اقتربت أكثر و أكثر حتى صرب جواره مباشرة ... و قلت بصوت حنون أجش :
" لم أجد داعيا يدفعني لأن ... أخبرك ... بأن سيلا هي ابنة عم جونغ.... و أن الثروة التي حصلت عليها كانت ... لجونغ و أبيه "
تاي رفع نظره إلي و صرخ:
" لا تذكر اسمه أمامي "
جفلت ... أخذني الذهول ... و ابتلعت لساني ... تاي رمقني بنظرة عميقة غصت في جوفه فغرقت ... و لاطمتني أمواج الأفكار و الهواجس ... و لم أدر ِ أين كنت و متى كنت ... و على أية حال قد كنت ...
يعود للإمساك برأسه كمن يحاول جاهدا منع الذكريات من الظهور فيه ... تتلاعب بي الأفكار و التخيلات حتّى تثير جنوني... ماذا حصل؟ ماذا لم يحصل؟ أجبيني يا تاي ...؟؟ و لم تزد حيرتي إلا حيرة ...
بعد صمت قصير طويل في آن معا ...
قلت :
" حسنا يا تاي... بعد دخولي إلى السجن، تعرّفت إلى يونغي... والد سيلا ... و قد ساعدني كثيرا و أحببته محبة .. و قبل موته أوصاني بعائلته خيرا... و لم يكن يعرف ... أنني ... "
و لم أكمل، استدرت للخلف لأتأكد من أن سيلا على مبعدة و لا تسمعنا... ثم اقتربت من تاي أكثر و أضفت ُ هامسا :
" أنني أنا من قتل ... ذلك الوغد "
بدا التفهم على تعبيرات وجه تاي فقلت ُ مترددا و مخفضا صوتي حد الهمس بل حد السكون :
" وهذا... ما لا تعرفه سيلا أيضا "
و تنهّد بمرارة و حيرة و أضفت :
" و ما أخشى عواقبه ... "شعرتُ بشيء يسيطر على فكري فجأة... تبدلت تعبيرات وجهي إلى الجدية و الحزم... و تطايرت سهام شريرة من عيني... و شعرت بشياطين رأسي تتعارك في داخله... كان تاي يراقبني بقلق و حيرة... و بالتأكيد سمعني و أنا أعض على أسناني فيما أضيّق فتحتي عيني و أشد على قبضتي بإصرار و أقول :
" و الآن ... أصبحت ثروة ذلك الحقير ... بين يدي ... "وجهت ْ إلي ّ سؤالا مباشرا و لكنني تهربت ُ منه ثم وعدت ُ سيلا بأن أخبرها بالأمر فيما بعد... و رغم الحيرة ِ و الشكِ اللذين طغيا عليها طيلة الفترة التالية، لم تصر على معرفة ما علاقة تاي بجونغ...
في صبيحة اليوم التالي عدت إلى مكتب إدارة المصنع الرئيسي... لإتمام المهام المتبقية دون مرافقة من أحد... يومها وقفت أتأمل صورتـَي جونغ وابيه قليلا ... و ابتسمتُ ابتسامة النصر...
ها هي يا جونغ ثروتك الضخمة... تصبح بين يدي... و المصنع الذي كنت تتباهى به و تطلب منّي العمل فيه ساخرا... أصبحت ُ أنا سيّده...
يا للأقدار...
بعدها أمرت بنزع الصورتين و علّقت عوضا عنهما لوحات ٍ لمناظر طبيعية... و أخذت أتصرّف و كأنني سيّد المكان و مالكه.. و من الخزانة الرئيسية للأموال المتداولة، و ما أكثرها، أخذت ُ مبلغا كبيرا كنا أنا و سيلا قد اتفقنا على سحبه لتغطية بعض المصاريف... أما عن أوّل شيء خطر ببالي آنذاك، فهو إعادة المبلغ الذي استلفته من صديقي سيهون قبل عام... و انطلاقا من هذا اليوم بدأت أتصرف في النقود بتصريح من سيلا و أدون و أراجع الحسابات و احتفظ بسجلات المصاريف و أطلعها عليها...
كان لا يزال أمامي وقت طويل حتى أتمكّن من وظيفتي الجديدة و رتّبت الأمور بحيث يظل المصنع تحت إدارة المشرف العام ذاته- السيد بارك- إلى أن أستلم المنصب بعد بضعة أسابيع... و السيد بارك بشهادة من سيهون و والده و المحامي ... و كان هو الساعي وراء تسليم الثروة للوريثة الوحيدة...
كانت خطّتنا تقتضي العودة بأهلي إلى المزرعة أولا... أما فكرة سيلا فكانت الزواج ثانيا! أما عن نفسي فأنا أريد تأجيل هذا الأمر... حتى إشعار آخر...
عندما عدت ُ إلى المنزل وقت الزوال... و دخلت من ثم إلى غرفة نومي، دهشت ! لقد كانت نظيفة و مرتبة و منظمة تماما كما كانت أيام الصبا... حين غادرتها ذاهبا إلى السجن... نظرت من حولي مبتهجا... ثم سمعت صوت سيلا مقبلا من ناحية الباب:
" هل أعجبتك ؟ "
التفت ُ إليها فإذا بي أراها مبتسمة مسرورة بما أنجزت...
قلت :
" عظيم ! لكن لابد أنّك أجهدت ِ نفسك كثيرا لإزالة أكوام الغبار ! "
" ساعدتني أمّي و لم تكن مهمّة صعبة ! "
أعدت النظر من حولي مسرورا... كل شيء يبدو نظيفا و منظما... بدأت أشم رائحة الماضي... و استعيد الذكريات...
هذا سريري الوثير... و هذا مكتبي القديم... و هذه مكتبتي الكبيرة... و هذه كتبي الدراسية و الثقافية ... مرصوصة إلى جانب بعضها البعض بكل شموخ... و كأن تسع سنين و أكثر لم تمض ِ على هجرها و إهمالها... ها هي تقف في أرففها معززة مكرمة من جديد !
فجأة... انتبهت ُ إلى شيء مهم...
اقتربت من المكتبة و وزعت نظراتي على جميع أجزائها ... ثم التفت إلى سيلا و سألت بقلق :
" أين الصندوق ؟ "
نظرت إلى سيلا بعدم فهم :
" أي صندوق ؟؟ "
قلت موضحا :
" صندوق الأماني ... اسطوانة ورقية مغطاة بالطوابع... كانت هنا "
و أشرت إلى الموضع الذي كنت قد تركته فيه ليلة أن أبت تاي فتحه...
بدا على سيلا الفهم فقالت :
" تقصد ذاك الشيء المجعّد البالي ؟ "
" نعم . أين هو ؟؟ "
كانت سيلا تنظر إلي باستغراب ثم قالت :
" رميتـُه ! "
دهشت... هتفت بانفعال :
" رميتـِه !! "
" نعم...ظننته قمامة و ... ... "
~~~~~~~
لم أتم جملتي ... إذ أن جونغكوك هتف غاضبا :
" أي قمامة ؟ لم فعلت ِ ذلك ؟؟ "
ثم خرج من الغرفة باحثا عنه و استخرجه من سلة المهملات !
بدا الموقف سخيفا لكنه أثار فضولي و دهشتي... سألته مستغربة :
" لم تحتفظ بشيء كهذا ؟؟ "
أجاب بحنق :
" إياك و لمسه ثانية يا سيلا... "
و لما رأى منّي نظرات الاستنكار عاد يقول بحدّة :
" إياك ... أتفهمين ؟ "
حقيقة أنا لم أفهم شيئا... لكن فضولي قد تفاقم خصوصا و أنا أراه ينفعل بهذا الشكل... ثم يعيد ذلك الشيء المجعد تماما إلى المكان الذي كان فيه !
استغرب ... ما أهمية علبة ورقية مجعدة مغطاة بطوابع طفولية قديمة ... لرجل في الثامنة و العشرين من عمره... على وشك إدارة أكبر مصنع في هذه المنطقة ؟؟
لابد أن أعرف...
في وقت لاحق، تسللت إلى غرفة جونغكوك خلسة و تناولت تلك العلبة... و تأملتها... اكتشفت وجود هذه الجملة مكتوبة عليها : ( صندوق الأماني ) ... و اكتشفت أنها تحوي فتحة صغيرة في أحد طرفيها و بأن في داخلها أوراق ما!
تملكني الفضول الشديد لفتح العلبة و معرفة محتواها... و ليتني فعلت! تذكرت تحذير جونغكوك و احتراما و طاعة لأوامره... تراجعت في آخر لحظة و أعدت العلبة إلى مكانها... لكن... ألا يتملككم الفضول مثلي لمعرفة... قصّة هذه العلبة ؟؟
و لو علمت قصّتها الآن... لتغيرت أمور كثيرة لم أدركها... إلا بعد زمن طويل...
~~~~~~~~~~
" متى ستتزوج ؟ "
سألني صديقي سيهون هذا السؤال بعد تناولنا العشاء في منزله... كان قد دعانا جميعا هو و زوجته للعشاء معهما تلك الليلة
كنت أداعب ابنه الصغير بين يدي... و أشعر ببهجة لا توصف! ما أجمل الأطفال و ما أمتع اللهو معهم ...!
أضاف معقبا :
" و نفرح بأطفالك يا جونغكوك ؟؟ "
ابتسمت ابتسامة واهية... و أنا أرى الفكرة أشبه بالحلم البعيد...
قلت :
" لا يزال الوقت مبكرا ! "
استنكر سيهون و قال :
" ها قد مضت فترة لا بأس بها على... "
و غض بصره و أضاف بصوت خافت :
" وفاة والديك.. "
انتفضت... و كأنني أسمع نبأ وفاة والدي ّ للمرة الأولى... و نظرت إلى سيهون الذي عاد ببصره إلي... تكسوني علامات الحزن المرير...
تنهّدت تنهيدة عميقة... فالذكرى التي لا يمكن أن تمحى... لا تزال تثير في صدري آلاما قاتلة...
الصوت المبهم البريء الذي انطلق من حنجرة الطفل الصغير بين يدي، كان هو ما جعلني أبعثر الذكرى الماضية و أعود للحاضر
" لم يئن الأوان بعد يا سيهون.. يجب أن أرتب أوضاعي و أوضاع عملي الجديد و حياتي الجديدة... و أوضاع سيلا... و تاي "
التزم سيهون الصمت لكني كنت أرى التساؤل يكاد ينسكب من عينيه...
قلت :
" تعرف... أصبحت المسؤولية الملقاة على عاتقي... كبيرة ... "
قال :
" ماذا عن شقيقك ؟ "
أجبت ببعض الأسى:
" لا يزال يقيم في الشمال ... و بعد موت والدي ّ... و أصبح تاي ضمن مسؤولياتي... أما هو... فقد طلب منّي ألا آتي به لزيارته ثانية..."
و استطرت ُ :
" و أنا... لا يمكن أن أتزوّج و تاي الصغير... تحت وصايتي "
ثم مسحت على رأس الصغير و ابتسمت بعذوبة و قلت و كأني أسر إليه:
" و حينما يكبر و يصبح كبير.. سوف أتزوّجه ! "
علت الدهشة وجه سيهون و قال فاغرا فاه :
" ماذا ؟؟!! "
ضحكت ضحكة خفيفة و أنا أضم صغير إلى صدري و أقول بمرح :
" إنها قدري يا سيهون ! و مهما ابتعد سيعود إلي ! "
لم يعلّق سيهون و لكنّه ظل في حيرة من أمري... و أنا واثق من أن عشرات الأسئلة المبهمة كانت تدور في رأسه آنذاك... و ربما تدور في رؤوسكم أنتم أيضا !
