الفصل الثاني والثلاثون

2.3K 155 89
                                    

متنسوش التصويت 🌸

قراءة ممتعة 🤍

الإلحاح في مطلب شيء، لن يستطيع الشخص تنفيذه، دائما ما ينجح في استثارة الأعصاب. أثناء قيادته لسيارته، كان يعلو وجهه وجوم ممزوج بغضب عارم، فبدلا من أن يسير اليوم وفقا لتخطيطه، وكيفما رتب، قاطعت هي ذلك الترتيب بإلحاحها، وفرض نفسها الغير مستحب على حياته. فقد ظل رنين هاتفه يصدح لأكثر من مرة، معلنا عن اتصالها به، وعندما علم بأنها المتصل، تجاهل ذلك الرنين عدة مرات متتالية، إلا أنها لم تكف، أو تكتفي، بل استمرت تهاتفه فور انتهاء مدة الاتصال، مضاعفة من غليل دمائه، مما جعله في الأخير يرد على مكالمتها، حتى ينهي ذلك الإلحاح البغيض. وضع الهاتف فوق أذنه، وبينما ينظر في اتجاه العامل بمحطة البنزين، الذي يستفسر منه عن نوع البنزين الذي يضعه له، أشار له بيده، ثم حول وجهه للاتجاه الآخر، وبأعصاب مستثارة، هدر بها بسأم:

-في إيه؟ رن رن رن، هو انتي مش هتنزلي عن دماغي بقى.

ما قالته جعله يضم شفتيه، في محاولة لكبح جماح غضبه، وبهدوء متنافي مع وجهه المشدود بغضب واضح سألها:

-انتي فين بالظبط؟

ردها لم يستغرق سوى ثانيتين، بعد ذلك أخبرها بجمود، قبل أن ينهي المكالمة:

-عشر دقايق وهبقى عندك.

بعدما تحرك بسيارته، غير اتجاه سيره إلى الاتجاه المغاير، وهو يسب، ويلعن تلك الشخصية المقيتة، فهل تظن أنها عن طريق تهديده بإلقاء نفسها من فوق جسر؛ ستجعله يرضخ لها؟ غبية إن ظنت أنه ذلك العاشق حد العمى -الذي كانت تسيطر على دواخله بكل سهولة ويسر، حتى يصبح كالخاتم في إصبعها، في تنفيذ سائر مطالبها- ما يزال له وجود داخله، حتى يكون فاقدا إدراكه عما تحاول الوصول إليه، فهي غدت كالمختلة في تفكيرها، تهرول خلف رغبةٍ واحدة، وبشتى الطرق؛ تحاول الحصول عليها، كأنما ما تريده شيئا ماديا يمكن شرائه بأي ثمن، أو الإمساك به بين قبضتيها بأي طريقةً كانت، حتى وإن كانت مخالفة لطباعها، ونهج حياتها المتعجرف. أهي غافلة عن كون ما تريده بشرا؟ قلبا سبق وحطمته، وزجت كليهما من حياتها، بغير إحساس أو شعور بالذنب.

إن لم تكن غير متقبلة ذلك الرفض من قبله، سيجعلها تتقبله، ولكنها بتلك الطريقة ستجبره على استخدام ألذ الطرق، وأكثرهم متعة بالنسبة له، في سبيل إنهاء تلك المسرحية المبتذلة. ترجل من سيارته، صافقا بابها بغل، وهو يتقدم من موضع وقوفها، هادرا باستهجان مستشيط:

-انتي مش هتبطلي جنان يعني؟

ناظرته بعينين ناعستين، بنظرة تظن أنها ما تزال مؤثرة، وعلقت وهي تدنو منه بوجهها لتقبيل شفتيه:

-أنا فعلا بقيت مجنونة، مجنونة بيك يا عاصم.

أوقفها عن التمادي، ممسكا بكتفيها حتى يثبتها في موضعها، وصاح بها بصبر نافذ:

مشاعر مهشمة الجزء الثانى - لم يكن يوما عاصما (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن