاعد وابنها نائم على قدميها وقال موجه حديثه إلى إياد :
-ابنك ومراتك ذنبهم ايه يفضلوا كده طول الليل.. حالًا تخدهم و تروح..
ثم نظر إلى حازم وتابع بحسم :
-وصل خالتك وبناتها ومعاك يوسف
-وأنت يا بابا؟!
-أنا ايه يا حازم؟!.. نفذ اللي قولت لك عليه
قال آخر كلماته بحزم فاضطر أن يوافق بينما قال يوسف بحسم :
-مع احترامي لأمرك يا بابا انا هقعد معاك
كاد أن يتحدث لكن تحدث إياد أولًا :
-لازم حد فينا يفضل معاك
ثم ودع الجميع وحمل الصغير عن زوجته وغادر بينما غادر حازم برفقة خالته وبناتها.. جلس على المقعد مستند برأسه إلى الحائط وجلس يوسف على المقعد المجاور له ومسك بيد والده
***
" أغار عليك من الجميع حتى ثيابك التي تحتضنك.. فلماذا جميعهم حولك وأنا لا؟.. الغيرة تكاد أن تقلتني لكنني متمسكة بأمل اللقاء.. حتى لو طالت المسافات أكثر ومضت الشهور والسنين سأظل متمسكة بذلك الأمل.. وعشقي لك لم يخرج من قلبي ابدا الدهر.. فعشقي ليس كأي عشق بل فاق كل شيء والفراق جعل عشقك في قلبي قوي متمسك كالجبال.. فلم أسأم من عشقك لأنك ببساطة نبضات قلبي.. "
توقفت عن كتابة كلمات قلبها واستندت بظهرها إلى الفراش بينما تضع الدفتر على قدميها.. كتبت اسم" سيف.. " أعلى يمين الصفحة ولاحت ابتسامة عشق على ثغرها واحتضنت الدفتر بشدة.. لكنها تذكرت معطفه الذي يُزين خزانة ثيابها وضعت الدفتر جانبًا وتركت الفراش متجه صوب الخزانة وفتحتها كي تأخذ المعطف تضمه إليها وتستنشق عطره الرجولي وأغلقت عيناها بشدة لتشعر بعودة روحها إليها.. ثم عادت إلى الفراش وجلست مستنده بظهرها إلى الفراش ثم وضعت الدفتر على قدميها وتناولت القلم وبدأت تكتب من جديد..
" تمضي الأيام والشهور والسنين كما تمضي الأشخاص في حياتي.. ومكانك في قلبي لم يتغير قط.. تجف أوراق الخريف وتسقط ويجف قلبي معها لكن يتفرع من جديد بوجودك داخله.. تتبدل السنة من شتاء إلى خريف من ربيع إلى صيف وعشقك داخلي لا يتغير.. فرقتنا الأيام دون سابق إنذار لكن عشقي يزيد مع الثواني.. "
توقفت عن الكتابة عندما شعرت بغصة في قلبها.. تنهدت بصوت مسموع لتشعر بألم في صدرها.. عقدت بين حاجبيها بحزن وتناولت الهاتف وأول شيء فتحته صفحة سيف الشخصية كعادتها ولم تجد تحديثات جديدة.. لتشعر بالقلق أكثر وفتحت صفحة يوسف وايضًا لم تجد تحديثات.. قامت بفتح صورة أمير قلبها وتطلعت إليه بنظرات عشق صادقة منبعثة من القلب..
صدح صوت الهاتف لتفلت شهقة هلع من بين شفتيها وكتمت صوته فورًا ثم أجابت على نورا بصوت منخفض وتساءلت الأخيرة باهتمام :
-الجميل سهران ليه لحد دلوقت؟!
-بفكر كعادتي كل يوم.. بس انا قلقانه يا نور نفسي اطمن عليه
-يا حبيبتي سهلة جدًا كلمي ندى وأسالي عليه
رددت كلماتها ببساطة.. أومأت هي بالنفي وقالت بحزن :
-لاء يا نور مش حابه أسأل ندى وبعدين ندى تلفونها مقفول بقالها يومين
همهمت مطوله ثم تساءلت :
-طيب مفيش اخبار جديدة عنها؟
-لاء انا قلقانه عليها هيا كمان
-خير يا ملك.. نامي دلوقت يا قلبي
ثم أنهت معها المكالمة ووضعت رأسها على الوسادة واحتضنت المعطف بشدة.. وأخذت تدعوا ربها أن يكون في أحسن حال وتراه في المنام
***
"منزل هدى.."
استيقظت ندى وهي تشعر بالسعادة لكونها غفوت بين أحضان والدتها.. وشعورها بالأمان استحوذ على قلبها بالكامل مما جعلها تعشق أن تعانقها كثيراً.. أول شيء فعلته فور استيقاظها بعد الانتهاء من فرض الصباح تحدثت مع يوسف واطمأنت على سيف.. ثم خرجت إلى الشرفة وأعطت الهاتف إلى والدتها..
-يوسف قالك ايه طمينني
-أحسن الحمد لله.. فاق واتكلم معاهم
-الحمد لله ربنا يشفيه
استندت بساعيها إلى الطاولة بعد أن جلست على المقعد وقالت بحزن :
-أنا جالي ذهول لما عيفت اللي عنده لحد الأن مش مستوعبه
-حبيبتي هو مولود بالمرض ده.. وعايزه اقولك خليه سر ماتعرفيش حد بيه
أومأت بتفهم ثم تحدثت بذات التفهم :
-أكيد طبعًا.. يوسف لو كان عايزني أعيف كان قالي
خرجت ساره وهي تلقي عليهم الصباح وبادلوها بذات الصباح بابتسامة واسعة وتساءلت والدتها بمشاكسة :
-رايحة فين بالشياكة والجمال ده؟
رفعت حاجبيها بمرح وردت بنبرة يمتلكها الخجل :
-يعني.. بكلم حازم اسأل على سيف قالي اجهزي وأعدي عليكي ونروح نشوفه سوى
-الحب شكله مولع في القلوب
قالتها ندى بمزاح لتضربها ساره بخفه على كتفها في حين ضحكت والدتهما ضحكة خفيفة وبعد لحظات من مشاكسة الفتيات بالحديث اتصل حازم بها كي تستأذن وغادرت على الفور..
استنشقت ندى هواء الحرية بعمق شديد لتشعر بالسكينة تخترق صدرها.. بينما شردت والدتها من جديد ويبدو عليها الخوف والحزن والقلق معًا مما انتبهت ندى من شرودها وتساءلت باهتمام واضح :
-مالك؟!
نظرت إليها بنظرة قلق :
-عبد الرحمن خايفه يجي يخدك ويحرمني منك تاني
-ماما أنا مش صغيية ومستحيل أيوح معاه..
ثم تساءلت بفضول :
-ممكن أعيف سبب الانفصال
-نوران حملت تاني بعد البنات ولما عرف انها حامل في بنت رابعة اتخانق معاها لدرجة انه ضربها فالحمل نزل.. فطلبت الطلاق وفعلًا طلقها.. كنت بتعالج عنده في المستشفى واتقدم لي و وافقت وهو اتمنى اني أنجب الولد لكن لما عرف اني خلفت بنت اجنن
أومأت بتفهم وقالت بصوت مبحوح :
-عشان كده خفتي تعيفي في بطنك أيه!
أومأت بالإيجاب وقد عادت إلى الماضي الذي يقطع قلبها إلى أشلاء وتحدثت بنبرة مؤلمة :
-لو كنت عرفت كان ممكن يسقطني.. نوران حبت تخلص مني فضلت تكلمه وتقوله اني بضرب بناته وبعاملهم وحش وفعلًا في بنتين قالوا نفس الكلام مع اني كنت بعاملهم نفس معاملتك.. كان يتخانق معايا شويه وخلاص..
توقفت عن الحديث كي تتناول بعض المياه ثم تابعت بحزن واضح :
-الحوار ده لما ماجبش نتيجة بدأت تبعت لي رسائل حب من رقم مجهول وقالت له اني بخونه وهي بقى فضلت تحوم حواليه من تاني لحد ما ردها لعصمته.. واتهمني اني بعرف عليه واحد تاني وعقابي انه اخدك مني وهرب.. وعبد الرحمن مش سهل وممكن يخدك مني تاني
حركت رأسها في كلا الاتجاهين وقالت بتأكيد :
-مستحيل.. يا ماما انا شوفت عذاب في البيت ده.. مياته كانت دايمًا تضيبني وأنا صغيية وكانت تضايق لما اقوله يا بابا.. مش مستعدة أيوح للجحيم ده من جديد..
ثم أردفت بأكثر حده وتأكيد :
-كمان خدوني منك مش عشان جمال عيوني لاء عشان ماتخديش حقك و مياته عملت المستحيل عشان مادخلش علمي علوم وفعًلا نجحت في خطتها.. بس الحمد لله على كل شيء
اراحت ظهرها إلى المقعد وتحدثت بنبرة مؤلمة :
-أنا مانجحتش في الجواز يا ندى.. والد ساره كان بينا خلافات كتير ونتخانق دايمًا على أتفه الأسباب.. وهو رافض أن ساره تتجوز حد من ولاد خالتها عشان بالشكل ده هتبقى قريبه مني عنه.. المشكلة فيا أنا..
تعجبت ندى بينما تابعت بتأكيد :
-أه انا المشكلة.. اول ما تقدم لي وافقت فوراً والخطوبة كانت شهر.. ما لحقتش أعرفه كويس ونفس النظام حصل مع والدك
مسكت بيدها التي على الطاولة وابتسمت بهدوء قائلة :
-خلينا ننسى اللي عدى يا ماما المهم اننا اجمعنا بعد سنين
-الحمد لله يا حبيبتي
***
"المشفى.."
شاكس إياد شقيقه المريض ببعض الكلمات ليبتسم وتحدث معه.. وبعد دقائق دخل حازم برفقة ساره واتجه نحو شقيقه كي يطمئن عليه في حين سلمت ساره على الجميع ثم وقفت إلى جوار الفراش..
-حمد الله على سلامتك يا سيف
-الله يسلمك يا ساره
تساءل حازم :
-هتخرج امتى؟!
ردت والدته بدلًا منه :
-النهارده بإذن الله كلها ساعة ونكون في البيت
تحدثت ساره مع والدتها في الهاتف كي تخبرها بخروج سيف اليوم حتى لا تأتي إلى المستشفى.. وبعد أن جهز سيف للمغادرة أستأذن حازم واصطحب ساره إلى كافية المستشفى الذي يقع في الطابق السفلي.. سحب لها المقعد لتجلس ثم جلس على المقعد المقابل لها وطلب من النادل اثنان من مشروب القهوة رفضت على الفور :
-لاء مش بشرب قهوة
رفع حاجبيه بمرح وطلب لها عصير برتقال رفعت هي مقلتيها إليه بخجل لكن سرعان ما نظرت إلى الفراغ وتساءلت بهدوء :
-مين قالك اني بحب البرتقال؟
-لما كنا نتكلم واقولك بتعملي ايه كنتِ بتقولي بشرب عصير برتقال
أومأت بالإيجاب وطال الصمت بينهم وهو يتأملها بنظرات حب ويتفحص ملامح وجهها بالكامل وإذا رأت نظراته تلك ستدخل في حالة إغماء من فرط الخجل.. ابتلعت لعابها بصوت مسموع وتحدثت بتلعثم شديد :
-أنت.. هـ ها تفضل كده كتير
قطب جبينه وقال بصوت منخفض :
-مش مصدق اني قاعد قدامك
-على فكرة انا كده همشي
لاحت ابتسامة جانبية على ثغرة وهمس ببحة صوته المميزة :
-شكلك أجمل كتير وأنتِ مكسوفه
همت بالوقوف فاتسعت ابتسامته وقبض على معصمها مانعًا إياها من الذهاب :
-خلاص حقيقي هتكلم جد
جلست ثانية بينما جاء النادل وضع فنجان القهوة أمامه والعصير أمامها وغادر.. احتضنت الكوب براحتي يديها وتناولت رشفة وهو يتفرس شفتيها وهي تلمس الكوب وقال بمشاكسة :
-يا رتني كنت الكاس أو حتى العصير
رمقته بنظرة غاضبة وزفرت بسأم وهي تتمتم :
-صدق اللي قال عليك لسانك طويل
ضحك ضحكة خفيفة ثم تناول رشفة من القهوة وتحدث بجدية :
-ساره أنا عايز اجوزك
اصطبغت وجنتيها بحمرة الخجل وابتلعت العصير بصوت مسموع وقالت بتلعثم :
-بسـ بس أنا لسه بدرس وقدامي تلت سنين
-أيه المشكلة؟.. إياد اجوز ريم ومازالت طالبة في الطب وما شاء الله بتنجح بتقديرات عالية
-مش كلنا عندنا نفس القدرات.. وممكن أقصر في الدراسة أو في بيتي
تنحنح بخفه وتحدث بثقه :
-هساعدك في كل شيء انا زوج مثالي جدًا على فكرة
ابتسمت ورمقته بنظرة سريعة وقالت بصوت منخفض :
-اديني فرصه يومين افكر
قال بطريقة درامية :
-قلبي كان على وشك التوقف
حركت رأسها في كلا الاتجاهين مبتسمه :
-مجنون
***
" قصر الراوي.."
دخل إلى غرفته برفقة عائلته وجلس على حافة الفراش يتطلع إلى الفراغ.. غادرت والدته بعد أن اطمأنت عليه وقال والده بحسم :
-ممكن تسبوني انا وسيف لوحدنا..
انتقل سيف ببصره بين أشقائه و والده.. نفذ الاثنان رغبة الوالد وخرجوا وأغلق أحدهم باب الغرفة.. وقف أمامه وتحدث بنبرة عتاب حادة :
-كورة يا سيف!.. أنت لو عايز تموت نفسك مش هتعمل كده
رفع رأسه إليه ونهض عن الفراش وقال بنبرة ندم :
-أنا أسف
-قبل ما تعتذر لي اعتذر لنفسك.. وتصلي شكر لله وتطلب منه المغفرة عشان اللي عملته ده انتحار
قال كلماته بحده مفرطة ليشعر بخطورة ما فعله بنفسه وعائلته ثم تحدث بجدية :
-مش قصدي بجد انا فجأة حبيت اللعب بدون ما فكر للحظة
-بتفكر في مين غير نفسك؟!..
حدق به إلى لحظات من الصمت فأجاب نيابة عنه :
-حبيبتك..
أطرق عيناه دون أن يتفوه بكلمة فقط حرك رأسه بالإيجاب ليقول بهدوء :
-أنا مش هقولك ده حب مراهقة عشان أنا مش عارف أي اللي جوه قلبك.. بس كان نفسي تثبت على مبدأ قلبك اللي عمره ما عشق على الأقل لحد ما تخلص دراستك
رفع مقلتيه الزرقاء العاشقة إليه وقال بجدية :
-غصب عني عشقها قلبي.. انا شوفت كتير ومنهم اللي حاول يقرب مني وعمري ما فتحت قلبي لبنت..
أردف في حيرة من قلبه :
-لكن البنت دي السبب الرئيسي اني أوافق اكمل تعليمي هنا.. خطفت قلبي من نظرة.. اول ما شوفتها جذبتني بطريقة جنونية وحلفت أكمل تعليمي هنا عشان أشوفها كل يوم
-الحب اللي بجد في السن ده عذاب
-عذاب؟!
أومأ بتأكيد ورفع يده كي يضعها على كتفه بلطف وقال بجدية :
-طبعًا عذاب.. تقدر تقولي ينفع تروح تكلم والدها حاليا عشان تتجوزها؟
-لاء طبعًا!
-أنت جاوبت بنفسك.. لاء طبعًا.. عشان أنت لسه داخل أولى جامعة ولسه قدامك خمس سنين وزيادة.. الخمس سنين دول سجن بالنسبة لك في كل ثانية خايف تضيع منك ودايمًا بتفكر فيها..
ثم أردف :
-ليه تعذب نفسك من دلوقت؟!.. كان لازم تمنع نفسك من رؤيتها يا سيف.. أنا مش مع الحب في السن ده خالص..
أومأ بتفهم ومسك والده بكفه وضعه بين راحتي يديه وتابع مبتسماً :
-بس انا مش زعلان منك عشان الحب مش بإديك.. لكن لو كان بإرادتك كنت زعلت
-ادعي لي يطلع حب مراهقة ويختفي مع مرور الأيام.. أو ربنا يجمعنا ببعض
قال كلماته بحزن واضح فأومأ بالإيجاب ثم قطب جبينه مبتسمًا وغمز قائلاً :
-ما توريني صورة البنت اللي خطفت قلب ابني..
وجد نفسه يبتسم وبدأ يبحث عن الهاتف حتى وجده أسفل الوسادة أخذه وبحث عن صوره تجمع بينه وبين كلا من شقيقه وملك وندى أيام الرحلة والتقطها بنفسه.. أعطى الهاتف إليه وأخذه لينظر إلى الصورة وقرب من وجهها يتأملها ثم رفع عيناه عن الهاتف ناظرا إليه وقال مازحًا :
-وأنا اللي كنت فاكرها بنت بشعر أصفر وعيون خضرا
ابتسم على مزحته وقال بنبرة حب صادقة :
-لاء لون شعرها بلون سماء ليلي ولون بشرتها بلون الخير وعيونها لامعتها أجمل من لمعة النجوم
-ابني شاعر..
اتسعت ابتسامته ثم احتضن والده بشدة بادله هو بالعناق القوي يضمه إلى صدره بشدة وأخذ يدعوا له أن يوفقه دائمًا.. ثم قبله على جانب رأسه وتركه كي يأخذ قسطًا من الراحة وغادر الغرفة بعد أن أعطى له الهاتف.. جلس على حافة الفراش يتأمل ملامحها بنظرة حب وقد لاحت ابتسامة جانبية على ثغرة خاصة بها فقط
***يتبع
رايكم يهمني جدا ودومتم بخير بحبكن ♥♥..
![](https://img.wattpad.com/cover/227200676-288-k733629.jpg)
أنت تقرأ
عشق الدراسة الجزء الأول منـ" سلسلة عشق منذ الدراسة " سمر عمر..
Romanceممنوع النقل أو الاقتباس ..الرواية حقوق النشر محفوظة ✋✋ .. الحب الحقيقي والصادق لن يؤثر عليه الفراق ..بل يزداد الحب أكثر بفضل الاشتياق ويبقى في القلب حتى موعد اللقاء .. اخر لقاء بينهم ليس وداع بل بداية عشقهم .. كبريائه منعه أن يعترف بعشقه لها وعندما...