الذكريات المريرة، والتي هي السبب في كثير من الأعباء التي وضعت فوق عاتقك، ونجم عنها عدد مهول من المصائب التي ما تزال تبعاتها تعكر صفو حياتك، يكون من المرهق والمهلك لكل خلية من خلايا العقل إعادة التفكير بها، يكفي شعور الإختناق الذي يهاجم صدرك دون هوادة، فوحده يكون كفيلا بجعلك ترغب في تدمير كل ما يقابل يديك، تفريغا للشحنات العصبية المكبوتة بداخلك، إلا أن تماسكك المزعوم يحول دون ذلك، وعندما يتملك منك شعور القهرة والإنكسار يحارب بضراوة هطول العبرات العالقة في طرفيك، محافظا على هيئة صلبة ثابتة، تتناقض مع انفعالاتك العصبية المخفية عن العيان، والتي لا تظهر غير قسرا، ولا يحدث ذلك حتى إلا بعد العديد من المواقف الصادمة التي تجابهها، والتي تتطلب منك استنزاف المزيد من طاقتك المستهلَكة للتحكم في جذوة إنفعالاتك، لاستمرارية الظهور في ذلك الإطار المهندم والهيئة المتسمة بالرزانة والثبات.
رفرف "عاصم" بأهدابه؛ في صورة توضح استفاقته من حالة الشرود التي تملكت منه للتو، وتفكيره الذي انشغل في كلمات تفوه بها والده منذ سنوات، وما يزال يتردد صداها في رأسه حتى الآن، وذلك عندما اقتحم انتباهه وسمعه صوت "كرم" وهو يهتف باسمه مطولا النطق به:
-عاصم، عااصم.
تنبهت مداركه أخيرا لندائه، وسلط نظراته -التي ما يزال يعلوها السَّهْم- نحو موضع جلوسه على إحدى الكرسيين الملحقين بمكتبه، طالعه بنظرة مستفهمة حول ما يوده "كرم"، والذي بادر على فوره بالتساؤل بنبرة مهتمة تحمل غرابة واضحة:
-إيه روحت فين!، بكلمك من ساعتها مبتردش.
تنحنح بخفة جاليا بصوته، وهو يعتدل قليلا في جلسته التي كانت شبة متراخية، وأجابه بصوت فاتر ووجه جامد التعبيرات، مواريا بمهارة فائقة ما يختلج نفسه:
-مفيش سرحت شوية.
تراءى للآخر الإرهاق الواضح على "عاصم"، وبدون تفكير راح لسانه يتكلم بودادة وهو يغلق الحاسوب المحمول خاصته:
-طب خلاص دلوقتي، لإن شكلك مش مظبط خالص، نبقى نراجع بنود العقد مع بعض وقت تاني.
كانت رأس "عاصم" تعج بالكثير من الأصوات المتداخلة، لذا رأى أن ما قاله عرضا مغريا، سريعا ما وافق عليه بإيماءة متريثة من رأسه، عقبها نهوض "كرم" عن كرسيه، وقبلما يطء بقدمه خطوة مغادرة، عاود النظر إليه وابتسامة صغيرة زينت ثغره، تبعها قوله بلطافة:
-صحيح، عرفت إنك خلفت، ألف مبروك.
لم يكن ببال رائق للإستفسار عن كيفية علمه بذلك الشأن؛ وهو لم يخبر أحدا بعد، وعلى الرغم من استرعاء ذلك لانتباهه، ولكنه أرجأ تساؤله عن الأمر لوقت لاحق، واكتفى بمبادلته المباركة بابتسامة ظاهر اصطناعها وهو يرد عليه:
أنت تقرأ
مشاعر مهشمة الجزء الثانى - لم يكن يوما عاصما (مكتملة)
Разноеيقال أن كلًا منا له من اسمه نصيب، ولكن ماذا إن وجدت اسمك لا يمت لك بأية صلة! ومفروض عليك أن تتعامل على أسس منافية للمعنى الضمني لذلك الاسم! فماذا ستكون إذًا الصلة الجامعة بينك وبين اسمك حينها؟ "عاصم"، عندما يقع الاسم على مسامعك، من المؤكد أن تظن حين...