الفصل التاسع عشر

2.1K 136 43
                                    

متنسوش التصويت
قراءة ممتعة

اضطراب الفكر، وتموجه بين ما يجوس به، من ذكريات ماضية، ومواقف حاضرة، يجعل الرأس تخامر أقصى أنواع الهلاك الذهني، خاصة إذا كان الشخص تائها بين ميل قلبه، وصوت عقله، ضائعا بين تلقائية شعوره، وما يتحتم عليه فعله، في الظاهر كان مغمضَ العينين، في دلالة على غرقه في نوم عميق، ولكنه كان تهربا من حديثٍ لم يكن لينتهي تلك الليلة؛ إن ظل مستيقظا على مرمى من بصرها، خاصة وإنها لن تنفك عن لومه، وترديد كلمات الاشتياق على سمعه، وبالرغم من احتياجه إلى حبها أكثر من احتياجها إلى التصريح -اللا نهائي- به، ولكن انشغال عقله برؤية من حرمت على قلبه الراحة لأعوام، وأحاقت على حياته شتى صنوف العذاب، يحول دون اهتمامه الكامل بمن قدمت له كل سبل الطاعة، وأبدت جميع معاني الولاء.

لقاؤه ب"مي شاهين" صباح اليوم، كان له الأثر الأكبر في ازدياد صخب رأسه، فالآونة الأخيره باله كان منشغلا بالكثير من الأمور، وما كان ينتقص ازدحام فكره، وتكدس يومه، بعثها لرسالة تطالب فيها مقابلته، مع اختيار لئيم منها للمكان الذي لطالما شهد لقاءاتهم الماضية، وكأنها تحاول إعادة إشعال فتيلة حبها في قلبه، بعدما تأكدت بنفسها من انطفاء شرارته، واختفاء من عينيه وهجه، ولكن بالرغم من ذلك أساليبها الأنثوية المحنكة، لم تفشل في استرعاء انتباهه، وجعله يصب كامل تركيزه، على وجهها المشع بحُسن يعتريه لمحة جريئة، صاخبة، دائما ما تشغل بصره، وتلعب على أوتار قلبه، حتى نبرة صوتها، رغم أن وقعها على سمعه ليس ناعما، كصوت "داليا" الرقيق، الرهيف، إلا أنه يتدفق منه الاغترار، والثقة الكاملة في كينونتها الأنثوية، حتى نظرات عينيها مليئة بغطرسة شديدة؛ ربما اكتسبها منها مع كل لحظة ماضية جمعتهما، واقتنع بوجوب التعامل بها، كمكمل لشخصية طالحة، لم تكن يوما للإحسان، والحنو مانحة.

ولكن ما يجعله ظاهرا أمامها كالصخر الصلد، لا يهتز مع سائر مغرياتها؛ هو تحليه بجمود زائف محض، في باطنه كان خافيا ثأثره، ومواريا خلف قناعه ضجيج فكره. بينما تريح زوجته رأسها فوق كتفه، يتغللها الأمان بوجودها في حضنه، ذهنه شرد بأخرى، ومع تخيلها بدأت تتجلى على تعبيراته النشوى، خيانة من نوع آخر، حتى وإن لم يكن بتلامس جسدي بينهما بادر، ولكن فكره ليس شاغر، وتأثير إعجابه بها ما يزال عليه ظاهر، حتى أنه أخذ يستعيد في ذهنه الحوار الذي دار بينهما، بداية من محاولتها في استمالته، واستدراج مشاعره، وهي تنعش ذاكرته بما مر من علاقتهما، وما كان يجمعهما، مرددة بابتسامة ملفتة، وهي تشير بعبارتها إلى المكان المتواجدين فيه:

-فاكر المكان ده؟

بنظر منصب على الفراغ المحيط، ظل "عاصم" ناظرا، في حين هي تابعت كنوع من إكمال حديث عفوي منها، يحمل تذكر لماضي تدثر، وواراه الثرى:

-كنا بنتقابل هنا، وكان بيبقى معاك صحابك، كانوا اتنين دايما، واحد كان قدنا والتاني كان اصغر بكام سنة، مش فاكرة اساميهم، بس فاكرة الحكايات اللي كنت بتألفها دايما عشان تسيبهم وتجيلي، وفاكرة كمان..

مشاعر مهشمة الجزء الثانى - لم يكن يوما عاصما (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن