الفصل السادس

3.6K 132 28
                                    


إنعدام الإنسانية؛ لا يتطلب إلا السير خلف شيطان النفس، والإنصياع وراء سموم الفكر، وإخماد صوت الضمير، ولكن أن تُنشط تلك العوامل عن طريق شخص آخر، تصبح أفعال الأول خالية من الشعور بالذنب، الذي ينبض بداخل النفس، عند الإقبال على فعل غير آدمي، أو منزوع منه الرحمة، لما لقاه من تحفيزٍ ثبط الشعور بالندم. لم تحمل أيا من كلمات "كمال" رحمة أو شفقة في ظاهرها، ولا حتى بين طياتها أو باطنها، كانت مشبعة بالدونية والقماءة، ويتوغل كل معنى منها قساوة خالصة، هو بالأصل لا يكترث لأمر "داليا"، ولا حتى لأمر ابنه، فكل ما يضعه في دائرة اهتماماته، هي إطار صورتهم الإجتماعية، والذي لا يريد له أن يتدنس، غير عابئا بأي كان ما تحويه الصور نفسها.

دلف "عاصم" الغرفة بشكل مفاجئ، وهيئته باعثة على الرهبة، سدد لزوجته المتسطحة الفراش، وبجوارها الرضيعين نظرة حاملة كل معالم الغضب، دفعت الريبة بقلبها، وعلى الرغم من أنها كانت نظرة خاطفة أثناء توجهه إلى غرفة الثياب، إلا أنها استطاعت أن تجعل التوتر يأخذ طريقه إلى نفسها، انتبهت من شرودها اللحظي إلى صوت إحدى الممرضتين المجاورة لها، متسائلة باهتمام وهي متحفزة:

-عايزة مننا حاجة نعملهالك قبل ما نروح ننام؟

قبل صعود الآخر ببضع دقائق، كانت قد تحدثت "داليا" مع إحدى الخادمات، لكي يجهزن غرفة لمكوث الممرصتين بها، ريثما ينتهي مهمتهما معها هي ورضيعيها، بوجه شاحب وعينين غائرتين وجهت نظرها إليها، شهقت نفسا مطولا تبعه إجابتها بصوتها الخافت:

-لأ شكرا.

رفت ابتسامة صغيرة منمقة على ثغر الممرضة وهي تتحرك ورفقتها الأخرى، سائرتين نحو الخارج، شيعتهما "داليا" بنظرها الذي سريعا ما حاد عنهما، عندما لمحت قدوم الآخر نحوها، بعدما بدل ثيابه بأخرى بيتية، ازدردت ريقها والتوتر يزداد بداخلها، مع كل خطوة يتخذها نحوها، أخفضت نظرها عنه نحو أحد الرضيعين الذي تململ في نومته، وبدأ يئن معلنا عن شروعه في البكاء، وكأنما كان وسيلة إنقاذ لها، تواري عن طريق إنشغالها به ربكتها، وتحافظ على ثباتها المزعوم.

توقف هو عند جانب الفراش، التقط من فوق الكومود المجاور له، قنينة الماء الباردة، لم يضع بعضا منها في الكوب، بل رفعها على فمها يتجرع منها مباشرة، لا يدري هل لظمائه، أم رغبةً منه في إطفاء تلك النيران المشتعلة في صدره، انتهى من الشراب منها، وأعادها موضعها وأنفاسه الساخنة تغادر أنفه، تجعله يشعر بالحرارة الكائنة بداخله تنبعث من وجهه، أحداث اليوم جميعها، لم يكن ينقصها ما أخبره به والده منذ دقائق منصرمة، لتجعله يجزم أنه اليوم الأعسر على الإطلاق، حانت منه التفاتة نحوها وهي ترضع الطفل الأشقر، والذي أسماه ب"نائل"، نظراته ثبتت عليه، وقلبه يخفق مع حركة فمه الظاهرة بالكاد، والمتوالية مع تتابع رضعه من نهدها.

مشاعر مهشمة الجزء الثانى - لم يكن يوما عاصما (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن