في حركة رتيبة متكررة من سبابته، كان ينقر فوق سطح مكتبه، وهو واضع جام تركيزه نحو ما يتفوه به شريكه، والذي تجمعهما علاقة وطيدة إلى حد ما، ولكنها ليست ممتدة لحد الصداقة، فهو ليس بمحبي تكوين الصداقات بوجه عام، كان يتحدث إليه حول بعض من بنود صفقة ما، ويناقشاها معا كالمعتاد، ولكن قطع استرسال كلماته رنين هاتف "عاصم"، والذي اكتفى بالإشارة للآخر بيده لكي يؤثر الصمت، ريثما يرى من المتصل، كان رقما مجهولا، لم يكن من السهل عليه التخمين، فكثيرا ما تأتيه مكالمات من مجهول، وفي العديد من الاحيان تكون ل"داليا"، فعندما ينتابه السأم من ثرثرتها في لغوها الفارغ وإلحاحها في رغبتها لرؤيته لا يجيب مكالماتها، لذا يضيق عليها الخناق وتضطر لجلب خطوط غير مسجلة لتضمن رده عليها، وكثيرا ما تهاتفه منها للإطمئنان على أحواله، ولكنه رغم ذلك لا يجزم بحتمية كونها هي المتصل، قرر في الأخير أن يجيب الإتصال، سحب شهيقا سريعا ثم زفره وهو يضع الهاتف فوق اذنه بعدما ضغط على موضع الإيجاب مرددا بصوت جاد:
-أيوه!
في أقل من الثانية كانت ملامحه المرتخية التي لا يعلوها أي تعبيرات، متحولة لقساوة فجة عندما استمع لذلك الصوت الغليظ عبر الهاتف متسائلا:
-ها، قولت أيه؟
جذوة غضب انتشرت في سائر جسده إثرا لتساؤله المبهم، لتوصله للمعنى الضمني له فور استماعه للصوت، والذي تكرر على سمعه لمرات عدة من قبل، متسائلا حول الأمر ذاته، وها قد عاد هؤلاء الأوغاد يهاتفونه من جديد، في محاولة منهم لاستمالته تجاه طرقهم المشبوهة، والتي انغمس بها والده لأعوام، مما آل به في آخر المطاف للزج به في السجن لسبعة أعوام، كز "عاصم" على أسنانه مجاهدا للتحكم في عصبيته المؤججة، وأخبره بصوت جامد مواريا خلفه غليله المبرر:
-رأيي انتوا عارفينه، ومبرجعش في كلامي.
أتاه رد الآخر بذات النبرة اللزجة، وهو يقول بطريقة باعثة على الإستفزاز بكلمات موحية:
-بس احنا قولنا احتمال يكون اتغير، وكمال بيه أثر عليك.
كان لكلماته بالغ الأثر في مضاعفة احتدام أعصابه، فقد عزز في ذاكرته سير والده في ذلك الطريق طوعا، ورغم ما نهش في رأسه من أبغض الذكريات، تابع رده عليه على ذات الشاكلة الجامدة الذي يخفي خلفها كامل ثورته الكامنة بداخله:
-كل حاجة تحت ايدي، وأنا اللي بمشيها بدماغي، ومن زمان وانتوا عارفين بده.
صدرت همهمة متسلية تحمل المكر من الرجل، تبعها إردافه بصوت مال إلى حد كبير للبرود للعبث بأعصابه، متبعا نهجا آخر ليحصل من خلاله على موافقة ميئوس منها:
-من بعد ما خرجته من السجن!، يعني تقدر تقول عينه مكسورة ليك، عشان كده مخليك انت اللي تديرله شركات الأدوية اللي انت متفهمش عن شغلها حاجة.
أنت تقرأ
مشاعر مهشمة الجزء الثانى - لم يكن يوما عاصما (مكتملة)
Randomيقال أن كلًا منا له من اسمه نصيب، ولكن ماذا إن وجدت اسمك لا يمت لك بأية صلة! ومفروض عليك أن تتعامل على أسس منافية للمعنى الضمني لذلك الاسم! فماذا ستكون إذًا الصلة الجامعة بينك وبين اسمك حينها؟ "عاصم"، عندما يقع الاسم على مسامعك، من المؤكد أن تظن حين...