أما أنا فسأستمر في مداعبة الطفل الرائع...
سددت لصديقي الديون التي لحقت بي منذ خروجي من السجن... و شكرته كثيرا على الدعوة الممتعة و ودّعته على أمل اللقاء به بعد عودتي من المزرعة ذات يوم...
بعد ذالك كنا عائدين إلى المزرعة... و كان مشوار العودة أكثر ابتهاجا و مرحا و راحة من مشوار الحضور...
كان في رؤوسنا خطط كثيرة و أفكار عدّة و قطعنا الطريق و نحن نتداولها أعني بالرؤوس رأسي و رأس سيلا و الخالة أما رأس الصغير الجالس خلفي في صمت مغدق، لأعلم أي أفكار و خطط كانت تدور فيه !
دعوني أخبركم بأن تاي و سيلا لا يزالان متخاصمين منذ رمت الأولى الثانية بهاتفي المحمول ذلك اليوم... و لم تزد حقيقة ُ علاقة سيلا بجونغ... تاي إلا نفورا منها.... و يبدو أن وضع الخصام ناسبهما جدا و أراحهما من التصادم، و أراح رأسي أنا بالتالي من الصداع ! لكن إلى متى ...؟؟ كما و إن تاي على ما بدا منه قد تنازل عن جزء من دلاله و أحسن التصرّف طوال رحلة العودة... ألا يريبكم تصرفه هذا ؟؟ بقيه هادئ لأنه كان مطمئن إلى أنني سأعيده إلى خالته.... كما وعدته.. و كما نصحتني خالتي ليندا... من أجله هو...
كانت الأمور تسير بشكل هادئ جدا... و السعادة تغمر قلب سيلا ... أما أنا فبالرغم من سعادتي شعرت بقلق قهري... فالأقدار علّمتني ألا أفرط في الفرح بما بين يدي خشية مصائب المستقبل...
" دعنا نقيم حفلة كبيرة فور وصولنا يا جونغكوك... أريد أن يشاركني الجميع فرحتي هذه "
قالت سيلا ... فردّت أمها :
" زادك الرب فرحا و نعيما بنيّتي "
كنت ُ أراقب الشارع... و لم أعلّق ... فقالت الخالة ليندا :
" خيرا تفعلان إن تتزوجا مباشرة يا عزيزي... دعنا نتم الفرحة و نحتفل بالزواج ! "
تضايقت من حديثها.. فموعد زواجي مؤجل إلى أجل غير مسمى... كما و إن ذكرى وفاة والدي ّ لم تخمد نارها بعد...
قلت ُ مجاريا :
" سأفكر في الأمر لاحقا "
لماذا يلح علي الجميع بالزواج !؟؟ ألا يوجد رجل خاطب غيري في هذه البلاد ؟؟ و ظل الحديث عن زواجنا أنا و سيلا المسيطر على الأجواء لفترة من الزمن... أما تاي الصامت، فكلّما ألقيت عليه نظرة رأيته يسبح في بحر من الشرود ...
لقينا بعض العقبات في طريقنا خصوصا مع الشرطة... و كان التفتيش مشددا جدا على بعض الطرق و المداخل... و الوضع الأمني في تدهور مضطرد.. و كثيرا ما تحظر الرحلات إلى و من بعض المدن، جوا أو برا...
و أخيرا... وصلنا إلى المدينة المدمّرة... و أخيرا بدأ وجه تاي يتهلل و الابتسامة يرتسم على شفتيه.... وإن اقترنت بوجوم عام للمرأى المحزن... تعمّدت أن أسلك طريقا بعيدا عن بيتنا المحروق، خشية أن تقفز الذكريات المؤلمة من جديد إلى قلبينا فتدميهما...
عندما وصلت إلى بيت خاله تاي ، أوقفت السيارة و بقيت ساكنا لبعض الوقت...
استدرت إلى تاي فوجدته ينظر إلي ربما بنفاذ صبر... قال:
" هل أنزل ؟ "
قلت :
" تفضل... "
و سرعان ما خرج من السيارة و اتجه إلى بوابة المنزل يقرع الجرس...
" كم سنبقى ؟ "
التفت إلى سيلا التي طرحت السؤال و قلت :
" بعض الوقت... نلقي التحية و نسأل عن الأخبار "
" أرجوك جونغكوك لا تطل المكوث... نحن متعبون و نريد الوصول إلى المزرعة و النوم... "
كان الوقت آنذاك أوّل الليل و لا يزال أمامنا مشوار طويل حتى نصل إلى المزرعة...
عندما خرجنا من السيارة كانت البوابة قد فتحت و ظهر منها زوج خالته تاي و ابنه مرحبـَين...
و رغم ذلك لم تخل ُ نظراتهما إلي ّ من الريبة و الاتهام... و لابد أنكم تذكرون الطريقة التي غادرنا بها هذا المنزل قبل ذهابنا إلى لمدينة الساحلية...
اعتذرنا عن دعوة العشاء التي ألحت علينا عائلة لقبولها... متحججين بطول السفر... تاي بدى مرتاح و سعيد بلقاء أهلها كثيرا... منذ الطفولة و هو يحب خالته و عائلتها و كان سيربى في حضنها لولا أن الظروف المادية و العائلية لم تكن تسمح آنذاك...
و أخيرا حانت لحظة الفراق... كنت أدرك... أنني لم أكن لأتحمّل ذلك و لكنني أردت أن أحقق لتاي رغبته و أنجز وعدي ... بتركه مع خالته لبضعة أيام...
قبيل انصرافي طلبت منه مرافقتي لجلب أغراضه من السيارة و كان قصدي أن أتحدّث معه منفردين...
حملت ُ حقيبتـَي سفره الصغيرتين إلى داخل السور الخارجي لحديقة المنزل و وضعتهما على مقربة و توقفت ... و التفت إلى تاي ...
كان يسير إلى جواري... يسبقني بخطوتين أو ثلاث... حاملً كيسا...
ناديته :
" تاي "
التفت نحوي و توقف عن السير...
ترددت ُ قليلا ثم قلت:
" تاي.. تعلم أنه... أنني ... ما كنت ُ لأتركك لولا إلحاحك الشديد بالبقاء هنا و لو تـُرك الأمر لي ... لأخذتك و عدنا جميعا إلى المزرعة... "
تاي نظر إلى الأرض...
قلت متعلقا بأمل أخير :
" هل هذه رغبتك فعلا يا تاي؟؟ "
و هز رأسه إيجابا... لم يكن باستطاعتي إلا أن أنفّذ هذه الرغبة من أجله هو...
قلت :
" حسنا... لكن... في أي لحظة تبدل فيها رأيك و مهما كان أعلمني فورا..."
نظر إلي نظرة شبه مشككة فقلت :
" و سآتي لأخذك في الحال... أتعدني بذلك ؟ "
كأنه تردد لكنه أخيرا قال:
" سأفعل "
قلت مؤكدا :
" اتصل بي في أي وقت... و متى ما احتجت لأي شيء... سأترك هاتفي المحمول مفتوحا على مدار الساعة... لا تتردد لحظة ... أتعدني بذلك يا تاي ؟؟ "
ارتسمت علامة غريبة المعنى على وجهه... أهي ابتسامة ؟ أم هو حزن؟ ... أهو رضا ... أم غضب ؟؟ أهي راحة أم ندم ؟؟ لست أدري...
" عدني يا تاي ؟ "
" أعدك... "
شعرت بالطمأنينة لوعده... ثم قلت :
" سأجلب شيئا... انتظر... "
و حثثت الخطى خارجا إلى السيارة، حيث استخرجت ظرفا يحوي أوراقا مالية كنت قد أعددته من أجل تاي...
عدت إليه فوجدته لا يزال عند نفس الموضع و على نفس الوضع... اقتربت ُ منه و مددت ُ إليه بالظرف قائلا:
" احتفظ بهذا لك "
سألني :
" ما هذا ؟ "
" إنها بعض اموال... انفق منها كيفما شئت و إذا ما نفذت فابلغني "
تاي طأطأ برأسه و نظراته ربما حرجا ... فهو المرة الأولى التي أقدّم فيها إليه ظرفا ماليا...
" تفضل يا تاي "
و لكنه لم ببادر بأخذه !
قلت مازحا :
" هيا صغيري ! لا يجب أن يشعر الفتى بالخجل من أبيه! "
هنا نظر إلي تاي بسرعة و المزيج المرتسم على وجهه حاو ٍ على الدهشة و الضحك و الاستنكار معا !
تشجّع و مدّ يده أخيرا و أخذ الظرف !
ابتسمت ُ مشجعا و قلت :
" اتصل بي إذا احتجت المزيد ... و لا تنتظر شيئا من الآخرين أو تعتمد عليهم ... أتعدني بذلك يا تاي ؟ "
هزّ رأسه إيجابا ...
و وضع الظرف داخل الكيس... و استدار متابع طريقه نحو المنزل...
و هو يبتعد... و أنا أشعر بأشياء تتمزّق في داخلي... أشعر بأن حزمة كبيرة من الأعصاب الحسية كانت تربط فيما بيننا... و مع ابتعاده أخذت تتقطع عصبا عصبا ... و تحدث في قلبي ألما فظيعا مهلكا...
كيف أطاعني قلبي... مددت يدي محاولا الإمساك بذرات الهواء التي تبعته... و عادت إلي يدي خالية الوفاض...
هتفت :
" تاي ... "
توقف ْ و استدار ْ نحوي... فحال الظلام دون رؤية عينيه... أو ربما حال دون ذلك... عبرة ولدت للتو... من أعماق عيني...
حملت ُ الحقيبتين و أقبلت ُ نحوه فلما أصبحت ُ قربه قلت :
" اعتني بنفسك جيدا ... يا صغيري... "
تاي... ربما تفهم قلقي و رأى في وجه ما لم نستطع لا أنا و لا الظلام إن نخفيه... ابتسم ْ و قال مطمئن:
" اطمئن يا جونغكوك... سأكون بخير... وسط أهلي"
و هبط ببصره للأسفل و نظر إلى الكيس الذي كان بحمله مشير إلى ظرف النقود و أضاف بصوت خافت كالهمس:
" شكرا... بابا جونغكوك !! "
ثم استدار و أسرع نحو الداخل !
آه يا تاب !
أتسخر منّي ؟؟
ليتك تعلم كيف أشعر تجاهك... !
آه لو تعلم !
فيما بعد... و نحن نهم ّ بالمغادرة... وجهت كلامي لأم جين موصيا:
" أرجو أن... تعتنوا بتاي جيدا... و إن احتجتم لأي شيء فأبلغوني"
" لا داع لأن توصيني بابني يا جونغكوك... سافر مطمئنا "
" شكرا يا خالتي... سأعود قريبا... أرجوك... ارعي الصغير "
الجميع بدأ يتبادل النظرات إن سرا أو علنا... إن تضامنا أو استنكارا... و لكنني واصلت سرد وصاياي حتى آخر لحظة
بعد ذلك... و أنا أغادر البوابة الخارجية ألقيت النظرة الأخيرة على تاي...
أنت تقرأ
YOU ARE MIN
Romance،شعرت بشيء يسيل على خدي رغما عني بكيت من الذعر و الخوف ... و الحيرة و الدهشة ... لا أعرف كيف سيكون لقاؤنا التالي ... لم يعد هذا جونغكوك ! جونغكوك لم يكن يصرخ في وجهي و يقول : " انصرف " كان دائما يبتسم و يقول : " تعال يا تاي !! " " لن أصدّق.. إنك...